المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله باب الوقف عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح يدعو له. رواه مسلم. قد تكلمنا في هذا في البهجة عن ابن عمر قال اصاب عمر ارضا بخيبر. فاتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها. فقال يا رسول الله اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه. فقال ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها. قال فتصدق بها عمر رضي الله عنه انه لا يباع اصلها ولا يورث ولا يوهب. فتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب. وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها ان يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول مالا متفق عليه واللفظ لمسلم وفي رواية للبخاري تصدق باصلها لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره وفي هذا الحديث فوائد فضيلة عمر في اتصافه بالانفاق مما يحب. بل بانفس ما عنده. وفيه مشاورة اهل العلم في اختياره بافضل الامور وفيه ان الوقف من افضل الامور او افضل انواع الصدقة لما فيه من النفع المستمر ولانه جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عن افضل ما يبذل ما له فيه فدل على انه افضل ما يكون ومنها بيان معنى الوقف وحده وثمرته. وانه اصل يحبس عن التصرفات كلها. تصرفات المعاوضة كالبيع والتبرع كالهبة وانتقاله بالارث وان مظله وثمرته تجري للجهة التي وقف عليها ومنها ان هذه الجهات المذكورة في الحديث القرابة والفقراء والرقابة عتقها ومعاونة الكاتب والنفقة في سبيل الله من الجهاد والعلوم النافعة. وابن السبيل فالطارق كلها من ابواب الخير وكذلك جميع ابواب البر فيؤخذ من هذا ان الوقف لابد ان يكون في اعمال البر والخير. وتتفاوت بتفاوت الاحوال والاوقات فينبغي للموقف ان ينظر انفعها واحقها بالبذل ان الوقفة في المباحات والمكروهات غير صحيح. فضلا عن طرق الحرام. ومنها انه لابد للوقف من وال وناظر ان شرط الموقف فذاك. وان كان الوقف على معين مكلف يملك فالنظر له وان كان على جهات خير اخر فالنظر للحاكم هذا اذا لم يشرط الموقف ناظرا. وعلى الناظر تعمير الوقف وحفظ مغله وتصريفه في طرقه ومنها ان الناظر له الاكل بالمعروف وعمل دعوة ونحوها ولكن لا يتموله ويتأثره ربما استدل بقوله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره. على جوازب الوجوب بيعه اذا لم يكن له ثمر ولا مغل بالكلية او لا يقع الموقع لان هذا هو المقصود فمراعاته اهم من ابقاء اصله الذي لا نفع فيه. وعن النعمان ابن بشير انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني نحلت ابني هذا غلاما ما كان لي اكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعه. فقال اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم وفي لفظ اتحب ان يكونوا لك في البر سواء قال فرد ابي تلك الصدقة وفي لفظ قال فاشهد على ذلك غيري. فيه وجوب التعديل بين الاولاد في العطية. وان هذا هو الواجب وانه مقتضى ضحى وهو ان يساوي بينهم لئلا يجرح خاطر احد منهم ويوجب العقوق ومنها ان فيه التنبيه على انه وان كان احد الاولاد ارجح في محبته من بعض فلا ينبغي للوالد ان يعمل بمقتضى هذا الحب ويظهره لما فيه من هذا المحذور وفيه وجوب النظر الى الامر من كل نواحيه. فان الاحسان الى بعض الاولاد احسان وبر اذا قطعنا النظر عن بقيتهم فاذا نظرنا الى ما يترتب على هذا البر والاحسان من انجراح قلوب البقية ومن الظلم وعدم العدل. عرفنا انه احسان ضار وفيه ان دفع المفاسد اولى من جلب المصالح. لان البر مصلحة وعدم العدل مفسدة وفيه الاستفصال في السؤال اذا كان فيه نوع احتمال لقوله صلى الله عليه وسلم اكل ولدك نحلته وان المساواة ات بينهم من تقوى الله وانه لا تحل الشهادة على الجور والظلم. وان من ظهر له الخطأ بتبين او تنبيه تعين عليه رجوع لقوله فرجع ابي او فرد ابي تلك الصدقة وفيهما عليه الصحابة رضي الله عنهم من حسن المقاصد والرجوع الى مقتضى الايمان وطاعة الله وطاعة رسوله. من حيث تبين لهم وفي ان العمل بالشريعة لا يترتب عليه الاكل خير وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا. ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالعائد في قيئه. متفق عليه لما كانت الهبة مكفرة للسيئات فانها من افضل الحسنات كان الذي ينبغي للعاقل ان يحقق هذا المقصود بتكميلها وعدم المنة فيها وشكر الله عليها اذا قدره عليها ووفقه انتهى ومع انها مكفرة للذنوب فانها واقية للشرور في الدنيا والاخرة. ومنجية من الاهوال ورافعة لدرجات العبد وعود العبد فيها يماثل هذا المثل القبيح ولان الكلب من دناءته وخسة نفسه وشره يحمله ذلك على العود في قيئه العائد في هبته يشبه الكلب في الدناءة والخسة والشره القبيح ويدل ذلك على ان العود محرم. والمحرم لا يمكن الانسان منه ولهذا اذا تمت الهبة وقبضت لم يكن للواهب الرجوع فيها الا الوالد فيما يعطيه لولده. للحديث الاتي حديث ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل من مسلم ان يعطي العطية ثم يرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده. رواه احمد والاربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه البخاري. وعن ابن عباس قال وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة. فاثابه عليها. فقال رضيت قال لا فزاده فقال رضيت؟ قال لا. فزاده فقال رضيت؟ فقال نعم. رواه احمد وابن حبان النبي صلى الله عليه وسلم اكمل الخلق في كل صفة كمال. وقد كمله ربه وحفظه من كل خلق دني. ومن كل نقص ولو لم يكن ذنب لهذا كان لا يأكل الصدقة لان يد المعطي فيها هي العليا ويد الاخذ السفلى. واما الهدية فلما كانت تدل على تعظيم المهدى اليه واحترامه كان يقبلها. ومع ذلك فلا يريد لاحد عليه ادنى منا فيثيب عليها ثوابا يرضي المهدي. ولهذا لما اهدى له الرجل الناقة وكان الرجل دنيا النفس فاعطاه ثم اعطاه ثم اعطاه حتى رضي. لان لا يبقى في خاطر الرجل ان له المنة على النبي صلى الله عليه وسلم ولو بغير حق. كل هذا ترفع منه صلى الله عليه وسلم عن كل نقص محقق او متوهم صلوات الله وسلامه عليه وفيه ان من صنع اليه معروف فينبغي له ان يكافئ فان لم يقدر على المكافأة المالية كافأ بالدعاء والثناء. والفرق بين الهدية والصدقة فرق ظاهر كما سبق وايضا قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية عند التأمل من باب الاحسان الى المهدي. لان في ذلك جبرا لخاطره وادخالا للسرور وهذا من الاعمال الصالحة وعدم قبول الهدية تفويت لهذا المطلب المحمود. وايضا تحقيق لما ذكره في هذين الحديثين حديث ابي هريرة مرفوعا تهادوا تحابوا. رواه البخاري في الادب المفرد وابو يعلى باسناد حسن. وحديث انس مرفوعا تهادوا فان الهدية تسل السخيمة. رواه البزار باسناد ضعيف وعن عمر قال حملت على فرس في سبيل الله فاضاعه صاحبه. فظننت انه بائعه برخص. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا تبتعه وان اعطاكه بدرهم. الحديث متفق عليه فيه ان مساعدة المجاهدين في سبيل الله من افضل الاعمال. وان من اخرج مالا لله لا يعود فيه لا بهبة ولا باعتياض لما في ذلك من نوع رجوع فيما اخرجه لله وليعود العبد نفسه انما خرج منه لله لا يتبعه نفسه. وايضا ربما باعد المعطى اياه وحابى صاحبه مقابلة له على معروفه او ليرجي ان يعطيه مرة اخرى. ولهذا لا يدخل في هذا اذا رده اليه الميراث عن ابي هريرة مرفوعا يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرس نشاة متفق عليه يدخل في الجارة الضارة ومن معها في المسكن ونساء الجيران بل وكذلك الصاحبات الاخريات. كما قال تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب. وينبغي ان يمتثل امرا النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستحقر الانسان الزهيد. فان ملازمة الاحسان ولو بالشيء القليل يدرك به العبد خيرا كثيرا. وينمي احسانه سابق ويزرع المودة ومع المداومة لا يستحقره المعطي بخلاف ما لو كان بره يتأخر عنه كثيرا. فانه في الغالب يستحقر اليسير. ولا يقنعه الا الكثير وايضا القليل قد يوافق حاجة شديدة فيكون له موقع كبير. والله يقول فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ريرة. فالمؤمن يغتنم فرصة الخير القولي والعملي والمالي قل او كثر والمتهاون قد يفوته خير كثير