المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه ينهى تعالى اهل الكتاب عن الغلو في الدين. وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع الى ما ليس بمشروع وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام ورفعه عن مقام النبوة والرسالة الى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله فكما ان التقصير والتفريط من المنهيات فالغلو كذلك. ولهذا قال ولا تقولوا على الله الا الحق. وهذا الكلام يتضمن ثلاثة اشياء امرين منهي عنهما وهما قول الكذب على الله والقول بلا علم في اسمائه وصفاته افعاله وشرعه ورسله. والثالث مأمور به وهو قول الحق في هذه الامور. ولما كانت هذه قاعدة عامة كل وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام نص على قول الحق فيه المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله اي غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل اليه من مراتب الكمال اعلى حالة تكون للمخلوقين وهي درجة الرسالة التي هي اعلى الدرجات واجل المثوبات. وانه كلمته القاها الى مريم اي كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى. ولم يكن تلك الكلمة وانما كان بها. وهذا من باب اضافة التشريف والتكريم وكذلك قوله وروح منه اي من الارواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والاخلاق الكاملة. ارسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام فحملت باذن الله بعيسى عليه السلام. فلما بين حقيقة عيسى عليه السلام امر اهل الكتاب بالايمان به وبرسله. ونهاهم ان يجعلوا الله ثالث ثلاثة. احدهم عيسى والثاني مريم فهذه مقالة النصارى قبحهم الله. فامرهم ان ينتهوا واخبر ان ذلك خير لهم. لانه الذي يتعين انه سبيل النجاة وما سواه فهو طرق الهلاك. ثم نزه نفسه عن الشريك والولد. فقال انما الله اله واحد. اي هو المنفرد بالالوهية الذي لا تنبغي العبادة الاله. سبحانه اي تنزه وتقدس ان يكون له ولد. لان له ما في السماوات وما في الارض فالكل مملوكون له مفتقرون اليه فمحال ان يكون له شريك منهم او ولد. ولما اخبر انه المالك للعالم العلوي والسفلي اخبر انه قائم بمصالحهم الدنيوية والاخروية. وحافظها ومجازيهم عليها تعالى ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا. لما ذكر تعالى والنصارى في عيسى عليه السلام. وذكر انه عبده ورسوله ذكر هنا انه لا يستنكف عن عبادته ربه. اي لا يمتنع عنها رغبة عنها لا هو ولا الملائكة المقربون. فنزههم عن الاستنكاف وتنزيههم عن الاستكبار من باب اولى. ونفي فيه اثبات ضده. اي فعيسى والملائكة المقربون قد رغبوا في عبادة ربهم واحبوها. وسعوا فيها بما يليق باحوالهم فاوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم. فلم يستنكفوا ان يكونوا عبيدا لربوبيته ولا لالهيته. بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار ولا يظن ان رفع عيسى او غيره من الخلق فوق مرتبته التي انزله الله فيها وترفعه عن العبادة كما ماذا؟ بل هو النقص بعينه وهو محل الذم والعقاب. ولهذا قال ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا اي فسيحشر الخلق كلهم اليه. المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين. فيحكم بينهم بحكمه العدل وجزاءه الفصل ثم فصل حكمه فيهم فقال فيهم اجورهم ويزيدهم من فضله. واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذب فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان المأمور به. وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات. من حقوق الله وحقوق عباده فيوفيهم اجورهم اي الاجور التي رتبها الله على الاعمال كل بحسب ايمانه وعمله. ويزيدهم من فضله من الثواب الذي لم تنله اعمالهم. ولم تصل اليه افعالهم ولم يخطر على قلوبهم. ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشاكل شارب والمناكح والمناظر والسرور ونعيم القلب والروح ونعيم البدن. بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الايمان والعمل الصالح. واما الذين استنكفوا واستكبروا اي عن عبادة الله تعالى فيعذبهم عذابا اليما. وهو سخط الله وغضبه والنار الموقدة التي تطلع على الافئدة. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. اي ايجدون احدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب. ولا من ينصرهم في دفع عنهم المرهوب. بل قد تخلى عنهم ارحم الراحمين وتركهم في عذابهم خالدين. وما حكم به تعالى فلا راد لحكمه ولا مغير لقضائه