بل هو دعاء لله ان يحسن خاتمته ويتوفاه على الاسلام. كما يسأل العبد ربه ذلك في كل وقت ومنها ما من الله به على يوسف من حسن عفوه عن اخوته المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السادس. ومن ذلك ان يوسف صلى الله عليه وسلم جمع لهم بين تعبير رؤيا الملك وبينما ينبغي لهم ان يفعلوه ويدبروه في سنين الخصب. للاستعداد لسنين الجدب وحين قال له الملك انك اليوم لدينا مكين امين اي تتمكن من امور المملكة وتدابيرها مفوض اليه الامور لامانته وكفاءته وكمال الثقة به. فالملك هو الذي ابتدأ توليته وتفويض الامور اليه وهو الذي اقترح ان يكون على خزائن الارض وجبايتها وتصريفها لاجل عموم بالمصلحة. ولهذا قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم. اي احفظ الحاصلات والغلات واعلم كيف يتم تصريفها وتدبيرها فحينئذ اعتنى في سنين الخصب بالزروعات الهائلة وجباها في مخازنها في سنبلها. واجتهد في الاقتصاد في اكلهم ايام السنين الخصيبة. لتتوفر الغلال ويكون لها النفع العام فحين جاءت السنون المجدبات وعم الجدب للاقطار المصرية وما جاورها وثني ما عند الناس جعلوا يقصدون مصر من كل جهة. فجعل يكيل لهم كيل العدل والاقتصاد بحسب الحاجة لا يزيد كل واحد عن حمل البعير خوفا من ان يجتاحه المحتكرون ويحصل الضرر على المحتاجين المعوزين. ولهذا من جملة ما عالج اخوة يوسف اباهم لارسال بنيامين معهم ان قالوا ونزداد كيل بعير. اي اذا كان معنا حصل لنا زيادة كيل بعير. لان عائلة يعقوب كثيرون يحتاجون الى كثيرة فحصل لهذه الاعمال الجليلة على يد يوسف نفع للخلق عظيم. وازالة ضرورات ودفع حاجات وتهوين للشدات والكربات ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن الرسل. وقررتها هذه الشريعة بقول يوسف الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين. ومنها ان استعمال الاسباب الواقية من العين او غيرها غير ممنوع بل جائز ومستحب بحسب حاله. وان كانت جميع الامور بقضاء الله وقدره. لكن الاسباب الواقية او الدافعة من قضاء الله وقدره. بشرط ان يفعلها العبد وهو معتمد على مسببها. لان يعقوب عليه السلام حين اراد ان يوصي بنيه لما ارسل بنيامين معهم قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغني عنكم من الله من شيء. ان الحكم الا لله. عليه توكلت واخبر تعالى انه امتثلوا امر ابيهم. وان هذا الامر لم يغني شيئا الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وهو شفقة الوالد على اولاده. والشريعة جاءت باثبات الاسباب النافعة الدينية والدنيوية. والحث عليها مع الاستعانة بالله كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ومنها جواز استعمال الحيل والمكايد التي يتوصل بها الى حق من الحقوق الواجبة والمستحبة او الجائزة كما تعمل يوسف ذلك مع اخيه حيث وضع السقاية في رحل اخيه ثم اذن مؤذن بعد رحيلهم. ايتها العير انكم لسارقون. الى قوله فبدأ باوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه كذلك كدنا ليوسف. ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك فعمل مع اخيه هذا العمل ليتوصل به الى بقائه عنده من غير شعور منهم. فلما تقرر عندهم انه هو الذي اخذ الصواع استفتاهم عن حكم السارق في دينهم. فقالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين. اي جزاء السارق ان يتملكه المسروق منه. فحكموا على انفسهم هذا الحكم. الذي والمقصود ليوسف ولو اجرى عليه حكم ملك مصر لكان له حكم اخر فيسر الله هذا العمل وهذا الحكم ليبقى اخوه عنده. فالحيل التي على هذا النوع لا حرج فيها. وانما المحرم الحيل والمكايد التي يتوصلوا بها الى احلال المحرمات او اسقاط الواجبات ومنها استعمال المعاريض عند الحاجة اليها. فان في المعاريض ممدوحة عن الكذب وذلك من وجوه منها قوله ثم استخرجها من وعاء اخيه ولم يقل سرقها كذلك قوله معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا. واذا قيل ان هذا هذا اتهام للبريء قيل انما فعل ذلك باذن اخيه ورضاه واذا رضي زال المحذور ومنها ان الانسان لا يحل له ان يشهد الا بما يعلم. وما شهدنا الا بما علمنا. وان العلم يحصل باقرار التاني على نفسه وبوجود المسروق ونحوه معه وفي يده او رحله ومنها ان وجود المسروق بيد السارق بينة وقرينة على انه السارق. ولذلك