فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الصابر الذي يحب الصابرين ويعينهم في جميع امورهم من اجل نعمه عليهم وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصياني وهو العفو فعفوه وسع الورى لولاه غار الارض بالسكان يعني انه تعالى الحليم الذي له الحلم الكامل المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل وهو الحي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران هذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله حيي ستير يستحي من عبده اذا مد يديه ان يردهما صفرا وهذا من رحمته وكرمه وكماله ان العبد يجاهره بالعصيان وهو الفقير الى ربه غاية الافتقار حتى انه لا يمكنه ان يفعل معصية الله الا بالتقوي عليها بنعم ربه ويستحي ربه الكريم الرؤوف الرحيم من هتكه وفضيحته واحلال العقوبة عليه فيستره بما يقيض له من اسباب الستر ما لا يخطر على البال ويعفو عنه ويغفر له ذنوبه فهو يتحبب الى عباده بالنعم وهم يتبغضون اليه بالمعاصي خيره اليه نازل بعدد اللحظات وشرهم اليه صاعد ولا يزال الملك الكريم يصعد اليه منهم بعمل قبيح ويستحي تبارك وتعالى ممن شاب في الاسلام ان يعذبه وممن يمد اليه يديه ان يردهما من غير شيء بل يدعو العباد الى دعائه ويعدهم بالاجابة وهو الحيي الستير يحب اهل الحياء والستر ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والاخرة ولهذا يكره من عبده اذا فعل معصية ان يذيعها بل يتوب اليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس وان من امقت الناس اليه من بات عاصيا والله يستره فيصبح يكشف ستر الله عليه وقال تعالى ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة فيقرره بذنوبه حتى اذا ظن انه قد هلك قال اني سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتابه بيمينه ومن العجب ان الكريم يستحي من فضيحة عبده والظالم الجاهل لا يستحي من ربه بل لا يزال دائبا في معصيته متبعا لسخطه يدعوه ربه الى بابه فيشرد عنه ويدعوه عدوه الى ولايته فيلبي دعوته قد اقبل على عدوه الذي يشقى بطاعته في دنياه واخراه وتولى عن وليه الذي كل السعادة في الاقبال عليه والاشتغال بخدمته وكل الارباح في معاملته افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ولما كان ترك الحق وترك بيانه على اي حال كان لا يكون من الحياء المحمود اخبر تعالى انه لا يستحي من الحق فقال والله لا يستحيي من الحق وقال ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها وذلك لان بيانه الحق لعباده باي طريق كان العفو الذي له العفو الشامل ومتعلق هذين الوصفين الكريمين معصية العاصين وذنوب المجرمين فان الذنوب في الاصل تقتضي ترتب اثارها عليها من العقوبات العاجلة فحلمه تعالى يقتضي امهال العاصين وعدم معاجلتهم بالعقوبة ليتوبوا من عصيانهم وعفوه تعالى يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصا اذا اتوا باسباب العفو من الاستغفار والتوبة النصوح فان حلمه وعفوه وسع اهل السماوات والارض فلولا حلمه وعفوه لغارت الارض بسكانها قال تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى وقال تعالى ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا وهو تعالى عفو يحب العفو ويحب من عباده ان يجتهدوا في تحصيل اسباب عفوه من السعي في مرضاته على الدوام والعفو عن زلات العباد قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ان وافقت ليلة القدر فبما ادعو قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني فمن سامح عباد الله سامحه الله ومن عفا عنهم عفا الله عنه ومن كماله تعالى ان عفوه مقرون بالقدرة فيعفو عن قدرة لا كمن يعفو لعجزه عن الانتقام ولهذا جمع الله بينهما في قوله فان الله كان عفوا قديرا ومن تمام حلمه وعفوه ان المجرم الذي افنى عمره بالكفر به وبرسله وبتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في محاربته ومحاربة اوليائه والحرص على اطفاء الحق واظهار الباطل انه اذا تاب توبة نصوحا ورجع اليه نادما على جرمه فانه يعفو عنه في ساعة واحدة جميع ما تقدم من المعاصي والاجرام قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وقال تعالى لما ذكر اصحاب الاخدود الذين حرقوا اولياءه المؤمنين بالنار يدعوهم الى التوبة ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق وقال النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وهو الصبور على اذى اعدائه شتموه بل نسبوه للبهتان قالوا له ولد وليس يعيدنا شتما وتكذيبا من الانسان هذا وذاك بسمعه وبعلمه لو شاء عاجلهم بكل هوان لكن يعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه بالشرك والكفران وهذه الابيات مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت الصحيح لا احد اصبر على اذى سمعه من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم وبما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال الله تعالى كذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن ادم ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس اول الخلق باهون علي من اعادته واما شتمه اياي فقوله ان لي ولدا وانا الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ولهذا قال المصنف وهو الصبور على اذى اعدائه شتموه اي سبوه سبا لا يليق بجلاله ونسبوه للبهتان الذي يتنزه عنه فالشتم هو السب بقولهم له ولد فان هذا مناقض لوحدانيته وغناه وانه مالك السماوات والارض كما قال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه عن هذه النسبة الباطلة التي لا تصدر الا من اعظم المبطلين ثم ذكر ما يدفع ذلك فقال هو الغني له ما في السماوات وما في الارض ثم ذكر مصدر هذا القول الذي قالوه وانهم يقولون ويتكلمون بلا علم وهذا من اعظم المحرمات فقال ان عندكم من سلطان بهذا اي ليس عندكم ادنى حجة بهذا القول الذي قلتم اتقولون على الله ما لا تعلمون ثم ذكر انه افتراء فقال قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله وقال تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والارض كل له قانتون ونسبته للبهتان هو تكذيبه بقول المنكرين للبعث لن يعيدنا وهذا تكذيب له ولرسله قال تعالى زعم الذين كفروا لي يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير وقال تعالى وهو الذي يبدأ الحلق ثم يعيده فلم يبالي المعاندون بقول الله بل كذبوه وقالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا ائنا ائنا لمبعوثون خلقا جديدا اي لا يكون ذلك بزعمهم فانهم من جهلهم قاسوا قدرة العظيم بقدرة العبد الضعيف ولم يفقهوا قوله تعالى مخبرا عن عظمته وكمال اقتداره ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس فقول المؤلف شتما عائد الى نسبة الولد له وقوله تكذيبا عائد لانكارهم البعث ثم قال هذا وذاك اي نسبة الولد والتكذيب بالبعث بسمعه تعالى يسمع ما به ينطقون ويعلم ما يسرون وما يعلنون والحال انه لو شاء لعاجلهم بكل هوان اي بكل عقوبة تستأصلهم لكمال قدرته وعدم امتناعهم عن تنفيذ ارادته فيهم ومع هذا يعافيهم ويرزقهم فيدر لهم الارزاق وينعم عليهم بالنعم وهم يؤذونه بالشرك والكفران فهل مثل هذا الصبر شيء فانه صبر متضمن لاحسانه وقدرته فان الصبر قد يوجبه عدم قدرة الصابر على مقابلة المؤذي وقد يصبر على الاذى ولا يحسن الى من اساء اليه واما الله تعالى فهو الصبور على الحقيقة يؤذيه العبد الضعيف العاجز بمعاداته ومعاداة رسله ومحاربة اوليائه والسعي في اطفاء دينه وناصيته بيد الله وهو المتصرف فيه في حركاته وسكناته ومع ذلك يمهله ويستدعيه الى التوبة ويحثه على الانابة ويدر عليه الارزاق الواسعة