المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي قيل انكم تفلحون. هذا امر من الله لعباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه وذلك بان يجتهد العبد ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور. في اجتناب ما يسخطه الله من معاصي القلب واللسان والجوارح الظاهرة والباطنة ويستعين بالله على تركها لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. وابتغوا اليه الوسيلة اي القرب منه والحظوة لديه وذلك باداء فرائضه القلبية كالحب له وفيه. والخوف والرجاء والانابة والتوكل. والبدنية كالزكاة والحج مركبة من ذلك كالصلاة ونحوها. ومن انواع القراءة والذكر. ومن انواع الاحسان الى الخلق بالمال والعلم والجاه والبدن. والنصح لعباد الله فكل هذه الاعمال تقرب الى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها الى الله حتى يحبه الله. فاذا احبه كان سمعه الذي يسمع به بصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ويستجيب الله له الدعاء. ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة اليه الجهاد في سبيله. وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال والنفس والرأي واللسان. والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد لان هذا النوع من اجل الطاعات وافضل القربات. ولان من قام به فهو على القيام بغيره احرى واولى. لعلكم تفلحون. اذا الله بترك المعاصي وابتغيتم الوسيلة الى الله بفعل الطاعات. وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر كل مطلوب مرغوب والنجاة من كل مرغوب. فحقيقته السعادة الابدية والنعيم المقيم ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به يريدون ان يخرجوا يخبر تعالى عن شناعة حال الكافرين بالله يوم القيامة. ومآلهم الفظيع. وانهم لو افتدوا من عذاب الله بملء الارض ذهبا ومثله معه. ما قبل منهم ولا افاد. لان محل الافتداء قد فات. ولم يبق الا العذاب الاليم. الموجع الدائم الذي لا يخرجون منه ابدا هل هم ماكثون فيه سرمدا والسارب والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسب نكالا من الله والله عزيز السارق هو من اخذ مال غيره المحترم خفية. بغير رضاه وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة وهو قطع اليد اليمنى كما هو في قراءة بعض الصحابة. وحد اليد عند الاطلاق من الكوع. فاذا سرق قطعت يده من الكوع وحسمت في زيت لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم هذه الاية من عدة اوجه. منها الحرز فانه لابد ان تكون السرقة من حرز وحرز كل مال ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير حرز فلا قطع عليه. ومنها انه لا بد ان يكون من المسروق نصابا وهو ربع دينار. او ثلاثة دراهم او ما يساوي احدهما. فلو سرق دون ذلك فلا قطع عليه. ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها. فان لفظ السرقة اخذ الشيء على وجه لا يمكن الاحتراز منه. وذلك ان يكون المال محرزا. فلو وكان غير محرز لم يكن ذلك سرقة شرعية. ومن الحكمة ايضا انه لا تقطع اليد في الشيء النذر التافه. فلما كان لابد من التقدير كان التقدير الشرعي مخصصا للكتاب. والحكمة في قطع اليد في السرقة ان ذلك حفظ للاموال واحتياط لها. وليقطع العضو الذي صدرت منه فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى فان عاد فقيل تقطع يده اليسرى ثم رجله اليمنى وقيل يحبس حتى يموت وقوله جزاء ام بما كسب اي ذلك القطع جزاء للسارق بما سرقه من اموال الناس. نكالا من الله اي تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره السراق اذا علموا انهم سيقطعون اذا سرقوا. والله عزيز حكيم. اي عز وحكم. فقطع السارق فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه. ان الله غفور فيغفر لمن تاب فترك الذنوب واصلح الاعمال والعيوب وذلك ان لله ملك السماوات والارض الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض يعذب من يشاء ويغفر لمن من يشاء. والله على كل شيء قدير. يتصرف فيهما بما شاء من التصاريف القدرية والشرعية والمغفرة والعقوبة بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا من الذين قالوا امنا بافواههم ولم كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن تظهر الايمان ثم يرجع الى الكفر. فارشده الله تعالى الى انه لا يأسى ولا يحزن على امثال هؤلاء. فان هؤلاء لا في العير ولا في النفير ان حضروا لم ينفعوا وان غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم. فقال من الذين قالوا امنا بافواههم ولم تؤمنوا قلوبهم ومن الذين هانوا. فان الذين ويحزن عليهم من كان معدودا من المؤمنين. وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا. وحاشى لله ان يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا ان الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره ولم يبغي به بدلا. ومن الذين هادوا اي اليهود سماعون للكذب سماعون قوم اخرين لم يأتوك اي مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم المبني امرهم على الكذب والضلال والغيب. وهؤلاء الرؤساء المتبوعون لم يأتوك بل اعرضوا عنك وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه اي جلب معان للالفاظ ما ارادها الله ولا قصدها لاضلال الخلق ولدفع الحق. فهؤلاء المنقادون للدعاة الى الضلال. المتبعين للمحال الذين يأتون بكل كذب لا عقول لهم ولا همم فلا تبالي ايضا اذا لم يتبعوك. لانهم في غاية النقص والناقص لا يأبه له ولا يبالى به يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا. اي هذا قولهم عند محاكمتهم اليك. لا قصد لهم الا اتباع الهوى. يقول بعضهم لبعض ان حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق اهوائكم فاقبلوا حكمه. وان لم يحكم لكم به فاحذروا ان تتابعوه على ذلك. وهذا فتنة واتباع ما تهوى الانفس. ومن يرد الله فتنته فلن كقوله تعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم. اي فلذلك صدق ومنهم من صدر فدل ذلك على ان من كان مقصوده بالتحاكم الى الحكم الشرعي اتباع هواه وانه ان حكم له رضي وان لم يحكم له وسخط فان ذلك من عدم طهارة قلبه. كما ان من حاكم وتحاكم الى الشرع ورضي به وافق هواه او خالفه فانه من طهارة القلب ودل على ان طهارة القلب سبب لكل خير. وهو اكبر داع الى كل قول رشيد وعمل سديد لهم في الدنيا خزي اي فضيحة وعار ولهم في الاخرة عذاب عظيم. هو النار وسخط الجبار سماعون للكذب والسمع ها هنا سمع استجابة اي من قلة دينهم وعقلهم ان استجابوا لمن دعاهم الى القول الكذب. الكالون للسحت اي المال الحرام بما يأخذونه على وعوامهم من المعلومات والرواتب التي بغير الحق. فجمعوا بين اتباع الكذب واكل الحرام. فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم فانت مخير في ذلك وليست هذه منسوخة فانه عند تحاكم هذا الصنف اليه يخير بين ان يحكم بينهم او يعرض عن الحكم بينهم بسبب انه لا قصد لهم في الحكم الشرعي. الا ان يكون موافقا لاهوائهم. وعلى هذا فكل مستفت ومتحاكم الى عالم يعلم من حاله انه ان حكم عليه لم يرضى لم يجب الحكم ولا الافتاء لهم. فان حكم بينهم وجب ان يحكم بالقسط. ولهذا قال حتى ولو كانوا ظلمة واعداء فلا يمنع كذلك من العدل في الحكم بينهم. وفي هذا بيان فضيلة العدل القسط في الحكم بين الناس وان الله تعالى يحبه. ثم قال متعجبا لهم فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين. فانهم لو كانوا مؤمنين عاملين بما يقتضيه الايمان ويوجبه. لم يصدفوا عن حكم الله الذي في التوراة التي بين ايديهم. لعلهم ان يجدوا عندك ما يوافق اهواءهم وحين حكمت بينهم بحكم الله الموافق لما عندهم ايضا. لم يرضوا بذلك بل اعرضوا عنه. فلم يرتضوه ايضا. قال تعالى وما اولئك الذين هذا صنيعهم بالمؤمنين. اي ليس هذا دأب المؤمنين. وليسوا حريين بالايمان. لانهم جعلوا الهتهم اهواء وجعلوا احكام الايمان تابعة لاهوائهم والربانيون والاحبار بما استحفظوا منك فلا تخشون ولا تشتروا اياتي ثمن قليلا ومن لم يحكم بما انا انزلنا التوراة على موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام فيها هدى يهدي الى الايمان والحق من الضلالة ونور يستضاء به في ظلم الجهل والحيرة والشكوك والشبهات والشهوات كما قال تعالى ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. يحكم بها بين الذين هادوا. اي اليهود في القضايا والفتاوى. النبيون الذين اسلموا لله وانقادوا لاوامره. الذين اسلامهم اعظم من اسلام غيرهم. وهم صفة الله من العباد. فاذا كان هؤلاء النبيون الكرام والسادة انام قد اقتدوا بها واتموا ومشوا خلفها. فما الذي منع هؤلاء الاراذل من اليهود من الاقتداء بها؟ وما الذي اوجب لهم ان ينبذوا فما فيها من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. الذي لا يقبل عمل ظاهر وباطن الا بتلك العقيدة. هل لهم امام في ذلك نعم لهم ائمة دأبهم التحريف واقامة رياستهم ومناصبهم بين الناس. والتأكد بكتمان الحق واظهار الباطل. اولئك ائمة الضلال الذين يدعون الى النار. وقوله والربانيون والاحبار. اي وكذلك يحكم بالتوراة للذين هادوا. ائمة الدين ان الربانيين اي العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس باحسن تربية ويسلكون معهم مسلك الانبياء المشفقين والاحبار اي العلماء الكبار الذين يقتدى باقوالهم وترمق اثارهم. ولهم لسان الصدق بين اممهم. وذلك الحكم الصادر منهم وافقوا للحق بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. اي بسبب ان الله استحفظهم على كتابه. وجعلهم امناء عليه وهو امانة عندهم اوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان وتعليمه لمن لا يعلمه. وهم شهداء عليه بحيث انهم المرجوع اليهم فيه وفيما اشتبه على الناس منه. فالله تعالى قد حمل اهل العلم ما لم يحمله الجهال. فيجب عليهم القيام باعباء ما حملوا. وان لا يقتدوا الجهال بالاخلاد الى البطالة والكسل. والا يقتصروا على مجرد العبادات القاصرة. من انواع الذكر والصلاة والزكاة والحج والصوم. ونحو ذلك من الامور التي اذا قام بها غير اهل العلم سلموا ونجوا. واما اهل العلم فكما انهم مطالبون بالقيام بما عليهم انفسهم. فانهم طالبون ان يعلموا الناس وينبهوهم على ما يحتاجون اليه من امور دينهم. خصوصا الامور الاصولية والتي يكثر وقوعها والا يخشوا الناس يخشون ربهم ولهذا قال فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بايات ثمنا قليلا فتكتمون الحق وتظهرون الباطل لاجل متاع الدنيا من قليل وهذه الافات اذا سلم منها العالم فهو من توفيقه وسعادته بان يكون همه الاجتهاد في العلم والتعليم ويعلم ان الله قد استحفظه ما اودعه من العلم واستشهده عليه. وان يكون خائفا من ربه. ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم من القيام بما هو لازم له. والا يؤثر الدنيا على الدين كما ان علامة شقاوة العالم ان يكون مخلدا للبطالة. غير قائم بما امر به. ولا مبال بما استحفظ عليه. قد اهمله واضاع قد باع الدين بالدنيا قد ارتشى في احكامه. واخذ المال على فتاويه ولم يعلم عباد الله الا باجرة وجعلة. فهذا قد من الله عليه بمنة عظيمة كفرها ودفع حظا جسيما محروما منه غيره. فنسألك اللهم علما نافعا وعملا متقبلا وان ترزقنا العفو والعافية من كل بلاء يا كريم ومن لم يحكم بما انزل الله من الحق المبين وحكم بالباطل الذي يعلمه لغرض من اغراضه الفاسدة فاولئك هم الكافرون. فالحكم بغير ما انزل الله من اعمال اهل الكفر. وقد يكون كفرا ينقل عن الملة. وذلك اذا اعتقد حله وجوازه وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ومن اعمال الكفر. قد استحق من فعله العذاب الشديد