حكم وحكموا على اخي يوسف حكم السارق ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام حيث قضى بالفراق بينه وبين يوسف هذه المدة الطويلة التي يغلب على الظن انها تبلغ ثلاثين سنة فاكثر من ذلك انه بقي مدة في بيت العزيز قبل السجن في الامكان. او تكون من سبع السنين الى العشر او نحو ذلك على وجه والحذر ثم مكث بضع سنين في السجن والاكثر انها سبع سنين ثم بعد خروجه دخلت السبع السنين المخصبات فهذه نحو احدى وعشرين سنة ثم دخلت السبع المجدبات ردد اخوة يوسف اليه مرات والظاهر ان اللقاء كان في اخرها فهذه تقارب الثلاثين ونحوها. وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه. وهو دائم البكاء. حتى ابيضت عيناه من حزن وفقد بصره وهو صابر لامر الله محتسب الثواب عند الله. قد وعد من نفسه الصبر. ولا شك انه وفى بذلك ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر وانما ينافي الصبر الشكوى الى المخلوق ومنها ان الفرج مع الكرب. فانه لما اشتد الكرب بيعقوب وقال يا اسفا على يوسف قال يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون وهم حين دخلوا على يوسف وقفوا بين يديه موقف المضطر فقالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة اي قليلة حقيرة لا تقع الموقع فاوفي لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين فحينئذ لما بلغ الضر منتهاه من كل وجه عرفهم بنفسه وحصل بذلك البشارة الكبرى لابويه واخوته واهلهم. وزال عنهم الضر والبأساء وخلفه السرور والفرح والرخاء ومنها ان الله يبتلي انبيائه واصفيائه بالشدة والرخاء والسرور والحزن. واليسر والعسر ليستخرج منهم نيته في الحالين. بالشكر عند الرخاء والصبر عند الشدة والبلاء فتتم عليهم بذلك النعماء كما ابتلى يعقوب ويوسف. وكذلك غيرهم من انبيائه واصفيائه ومنها جواز اخبار الانسان بما يجد وما هو فيه من مرض او فقر او غيرهما على غير وجه التسخط لقول اخوة يوسف مسنا واهلنا الضر واقرهم يوسف على ذلك ومنها فضيلة التقوى والصبر وان كل خير في الدنيا والاخرة فمن اثارهما. وان عاقبة اهلهما احسن العواقب. لقوله قدمن الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين وان اخبار العبد من نفسه بحصول التقوى والصبر اذا كان صدقا وفي ذلك مصلحة من باب التحدث بنعمة الله قال الله تعالى واما بنعمة ربك فحدث هي تشمل نعم الدنيا ونعم الدين. وان الله يجمع للمتقين بين خير الدنيا والاخرة. كما في هذه الاية الاية السابقة وهي قوله نصيب برحمتنا من نشاء. ولا نضيع اجر المحسنين. ولا اجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون وانه ينبغي للعبد ان يتذكر في حال الرخاء والسرور حالة الحزن والشدة ليزداد شكره وثناؤه على الله لهذا قال يوسف وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ومنها انه ينبغي للعبد ان يتضرع الى الله دائما في تثبيت ايمانه. ويعمل الاسباب لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة. ويتوسل بنعمه الحاصلة الى ربه ان يتمها عليه ويحسن له العاقبة كما قال يوسف صلى الله عليه وسلم رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين وليس هذا من يوسف تمنيا للموت كما ظنه بعضهم وانه عفا عما مضى ووعد في المستقبل الا يثرب عليهم ولا يذكر منه شيئا. لانه يجرحهم ويحزنهم وقد ابدوا الندامة التامة ولاجل هذا قال من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ولم يقل من بعد نزغهم بل اضاف الفعل الى الشيطان الذي فرق بينه وبين اخوته وهذا من كمال الفتوة وتمام المروءة ومنها ما في هذه القصة العظيمة من البراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قصها على الوجه المطابق هو لم يقرأ من الكتب السابقة شيئا ولا جالس من له معرفة بها. ولا تعلم من احد ان هو الا وحي اوحاه الله اليه. ولهذا قال تلك من انباء الغيب نوحيها اليك. ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا كما ذكر الله هذا المعنى في قصة موسى وغيره من الانبياء. لان الغيوب نوعان امور سابقة قد اندرس علمها نبأه الله بها وامور مستقبلة قد نبأه الله بها قبل ان تقع فوقعت. ولا تزال تقع شيئا بعد شيء مطابقة لما اخبر به صلى الله عليه وسلم في كتاب الله وفي سنة رسوله وكلها براهين على رسالته