بنا برك الغماد ما تخلف عنك احد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون. ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون. من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك. فلما رأى موسى عليه السلام عتوه المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كتاب مبين. لما ذكر تعالى ما اخذه الله على اهل الكتاب من اليهود والنصارى. وانهم نقضوا ذلك الا قليلا منهم امرهم جميعا ان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. واحتج عليهم باية قاطعة دالة على صحة نبوته. وهي انه بين لهم كثير مما يخفون عن الناس حتى عن العوام من اهل ملتهم. فاذا كانوا هم المشار اليهم في العلم ولا علم عند احد في ذلك الوقت الا ما عندهم الحريص على العلم لا سبيل له الى ادراكه الا منهم. فاتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم. الذي بين به ما كانوا ختمونه بينهم وهو امي لا يقرأ ولا يكتب. من ادل الدلائل على القطع برسالته. وذلك مثل صفة محمد في كتبهم ووجود في كتبهم وبيان اية الرجم ونحو ذلك. ويعفو عن كثير ان يتركوا بيان ما لا تقتضيه الحكمة. قد جاء ما اكن من الله نور وكتاب مبين. قد جاءكم من الله نور وهو القرآن. يستضاء قومه في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. وكتاب مبين لكل ما يحتاج اليه الخلق من امور دينهم ودنياهم. من العلم بالله واسمائه صفاته وافعاله. ومن العلم باحكامه الشرعية واحكامه الجزائية. ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن؟ وما هو السبب الذي من العبد في حصول ذلك فقال الى صراط مستقيم يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ان يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضات الله. وصار قصده حسنا. سبل السلام تسلم صاحبها من العذاب. وتوصله الى دار السلام. وهو العلم بالحق والعمل به. اجمالا وتفصيلا. ويخرجهم من ظلمات الكفر والبدعة والمعصية والجهل والغفلة الى نور الايمان والسنة والطاعة والعلم والذكر. وكل هذه الهداية باذن الله الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ويهديهم الى صراط مستقيم. لقد كفر الذين قالوا والله على كل شيء قدير. لما ذكر تعالى اخذ الميثاق على اهل الكتابين وانهم لم يقوموا به بل نقضوه. ذكر اقوالهم الشنيعة. فذكر قول النصارى القول الذي ما قاله احد غيرهم بان الله هو المسيح ابن مريم. ووجه شبهتهم انه ولد من غير اب. فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل. مع ان حواء نظيره خلق ثقت بلا ام وادم اولى منه. خلق بلا اب ولا ام. فهلا ادعوا فيهما الالهية كما ادعوها في المسيح. فدل على ان قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة. فرد الله عليهم بادلة عقلية واضحة. فقال فاذا كان المذكورون عندهم يمنعهم لو اراد الله ان يهلكهم ولا قدرة لهم على ذلك. دل على بطلان الهية من لا يمتنع من الاهلاك. ولا في قوته في شيء من الفكاك والارض وما بينهما يخلق ما يشاء آآ ومن الادلة ان لله وحده ملك السماوات والارض يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي وهم مملوكون مدركون فهل يليق ان يكون المملوك العبد الفقير الها معبودا غنيا من كل وجه؟ هذا من اعظم المحال. ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير اب. فان الله يخلق ما يشاء. ان شاء من اب وام كسائر بني ادم. وان شاء من اب بلا ام كحواء وان شاء من ام بلا اب كعيسى وان شاء من غير اب ولا ام كادم. فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة التي لا يستعصي عليها شيء. ولهذا قال ومن مقالات اليهود والنصارى ان كلا منهما ادعى دعوة باطلة يزكون بها انفسهم بان قال كل منهما الله يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق. يغفر لمن ويعلم من يشاء ولله ملك السماوات بان قال كل منهما نحن ابناء الله والابن في لغتهم هو الحبيب. ولم يريدوا البنوة الحقيقية. فان هذا ليس من مذهبهم الا مذهب النصارى في المسيح. قال الله وردا عليهم حيث ادعوا بلا برهان. قل فلمن يعذبكم بذنوبكم. فلو كنتم احبابه ما عذبكم. لكون الله لا يحب الا من قبل قام بمراضيه بل انتم بشر ممن خلق تجري عليكم احكام العدل والفضل اذا اتوا باسباب المغفرة او اسباب العذاب خلق السماوات والارض وما بينهما واليه المصير اي فاي شيء خصكم بهذه الفضيلة وانتم من جملة المماليك ومن جملة من يرجع الى الله في الدار الاخرة. فيجازيكم باعمالكم جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة. يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولون بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير يدعو تبارك وتعالى اهل كتاب بسبب ما من عليه من كتابه ان يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ويشكر الله تعالى الذي ارسله اليهم على حين فترة من الرسل وشدة حاجة اليه. وهذا مما يدعو الى الايمان به. وانه يبين لهم جميع المطالب الالهية والاحكام الشرعية. وقد قطع الله اللهم بذلك حجتهم لان لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ولا يبقون مطمئنين وهذه عقوبة دنيوية. لعل الله تعالى كفر بها عنهم. ودفع عنهم عقوبة اعظم منها. وفي هذا دليل على ان العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة او دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها او تأخرها الى وقت اخر. ولعل ونذير والله على كل شيء قدير. فقد جاءكم بشير ونذير يبشركم وبالثواب العاجل والاجل. وبالاعمال الموجبة لذلك. وصفة العاملين بها. وينذر بالعقاب العاجل والاجل. وبالاعمال الموجبة لذلك وصفة العاملين بها والله على كل شيء قدير. ان قادت الاشياء طوعا واذعانا لقدرته. فلا يستعصي عليه شيء منها. ومن قدرته انه ارسل الرسل وانزل الكتب وانه يثيب من اطاعهم ويعاقب من عصاهم وجعلكم ما لم يؤت احدا من العالمين. لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه واستعبادهم ذهبوا قاصدين لاوطانهم ومساكنهم. وهي بيت المقدس وما حواليه. وقاربوا وصول بيت المقدس. وكان الله قد فرض وعليهم جهاد عدوهم. ليخرجوه من ديارهم. فوعظهم موسى عليه السلام. وذكرهم ليقدموا على الجهاد. فقال لهم اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم والسنتكم. فان ذكرها داع الى محبته تعالى. ومنشط على العبادة. اذ جعل فيكم انبياء يدعونكم الى الهدى ويحذرونكم من الردى. ويحثونكم على سعادتكم الابدية. ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون. وجعلكم ملوكا تملكون امركم بحيث انه زال عنكم استعباد عدوكم لكم فكنتم تملكون امركم وتتمكنون من اقامة دينكم واتاكم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت احدا من العالمين فانهم في ذلك الزمان خيرة الخلق واكرمهم على الله وقد انعم عليهم بنعم ما كانت لغيرهم فذكرهم بالنعم الدينية والدنيوية الداعية ذلك لايمانهم وثباته وثباتهم على الجهاد واقدامهم عليه. ولهذا قال لا ترتد على ادباركم فتنقلبوا خاسرين. يا قوم ادخلوا الارض المقدسة اي المطهرة التي كتب الله لكم فاخبرهم خبرا تطمئن به انفسهم ان كانوا مؤمنين مصدقين بخبر الله وانه قد كتب الله لهم دخولها وانتصارهم على عدوهم. ولا ترتدوا اي ترجعوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين. قد خسرتم دنياكم بما فاتكم من النصر على الاعداء وفتح بلادكم واخرتكم بما فاتكم من الثواب. وما استحققتم بمعصيتكم من العقاب. فقالوا قولا يدل على ضعف قلوبهم وخور نفوسهم وعدم اهتمامهم بامر الله ورسوله شديدي القوة والشجاعة. اي فهذا من الموانع لنا من دخولها وهذا من الجبن وقلة اليقين والا فلو كان معهم رشدهم لعلموا انهم كلهم من بني ادم. وان القوي من اعانه الله بقوة من عنده فانه حول ولا قوة الا بالله. ولعلموا انهم سينصرون عليهم اذ وعدهم الله بذلك وعدا خاصا. قال رجلان من الذين حين يخافون انعم الله عليهم ادخلوا عليهم المانح. فاذا دخلتموه فانكم غافلون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. قال رجلان من الذين يخافون الله تعالى مشجعين لقومهم منهضين لهم على قتال عدوهم واحتلال بلادهم انعم الله عليهما بالتوفيق وكلمة الحق في هذا الموقف المحتاج الى مثل كلامهم وانعم عليهم بالصبر واليقين. ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون. اي ليس بينكم وبين نصركم عليهم الا ان تجزموا عليهم. وتدخلوا عليهم الباب. فاذا دخلتموه عليهم فانهم سيهزمون. ثم امرهم بعدة هي اقوى العدد فقال وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فان في التوكل على الله خصوصا في هذا الموطن. تيسيرا للامر ونصرا على الاعداء ودل هذا على وجوب التوكل. وعلى انه بحسب ايمان العبد يكون توكله. فلم ينجح فيهم هذا الكلام ولا نفع فيهم الملام فقالوا قول الاذلين فاذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون. فما اشنعها هذا الكلام منهم ومواجهتهم لنبيهم فيه في هذا المقام الحرج الضيق. الذي قد دعت الحاجة والضرورة الى نصرة نبيهم. واعزاز بانفسهم وبهذا وامثاله يظهر التفاوت بين سائر الامم وامة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين شاورهم في القتال يوم بدر مع انه لم يحتم عليهم يا رسول الله لخضت بنا هذا البحر لخضناه معك ولو عليه قال ربياني لا املك الا نفسي واخي اي فلا يدان لنا بقتالهم ولست بجبار على هؤلاء ايحكم بيننا وبينهم بان تنزل فيه من العقوبة ما اقتضته حكمتك ودل ذلك على ان قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق. قال الله مجيبا لدعوة موسى يتيمون في الارض فانها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض اي ان من عقوبتهم ان عليهم دخول هذه القرية. التي كتبها الله لهم مدة اربعين سنة. وتلك المدة ايضا يتيهون في الارض. لا يهتدون الى طريق الحكمة في هذه المدة ان يموت اكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة. الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات. بل قد الفت الاستعباد لعدوها ولم تكن لها همم ترقيها الى ما فيه ارتقاؤها وعلوها. ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الاعداء عدم الاستعباد والذل المانع من السعادة. ولما علم الله تعالى ان عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق. خصوصا قومه وانه ربما رق لهم واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة. او الدعاء لهم بزوالها. مع ان الله قد حتمها. قال اي لا تأسف عليهم ولا تحزن فانهم قد فسقوا وفسقهم وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا