المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عن انس رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله اشد فرحا بتوبة عبده حيث يتوب اليه من احدكم كان اعلى راحلته بارض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه. فايس منها فاتى شجرة فاضطجع في ظلها قد ايس من راحلته فبينما هو كذلك اذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها فقال من شدة الفرح اللهم انت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح اخرجاه. هذا الحديث عظيم يدل على سعة رحمة الله وجوده. وعلى رحمته ورأفته الخاصة بالادمي. وانه انه من احسانه ومحبته تعالى لاستقامة عبده. يفرح اذا تاب ورجع اليه هذا الفرح. الذي ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل الذي لا يمكن ان يوجد فرح يتصور ابلغ منه. حيث فقد هذا الرجل الذي انفلتت منه راحلته اسباب حياته. والارض فلاة لا يرجو من يستنقذه مما هو فيه. فاضطجع ينتظر الموت ولا يشك فيه. لفقد اسباب الحياة كلها. فبينما هو كذلك اذ راحلته قائمة عند رأسه فاخذ بخطامها وايقن بالحياة والنجاة دفعة واحدة. فانتقل من اليأس الكامل الى الامن التام لا يتصور فرح اعلى من هذا. ومع هذا فالرب فرحه بتوبة عبده اشد من هذا الفرح. وهو جل جلاله لا ينتفع بطاعة الطائف وانما نفعها عائد اليهم. فهذا برهان على انه تبارك وتعالى لم يخلق الخلق الا ليتم عليهم نعمته. بقيامهم اولا ثم بنيلهم غاية كرامته اخرا. فانه يحب التوابين ويحب القائمين بعبوديته ظاهرا وباطنا. فاذا رجع عبده من ولاية الشيطان الى ولايته. ومن خروجه الى مساخطه الى رجوعه الى محابه. احب الله ذلك منه محبة شديدة مع غناه التام عنه. وفي هذا من البشارة والرجاء ما لا يمكن التعبير عنه. وفيه حث للعباد الى رجوعهم الى ربهم كل وقت. فان في ذلك صلاح وفلاحهم وسعادتهم العاجلة والآجلة. وفي هذا الحديث اثبات محبة الله لعباده المؤمنين. وفرحه بتوبة التائبين. وسواء كان من الكفر الى الاسلام او من المعصية الى الطاعة. فانه الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم. وهذا من اثار رحمته ورأفته وكرمه الخاص. اللهم ادخلنا برحمتك الخاصة في جملة عبادك الصالحين. وفيه دليل ان الكلام الذي يصدر من الانسان بلا قصد بل خطأ لا اثم عليه. فهذا الرجل لو اراد ان يشكر ربه ويثني عليه بهذه النعمة العظمى. ويريد ان يقول اللهم انت ربي وانا عبدك. فاخطأ الصواب في لفظه فلم يؤاخذ بما قال وفي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب الراحلة الموصوفة بتلك الصفات فائدة جليلة. وهو ان الطعام والشراب وتوابعها والركوب فهي زاد السفر الحسي. فكذلك التقوى والقيام بعبودية الله زاد السفر المعنوي. زاد الاخرة. وكما ان فقد الطعام والشراب وتوابعها يؤدي الى التلف والهلاك ووجودها به تحصل الحياة. فكذلك فقد التقوى بالاصرار على المعاصي يؤدي الى الهلاك والشقاء. والتوبة منها والرجوع الى الله هو طريق حياة القلب وحياة الدنيا والاخرة. وفي هذا الحديث ايضا اكبر دليل على ان الله عز وجل ارحم بعباده من الوالدين الارحم بهم من انفسهم وعلى ان محبة الله غير مشيئته. فالله تعالى يحب التوابين والمؤمنين والصالحين. ومشيئته متعلقة بكل شيء وعلى انه تعالى بين لعباده طريق الخير وطريق الشر. ورغبهم في الخير ورهبهم من الشر. وجعل افعالهم تابعة لارادتهم واختيارهم فليس لاحد على الله حجة لكنه تعالى جعل لهدايته اسبابا من سلكها هداه وزاده هدى وايمانا ولاضلاله اسبابا من اختارها نفسه ولاه ما تولى لنفسه ولم يوفقه للهداية لكمال حكمته تعالى. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وقال تعالى الا ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وقال سبحانه فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم