شهادة الله بل نؤديها على ما سمعناها. انا اذا اي ان كتمناها لمن الاثمين فان عثر على انهما اي الشاهدين استحقا اثما بان وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وان كان لهاتين المصلحتين مصلحة الدين بان تكون اية باقية ومصلحة الدنيا وهي ان تكون رزقا قال الله اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم تعذبه عذابا لا اعذبه احدا من العالمين. لانه شاهد الاية الباهية المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ثم قال تعالى لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقرا ذلك بان منهم قسيسين يقول تعالى في بيان اقرب الطائفتين الى المسلمين والى ولايتهم ومحبتهم وابعدهم من ذلك. لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا. فهؤلاء الطائفة الثاني على الاطلاق اعظم الناس معاداة للاسلام والمسلمين. واكثرهم سعيا في ايصال الضرر اليهم. وذلك لشدة بغضهم لهم بغيا وحسدا وعنادا وكفرا وذكر تعالى لذلك عدة اسباب منها ان منهم قسيسين ورهبانا اي علماء متزهدين وعبادا في متعبدين والعلم مع الزهد. وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه. ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة. فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين. ومنها انهم لا يستكبرون. اي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق. وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم. فان المتواضع اقرب الى الخير من المستكبر. ومنها انهم اذا سمعوا ما انزل الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له وفاضت اعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه. فلذلك امنوا واقروا به فقالوا ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين. وهم امة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله وصحة ما جاءوا به. ويشهدون على الامم السابقة بالتصديق والتكذيب. وهم عدول شهادتهم مقبولة. كما قال الله تعالى كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكأنهم ليموا على ايمانهم ومسارعتهم فيه فقالوا ربنا مع القوم الصالحين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. اي ما الذي يمنعنا من الايمان بالله؟ والحال انه قد جاءنا الحق من ربنا. الذي لا يقبل الشك والريب ونحن اذا امنا واتبعنا الحق طمعنا ان يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين. فاي مانع يمنعنا اليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للايمان وعدم التخلف عنه. قال الله تعالى فاثابهم الله بما قالوا خالدين فيها فاثابهم الله بما قالوا اي بما تفوهوا به من الايمان ونطق به من التصديق بالحق. جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. وذلك جزاء المحسنين. وهذه الايات نزلت في النصارى الذين صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وغيره ممن امن منهم وكذلك لا يزال يوجد فيه من يختار دين الاسلام ويتبين له بطلان ما كانوا عليه. وهم اقرب من اليهود والمشركين الى دين الاسلام. ولما ذكر ثواب المحسنين ذكر عقاب المسيئين. قال والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب الجحيم لانهم كفروا بالله وكذبوا باياته المبينة للحق يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيباتنا احل الله لكم ولا تعتلوا ان الله لا يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم من المطاعم والمشاكل اقترب فانها نعم انعم الله بها عليكم. فاحمدوه اذ احلها لكم واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها او عدم قبولها. او اعتقاد في تحريمها فتجمعون بذلك بين القول على الله الكذب. وكفر النعمة واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا. فان هذا من الاعتداء والله قد نهى عن الاعتداء فقال ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك. ثم امر بضد ما عليه المشركون الذين يحرمون ما احل الله. فقال واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيب اي كونوا من رزقه الذي ساقه اليكم بما يسره من الاسباب اذا كان حلالا لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من انواع الاموال التي تؤخذ بغير حق. وكان ايضا طيبا وهو الذي لا خبث فيه. فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث. واتقوا الله في اوامره واجتناب نواهيه. الذي انتم به مؤمنون. فان ايمانكم بالله يوجب عليكم تقواه. ومراعاة حقه. فانه لا يتم الا فبذلك ودلت الاية الكريمة على انه اذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وسرية وامة ونحو ذلك فانه لا يكون حراما بتحريمه لكن لو فعله فعليه كفارة يمين. كما قال الله تعالى يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك؟ الا ان تحريم فيه كفارة ظهار ويدخل في هذه الاية انه لا ينبغي للانسان ان يتجنب الطيبات ويحرمها نفسه بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم. اي في ايمانكم التي صدرت على وجه اللغو. وهي الايمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد او عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. اي بما عزمتم عليه. وعقدت عليه قلوبكم كما قال في الاية الاخرى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم. فكفارة اطعام عشرة مساكين من اوسط ما طعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فكفارته اي كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم اطعام عشرة مساكين. وذلك الاطعام من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم. اي كسوة عشرة مساكين. والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة او تحرير رقبة اي عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع. فمتى فعل واحدة من هذه الثلاثة؟ فقد انحلت يمينه فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا اي فمن لم يجد واحدة من هذه الثلاثة فصيام ثلاثة ايام. ذلك المذكور كفارة ايمانكم اذا حلفتم تكفرها وتمحوها وتمنع من الاثم. واحفظوا ايمانكم عن الحلف بالله كاذبا وعن كثرة الايمان. واحفظوها اذا حلفتم عن الحنث فيه الا اذا كان الحنث خيرا. فتمام الحفظ ان يفعل الخير ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون. كذلك يبين الله لكم اياته المبينة الحلال من الحرام الموضحة للاحكام لعلكم تشكرون الله حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فعلى العباد شكر الله تعالى على ما من به عليهم من معرفة الاحكام الشرعية وتبيينها يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصار والازلام رجس من عمل الشيطان والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن يذم تعالى هذه الاشياء القبيحة ويخبر انها من عمل الشيطان وانها فاجتنبوه اي اتركوه لعلكم تفلحون. فان الفلاح لا يتم الا بترك ما حرم الله. خصوصا هذه الفواحش المذكورة وهي امر وهي كل مخامر العقل اي غطاه بسكره والميسر وهو جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين كالمراهنة ونحوها الانصاب التي هي الاصنام والانداد ونحوها. مما ينصب ويعبد من دون الله. والازلام التي يستقسمون بها. فهذه الاربعة نهى الله عنها وزجر واخبر عن مفاسدها الداعية الى تركها واجتنابها. فمنها انها رجس اي خبث نجس معنى وان لم تكن نجسة حس والامور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس باوظارها. ومنها انها من عمل الشيطان الذي هو اعدى الاعداء للانسان ومن المعلوم ان العدو يحذر منه. وتحذر مصايده واعماله. خصوصا الاعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه. فان فيها هلاكة فالحزم كل الحزم. البعد عن عمل العدو المبين. والحذر منها والخوف من الوقوع فيها. ومنها انه لا يمكن الفلاح للعبد الا باجتنابها فان فلاح هو الفوز المطلوب المحبوب. والنجاة من المرهوب. وهذه الامور مانعة من الفلاح. ومعوقة له ومنها ان هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس. والشيطان حريص على بثها خصوصا الخمر والميسر. ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء فان في الخمر من انغلاق العقل وذهاب حجاه ما يدعو الى البغضاء بينه وبين اخوانه المؤمنين. خصوصا اذا اقترن بذلك من السباب بما هو من لوازم شارب الخمر. فانه ربما اوصل الى القتل. وما في الميسر من غلبة احدهما للاخر. واخذ ما له الكثير في غير مقابلة ما هو من اكبر الاسباب للعداوة والبغضاء؟ ومنها ان هذه الاشياء تصد القلب ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة خلق لهما العبد وبهما سعادته. فالخمر والميسر يصدانه عن ذلك اعظم صد. ويشتغل قلبه ويذهل لبه في الاشتغال بهما حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري اين هو. فاي معصية اعظم واقبح من معصية تدنس صاحبها؟ وتجعله من اهل الخبث توقعه في اعمال الشيطان وشباكه. فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها. وتحول بين العبد وبين فلاحه. وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة. فهل فوق هذه المفاسد شيء اكبر منها؟ ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها عرضا بقوله فهل انتم منتهون؟ لان العاقل اذا نظر الى بعض تلك المفاسد انزجر عنها وكفت نفسه ولم يحتج الى وعظ ولا زجر بليغ واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على طاعة الله وطاعة رسوله واحدة. فمن اطاع الله فقد اطاع الرسول من اطاع الرسول فقد اطاع الله. وذلك شامل للقيام بما امر الله به ورسوله من الاعمال. والاقوال الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه. والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك. وهذا الامر اعم الاوامر فانه كما ترى يدخل يقول فيه كل امر ونهي ظاهر وباطن. وقوله واحذروا اي من معصية الله ومعصية رسوله. فان في ذلك الشر والخسران المبين فان توليتم عما امرتم به ونهيتم عنه فاعلموا ان ما على رسولنا البلاغ المبين. وقد ادى ذلك فان اهتديتم فلانفسكم ان اسأتم فعليها والله هو الذي يحاسبكم. والرسول قد ادى ما عليه وما حمل به ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا اذا ما اتقوا وامنوا لما نزل تحريم الخمر والنهي الاكيد والتشديد فيه تمنى اناس من المؤمنين ان يعلموا حال اخوانهم الذين ماتوا على الاسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها فانزل الله هذه الاية. واخبر تعالى انه ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح اي حرج واثم فيما طعموا من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها. قيد ذلك بقوله ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات. اي بشرط انهم تاركون للمعاصي. مؤمنون بالله ايمانا صحيحا. موجبا لهم عمل الصالحات. ثم استمروا على ذلك والا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون اخر. فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه اجله. ويدوم على احسانه فان الله يحب المحسنين في عبادة الخالق. المحسنين في نفع العبيد. ويدخل في هذه الاية الكريمة. من طعم المحرم او فعل غيره بعد التحريم ثم اعترف بذنبه وتاب الى الله واتقى وامن وعمل صالحا. فان الله يغفر له. ويرتفع عنه الاثم في ذلك يا ايها الذين امنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله ايديكم ورما فمن اعتدى بعد ذلك ذلك فله عذاب اليم. هذا من منن الله على عباده ان اخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا يطيعوه ويقدموا على بصيرة. ويهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا بد ان كبر الله ايمانكم ليبلونكم الله بشيء من الصيد اي بشيء غير كثير فتكون محنة يسيرة تخفيفا منه تعالى ولطفا وذلك كالصيد الذي يبتليكم الله به تناله ايديكم ورماحكم اي تتمكنون من صيده ليتم بذلك الابتلاء لا غير مقدور عليه بيد ولا رمع فلا يبقى للابتلاء فائدة. ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء فقال ليعلم الله علما ظاهرا للخلق. يترتب عليه الثواب والعقاب من يخافه من غيب فيكف عن ما نهى الله عنه مع قدرته عليه وتمكنه. فيثيبه الثواب الجزيل ممن لا يخافه بالغيب. فلا ابتدع عن معصية تعرض له فيصطاد ما تمكن منه. فمن اعتدى منكم بعد ذلك البيان الذي قطع الحجج واوضح السبيل فله عذاب اليم اي مؤلم موجع لا يقدر على وصفه الا الله. لانه لا عذر لذلك المعتدي. والاعتبار بمن يخافه بالغيب وعدم حضور الناس عنده واما اظهار مخافة الله عند الناس فقد يكون ذلك لاجل مخافة الناس فلا يثاب على ذلك. ثم صرح بالنهي عن قتل الصيد في حال فقال اي محرمون في الحج والعمرة والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل. وعن المشاركة في القتل والدلالة عليه. والاعانة على قتله. حتى ان من تمام انه ينهى المحرم عن اكل ما قتل او صيد لاجله. وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم. انه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالا انه قبل الاحرام وقوله بالغ الكعبة ومن عاد الله عزيز ومن قتله منكم متعمدا اي قتل صيدا عمدا فعليه مثل ما قتل من النعم اي الابل او البقر او الغنم فينظر ما يشبه شيئا من ذلك فيجب عليه مثله. يذبحه ويتصدق به والاعتبار بالمماثلة ان يحكم به ذوى عدل منكم اي عدلان يعرفان الحكم ووجه الشبه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث قضوا بالحمامة شاة وفي النعامة بدنة وفي بقر الوحش على اختلاف انواعه بقرة وهكذا كل ما يشبه شيئا من النعم ففيه مثل فان لم يشبه شيئا ففيه قيمته كما هو القاعدة في المتلفات. وذلك الهدي لا بد ان يكون هديا بالغ الكعبة. اي يذبح في الحرم او كفارة طعام مساكين. اي كفارة ذلك الجزاء. طعام مساكين. اي يجعلوا مقابلة المثل من النعم. طعام يطعم المساكين. قال كثير من العلماء يقوم الجزاء فيشتري بقيمته طعام. فيطعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غيره. او عدل ذلك الطعام صيام ان يصوموا عن اطعام كل مسكين يوما ليذوق بايجاب الجزاء المذكور عليه وبال امره. ومن عاد بعد ذلك فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام. وانما نص الله على المتعمد لقتل الصيد. مع ان الجزاء يلزم المتعمد والمخطئ كما هو القاعدة الشرعية ان المتلف للنفوس والاموال المحترمة فانه يضمنها على اي حال كان. اذا كان اتلافه بغير حق. لان الله رتب عليه الجزاء ان انتم ضربتم في الارض اي سافرتم فيها فاصابتكم مصيبة الموت اي فاشهدوهما ولم يأمر بشهادتهما الا لان قول لهما في تلك الحال مقبول. ويؤكد عليهما بان يحبسا من بعد الصلاة التي يعظمونها. فيقسمان بالله انهما صدقا. وما والعقوبة والانتقام. وهذا للمتعمد. واما المخطئ فليس عليه عقوبة. انما عليه الجزاء. هذا جواب الجمهور من هذا القيد الذي ذكره الله وطائفة من اهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد وهو ظاهر الاية. والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والاموال. في هذا الموضع الحق فيه لله. فكما لا اثم لا جزاء لاتلافه نفوس الادميين واموالهم. ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري استثنى تعالى الصيد البحري فقال واتقوا الله الذي اليه تحشرون احل لكم صيد البحر وطعامه. اي احل لكم في حال احرامكم صيد البحر. وهو الحي من حيواناته وطعامه وهو الميت منها فدل ذلك على حل ميتة البحر. متاعا لكم وللسيارة. اي الفائدة في اباحته لكم انه لاجل انتفاعكم وانتفاع رفقتكم الذين يسيرون معكم. ويؤخذ من لفظ الصيد انه لابد ان يكون وحشيا. لان الانسية ليس بصيد ومأكول فان غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد واتقوا الله الذي اليه تحشرون. اي اتقوهم بفعل ما امر به ترك ما نهى عنه واستعينوا على تقواه بعلمكم انكم اليه تحشرون. فيجازيكم هل قمتم بتقواه فيثيبكم الثواب الجزيل لم تقوموا بها فيعاقبكم ذلك لتعلموا ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض. وان الله بكل يخبر تعالى انه جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس. يقوم بالقيام بتعظيمه دينهم ودنياهم فبذلك يتم اسلامهم وبه تحط اوزارهم وتحصل لهم بقصده العطايا الجزيلة والاحسان الكثير وبسببه تنفق الاموال وتتقحم من اجله الاهوال. ويجتمع فيه من كل فج عميق جميع اجناس المسلمين. فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض. ويتشاورون من المصالح العامة وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية. قال الله تعالى ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام. ومن اجل كون البيت قياما للناس. قال من قال من العلماء ان حج بيت الله فرض كفاية في كل سنة فلو ترك الناس حجه لاثم كل قادر. بل لو ترك الناس حجه لزال ما به قوامهم. وقامت القيامة. وقوله والهدي والقلائد اي وكذلك جعل الهدي والقلائد التي هي اشرف انواع الهدي. قياما للناس ينتفعون بهما ويثابون عليهما ذلك لتعلموا ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض. وان الله بكل شيء عليم فمن علمه ان جعل لكم هذا البيت الحرام لما يعلمه من مصالحكم الدينية والدنيوية اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم. اي ليكن هذان العلمان موجودين في قلوب بكم على وجه الجزم واليقين. تعلمون انه شديد العقاب العاجل والاجل على من عصاه. وانه غفور رحيم لمن تاب اليه واطاعه. فيثمر لكم هذا العلم الخوف من عقابه. والرجاء لمغفرته وثوابه. وتعملون على ما يقتضيه الخوف والرجاء. ثم قال تعالى ما على الرسول الا البلاغ وقد بلغك ما امر وقام بوظيفته وما سوى ذلك فليس له من الامر شيء. والله يعلم ما تبدون وما تكتمون. فيجازيكم بما يعلمه انا منكم قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبير فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم تفلحون. اي قل للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير. لا يستوي الخبيث والطيب من كل شيء. فلا يستوي الايمان والكفر ولا الطاعة والمعصية. ولا اهل الجنة واهل النار. ولا الاعمال الخبيثة والاعمال الطيبة. ولا المال الحرام بالمال الحلال. ولو كثرة الخبيث فانه لا ينفع صاحبه شيئا بل يضره في دينه ودنياه. فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم فامرأ اولي الالباب اي اهل العقول الوافية والاراء الكاملة. فان الله تعالى يوجه اليهم الخطاب وهم الذين يأبه لهم ويرجى ان يكون فيهم خير. ثم اخبر ان الفلاح متوقف على التقوى. التي هي موافقة الله في امره ونهيه. فمن اتقاه وافلح كل الفلاح ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الارباح يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم تسؤكم وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدى لكم عفا الله عنها والله غفور حليم. ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الاشياء التي يرى ولا بدل هذا ان ارتبتم في شهادتهما. فان صدقتموهما فلا حاجة الى القسم بذلك. ويقولان لا نشتري اي بايماننا ثمنا بان نكذب فيها لاجل عرض من الدنيا. ولو كان ذا قربى فلا نراعيه لاجل قربه منا. ولا نكتم اذا بينت لهم ساءتهم واحزنتهم. وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابائهم. وعن حالهم في الجنة او النار فهذا ربما انه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير. وكسؤالهم للامور غير الواقعة. وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما احرجت الامة وكالسؤال عما لا يعني فهذه الاسئلة وما اشبهها هي المنهي عنها. واما السؤال الذي لا يترتب عليه فيه شيء من ذلك فهذا مأمور به. كما قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون اي واذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن فتسألون عن اية اشكلت او حكم خفي وجهه عليكم في وقت فيه نزول الوحي من السماء تبدى لكم اي تبين لكم وتظهر. والا فاسكتوا عما سكت الله عنه. عفا الله عنها اي سكت معافيا لعباده منها فكل ما سكت الله عنه فهو مما اباحه وعفا عنه. والله غفور حليم. اي لم يزل بالمغفرة موصولا وبالحلم والاحسان معروفا. فتعرضوا لمغفرته واحسانه. واطلبوه من رحمته ورضوانه. وهذه المسائل التي نهيتم عنها قد سألها قوم من قبلكم ثم اصبحوا بها كافرين قد سألها قوم من قبلكم اي وشبهها سؤال تعنت لا استرشاد. فلما بينت لهم وجاءتهم اصبحوا بها كافرين. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم. فانما اهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم. واختلافهم على انبيائهم ما جعل الله من ترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون. هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله اعظم ما احله الله. فجعلوا بارائهم الفاسدة شيئا من مواشيهم محرما. على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما انزل الله. فقال ما جعل الله من بحيرة وهي ناقة يشقون اذنها ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة. ولا سائبة وهي ناقة او بقرة او شاة اذا بلغت شيئا اصطلحوا عليه سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل. وبعضهم ينظر شيئا من ماله يجعله سائبة. ولا حام اي محمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل. اذا وصل الى حالة معروفة بينهم. فكل هذه مما جعله المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان وانما ذلك افتراء على الله وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم. ولهذا قال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون. فلا نقل فيها ولا عقل ومع هذا فقد اعجبوا بارائهم التي بنيت على الجهالة والظلم واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا. قالوا حسبنا ما وجدنا اعليه اباءنا او لو كان ابائهم لا يعلمون شيئا ولا فاذا دعوا الى ما انزل الله والى الرسول اعرضوا فلم يقبلوا وقالوا حسبنا ما وجدنا عليه اباءنا من الدين ولو كان غير سديد. ولا دينا ينجي من عذاب الله. ولو كان في ابائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الامر. ولكن اباءهم لا يعقلون شيئا اي ليس عندهم من المعقول شيء ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح. ولا عقل رجيح وترك اتباع ما انزل الله واتباع رسوله الذي يملأ القلوب علما وايمانا وهدى وايقانا يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله ارجعكم جميعا الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم يقول تعالى يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم اي اجتهدوا في اصلاحها وكمالها والزامها سلوك الصراط المستقيم. فانكم اذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم. ولم يهتد الى الدين القويم وانما يضر نفسه ولا يدل هذا على ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يضر العبد تركهما واهمالهما فانه لا يتم هداه الا بالاتيان بما يجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. نعم اذا كان عاجزا عن انكار المنكر بيده ولسانه وانكره بقلبه. فانه لا يضره ضلال غيره وقوله الى الله مرجعكم جميعا. اي مآلكم يوم القيامة. واجتماعكم بين يدي الله تعالى. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان دواء اه يخبر تعالى خبرا متضمنا للامر بإشهاد اثنين على الوصية اذا حضر الانسان مقدمات الموت وعلائمه فينبغي له ان يكتب وصيته ويرشد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادته هما او اخران من غيركم اي من غير اهل دينكم من اليهود او النصارى او غيرهم وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من انهما خانا فاخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان. اي فليقم رجلان من اولياء الميت وليكونا من اقرب اليه فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما. اي انهما كذبا وغيرا وخانا. وما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين. اي ان ظلمنا واعتدينا وشهدنا بغير الحق. قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها وردها على اولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانة ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها او يخافوا ان ترد ايمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين. ذلك ادنى اي اقرب ان يأتوا بالشهادة على على وجهها حين تؤكد عليهم تلك التأكيدات او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم اي لا تقبل ايمانهم ثم ترد على اولياء الميت والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي الذين وصفهم الفسق فلا يريدون الهدى والقصد الى الصراط المستقيم. وحاصل هذا ان الميتة اذا حضره الموت في سفر ونحوه مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين انه ينبغي ان يوصي شاهدين مسلمين عدلين فان لم يجد الا كافرين جاز ان يوصي اليهما ولكن لاجل كفرهما فان الاولياء اذا ارتابوا بهما فانهم يحلفونهما بعد الصلاة هما ما خان ولا كذب ولا غير ولا بدلا فيبرأن بذلك من حق يتوجه اليهما فان لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب فان شاء اولياء الميت فليقم منهم اثنان فيقسمان بالله لشهادتهما احق من شهادة الشاهدين الاولين وانهم ما خان وكذب فيستحقون منهم ما يدعون. وهذه الايات الكريمة نزلت في قصة تميم الداري وعلي بن بدائل المشهورة. حين قالهم العدوي والله اعلم. ويستدل بالايات الكريمات على عدة احكام. منها ان الوصية مشروعة. وانه ينبغي لمن حضره الموت ان اوصي ومنها انها معتبرة. ولو كان الانسان وصل الى مقدمات الموت وعلاماته. ما دام عقله ثابتا. ومنها ان شهادة الوصية لا بد فيها من اثنين عدلين. ومنها ان شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود الضرورة. وهذا مذهب الامام احمد وزعم كثير من اهل العلم ان هذا الحكم منسوخ وهذه دعوة لا دليل عليها. ومنها انه ربما استفيد من تلميح الحكم ان شهادة الكفار عند عدم غيرهم حتى في غير هذه المسألة مقبولة كما ذهب الى ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية ومنها جواز سفير المسلم مع الكافر اذا لم يكن محذور. ومنها جواز السفر للتجارة. ومنها ان الشاهدين اذا ارتيب منهما ولم تبدو قرينا تدل على خيانتهما. واراد الاولياء ان يؤكدوا عليهم اليمين. ويحبسوهما من بعد الصلاة. فيقسمان بالصفة ما ذكر الله تعالى ومنها انه اذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة الى حبسهما وتأكيد اليمين عليهما. ومنها تعظيم امر الشهادة حيث اضافها تعالى الى نفسه وانه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط. ومنها انه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما تفريقهما لينظر عن شهادتهما. ومنها انه اذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة قام اثنان من اولياء الميت فاقسم بالله ان ايماننا اصدق من ايمانهما ولقد خانا وكذبا. ثم يدفع اليهما ما الدعاياه فتكون القرينة مع قائمة مقام البينة يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الاهوال العظام. وان الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم ماذا اجبتم اي ماذا اجابتكم به اممكم؟ فقالوا لا علم لنا وانما العلم لك يا ربنا. فانت اعلم منا انك انت علام الغيوب. اي تعلم الامور الغائبة والحاضرة اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ان ايدتك بروح القدس اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك. اي اذكرها بقلبك ولسانك. وقم واجبها شكرا لربك. حيث انعم عليك نعما ما انعم بها على غيرك. اذ ايدتك بروح القدس اي قويتك بالروح والوحي. الذي طهرك سكاك وصار لك قوة على القيام بامر الله والدعوة الى سبيله. وقيل ان المراد بروح القدس جبريل عليه السلام وان الله اعانه بملازمته له وتثبيته في المواطن المشقة. تكلم الناس في المهد وكهلا. المراد بالتكليم هنا. غير تكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام. وانما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب. وهو الدعوة الى الله ولعيسى عليه السلام من ذلك ما لاخوانه من اولي العزم من المرسلين من التكليم في حال الكهولة بالرسالة والدعوة الى الخير والنهي عن الشر وامتاز عنهم بانه كلم الناس في المهد فقال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا واذ علمتك الكتاب والحكمة فالكتاب يشمل الكتب السابقة وخصوصا التوراة فانه من اعلم انبياء بني اسرائيل بعد موسى بها ويشمل الانجيل الذي انزله الله عليه والحكمة هي معرفة اسرار الشرع وفوائده وحكمه. وحسن الدعوة والتعليم ومراعاة ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني. واذ تخلق من الطين كهيئة الطير اي طيرا مصورا لا روح فيه فتنفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وان تخرجوا الموتى باذني وتبرئ الاكمه الذي لا بصر له ولا عين. والابرص باذني. واذ تخرج الموتى باذني هذه ايات بينات ومعجزات باهرات يعجز عنها الاطباء وغيرهم. ايد الله بها عيسى وقوى بها دعوته وان كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين. واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بينات فقال الذين كفروا منهم لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للايمان به ان هذا الا سحر مبين وهموا بعيسى ان وسعوا في ذلك فكف الله ايديهم عنه وحفظه منهم وعصمه. فهذه منن امتن الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم ودعاه الى شكرها والقيام بها. فقام بها عليه السلام واتم القيام. وصبر كما صبر اخوانه من اولي العزم ايوه اذكر نعمتي عليك اذ يسرت لك اتباعا واعوانا فاوحيت الى الحواريين اي الهمتهم واوزعت قلوبهم الايمان بي لرسول او اوحيت اليهم على لسانك اي امرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله فاجابوا لذلك وانقادوا وقالوا امنا بالله واشهد باننا مسلمون فجمعوا بين الاسلام الظاهر والانقياد بالاعمال الصالحة. والايمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الايمان. والحواريون هم الانصار صار كما قال تعالى كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من انصاري الى الله؟ قال الحواريون نحن انصار الله قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين. قال اتقوا الله اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء اي مائدة فيها طعام وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله واستطاعته على ذلك. وانما ذلك من باب العرض والادب منهم. ولما كان سؤال اية الاقتراح مناف للانقياد للحق. وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما اوهم ذلك. وعظهم عيسى عليه السلام فقال اتقوا الله الله ان كنتم مؤمنين فان المؤمن يحمله ما معه من الايمان على ملازمة التقوى. وان ينقاد لامر الله ولا يطلب من ايات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئا قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. فاخبر الحواريون انهم ليس مقصودهم هذا المعنى. وانما لهم مقاصد صالحة. ولاجل الحاجة الى ذلك فقالوا نريد ان نأكل منها. وهذا دليل على انهم محتاجون لها. وتطمئن قلوبنا بالايمان. حين نرى الايات العيانية. فيكون الايمان عين كما كان قبل ذلك علم اليقين. كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه ان يريه كيف يحيي الموتى. قال اولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالعبد محتاج الى زيادة العلم واليقين والايمان كل وقت. ولهذا قال ونعلم ان قد صدقتنا اي نعلم صدق ما جئت به انه حق وصدق. ونكون عليها من الشاهدين. فتكون مصلحة لمن بعدنا. نشهدها لك. فتقوم الحجة ويحصل زيادة البرهان بذلك فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك وعلم مقصودهم اجابهم الى طلبهم في ذلك. فقال قال عيسى ابن مريم اللهم انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا واخرنا واية وارزقنا وارزقنا وانت خير الرازقين اللهم ربنا انزل علينا ماء من السماء تكون لنا عيدا لاولنا واخرنا واية منك. ان يكون وقت نزولها عيدا وموسما. يتذكر به هذه الاية العظيمة تحفظ ولا تنسى على مرور الاوقات وتكرر السنين. كما جعل الله تعالى اعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لاياته. ومنبها على سنن المرسلين القويمة وفضله واحسانه عليهم. وارزقنا وانت خير الرازقين. اي اجعلها لنا رزقا. فسأل عيسى عليه السلام نزولها وان عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون. وقالوا ايضا تعنتا مبنيا على الجهل وعدم العلم بالمعقول لولا انزل عليه ملك اي هلا انزل مع محمد ملك يعاونه ويساعده عليه وكفر عنادا وظلما. فاستحق العذاب الاليم والعقاب الشديد. واعلم ان الله تعالى وعد انه سينزلها وتوعدهم ان كفروا بهذا الوعيد ولم يذكر انه انزلها فيحتمل انه لم ينزلها بسبب انهم لم يختاروا ذلك. ويدل على ذلك انه لم يذكر في الانجيل الذي بايدي النصارى ولا له وجود ويحتمل انها نزلت كما وعد الله. والله لا يخلف الميعاد. ويكون عدم ذكرها في الاناجيل التي بايديهم. من الحظ الذي به فنسوه او انه لم يذكر في الانجيل اصلا. وانما ذلك كان متوارثا بينهم. ينقله الخلف عن السلف. فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الانجيل ويدل على هذا المعنى قوله ونكون عليها من الشاهدين. والله اعلم بحقيقة الحال وان قال الله يا عيسى ابن مريم اتخذوني وامي الهين من قال سبحانك ما يكون لي ان نقول ما ليس لي بحق ان كنت ولا اعلم ما في نفسك واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله. وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة. فيقول الله هذا الكلام لعيسى. فيتبرأ عيسى ويقول عن هذا الكلام القبيح وعن ما لا يليق بك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق اي ما ينبغي لي ولا يليق ان اقول شيئا ليس من اوصافي ولا من حقوقي فانه ليس احد من المخلوقين. لا الملائكة المقربون ولا الانبياء المرسلون. ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الالهية وانما الجميع عباد مدبرون وخلق مسخرون. وفقراء عاجزون. ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في في نفسك فانت اعلم بما صدر مني وانت علام الغيوب. وهذا من كمال ادب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه. فلم يقل عليه لم اقل شيئا من ذلك وانما اخبر بكلام ينفي عن نفسه ان يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف وان هذا من الامور المحالة ونزه عن ذلك اتم تنزيه. ورد العلم الى عالم الغيب والشهادة. ثم صرح بذكر ما امر به بني اسرائيل. فقال ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما قلت لهم الا ما امرتني فانا عبد متبع لامرك. لا متجرأ على عظمتك. ان اعبدوا الله ربي وربكم. اي ما امرتهم الا بعبادة الله وحده واخلاص الدين المتضمن للنهي عن اتخاذ وامية الهين من دون الله. وبيان اني عبد مربوب فكما انه ربكم فهو ربي وكنت عليهم اذا ما دمت فيهم اشهد على من قام بهذا الامر ممن لم يقم به. فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم اي المطلعة على سرائرهم وضمائرهم وانت على كل شيء شهيد. علما وسمعا وبصرا. فعلمك قد احاط بالمعلومات. وسمعك بالمسموعات. وبصرك بالمبصرات. فانت الذي لتجازي عبادك بما تعلمه فيهم من خير وشر وان تغفر لهم اغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم. ان تعذبهم فانهم عبادك وانت ارحم بهم من انفسهم واعلم باحوالهم فلولا انهم عباد متمردون لم تعذبهم. وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم. اي فمغفرتك صادرة عن تمام وقدرة لا كمن يغفر ويعفو عن عجز وعدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك ان تغفر لمن اتى باسباب المغفرة قال الله انا يوم قال الله مبينا لحال عباده يوم القيامة ومن الفائز منهم ومن الهالك ومن الشقي ومن السعيد هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم. والصادقون هم الذين استقامت اعمالهم واقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم هدى القويم. فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق. اذا احلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ولهذا قال لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. رضي الله عنهم ورضوا عنه. ذلك الفوز العظيم. والكاذبون بضدهم سيجدون صار كذبهم وافترائهم وثمرة اعمالهم الفاسدة لله ملك السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيء قدير لله ملك السماوات والارض. لانه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري. وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي. ولهذا قال وهو على كل شيء قدير. فلا يعجزه شيء. بل جميع الاشياء منقادة لمشيئته. ومسخرة بامره بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي خلق السماوات والارض جعل الظلمات والنور ثم اما الذين كفروا بربهم يعدلون. هذا اخبار عن حمده والثناء عليه بصفات الكمال ونعوت العظمة والجلال لا لعموما وعلى هذه المذكورات خصوصا. فحمد نفسه على خلقه السماوات والارض. الدالة على كمال قدرته وسعة علمه ورحمته وعموم حكمته وانفراده بالخلق والتدبير. وعلى جعله الظلمات والنور. وذلك شامل للحسي من ذلك. كالليل والنهار والشمس القمر والمعنوي كظلمات الجهل والشك والشرك والمعصية والغفلة. ونور العلم والايمان واليقين والطاعة. وهذا كله يدل دلالة قاطعة انه تعالى هو المستحق للعبادة واخلاص الدين له. ومع هذا الدليل ووضوح البرهان. ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ان يعدلون به سواه. يسوونهم به في العبادة والتعظيم. مع انهم لم يساووا الله في شيء من الكمال. وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجلا هو الذي خلقكم من طين. وذلك بخلق مادتكم وابيكم ادم عليه السلام. ثم قضى اي ضرب لمدة اقامتكم في هذه الدار اجلا. تتمتعون به وتمتحنون. وتبتلون بما يرسل اليهم به رسله. ليبلوكم ايكم احسن عملا ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. واجل مسمى عنده وهي الدار الاخرة التي ينتقل العباد فيها من هذه الدار فيجازيهم باعمالهم من خير وشر. ثم مع هذا البيان التام وقطع الحجة انتم تمترون اي تشكون في في وعد الله ووعيده ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع لكثرة موادها وتنوع طرقها. ووحد النور لكون الصراط الموصلة الى الله واحدة لا تعدد فيها. وهي الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به. كما قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وجهركم ويعلم ما تكسبون. اي وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الارض. فاهل السماء والارض متعبدون فلربهم خاضعون لعظمته. مستكينون لعزته وجلاله. الملائكة المقربون والانبياء والمرسلون. والصديقون والشهداء والصالحون وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون. فاحذروا معاصيه وارغبوا في الاعمال التي تقربكم منه وتدنيكم من رحمته واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته هذا اخبار منه تعالى عن اعراض المشركين وشدة تكذيبهم وعداوتهم وانهم لا تنفع فيهم الايات حتى تحل بهم المثلات. فقال وما تأتيهم من اية من ايات ربهم الدالة على الحق دلالة قاطعة. الداعية لهم الى اتباعه الا كانوا عنها معرضين. لا يلقون لها بالا ولا يصغون لها سمعا. قد انصرفت قلوبهم الى غيرها وولوها ادبارهم فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء فقد كذبوا بالحق لما جاءهم والحق حقه ان يتبع ويشكر الله على تيسيره له واتيانهم به. فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به. فاستحقوا العقاب الشديد. فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون اي فسوف يرون ما استهزأوا به انه الحق والصدق. ويبين الله للمكذبين كذبهم وافترائهم. وكانوا يستهزئون بالبعث والجنة والنار النار فاذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين هذه النار التي كنتم بها تكذبون. وقال تعالى واقسموا بالله جهد لا يبعث الله من يموت. بلى وعدا عليه حقا. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ليبين لهم الذي يختلفون فيه اعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. ثم امرهم ان يعتبروا بالامم السالفة فقال الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن؟ اي كم تتابع اهلاكنا للامم المكثفة وامهلناهم قبل ذلك الاهلاك بان مكناهم في الارض ما لم نمكن لهؤلاء من الاموال والبنين والرفاهية. وارسلنا السماء مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم. فينبت لهم بذلك ما شاء الله من زروع وثمار. يتمتعون بها ويتناولون منها ما فيشتهون فلم يشكروا الله على نعمه بل اقبلوا على الشهوات والهتهم انواع اللذات فجاءتهم رسلهم بالبينات فلم يصدقوها بل ردوها وكذبوها فاهلكهم الله بذنوبهم وانشأ من بعدهم قرنا اخرين. فهذه سنة الله ودأبه في الامم السابقين واللاحقين فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. هذا اخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين. وانهم ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به ولا لجهل منهم بذلك. وانما ذلك ظلم وبغي. لا حيلة لكم فيه. فقال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايدي وتيقنوا لقال الذين كفروا ظلما وعلوا. ان هذا الا سحر مبين. فان يبينة اعظم من هذه البينة هذا قولهم الشنيع فيها حيث كابروا المحسوس الذي لا يمكن من له ادنى مسكة من عقل دفعه على ما هو عليه بزعمهم انه بشر. وان رسالة الله لا تكون الا على ايدي الملائكة. قال الله في بيان رحمته ولطفه بعباده. حيث وصل اليهم بشرا منهم يكون الايمان بما جاء به عن علم وبصيرة وغيب. ولو انزلنا ملكا برسالتنا لكان الايمان لا يصدر عن معرفة بالحق ولكان ايمانا بالشهادة الذي لا ينفع شيئا وحده. هذا ان امنوا والغالب انهم لا يؤمنون بهذه الحالة. فاذا لم يؤمنوا قضي الامر بتعجيل الهلاك عليهم وعدم انظارهم. لان هذه سنة الله فيمن طلب الايات المقترحة فلم يؤمن بها. فارسال الرسول البشري اليهم بالايات البينات التي يعلم الله انها اصلح للعباد وارفق بهم. مع امهال الله للكافرين والمكذبين. خير لهم فطلبهم لانزال الملك شر لهم لو كانوا يعلمون. ومع ذلك فالملك لو انزل عليهم وارسل لم يطيقوا التلقي عنه. ولاحتملوا ذلك ولا اطاقته قواهم الفانية ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا. لان الحكمة لا تقتضي سوى ذلك ولا لبسنا عليهم ما يلبسون. اي ولكان الامر مختلطا عليهم وملبوسا. وذلك بسبب ما لبسوه على انفسهم. فانه هم بنوا امرهم على هذه القاعدة التي فيها اللبس. وبها عدم بيان الحق. فلما جاءهم الحق بطرقه الصحيحة وقواعده التي هي قواعده لم يكن ذلك هداية لهم. اذا اهتدى بذلك غيرهم والذنب ذنبهم. حيث اغلقوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا ابواب الضلال ولقد استهزأ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى مصليا لرسوله ومصبرا ومتهددا اعداءه ومتوعدا. ولقد استهزأ برسل من قبلك. لما اممهم بالبينات كذبوهم واستهزءوا بهم وبما جاءوا به. فاهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب. ووفى لهم من العذاب اكمل نصيب فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون. فاحذروا ايها المكذبون ان تستمروا على تكذيبكم. فيصيبكم ما اصابهم فان شككتم في ذلك او ارتبتم فسيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فلن تجدوا الا قوما مهلكين وامما في المثلات تالفين. قد اوحشت منهم المنازل وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. ابادهم الملك الجبار وكان بناؤهم عبرة لاولي الابصار وهذا السير المأمور به سير القلوب والابدان. الذي يتولد منه الاعتبار. واما مجرد النظر من غير اعتبار. فان ذلك لا يفيد شيئا كتب على نفسه الرحمة ليجمعن انكم الى يوم القيامة لا ريب فيه. الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله مقررا لهم وملزما بالتوحيد لمن ما في السماء السماوات والارض اي من الخالق لذلك المالك له المتصرف فيه. قل لهم لله وهم مقرون بذلك لا ينكرونه افلا حين اعترفوا بانفراد الله بالملك والتدبير؟ ان يعترفوا له بالاخلاص والتوحيد. وقوله كتب على نفسه الرحمة. اي العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره. وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته واحسانه. وتغمدهم برحمته وامتنانه. وكتب على نفسه كتابا ان رحمته تغلب غضبه. وان العطاء احب اليه من المنع. وان الله قد فتح لجميع العباد ابواب الرحمة ان لم يغلقوا وعليهم ابوابها بذنوبهم ودعاهم اليها ان لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم. وقوله ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه وهذا قسم منه وهو اصدق المخبرين. وقد اقام على ذلك من الحجج البينة والبراهين. ما يجعله حق اليقين. ولكن ابى الظالمون الا جحودا وانكروا قدرة الله على بعث الخلائق. فاوضعوا في معاصيه وتجرؤوا على الكفر به. فخسروا دنياهم واخراهم ولهذا قال الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون اعلم ان هذه السورة الكريمة قد اشتملت على تقرير التوحيد بكل دليل عقلي ونقلي. بل كادت ان تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الايات ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى وينقمع به الشرك فذكر ان له تعالى ما سكن في الليل والنهار وذلك هو المخلوقات كلها من ادميها وجنها وملائكتها وحيواناتها وجماداتها. فالكل خلق مدبرون وعبيد مسخرون لربهم العظيم القاهر المالك. فهل يصح في عقل ونقل ان يعبد من هؤلاء المماليك؟ الذي لا نفع عنده ولا ضر ويترك الاخلاص للخالق المدبر المالك الضار النافع. ام العقول السليمة والفطر المستقيمة؟ تدعو الى اخلاص العبادة والحب والخوف والرجاء لله رب العالمين. السميع لجميع الاصوات على اختلاف اللغات بتفنن الحاجات. العليم بما كان وما يكون. وما لم لو كان كيف يكون المطلع على الظواهر والبواطن قل لهؤلاء المشركين بالله اغير الله اتخذ وليا من هؤلاء المخلوقات العاجزة يتولاني وينصرني. فلا اتخذ من دونه تعالى وليا. لانه فاطر السماوات والارض. اي خالقهما ومدبرهم وهو يطعم ولا يطعم. اي وهو الرازق لجميع الخلق. من غير حاجة منه تعالى اليهم. فكيف يليق ان اتخذ وليا غير الخالق الرازق الغني الحميد. قل اني امرت ان اكون اول من اسلم لله بالتوحيد. وانقاد له بالطاعة لاني اولى من غيري بامتثال اوامره ربي ولا تكونن من المشركين. اي ونهيت ايضا عن ان اكون من المشركين. لا في اعتقادهم ولا في مجالستهم. ولا في الاجتماع بهم فهذا افرض الفروض علي واوجب الواجبات قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. فان المعصية في الشرك توجب الخلود في النار. وسخط الجبار وذلك اليوم هو اليوم الذي يخاف عذابه ويحذر عقابه لانه من صرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم. ومن نجا فيه فهو الفائز حقا. كما ان من لم ينجو منه فهو الهالك شقي ومن ادلة توحيده انه تعالى المنفرد بكشف الضراء وجلب الخير والسراء. ولهذا قال وان يمسسك الله وان يمسسك بخير فهو على كل شيء وان يمسسك الله بضر من فقر او مرض او عسر او غم او هم او نحوه. فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير. فاذا كان وحده النافع الضار فهو الذي يستحق ان يفرد بالعبودية والالهية وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير. وهو القاهر فوق عباده فلا يتصرف منهم ولا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بمشيئته. وليس للمملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه. بل هم مدبرون مقهورون فاذا كان هو القاهر وغيره مقهورا. كان هو المستحق للعبادة. وهو الحكيم فيما امر به ونهى واثاب وعاقب وفيما خلق وقدر الخبير المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الامور. وهذا كله من ادلة التوحيد اكبر شهادة بيني وبينكم واوحي الي هذا القرآن اما تشركون. قل لهم لما بينا لهم الهدى واوضحنا لهم المسالك. اي شيء اكبر شهادة على هذا الاصل العظيم. قل الله اكبر شهادة فهو شهيد بيني وبينكم. فلا اعظم منه شهادة ولا اكبر. وهو يشهد لي باقراره وفعله فيقرني على ما قلت لكم كما قال تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فالله حكيم قدير. فلا يليق بحكمته وقدرته ان يقر كاذبا عليه. زاعما ان الله ارسله ولم يرسله. وان الله امره بدعوة الخلق ولم يأمره وان الله اباح له دماء من خالفه واموالهم ونساءهم. وهو مع ذلك يصدقه باقراره وبفعله. فيؤيده على ما قال للمعجزات الباهرة والايات الظاهرة وينصره ويخذل من خالفه وعاداه. فاي شهادة اكبر من هذه الشهادة؟ وقوله واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ. اي واوحى الله الي هذا القرآن الكريم لمنفعتكم ومصلحتكم. لانذركم به من العقاب الاليم. والنذارة انما تكون بذكر ما ينذرهم به من الترغيب والترهيب. وببيان الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. التي من قام بها فقد قبلها النذارة فهذا القرآن فيه النذارة لكم ايها المخاطبون. وكل من بلغه القرآن الى يوم القيامة فان فيه بيان كل ما يحتاج اليه من الطالب الالهية لما بين تعالى شهادته التي هي اكبر الشهادات على توحيده. قال قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله والمكذبين بتقول ايه؟ اانكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى؟ قل لا اشهد اي ان شهدوا فلا تشهد معهم. فوازن بين شهادة اصدقاء سائلين ورب العالمين وشهادة ازكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحده لا شريك له. وشهادة اهل الشرك الذين مرجت عقولهم واديانهم وفسدت ارائهم واخلاقهم واضحكوا على انفسهم العقلاء بل خالفوا بشهادة فطرهم وتناقض اقوالهم على اثبات ان مع الله الهة اخرى. مع انه لا يقوم على ما قالوه ادنى شبهة فضلا عن الحجج. واختر لنفسك اي الشهادتين ان كنت تعقل ونحن نختار لانفسنا ما اختاره الله لنبيه. الذي امرنا الله بالاقتداء به. فقال قل انما هو اله واحد منفرد لا يستحق العبودية والالهية سواه. كما انه المنفرد بالخلق والتدبير. وانني بريء مما تشركون به من الاوثان والانداد وكل ما اشرك به مع الله فهذا حقيقة التوحيد. اثبات الالهية لله ونفيها عما عداه الذين خسروا لما بين شهادته وشهادة رسوله على التوحيد وشهادة المشركين الذين لا علم لديهم على ضده ذكر ان اهل من الكتاب من اليهود والنصارى يعرفونه اي يعرفون صحة التوحيد كما يعرفون ابناءهم. اي لا شك عندهم فيه بوجه كما انهم لا يشتبهون باولادهم خصوصا البنين الملازمين في الغالب لابائهم. ويحتمل ان الضمير عائد الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ان اهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته ولا يمترون بها. لما عندهم من البشارات به ونعوته التي تنطبق عليه ولا تصلح لغيره. والمعنى متلازمان. قوله الذين خسروا انفسهم اي فوتوها ما خلقت له من الايمان والتوحيد. وحرموها الفضل من الملك المجيد فهم لا يؤمنون. فاذا لم يوجد الايمان منهم فلا تسأل عن الخسار والشر الذي يحصل لهم اي لا اعظم ظلما وعنادا ممن كان فيه احد الوصفين. فكيف لو اجتمع افتراء الكذب على الله او التكذيب باياته؟ التي جاءت بها المرسلون. فانها اذا اظلموا الناس والظالم لا يفلح ابدا. ويدخل في هذا كل من كذب على الله بادعاء الشريك له والعوين. او زعم انه ينبغي ان يعبد غيره او اتخذ له صاحبة او ولدا. وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل او من قام مقامهم ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاءكم الذين كنتم تزعمون. يخبر تعالى عن مآل اهل الشرك يوم القيامة. وانهم يسألون ويوبخون فيقال لهم اين الذين كنتم تزعمون اي ان الله ليس له شريك وانما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء ثم لم تكن فتنتهم اي لم يكن جوابهم هم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال الا انكارهم لشركهم وحلفهم انهم ما كانوا مشركين انظر متعجبا منهم ومن احوالهم كيف كذبوا على انفسهم اي كذبوا كذبا عاد بالخسارة على انفسهم وضرهم والله غاية الضرر. وضل عنهم ما كانوا يفترون من الشركاء الذين زعموهم مع الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ومنهم من يستمع اليك وان يروا كل ان اية لا يؤمن بها حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا الا اساطير الاولين. اي ومن هؤلاء المشركين قوم يحملهم بعض الاوقات بعض الدواعي الى الاستماع لما تقول لكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه. ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع لعدم ارادتهم للخير. وجعلنا على قلوبهم اكنة اغطية واغشية لئلا يفقهوا كلام الله فصان كلامه عن امثال هؤلاء. وفي اذانهم جعلنا وقرا اي صمما فلا يستمعون ما ينفعهم وان يروا كل اية لا يؤمنوا بها وهذا غاية الظلم والعناد. ان الايات البينات الدالة على الحق لا ينقادون له ولا يصدقون بها بل يجادلون بالباطل الحق ليدحضوه. ولهذا قال حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا اساطير الاولين. اي مأخوذ من صحف الاولين المستورة التي ليست عن الله ولا عن رسله. وهذا من كفرهم. والا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لانباء السابقين واللاحقين. والحقائق التي جاءت بها الانبياء والمرسلون. والحق والقسط والعدل التام من كل وجه اساطير الاولين اي وهم اي المشركون بالله المكذبون لرسوله. يجمعون بين الضلال والاضلال. ينهون الناس عن اتباع الحق ويحذرونهم منه ويبعدون بانفسهم عنه ولن يضروا الله شيئا ولا عباده المؤمنين بفعلهم هذا شيئا. ان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون بذلك. ولو ترى ان وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد يقول تعالى مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة النار ولو ترى اذ وقفوا على النار ليوبخوا ويقرعوا لرأيت امرا هائلا وحالا مفظعة ولرأيتهم كيف اقروا على انفسهم بالكفر والفسوق. وتمنوا ان لو يردوا الى الدنيا فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا. ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبين كذبون بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل. فانهم كانوا يخفون في انفسهم انهم كانوا كاذبين. ويبدو في قلوبهم في كثير من من الاوقات ولكن الاغراض الفاسدة صدتهم عن ذلك وصرفت قلوبهم عن الخير وهم كذبة في هذه الامنية. وانما قصدهم ان يدفعوا بها عن انفسهم العذاب ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وقالوا منكرين للبعث ان هي الا حياتنا الدنيا اي ما حقيقة الحال والامر وما المقصود من ايجادنا الا الحياة الدنيا وحدها. وما نحن بمبعوثين. ولو ترى ان وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال اي ولو ترى الكافرين اذ وقفوا على ربهم لرأيت امرا عظيما وهولا جسيما. قال لهم موبخا ومقرعا اليس هذا الذي ترون من العذاب بالحق؟ قالوا بلى وربنا. فاقروا واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك. قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قد خسر الذين كذبوا بنقاب الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم مناساء ما يزرون. اي قد خاب وخسر وحرم الخير كله من كذب بلقاء الله فاوجب له هذا التكذيب الاجتراء على المحرمات واقتراف الموبقات حتى اذا جاءتهم الساعة وهم على اقبح حاجة واسوأه فاظهروا غاية الندم وقالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها. ولكن هذا تحسر ذهب وقته وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما يزرون فان وزرهم وزر يثقلهم ولا يقدرون على التخلص منه. ولهذا خلدوا في النار واستحقوا تأبيد في غضب الجبار هذه حقيقة الدنيا حقيقة الاخرة. اما حقيقة الدنيا فانها لعب ولهو. لعب في الابدان ولهو في القلوب. فالقلوب لها والهة والنفوس لها والهموم فيها متعلقة والاشتغال بها كلعب الصبيان. واما الاخرة فانها خير للذين يتقون. في ذاتها وصفات فيها وبقائها ودوامها. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. من نعيم القلوب والارواح وكثرة السرور والافراح. ولكن اليست لكل احد وانما هي للمتقين الذين يفعلون اوامر الله ويتركون نواهيه وزواجره. افلا تعقلون اي افلا يكون لكم عقول بها تدركون اي الدارين احق بالايثار قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات اي قد نعلم ان الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوؤك. ولم نأمرك بما امرناك به من الصبر الا لتحصل لك المنازل العالية والاحوال الغالية. فلا تظن ان قولهم صادر عن اشتباه في امرك وشك فيك. فانهم لا يكذبونك لانهم يعرفون ومدخلك ومخرجك وجميع احوالك. حتى انهم كانوا يسمونه قبل البعثة الامين. ولكن الظالمين بايات الله يجحدون اي فان تكذيبهم لايات الله التي جعلها على يديك ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا. واوذوا حتى اتاهم نصرنا. فاصبر كما صبروا. تظفر كما اظافروا ولقد جاءك من نبأ المرسلين ما به يثبت فؤادك ويطمئن به قلبك ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وان كان كبر عليك اعراضهم اي شق عليك من حرصك عليهم ومحبتك لايمانهم. فابذل وسعك في ذلك. فليس في مقدورك ان تهدي من لم يرد الله هدايته. فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتأتيهم باية. اي فافعل ذلك فانه لا يفيدهم شيئا. وهذا قطع لطمعه في هدايته اشباه هؤلاء المعاندين. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن تعالى اقتضت انهم يبقون على الضلال. فلا تكونن من الجاهلين الذين لا يعرفون حقائق الامور. ولا ينزلونها على منازلها انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم انما يستجيب لدعوتك ويلبي رسالتك وينقاد لامرك الذين يسمعون بقلوبهم ما ينفعهم وهم اولو الالباب والاسماع. والمراد بالسماع هنا سماع القلب والاستجابة. والا مجرد سماع الاذن يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى باستماع اياته. فلم يبق لهم عذر في عدم القبول والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون. احتملوا ان المعنى مقابل للمعنى المذكور. اي انما يستجيب لك احياء القلوب. واما اموات القلوب الذين لا يشعرون بسعادتهم ولا يحسون بما ينجيهم. فانهم لا يستجيبون لك ولا ينقادون. وموعدهم القيامة يبعثهم الله ثم اليه يرجعون. ويحتمل ان المراد بالاية على ظاهرها. وان الله تعالى يقرر المعاد. وانه سيبعث الاموات يوم القيامة ثم نبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله. والترهيب من عدم ذلك نزل عليه اية من ربه قل ان الله قادر على ان ينزل اية ولكن اكثر اكثرهم لا يعلمون. وقالوا اي المكذبون بالرسول تعنتا وعنادا. لولا انزل عليه اية من ربه يعنون بذلك ايات الاقتراح التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وارائهم الكاسدة. كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض او تكون لك جنة من نخيل وعنب. فتفجر الانهار خلالها تفجيرا. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ان تأتي بالله والملائكة قبيلا قل مجيبا لقولهم ان الله قادر على ان ينزل اية فليس في قدرته قصور عن ذلك. كيف وجميع الاشياء منقادة لعزته مذعنة لسلطانه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الايات التي لو جاءتهم فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب. كما هي سنة الله التي لا تبديل لها. ومع هذا فان كان قصدهم الايات التي تبين لهم الحق وتوضح السبيل فقد اتى محمد صلى الله عليه وسلم بكل اية قاطعة وحجة ساطعة دالة على ما جاء به من بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين ان يجد فيما جاء به عدة ادلة عقلية ونقلية بحيث لا تبقي في القلوب ادنى شك وارتياب. فتبارك الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق. وايده بالايات البينات ليهلك من هلك عن بينة. ويحيا من حي عن بينة وان الله لسميع عليم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون. اي جميع الحيوانات الارضية والهوائية من البهائم والوحوش طيور كلها امم امثالكم خلقناها كما خلقناكم ورزقناها كما رزقناكم ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا كما كانت نافذة فيكم ما فرطنا في الكتاب من شيء. اي ما اهملنا ولا اغفلنا في اللوح المحفوظ شيئا من الاشياء. بل جميع الاشياء صغيرها وكبيرها مثبتة في اللوح المحفوظ على ما هي عليه. فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الاية دليل على ان الكتاب الاول قد حوى جميع الكائنات وهذا احد مراتب القضاء والقدر. فانها اربع مراتب. علم الله الشامل لجميع الاشياء. وكتابه المحيط بجميع الموجودات ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء. وخلقه لجميع المخلوقات حتى افعال العباد. ويحتمل ان المراد بالكتاب هذا القرآن وان المعنى كالمعنى في قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. وقوله ثم الى ربهم يحشرون. اي جميع تحشر وتجمع الى الله في موقف القيامة. في ذلك الموقف العظيم الهائل. فيجازيهم بعدله واحسانه. ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الاولون والاخرون. اهل السماء واهل الارض والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات من يشاء هذا بيان لحال المكذبين ايات الله المكذبين لرسله انهم قد سدوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا باب الردى وانهم صم عن سماع الحق بكم عن النطق فلا ينطقون الا بباطل. في الظلمات اي منغمسون في ظلمات الجهل والكفر والظلم والعناد والمعاصي. وهذا من ابولال الله اياهم فمن يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم. لانه المنفرد بالهداية والاضلال. بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته يقول تعالى لرسوله قل للمشركين بالله العادلين به غيره. ارأيتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعة اغير الله تدعون ان كنتم صادقين. اي اذا حصلت هذه المشقات وهذه الكروب التي يضطر الى دفعها. هل تدعون الهتكم واصنامكم ام تدعون ربكم الملك الحق المبين؟ بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه بل اياه تدعون في كشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون فاذا كانت هذه حالكم مع اندادكم عند الشدائد تنسونهم لعلمكم انهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وتخلصون لله الدعاء. لعلمكم انه هو النافع الضار. المجيب لدعوة المضطر. فما بالكم في الرخاء تشركون به وتجعلون له شركاء هل دلكم على ذلك عقل او نقل؟ ام عندكم من سلطان بهذا؟ بل تفترون على الله الكذب من دونه اي من دون الله ولي ولا شفيع. اي لا من يتولى امرهم فيحصل لهم المطلوب ويدفع عنهم المحذور. ولا من يشفع لهم ان الخلق كلهم ليس لهم من الامر شيء. لعلهم يتقون الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان الانذار موجب لذلك وسبب من اسباب ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون يقول تعالى ولقد ارسلنا الى امم من قبلك من الامم السالفين والقرون المتقدمين. فكذبوا رسلنا وجحدوا اتنا فاخذناهم بالبأساء والضراء اي بالفقر والمرض والافات والمصائب. رحمة منا بهم لعلهم يتضرعون الينا ويلجأون عند الشدة الينا فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست اي استحجرت فلا تلين للحق. وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فظنوا ان ما هم عليه دين الحق. فتمتعوا في باطلهم وادنائهم وتقريبهم لانهم الصفوة من الخلق وان كانوا فقراء. الاعزاء في الحقيقة وان كانوا عند الناس اذلاء ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء. اي كل له حسابه وله عمله الحسن وعمله القبيح. فتطردهم من الزمان ولعب بعقولهم الشيطان فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذنا بغتة فاذا هم مبلسون. اي ايسون من كل خير وهذا اشد ما يكون من العذاب. ان يؤخذوا على غرة وغفلة وطمأنينة اشد لعقوبتهم واعظم لمصيبتهم فقطع القوم الذين ظلموا اي اصطلموا بالعذاب وتقطعت بهم الاسباب. والحمد لله رب العالمين على ما قضاه وقدره من هلاك مكذبين فان بذلك تتبين اياته واكرامه لاوليائه واهانته لاعدائه. وصدق ما جاءت به المرسلون ثم يخبر تعالى انه انه المتفرد بخلق الاشياء وتدبيرها فانه المنفرد بالوحدانية والالهية. فقال قل ارأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم ثم ختم على قلوبكم فبقيتم بلا سمع ولا بصر ولا عقل. من اله غير الله يأتيكم به. فاذا لم يكن غير الله يأتي بذلك فلما عبدتم معه من لا قدرة له على شيء الا اذا شاءه الله. وهذا من ادلة التوحيد وبطلان الشرك. ولهذا قال انظر كيف الايات اي ننوعها ونأتي بها من كل فن. ولتنير الحق وتتبين سبيل المجرمين. ثم هم مع هذا البيان التام يصدفون عن ايات الله ويعرضون عنها قل ارأيتكم اي اخبروني ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرا اي مفاجأة او تقدم امامه مقدمات تعلمون بها وقوعه. هل يهلك الا القوم الظالمون؟ الذين صاروا سببا لوقوع العذاب بهم المهم وعنادهم فاحذروا ان تقيموا على الظلم فانه الهلاك الابدي والشقاء السرمدي مبشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون يذكر تعالى زبدة ما ارسل به المرسلين انه البشارة والنذارة وذلك مستلزم لبيان المبشر والمبشر به والاعمال التي اذا نهى العبد حصلت له البشارة والمنذر والمنذر به. والاعمال التي من عملها حقت عليه النذارة. ولكن الناس انقسموا بحسب اجابتهم قم لدعوتهم وعدمها الى قسمين. فمن امن واصلح اي امن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. واصلح ايمانه انه اعماله ونيته فلا خوف عليهم فيما يستقبل ولا هم يحزنون على ما مضى. والذين كذبوا باياتنا لا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون. والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب. اي ينالهم ويذوق بما كانوا يفسقون خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك. ان اتبع الا ما يوحى اليك الاعمى والبصير افلا تتفكرون. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يخاطب المقترحين عليه ايات او القائلين له انما تدعونا لنتخذك الها مع الله. لا اقول لكم عندي خزائن الله اي مفاتيح رزقه ورحمته الا اعلم الغيب وانما ذلك كله عند الله. فهو الذي ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده هو وحده عالم الغيب والشهادة. فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول. ولا اقول لكم اني ملك فاكون نافذ التصرف فلست ادعي فوق منزلتي التي انزلني الله بها. ان اتبع الا ما يوحى الي. اي هذا غايتي ومنتهى امري واعلاه. ان الا ما يوحى الي فاعمل به في نفسي وادعو الخلق كلهم الى ذلك. فاذا عرفت منزلتي فلاي شيء يبحث الباحث معي او يطلب مني امرا لست ادعيه وهل يلزم الانسان بغير ما هو بصدده؟ ولاي شيء اذا دعوتكم بما اوحي الي؟ ان تلزموني ان اعي لنفسي غير مرتبتي. وهل هذا الا ظلم منكم وعناد وتمرد؟ قل لهم في بيان الفرق بين من قبل دعوتي وانقاد لما اوحي الي حين من لم يكن كذلك قل هل يستوي الاعمى والبصير؟ افلا تتفكرون؟ فتنزلون الاشياء منازلها وتختارون ما هو اولى بالاختيار الايثار هذا القرآن نذارة للخلق كلهم ولكن انما ينتفع به الذين يخافون ان يحشر الى ربهم. فهم متيقنون للانتقال من هذه الدار الى دار القرار. فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدعون ما يضرهم. ليس لهم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم ولا تطرد للذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. اي لا تطرد عنك وعن مجالستك اهل العبادة والاخلاص. رغبة في مجالسة غيرهم من الملازمين لدعاء ربهم دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها. ودعاء المسألة في اول النهار واخره. وهم قاصدون بذلك وجه الله ليس له من الاغراض سوى ذلك الغرض الجليل. فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والاعراض عنهم. بل هم مستحقون لموالاتهم ومحبتهم ستكون من الظالمين. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الامر اشد امتثال. فكان اذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسه معهم احسن معاملتهم والان لهم جانبه. وحسن خلقه وقربهم منه. بل كانوا هم اكثر اهل مجلسه رضي الله عنهم. وكان سبب نزول هذه الايات ان اناسا من قريش او من اجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ان اردت ان نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلان وفلانا اناسا من فقراء الصحابة فانا نستحي ان ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء. فحمله حبه لاسلامهم واتباعهم له فحدثته نفسه بذلك فعاتبه الله بهذه الايات ونحوها اهؤلاء من الله عليهم من بيننا. اليس الله باعلم بالشاكرين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ اي هذا من ابتلاء الله لعباده حيث جعل بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وبعضهم شريفا وبعضهم وضيعا. فاذا من الله بالايمان على الفقير او الوضيع كان ذلك كما حل محنة للغني والشريف. فان كان قصده الحق واتباعه امن واسلم. ولم يمنعه من ذلك مشاركة الذي يراه دونه بالغنى او الشرف وان لم يكن صادقا في طلب الحق كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق. وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم. اهؤلاء من الله عليهم من بيننا فمنعهم هذا من اتباع الحق لعدم زكائهم. قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هدايته هؤلاء وعدم هدايتهم هم اليس الله باعلم بالشاكرين؟ الذين يعرفون النعمة ويقرون بها ويقومون بما من العمل الصالح فيضع فضله ومنته عليهم دون من ليس بشاكر. فان الله تعالى حكيم لا يضع فضله عند من ليس له باهل وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف. بخلاف من من الله عليهم بالايمان من الفقراء وغيرهم. فانهم هم الشاكرون. ولما نهى الله رسوله عن المؤمنين القانتين امره بمقابلتهم بالاكرام والاعظام والتبجيل والاحترام. فقال الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم. اي واذا جاءك المؤمنون فحيهم ورحب بهم ولقهم منك والسلام وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم من رحمة الله وسعة جوده واحسانه وحثهم على كل سبب وطريق يوصل ذلك ورحبهم من الاقامة على الذنوب وامرهم بالتوبة من المعاصي. لينالوا مغفرة ربهم وجوده. ولهذا قال كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده واصلح. اي فلابد مع ترك الذنوب والاقلاع والندم عليها. من اصلاح العمل واداء ما اوجب الله. واصلاح ما فسد من الاعمال الظاهرة والباطنة. فاذا وجد ذلك كله فانه غفور رحيم. اي صب من مغفرته ورحمته بحسب ما قاموا به مما امرهم به وكذلك نفصل الايات اي نوضحها ونبينها ونميز بين طريق الهدى من الضلال ايها الرشاد ليهتدي بذلك المهتدون ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه ولتستبين سبيل المجرمين الموصلة الى سخط الله وعذابه فان سبيل المجرمين اذا استبانت واتضحت امكن اجتنابها والبعد منها بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة فانه لا يحصل هذا المقصود الجليل قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله آآ يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه سلم قل لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله الهة اخرى. اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله من الانداد والاوثان التي لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فان هذا باطل وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة الا اتباع هو الذي اتباعه اعظم الضلال. ولهذا قال قل لا اتبع اهوائكم قد ضللت اذا. اي ان اتبعت اهوائكم وما انا من المهتدين بوجه من الوجوه. واما ما انا عليه من توحيد الله واخلاص العمل له. فانه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والادلة القاطعة وانا على بينة من ربي على يقين مبين بصحته وبطلان ما عداه. وهذه شهادة من الرسول جازمة لا تقبل التردد. وهو اعدل الشهود من الخلق على الاطلاق تصدق بها المؤمنون وتبين لهم من صحتها وصدقها بحسب ما من الله به عليهم. ولكنكم ايها المشركون كذبتم به وهو لا يستحق هذا منكم ولا يليق به الا التصديق. واذا استمررتم على تكذيبكم فاعلموا ان العذاب واقع بكم لا محالة. وهو عند الله الله هو الذي ينزله عليكم اذا شاء وكيف شاء. وان استعجلتم به فليس بيدي من الامر شيء. ان الحكم الا لله فكما انه هو الذي حكم بالحكم الشرعي فامر ونهى فانه سيحكم بالحكم الجزائي. فيثيب ويعاقب بحسب ما تقتضيه حكمته. فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع. وقد اوضح السبيل وقص على عباده الحق قصا. قطع به معاذيرهم وانقطعت له حجتهم. ليهلك من هلك عن ويحيى من حي عن بينة. وهو خير الفاصلين بين عباده في الدنيا والاخرة. فيفصل بينهم فصلا يحمده عليه. حتى من قضي عليه وجه الحق نحوه قل للمستعجلين بالعذاب جهلا وعنادا وظلما. لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر وبيني وبينكم فاوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك. ولكن الامر عند الحليم الصبور الذي يعصيه العاصون ويتجرأ عليه المتجر يضيئون وهو يعافيهم ويرزقهم ويسدي عليهم نعمه الظاهرة والباطنة. والله اعلم بالظالمين. لا يخفى عليه من احوالهم شيء فيمهلهم ولا يهملهم وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط منه ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس في كتاب مبين. هذه الاية العظيمة من اعظم الايات تفصيلا لعلمه المحيط. وانه شامل للغيوب كلها التي يطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين والانبياء المرسلين. فضلا عن غيرهم من العالمين وانه يعلم ما في البراري والقفار من الحيوانات والاشجار والرمال والحصى والتراب وما في البحار من حيواناتها ومعادنها وصيدها وغير ذلك مما تحتويه ارجائها ويشتمل عليه ماؤها. وما تسقط من ورقة من اشجار البر والبحر والبلدان والقفر والدنيا والاخرة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض من حبوب الثمار والزروع وحبوب البذور التي يبذرها الخلق وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها اصناف النباتات ولا رطب ولا يابس هذا عموم بعد خصوص. الا في كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ. قد حواها واشتمل عليها وبعض هذا المذكور يبهر عقول العقلاء ويذهل افئدة النبلاء. فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته في اوصافه كلها. وان القى من اولهم الى اخرهم لو اجتمعوا على ان يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك. فتبارك الرب العظيم الواسع العليم الحميد المجيد الشهيد المحيط. وجل من اله لا يحصي احد ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسه. وفوق ما يثني عليه عباده فهذه الاية دلت على علمه المحيط بجميع الاشياء وكتابه المحيط بجميع الحوادث قم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنار. ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون هذا كله تقرير لالوهيته واحتجاج على المشركين به. وبيان انه تعالى المستحق للحب والتعظيم والاجلال والاكرام. فاخبر انه المتفرد بتدبير عباده في يقظتهم ومنامهم. وانه يتوفاهم بالليل وفاة النوم. فتهدأ حركاتهم وتستريح ابدانهم ويبعثهم في اليقظة من نومهم ليتصرفوا في مصالحهم الدينية والدنيوية. وهو تعالى يعلم ما جرحوا وما كسبوا من تلك الاعمال. ثم لا يزال قال هكذا يتصرف فيهم حتى يستوفوا اجالهم. فيقضى بهذا التدبير اجل مسمى. وهو اجل الحياة واجل اخر فيما بعد ذلك وهو البعث بعد الموت. ولهذا قال ثم اليه مرجعكم لا الى غيره. ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. من خير وشر وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا احدكم انا ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين المراد بالخوض في ايات الله. التكلم بما يخالف الحق من تحسين المقالات الباطلة والدعوة اليها ومدح اهلها. والاعراض عن الحق وهم لا يفرطون. وهو تعالى القائل فوق عباده ينفذ فيهم ارادته الشاملة ومشيئته العامة. فليسوا يملكون من الامر شيئا. ولا يتحركون ولا يسكنون الا باذنه ومع ذلك فقد وكل بالعباد حفظة من الملائكة يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل. كما قال تعالى وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون. عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد. فهذا حفظه لهم في حال الحياة. حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا. اي الملائكة الموكلون بقبض الارواح وهم لا يفرطون في ذلك فلا يزيدون ساعة مما قدر الله وقضاه ولا ينقصون. ولا ينفذون من ذلك الا بحسب المراسيم الالهية والتقادير الربانية ان ثم بعد الموت والحياة البرزخية وما فيها من الخير والشر. ردوا الى الله مولاهم الحق. اي الذي تولاهم بحكمه القدري تنفذ فيهم ما شاء من انواع التدبير. ثم تولاهم بامره ونهيه وارسل اليهم الرسل. وانزل عليهم الكتب ثم ردوا اليه ليتولى الحكم بالجزاء ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات. ويعاقبهم على الشرور والسيئات. ولهذا قال الا له الحكم وحده لا شريك له وهو اسرع الحاسبين لكمال علمه وحفظه لاعمالهم لما اثبته في اللوح المحفوظ. ثم اثبتته ملائكته في الكتاب الذي بايديهم فاذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير. وهو القاهر فوق عباده. وقد اعتنى بهم كل الاعتناء في جميع احوالهم. وهو الذي له الحكم القدير والحكم الشرعي والحكم الجزائي. فاين للمشركين العدول عمن هذا وصفه ونعته؟ الى عبادة من ليس له من الامر شيء. ولا عنده قالوا ذرة من النفع ولا له قدرة ولا ارادة. اما والله لو علموا حلم الله عليهم وعفوه ورحمته بهم. وهم يبارزونه بالشرك والكفر ويتجرأون على عظمته بالافك والبهتان. وهو يعافيهم ويرزقهم. لان جذبت دواعيهم الى معرفته. وذهلت عقولهم في حبه ولمقتوا انفسهم اشد المقت. حيث انقادوا لداعي الشيطان الموجب للخزي والخسران. ولكنهم قوم لا يعقلون انجانا من هذه لان انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. اي قل للمشركين بالله الداعين معه الهة اخرى. ملزما لهم بما اثبتوه من توحيد الربوبية. على ما انكروا من توحيد الالهية. من ينجيكم من ظلمات البر والبحر اي شدائدهما ومشقاتهما. وحين يتعذر او يتعسر عليكم وجه الحيلة. فتدعون ربكم تضرعا بقلب خاضع ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء. وتقولون وانتم في تلك الحال لان انجانا من هذه الشدة التي وقعنا فيها. لنكونن من من الشاكرين لله. اي المعترفين بنعمته الواضعين لها في طاعة ربهم. الذين حفظوها عن ان يبذلوها في معصيته ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب. اي من هذه الشدة الخاصة. ومن جميع الكروب العامة. ثم انتم تشركون. لا ان لله بما قلتم وتنسون نعمه عليكم فاي برهان اوضح من هذا على بطلان الشرك وصحة التوحيد قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض. انظر كيف نصرف الآيات لعل لهم يفقهون. اي هو تعالى قادر على ارسال العذاب اليكم من كل جهة. من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم اي يخلطكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض. اي في الفتنة وقتل بعضكم بعضا. فهو قادر على ذلك كله فاحذروا من الاقامة على معاصيه. فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم. ومع هذا فقد اخبر انه قادر على ذلك. ولكن من رحمته ان رفع عن هذه الامة العذاب من فوقهم بالرجم والحصب ونحوه. ومن تحت ارجلهم بالخسف. ولكن عاقب من عاقب منهم بان اذاق بعضهم بأسا وسلط بعضهم على بعض عقوبة عاجلة يراها المعتبرون. ويشعر بها العالمون. انظر كيف نصرف الايات اي ننوعها ونأتي بها على اوجه كثيرة وكلها دالة على الحق. لعلهم يفقهون اي يفهمون ما خلقوا من اجله ويفقهون الحقائق الشرعية والمطالب الالهية وكذب به اي بالقرآن قومك وهو الحق الذي لا مرية فيه. ولا شك يعتريه. قل لست عليكم بوكيل احفظ اعمالكم اجازيكم عليها وانما انا منذر ومبلغ لكل نبأ مستقر. اي وقت يستقر فيه. وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر. وسوف تعلمون توعدون به من العذاب واذا رأيت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره والقدح فيه وفي اهله. فامر الله رسوله اصلا وامته تبعا. اذا رأوا من يخوض بايات الله بشيء مما ذكر. بالاعراض عنهم وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل. والاستمرار على ذلك حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره. فاذا كان في كلام غيره زال النهي المذكور. فان كان مصلحة كان مأمورا به. وان كان غير ذلك كان غير مفيد ولا مأمور به. وفي ذم الخوض بالباطل حث على البحث والنظر والمناظرة بالحق. ثم قال واما ينسينك الشيطان. اي بان جلست معهم على وجه النسيان والغفلة لا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. يشمل الخائضين بالباطل وكل متكلم بمحرم او فاعل لمحرم. فانه يحرم والحضور عند حضور المنكر. الذي لا يقدر على ازالته. هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم. ولم يستعمل تقوى الله بان كان يشاركهم في والعمل المحرم او يسكت عنهم وعن الانكار. فان استعمل تقوى الله تعالى بان كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منه فيترتب على ذلك زوال الشر او تخفيفه. فهذا ليس عليه حرج ولا اثم. ولهذا قال ولكن ذكرى لعلهم يتقون وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء. ولكن ذكرى لعلهم يتقون. اي ولكن ليذكرهم ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على انه ينبغي ان يستعمل المذكر من الكلام ما يكون اقرب الى حصول مقصود التقوى وفيه دليل على انه اذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا الى شره الى ان تركه هو الواجب لانه اذا ناقض المقصود كان تركه مقصودا المقصود من العباد ان يخلصوا لله بان يعبدوه وحده لا شريك له. ويبذل مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لاقبال القلب على الله وتوجهه اليه وكون سعي العبد نافعا وجدا لا هزلا واخلاصا لوجه الله لا رياء وسمعة. هذا هو الدين الحقيقي الذي يقال له دين. فاما من زعم انه على الحق وانه صاحب دين وتقوى. وقد اتخذ دينه لعبا ولهوا بان لها قلبه عن محبة الله ومعرفته. واقبل على كل ما يضره ولها في باطله ولعب فيه ببدنه. لان العمل والسعي اذا كان لغير الله فهو لعب. فهذا امر الله تعالى ان يترك ويحذر ولا يغتر به وتنظر حاله ويحذر من فعاله ولا يغتر بتعويقه عما يقرب الى الله وذكر به اي ذكر بالقرآن ما ينفع العباد امرا وتفصيلا وتحسينا له بذكر ما فيه من اوصاف الحسن. وما يضر العباد نهيا عنه وتفصيلا لانواعه. وبيان ما فيه فيه من الاوصاف القبيحة الشنيعة الداعية لتركه. وكل هذا لان لا تبسل نفس بما كسبت. اي قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرؤه على علام الغيوب واستمرارها على ذلك المرهوب. فذكرها وعظها لترتدع وتنزجر وتكف عن فعلها. وقوله ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع. اي قبل ان تحيط بها ذنوبها ثم لا ينفعها احد من الخلق. لا قريب ولا صديق ولا يتولاها من دون الله احد ولا يشفع لها شافع وان تعدل كل عدل اي تفتدي بكل فداء ولو بملئ الارض ذهبا لا يؤخذ منها اي لا يقبل ولا يفيد اولئك الموصوفون بما ذكر الذين ابسلوا اي اهلكوا وايسوا من الخير. وذلك بما كسبوا لهم شراب من حمير اي ماء حار قد انتهى حره. يشوي وجوههم ويقطع امعائهم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ونرد على اعقابنا بعد اذ هدى الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران. حيران له اصحاب يدعونه قل يا ايها الرسول للمشركين بالله الداعين معه غيره الذين يدعونكم الى دينهم مبينا وشارحا لوصف الهتهم التي يكتفي العاقلين بذكر وصفها عن النهي عنها. فان كل عاقل اذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه قبل ان تقام البراهين على ذلك. فقال اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا. وهذا وصف يدخل فيه كل من عبد من دون الله. فانه لا ينفع ولا يضر. وليس له من الامر شيء ان الامر الا لله. ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله. اي وننقلب بعد هداية الله لنا الى الضلال. ومن الى الغيب ومن الصراط الموصل الى جنات النعيم. الى الطرق التي تفضي بسالكها الى العذاب الاليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد كالذي استهوته الشياطين في الارض. اي اضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه. الموصل له الى مقصده. فبقي حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى. والشياطين يدعونه الى الردى. فبقي بين الداعيين حائرا. وهذه حال الناس كلهم. الا من عصمه الله الله تعالى فانهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة. دواعي الرسالة والعقل الصحيح والفطرة المستقيمة. يدعونه الى الهدى والصعود الى اعلى عليين. ودواعي الشيطان ومن سلك مسلكه. والنفس الامارة بالسوء. يدعونه الى الضلال. والنزول الى اسفل سافلين فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في اموره كلها او اغلبها. ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان. ويتعارض عنده الجاذبان وفي هذا الموضع تعرف اهل السعادة من اهل الشقاوة وقوله قل ان هدى الله هو الهدى اي ليس الهدى الا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. وامرنا لنسلم لرب العالمين بان ننقاد لتوحيده ونستسلم لاوامره ونواهيه وندخل تحت رق عبوديته فان هذا افضل نعمة انعم الله بها على العباد. واكمل تربية اوصلها اليهم وان نقيموا الصلاة واتقوا وهو الذي اليه تحشرون. وان اقيموا الصلاة اي وامرنا ان نقيم الصلاة باركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. واتقوه بفعل ما امر به واجتناب ما عنه نهى. وهو الذي اليه تحشرون. اي تجمعون ليوم القيامة فيجازيكم باعمالكم خيرها وشرها ويوم يقول كن فيكون. قوله الحق وله الملك يوم ينفق في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. ويوم يقول كن فيكون قوله الحق. الذي لا مرية فيه ولا مثنوية ولا يقول شيئا عبثا وله الملك يوم ينفخ في الصور اي يوم القيامة خصه بالذكر مع انه مالك كل شيء لانه تنقطع فيه الاملاك فلا يبقى ملك الا الله الواحد القهار. عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير. الذي له الحكمة التامة والنعمة السابغة والاحسان العظيم. والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا. لا اله الا هو ولا رب سواه وان قال ابراهيم لابيه ازر تتخذ اصنام نانهة اني اراك وقومك في ضلال مبين يقول تعالى واذكر قصة ابراهيم عليه الصلاة والسلام. مثنيا عليه ومعظما في حال دعوته الى التوحيد. ونهيه عن الشرك اذ قال لابيه ازر اتتخذ اصناما الهة؟ اي لا تنفع ولا تضر وليس لها من الامر شيء. اني اراك وقومك في ضلال المبين حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا. وتركتم عبادة خالقكم ورازقكم ومدبركم. وكذلك نريد ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين. وكذلك حين وفقناه للتوحيد والدعوة اليه نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض. اي ليرى ببصيرته ما اشتملت عليه من الادلة القاطعة والبراهين الساطعة. وليكون من فانه بحسب قيام الادلة يحصل له الايقان. والعلم التام بجميع المطالب كوكبا قال هذا ربي فلما افلقانا لا احب فلما جن عليه الليل اي اظلم رأى كوكبا لعله من الكواكب المضيئة. لان تخصيصه بالذكر يدل على زيادته عن غيره. ولهذا والله اعلم قال من قال انه الزهرة. قال هذا ربي اي على وجه التنزل مع الخصم. اي هذا ربي فهلم ننظر؟ هل يستحق الربوبية وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فانه لا ينبغي لعاقل ان يتخذ الهه هواه بغير حجة ولا برهان. فلما افل اي غاب ذلك الكوكب قال لا احب الافلين. اي الذي يغيب ويختفي عمن عبده. فان المعبود لا بد ان يكون قائما بمصالح من عبده. ومدبر له في جميع شؤونه. فاما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب. فمن اين يستحق العبادة؟ وهل اتخاذه الها الا من اسفه السفه وابطل الباطل فلما رأى القمر بازغا اي ورأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها. قال هذا ربي تنزلا. فلما افل قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. فافتقر غاية الافتقار الى هداية ربه. وعلم انه ان لم يهده الله فلا هادي له. وان لم يعنه على طاعته فلا معين له قال يا قومي فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر من الكوكب ومن القمر فلما افلت تقرر حينئذ الهدى واضمحل الردى. فقال يا قومي اني بريء مما تشركون. حيث قام البرهان الصادق اضحوا على بطلانه اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا. اي لله وحده مقبلا عليه معرضا عمن سواه. وما انا من المشركين فتبرأ من الشرك واذعن بالتوحيد. واقام على ذلك البرهان. وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الايات هو الصواب. وهو ان المقام مقام مناظرة من ابراهيم لقومه. وبيان بطلانية الهية هذه الاجرام العلوية وغيرها واما من قال انه مقام نظر في حال طفوليته فليس عليه دليل. وحاج قد هدانا ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربي شيئا وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدانا اي فائدة المحاجة لمن لم يتبين له الهدى. فاما من هداه الله ووصل الى اعلى درجات اليقين. فانه هو بنفسه يدعو الناس الى ما هو عليه. ولا اخاف ما تشركون به فانها لن تضرني ولن تمنع عني من النفع شيئا. الا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما. افلا تتذكرون؟ فتعلمون انه وحده المعبود المستحق للعبودية. وكيف الله ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به ما لم ينزل فاي الفريقين احق بالامن وكيف اخاف ما اشركتم وحالها حال العجز وعدم النفع. ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا اي الا بمجرد اتباع الهوى. فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون؟ قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين مهتدون. الذين امنوا ولم يلبسوا ان يخلطوا ايمانهم بظلم. اولئك لهم الامن وهم مهتدون الامن من المخاوف والعذاب والشقاء. والهداية الى الصراط المستقيم. فان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بظلم مطلقا. لا بشرك ولا بمعاصي حصل لهم الامن التام والهداية التامة. وان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بالشرك وحده. ولكنهم يعملون السيئات. حصل لهم اصل الهداية واصل الامن وان لم يحصل لهم كمالها ومفهوم الاية الكريمة ان الذين لم يحصل لهم الامران لم يحصل لهم هداية ولا امن بل حظهم الضلال والشقاء ولما حكم لابراهيم عليه السلام بما بين به من البراهين القاطعة قال نرفع درجات وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه اي علا بها عليهم وفلجهم بها. نرفع درجات من نشاء كما رفعنا درجات ابراهيم عليه فيه السلام في الدنيا والاخرة. فان العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات. خصوصا العالم العامل المعلم. فانه يجعله الله اماما للناس بحسب حاله ترمق افعاله وتقتفى اثاره ويستضاء بنوره ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال الله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات. ان ربك حكيم عليم. فلا يضع العلم والحكمة الا في المحل اللائق به وهو اعلم بذلك المحل وبما ينبغي له ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذليته داود وهارون وكذلك نجزي المحسنين. لما ذكر الله تعالى وخليله إبراهيم عليه السلام. وذكر ما من الله عليه به من العلم والدعوة والصبر. ذكر ما اكرمه الله به من الذرية الصالحة والنسل الطيب وان الله جعل صفوة الخلق من نسله. واعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة. التي لا يدرك لها نظير. فقال ووهبنا له اسحاق ويعقوب ابنه الذي هو اسرائيل ابو الشعب الذي فضله الله على العالمين. كلا منهما هدينا الصراط المستقيم في علمه وعمله ونوحا هدينا من قبل وهدايته من انواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل الا لافراد من العالم وهم اولو العزم من الرسل الذي هو احدهم ومن ذريته يحتمل ان الضمير عائد الى نوح لانه اقرب مذكور. ولان الله ذكر مع من ذكر لوطا وهو من ذرية نوح لا من ذرية ابراهيم لانه ابن اخيه. ويحتمل ان الضمير يعود الى ابراهيم. لان السياق في مدحه والثناء عليه علي ولوط وان لم يكن من ذريته فانه ممن امن على يده. فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك ابلغ من كونه مجرد النملة داوود وسليمان ابن داود وايوب ويوسف ابن يعقوب وموسى وهارون ابني عمران وكذلك كما اصلحنا ذرية ابراهيم الخليل لانه احسن في عبادة ربه واحسن في نفع الخلق. كذلك نجزي المحسنين بان نجعل لهم من الثناء الصدق والذرية الصالحة بحسب احسانهم وزكريا ويحيى ابنه وعيسى ابن مريم والياس كل من هؤلاء من الصالحين في اخلاقهم واعمالهم وعلومهم بل هم سادة الصالحين وقادتهم وائمتهم واسماعيل ابن ابراهيم ابو الشعب الذي هو افضل الشعوب. وهو الشعب العربي. ووالد سيد ولد ادم محمد صلى الله عليه وسلم. ويونس ابن متى ولوطا ابن هارون. اخي ابراهيم وكلا من هؤلاء الانبياء والمرسلين فضلنا على العالمين لان درجات الفضائل اربع وهي التي ذكرها الله بقوله ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فهؤلاء من الدرجة العليا بل هم افضل الرسل على الاطلاق. فالرسل الذين قصهم الله في كتابه افضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك ومن ابائهم وذرياتهم واخوانهم وهديناهم الى صراط ومن ابائهم اي اباء هؤلاء المذكورين وذرياتهم واخوانهم اي هدينا من لهؤلاء وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم اي اخترناهم وهديناهم الى صراط مستقيم. ذلك هدى الله اهدي به من يشاء من عبادي ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ذلك الهدى المذكور. هدى الله الذي لا هدى الا هداه. يهدي به من يشاء من عباده. فاطلبوا منه الهدى فانه ان لم يهديكم فلا هادي لكم غيره. وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. ولو اشركوا على الفرض والتقدير لحبط ثم كانوا يعملون فان الشرك محبط للعمل موجب للخلود في النار. فاذا كان هؤلاء الصفوة الاخيار لو اشركوا وحاشاهم فحبطت اعمالهم فغيرهم اولى. اولئك الذين هدى الله فبهداهم مقتدين قل لا اسألكم عليه اجرا ان هو الا ذكرى للعالمين. اولئك المذكورون الذين هدى الله فبهداهم مقتضى ايمشي ايها الرسول الكريم خلف هؤلاء الانبياء الاخيار واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم فاهتدى بهدي الرسل قبله وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين. وكان سيد المرسلين وامام المتقين. صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين. وبهذا الملحظ استدل من استدل من الصحابة ان الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل الرسل كلهم. قل للذين اعرضوا عن دعوتك لا اسألكم عليه اجرا. اي لا اطلب منكم مغرما ومالا جزاء عن ابلاغي اياكم ودعوتي لكم. فيكون من اسباب امتناعكم ان اجري الا على الله ان هو الا ذكرى للعالمين يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيذرونه. ويتذكرون به معرفة ربهم باسمائه واوصافه. ويتذكرون به الاخلاق الحميدة والطرق الموصلة اليها والاخلاق الرذيلة والطرق المفضية اليها. فان كان ذكرى للعالمين كان اعظم نعمة انعم الله الله بها عليهم فعليهم قبولها والشكر عليها. وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا. وعلمتم ما لم تعلموا في خوضهم يلعبون. هذا تشنيع من الله على امنا في الرسالة من اليهود والمشركين وزعم ان الله ما انزل على بشر من شيء فمن قال هذا فما قدر الله حق قدره ولا عظم ما هو حق عظمته؟ اذ هذا قدح في حكمته. وزعم انه يترك عباده هملا. لا يأمرهم ولا ينهاهم. ونفي لاعظم منة امتن الله بها على عباده. وهي الرسالة التي لا طريق للعباد الى نيل السعادة والكرامة والفلاح الا بها. فاي قدح في الله اعظم من هذا قل لهم ملزما بفساد قولهم وقررهم بما به يقرون. من انزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو التوراة العظيمة نورا في ظلمات الجهل وهدى من الضلالة وهاديا الى الصراط المستقيم علما وعملا. وهو الكتاب الذي شاع وذاع وملأ ذكره القلوب الاسماع حتى انهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس ويتصرفون فيه بما شاءوا. فما وافق اهواءهم منه ابدوه واظهروه. وما خالف فذلك اخفوه وكتموه. وذلك كثير. وعلمتم من العلوم التي بسبب ذلك الكتاب الجليل. ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم فاذا سألتهم عن من انزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات. فاجب عن هذا السؤال وقل الله الذي انزله. فحينئذ يتضح الحق وينجز لي مثل الشمس وتقوم عليهم الحجة. ثم اذا الزمتهم بهذا الالزام ذرهم في خوضهم يلعبون. اي اتركهم يخوضوا في الباطل ويلعب بما لا فائدة فيه. حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. وهذا كتاب انزلناه مبارك الذي بين يديه ولكل القرى ومن حولها والذين يؤمنون ايوه هذا القرآن الذي انزلناه اليك مبارك اي وصفه البركة. وذلك لكثرة خيراته وسعة مضراته. مصداق الذي بين يديه اي موافق للكتب السابقة شهدوا لها بالصدق ولتنذر ام القرى ومن حولها. اي وانزلناه ايضا لتنذر ام القرى. وهي مكة المكرمة. ومن حولها من ديار العرب بل ومن سائر البلدان فتحذر الناس عقوبة الله واخذه الامم. وتحذرهم مما يوجب ذلك. والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به لان الخوف اذا كان في القلب عمرت اركانه وانقاد لمراضي الله وهم على صلاتهم يحافظون اي يداومون عليها ويحفظون اركانها وحدودها وشروطها وادابها ومكملاتها. جعلنا الله منهم ومن قال مثل ما انزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت قاتل الموت والملائكة باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم والملائكة ماسك ايديهم مخرجوا اليوم تجزئون عذابا اليوم تجزئون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير يقول تعالى لا احد اعظم ظلما ولا اكبر جرما ممن كذب على الله بان نسب الى الله قولا او حكما. وهو تعالى بريء منه. وانما كان هذا اظلم الخلق. لان فيه من الكذب وتغيير الاديان اصولها وفروعها ونسبة ذلك الى الله ما هو من اكبر المفاسد. ويدخل في ذلك ادعاء النبوة. وان الله يوحي اليه وهو كاذب في ذلك فانه مع كذبه على الله وجرأته على عظمته وسلطانه. يوجب على الخلق ان يتبعوه. ويجاهدهم على ذلك. ويستحق الذي ما امن خالفه واموالهم ويدخل في هذه الاية كل من ادعى النبوة كمسيلمة الكذاب والاسود العنسي والمختار ممن اتصف بهذا الوصف. ومن قال سانزل مثل ما انزل الله. اي ومن اظلموا ممن زعم انه يقدر على ما يقدر الله عليه الله في احكامه ويشرع في الشرائع كما شرعه الله. ويدخل في هذا كل من يزعم انه يقدر على معارضة القرآن. وانه في امكانه ان يأتي بمثله واي ظلم اعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات الناقص من كل وجه. مشاركة القوي الغني الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه في ذاته واسمائه وصفاته. ولما ذم الظالمين ذكر ما اعد له من العقوبة في حال الاحتضار. ويوم القيامة فقال ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت اي شدائده واهواله الفظيعة وكربه الشنيعة لرأيت امرا هائلا وحالة لا الواصف ان يصفها والملائكة باسط ايديهم الى اولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب. يقولون لهم عند منازعة ارواحهم قلقها وتعصيها للخروج من الابدان. اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون. اي العذاب الشديد الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل. فان هذا العذاب بما كنتم تقولون على الله غير الحق. من كذبكم عليه وردكم للحق الذي جاءت به الرسل وكنتم عن اياته تستكبرون. اي ترفعون عن الانقياد لها والاستسلام لاحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه. فانها هذا الخطاب والعذاب الموجه اليهم. انما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده. وفيه دليل على ان الروح جسم يدخل ويخرج. ويخاطب ويساكن الجسد ويفارقه. فهذه حالهم في البرزخ. واما يوم القيامة كما خلقناكم اول مرة ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم وما نرى معكم شفعاء الذين زعمتم انهم فيكم شر لقد فانهم اذا وردوا وردوها مفلسين فرادى بلا اهل ولا مال ولا اولاد ولا جنود ولا انصار. كما خلقهم الله اول مرة عارين من كل كل شيء فان الاشياء انما تتمول وتحصل بعد ذلك باسبابها التي هي اسبابها. وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الامور التي كانت مع العبد في الدنيا سوى العمل الصالح والعمل السيء. الذي هو مادة الدار الاخرة الذي تنشأ عنه. ويكون حسنها وقبحها وسرورها وغمومها وعذابها ونعيمها بحسب الاعمال فهي التي تنفع او تضر وتسوء او تسر. وما سواها من الاهل والولد والمال انصار فعواري خارجية واوصاف زائلة واحوال حائلة. ولهذا قال الله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم معكم اول مرة وتركتم ما خولناكم. اي اعطيناكم وانعمنا به عليكم. وراء ظهوركم لا يغنون عنكم شيئا وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. فان المشركين يشركون بالله ويعبدون معه الملائكة والانبياء والصالحون وغيرهم وهم كلهم لله. ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من انفسهم. وشركة في عبادتهم. وهذا زعم منهم وظلم فان الجميع عبيد لله والله مالكهم. والمستحق لعبادتهم فشركهم في العبادة وصرفها لبعض العبيد. تنزيل لهم منزلة الخالق المالك فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة. وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم اي تقطعت الوصل والاسباب بينكم وبين شركائكم من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تجد شيئا اه وضل عنكم ما كنتم تزعمون من الربح والامن والسعادة والنجاة. التي زينها لكم الشيطان وحسنها في قلوبكم. فنطقت بها واغتربتم بهذا الزعم الباطل الذي لا حقيقة له. حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون. وظهر انكم الخاسرون لانفسكم واموالكم ذلكم الله يخبر تعالى عن كماله وعظمة سلطانه وقوة اقتداره وسعة رحمته عموم كرمه وشدة عنايته بخلقه. فقال ان الله فالق الحب والنوى شامل لسائر الحبوب التي يباشر الناس زرعها والتي لا يباشرونها كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار. فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت على اختلاف انواعها واشكالها ويفلق النوى عن الاشجار من النخيل والفواكه وغير ذلك. فينتفع الخلق من الادميين والانعام والدواب. ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ويقتاتون وينتفعون بجميع انواع المنافع التي جعلها الله في ذلك. ويريهم الله من بره واحسانه ما يظهر العقول تذهل الفحول ويريهم من بدائع صنعته وكمال حكمته. ما به يعرفونه ويوحدونه. ويعلمون انه هو الحق. وان عبادة كما سواه باطلة. يخرج الحي من الميت كما يخرج من المني حيوانا. ومن البيضة فرخا. ومن الحب والنوى زرعا وشجرا مخرج الميت وهو الذي لا نمو فيه او لا روح. من الحي كما يخرج من الاشجار والزروع النوى والحب. ويخرج من الطائر بيضا نحو ذلك ذلكم الذي فعل ما فعل وانفرد بخلق هذه الاشياء وتدبيرها الله ربكم الذي له الالوهية والعبادة عليه خلقه اجمعين وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه وغذاهم بكرمه فانى تؤفكون اي فانى تصرفون وتصدون عن عبادة لمن هذا شأنه الى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولما ذكر تعالى مادة خلق الاقوال ذكر منته بتهيئة المساكن وخلقه كل ما يحتاج اليه العباد من الضياء والظلمة. وما يترتب على ذلك من انواع المنافع والمصالح فقال وجعل الليل سكنا فالق الاصباح اي كما انه فالق الحب والنوى. كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي الشامل لما على وجه الارض. بضياء الصبح الذي يفلقه شيئا فشيئا حتى تذهب ظلمة الليل كلها. ويخلفها الضياء والنور العام. الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ومعايشهم. ومنافع دينهم ودنياهم. ولما كان الخلق محتاجين الى السكون والاستقرار والراحة. التي لا تتم بوجود النهار والنور. جعل الله الليل سكنا يسكن فيه ادميون الى دورهم ومنامهم. والانعام الى مأواها. والطيور الى اوكارها. فتأخذ نصيبها من الراحة. ثم يزيل الله ذلك ابن ضياء وهكذا ابدا الى يوم القيامة. وجعل تعالى الشمس والقمر حسبانا. بها تعرف الازمنة والاوقات. فتنضبط بذلك اوقات عبادات واجال المعاملات. ويعرف بها مدة ما مضى من الاوقات. التي لولا وجود الشمس والقمر وتناوبهما واختلافهما. لما عرف ذلك عامة الناس واشتركوا في علمه. بل كان لا يعرفه الا افراد من الناس بعد الاجتهاد. وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت ذلك التقدير المذكور. تقدير العزيز العليم الذي من عزتهم قادت له هذه المخلوقات العظيمة. فجرت مذللة مسخرة بامره بحيث لا تتعدى ما حده الله لها ولا تتقدم عنه ولا تتأخر. العليم الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن والاوائل والاوائل واخر ومن الادلة العقلية على احاطة علمه تسخير هذه المخلوقات العظيمة على تقدير ونظام بديع. تحير العقول في حسنه ماله وموافقته للمصالح والحكم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر حين تشتبه عليكم المسالك ويتحير في سيره السالك. فجعل الله النجوم هداية للخلق الى السبل. التي يحتاجون الى سلوكها مصالحهم وتجاراتهم واسفارهم. منها نجوم لا تزال ترى ولا تسير عن محلها. ومنها ما هو مستمر السير. يعرف سيره اهل المعرفة بذلك ويعرفون به الجهات والاوقات. ودلت هذه الاية نحوها على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالها. الذي يسمى التسيير فانه لا تتم الهداية ولا تمكن الا بذلك. قد فصلنا الايات اي بيناها ووضحناها وميزنا كل جنس نوع منها عن الاخر بحيث صارت ايات الله بادية ظاهرة لقوم يعلمون اي لاهل العلم والمعرفة فانهم الذين يوجه اليهم الخطاب ويطلب منهم الجواب بخلاف اهل الجهل والجفاء. المعرضين عن ايات الله وعن العلم الذي جاءت به الرسل. فان البيان لا يفيد شيئا والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا. والايضاح لا يكشف لهم مشكلة نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم وهو الذي انشأكم من نفس واحدة وهو ادم عليه السلام انشأ الله منه هذا العنصر الادمي الذي قد ملأ الارض ولم يزل في زيادة ونمو. الذي قد تفاوت في اخلاقه وخلقه واوصافه تفاوتا لا يمكن ضبطه. ولا يدرك وصفه وجعل الله لهم مستقرا. اي منتهى ينتهون اليه. وغاية يساقون اليها. وهي دار القرار التي لا مستقر ورائها. ولا اية فوقها فهذه الدار هي التي خلق الخلق لسكناها. واوجدوا في الدنيا ليسعوا في اسبابها. التي تنشأ عليها وتعمر بها اودعهم الله في اصلاب ابائهم وارحام امهاتهم. ثم في دار الدنيا ثم في البرزخ. كل ذلك على وجه الوديعة التي لا تستقر ولا تثبت بل ينتقل منها حتى يوصل الى الدار التي هي المستقر. واما هذه الدار فانها مستودع وممر. قد فصلنا الايات لقوم من يفقهون عن الله اياته ويفهمون عنه حججه وبيناته فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا منه خضرا والزيتون والرنان مشتبها لقوم يؤمنون. وهذا من اعظم منته العظيمة التي يضطر اليها الخلق من الادميين وغيرهم. وهو انه انزل من السماء ماء متتابعا وقت حاجة الناس اليه. فانبت الله به كل شيء مما يأكل الناس والانعام. فرتع الخلق بفضل الله وانبسطوا وفرحوا باحسانه وزال عنهم الجدب واليأس والقحط. ففرحت القلوب واسفرت الوجوه. وحصل للعباد من رحمة الرحيم الرحمن. ما ابيه يتمتعون وبه يرتعون. ما يوجب لهم ان يبذلوا جهدهم في شكر من اسدى النعم. وعبادته والانابة اليه والمحبة له. ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء من انواع الاشجار والنبات. ذكر الزرع والنخل لكثرة نفعهما وكونهما قوت لاكثر الناس فقال فاخرجنا منه نخرج منه اي من ذلك النبات الخظر حبا متراكبا. بعضه فوق بعض من بر وشعير وذرة وارز. وغير ذلك من اصناف زروع وفي وصفه بانه متراكب. اشارة الى ان حبوبه متعددة. وجميعها تستمد من مادة واحدة. وهي لا تختلط بل هي متفرقة الحبوب مجتمعة الاصول واشارة ايضا الى كثرتها وشمول ريعها وغلتها ليبقى اصل البذر ويبقى بقية كثيرة والادخار ومن النخل اخرج الله من طلعها. وهو الكفراء والوعاء قبل ظهور القنو منه. فيخرج من ذلك الوعاء. قنوان دانية اي قريبة سهلة التناول متدلية على من ارادها بحيث لا يعصر التناول من النخل وان طالت. فانه يوجد فيها كرب ومراقي يسهل وعودها واخرج تعالى بالماء جنات من اعناب والزيتون والرمان. فهذه من الاشجار الكثيرة النفع العظيمة الوقع. فلذلك خصص الله بالذكر بعد ان عم جميع الاشجار والنوابت. وقوله مشتبها وغير متشابه. يحتمل ان يرجع الى الرمان والزيتون. اي مشتبها في شجره وورقه غير متشابه في ثمره. ويحتمل ان يرجع ذلك الى سائر الاشجار والفواكه. وان بعضها مشتبه يشبه بعضه بعضا ويتقارب في بعض اوصافه. وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره. والكل ينتفع به العباد ويتفكهون. ويقتاتون ويعتبرون. ولهذا امر تعالى بالاعتبار به فقال انظروا نظر فكر واعتبار الى ثمره اي الاشجار كلها خصوصا النخل اذا اثمر وينعه اينظروا اليه وقت اطلاعه ووقت نضجه وايناعه فان في ذلك عبرا وايات يستدل بها على رحمة الله وسعة احسانه وجوده كما لاقتداره وعنايته بعباده. ولكن ليس كل احد يعتبر ويتفكر. وليس كل من تفكر ادرك المعنى المقصود. ولهذا قيدت الانتفاع بالايات بالمؤمنين. فقال ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون. فان المؤمنين يحملهم ما معهم من الايمان على العمل بمقتضى ولوازمه التي منها التفكر في ايات الله والاستنتاج منها ما يراد منها وما تدل عليه عقلا وفطرة وشرعا الجن وخلقهم وخلقوا له بنين وبنات سبحانه وتعالى تعالى انه مع احسانه لعباده وتعرفه اليهم باياته البينات وحججه الواضحات. ان المشركين به من قريش وغيرهم جعلوا له يدعونهم ويعبدونهم من الجن والملائكة. الذين هم خلق من خلق الله ليس فيه من خصائص الربوبية والالوهية شيء. فجعلوها شركاء لمن له الخلق والامر وهو المنعم بسائر اصناف النعم. الدافع لجميع النقم. وكذلك خرق المشركون. اي ائتفكوا وافتروا من تلقاء انفسهم بنين وبنات بغير علم منهم. ومن اظلم ممن قال على الله بلا علم. وافترى عليه اشنع النقص. الذي يجب تنزيه الله عنه لهذا نزه نفسه عما افتراه عليه المشركون. فقال سبحانه وتعالى عما يصفون. فانه تعالى الموصوف بكل كمال. المنزه عن كل بنقص وافة وعيب. بديع السماوات والارض انا وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. بديع السماوات والارض اي خالقهما ومتقن صنعتهما على غير مثال سابق باحسن خلق ونظام وبهاء. لا تقترح عقول اولي الالباب مثله وليس له في خلقهما مشارك انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة اي كيف يكون لله الولد وهو الاله السيد الصمد الذي الى صاحبة له اي لا زوجة وهو الغني عن مخلوقاته وكلها فقيرة اليه. مضطرة في جميع احوالها اليه. والولد لا بد ان يكون من جنس لوالده والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه. ولما ذكر عموم خلقه للاشياء ذكر علمه بها فقال وهو بكل شيء عليم. وفي ذكر العلم بعد الخلق اشارة الى الدليل العقلي الى ثبوت علمه. وهو هذه مخلوقات وما اشتملت عليه من النظام التام والخلق الباهر. فان في ذلك دلالة على سعة علم الخالق وكمال حكمته. كما قال تعالى الا من خلق وهو اللطيف الخبير. وكما قال تعالى وهو الخلاق العليم لا اله الا هو لا اله الا هو خالقك وهو على كل شيء وكيد ذلكم الذي خلق ما خلق وقدر ما قدر. الله ربكم اي المألوف المعبود الذي يستحق نهاية ونهاية الحب الرب الذي ربى جميع الخلق بالنعم وصرف عنهم صنوف النقم. لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه. اي اذا استقر وثبت انه الله الذي لا اله الا هو فاصرفوا له جميع انواع العبادة واخلصوها لله واقصدوا بها وجهه فان هذا هو المقصود من الخلق الذي خلقوا لاجله وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وهو على كل شيء وكيل. اي جميع الاشياء تحت وكالة الله وتدبيره. خلقا وتدبيرا وتصريفا. ومن المعلوم ان الامر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه وكمال انتظامه. بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الاشياء ليست من جنس وكالة الخلق. فان وكالتهم وكالة نيابة. والوكيل فيها تابع لموكله. واما الباري تبارك وتعالى فوكالته من نفسه لنفسه متضمنة لكمال العلم وحسن التدبير والاحسان فيه والعدل. فلا يمكن لاحد ان يستدرك على الله ولا يرى وفي خلقه خللا ولا فطورا ولا في تدبيره نقصا وعيبا. ومن وكالته انه تعالى توكل ببيان دينه وحفظه عن المزيلات والمغيرات وانه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل ايمانهم ودينهم لا تدركه الانصار وهو يدرك الابصار لا تدركه الابصار لعظمته وجلاله وكماله اي لا تحيط به الامصار. وان كانت تراه وتفرح بالنظر الى وجهه الكريم. فنفي الادراك لا ينفي الرؤيا بل يثبتها بالمفهوم. فانه اذا نفى الادراك الذي هو اخص اوصاف الرؤية. دل على ان الرؤية ثابتة. فانه لو اراد نفي الرؤيا لقال لا تراه الابصار ونحو ذلك فعلم انه ليس في الاية حجة لمذهب معطلة. الذين ينفون رؤية ربهم في الاخرة. بل فيها ما يدل على نقيض قولهم. وهو يدرك الابصار اي هو الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن. وسمعه بجميع الاصوات الظاهرة والخفية. وبصره بجميع المبصرات. صغارها وكبارها كره ولهذا قال وهو اللطيف الخبير الذي لطف علمه وخبرته ودق حتى ادرك السرائر والخفايا والخبايا والبواطن ومن لطفه انه يسوق عبده الى مصالح دينه. ويوصلها اليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد. ولا يسعى فيها. ويوصله الى السعادة الابدية فلاح الصرمدي من حيث لا يحتسب. حتى انه يقدر عليه الامور التي يكرهها العبد ويتألم منها. ويدعو الله ان يزيلها. لعلمه ان دينه اصلح وان كماله متوقف عليها فسبحان اللطيف لما يشاء الرحيم بالمؤمنين فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليه آآ قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن فعليها وما انا عليكم بحفيظ. لما بين تعالى من الايات البينات والادلة الواضحات الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد نبه العباد عليها واخبر ان هدايتهم وضدها لانفسهم فقال قد جاءكم بصائر من ربكم اي ايات تبين الحق وتجعل زهول القلب بمنزلة الشمس للابصار. لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ وبيانه ووضوحه. ومطابقته للمعاني الجليلة والحقائق الجميلة لانها صادرة من الرب الذي ربى خلقه بصلوف نعمها الظاهرة والباطنة. التي من افضلها واجلها تبيين الايات وتوضيح المشكلات. فمن بتلك الايات مواقع العبرة وعمل بمقتضاها فلنفسه. فان الله هو الغني الحميد. ومن عمي بان بصر فلم يتبصر فلم ينزجر وبين له الحق. فمن قاد له ولا تواضع فانما عماه مضرته عليه. وما انا ايها الرسول عليكم بحفيظ احفظوا اعمالكم واراقبها على الدوام. انما علي البلاغ المبين وقد اديته وبلغت ما انزل الله الي. فهذه وظيفتي ومع الى ذلك فلست موظفا فيه ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم ولا تسبوا الذين يدعون من دون ان عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ينهى الله المؤمنين عن امر كان جائزا بل مشروعا في الاصل. وهو سب الهة المشركين التي اتخذت اوثانا والهة مع الله التي يتقرب الى الله باهانتها وسبها. ولكن لما كان هذا السب طريقا الى سب المشركين لرب العالمين. الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب وافة وسب وقدح نهى الله عن سب الهة المشركين. لانهم يحمون لدينهم ويتعصبون له. لان كل امة زين الله لهم عملهم فرأوه حسنا وذبوا عنه ودافعوا بكل طريق. حتى انهم ليسبون الله رب العالمين. الذي رسخت عظمته في قلوب الابرار والفجار اذا سب المسلمون الهتهم ولكن الخلق كلهم مرجعهم ومآلهم الى الله يوم القيامة. يعرضون عليه وتعرض اعمالهم فينبئهم بما كانوا يعملون من خير وشر. وفي هذه الاية الكريمة دليل القاعدة الشرعية. وهي ان الوسائل تعتبر بالامور التي توصل اليها وان وسائل المحرم ولو كانت جائزة تكون محرمة اذا كانت تفضي الى الشر ليؤمنن بها قل انما الايات ايوة اقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالله جهد ايمانهم اي قسم اجتهدوا فيه واكدوه بان جاءتهم اية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمنن بها وهذا الكلام الذي صدر منهم لم يكن قصدهم فيه الرشاد وانما قصدهم دفع الاعتراض عليهم. ورد ما جاء به الرسول قطعا. فان الله ايد رسوله صلى الله عليه وسلم بالايات البينات. والادلة التي عند الالتفات لها لا تبقي ادنى شبهة ولا اشكال في صحة ما جاء به. فطلبهم بعد ذلك للايات من باب التعنت. الذي لا يلزم اجابته بل قد يكون المنع من اجابتهم اصلح لهم. فان الله جرت سنته في عباده ان المقترحين للايات على رسلهم اذا جاءتهم لم يؤمنوا بها انه يعادلهم بالعقوبة. ولهذا قال قل انما الايات عند الله اي هو الذي يرسلها اذا شاء. ويمنعها اذا شاء ليس لي من الامر شيء. فطلبكم مني الايات ظلم وطلب لما لا املك. وانما توجهون الي توضيح ما جئتكم به وتصديقه قد حصل ومع ذلك فليس معلوما انهم اذا جاءتهم الايات يؤمنون ويصدقون. بل الغالب ممن هذه حاله انه لا يؤمن. ولهذا قال قال وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون. ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون. اي ونعاقبهم اذا لم يؤمنوا اول مرة يأتيهم فيه الداعي. وتقوم عليهم الحجة بتقليب القلوب والحيلولة بينهم وبين الايمان. وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم. وهذا من عدل الله وحكمته بعباده انهم الذين جنوا على انفسهم وفتح لهم الباب فلم يدخلوا وبين لهم الطريق فلم يسلكوا. فبعد ذلك اذا حرموا التوفيق كان مناسبا باحوالهم