حاضرة لمن وعدوا لان الهم بفعل الخير والحسنة خير. ولهذا ينبغي للعبد ان يفعل ما يقدر عليه من الخير انوي فعل ما لم يقدر عليه اذا قدر ليثاب على ذلك المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في ذكر بعض الايات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق. قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا اه وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب وصاحبي بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. والايات التي في سورة الاسراء وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. ولا تجعل مع الله الها اخر فتلقى في جهنم ملوما سحور هذه الايات الكريمة فيها الامر بعبادة الله وحده لا شريك له. والدخول تحت رق عبوديته التي هي غاية شرف عبد الانقياد لاوامره واجتناب نواهيه محبة وذلا له واخلاصا لله وانابة له في جميع الحالات وفي جميع العبادات الظاهرة والباطنة وفيها النهي عن الشرك به شيئا سواء كان شركا اكبر بان يصرف نوعا من انواع العبادة لغير الله او شركا اصغر مثل الشرك كالحالف بغير الله والرياء. ونحو ذلك مما يتذرع به الى الشرك بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. التدبير الكامل الشامل الذي لا يشركه ولا يعينه هو عليه احد ثم بعدما امر بالقيام بحق الله المقدم على كل حق. امر بالقيام بحقوق ذوي الحقوق من الخلق اهم فالاهم فقال وبالوالدين احسانا اي احسنوا اليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف وبالفعل بالقيام بطاعتهما واجتناب معصيتهما. والحذر من عقوقهما والانفاق عليهما. واكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك الا من جهتها. اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما افوا ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. والامر بالاحسان الى الوالدين واطلاقه يدخل فيه كل ما عده الناس احسانا وذلك يختلف باختلاف الاوقات والاحوال والاشخاص وفيه النهي عن ضد الاحسان اليهما. وهو امران الاساءة والعقوق الذي هو ايصال الاذى القولي والفعلي اليهما وترك القيام ببعض حقوقهما الواجبة. والامر الثاني ترك الاحسان وترك الاساءة. فان ذلك داخل في العقوق. فلا يسع الولد ان يقول اذا قمت بواجب والدي وتركت معصيتهما فقد قمت بحقهما. فيقال بل عليك ان تبذل لهما من الاحسان الذي تقدر عليه ما يجعلك في مرتبة الابرار البارين بوالديهم وقوله كما ربياني صغيرا. بيان لبعض الاسباب الموجبة للبر. وان الوالدين اشتركا في تربية بدنك وروحك تغذية والكسوة والحضانة والقيام بكل المؤن وبالتعليم والارشاد والالزام بطاعة الله والاداب والاخلاق وفي هذا دليل على ان كل من له عليك حق تربية بقيام مؤونة نفقة وكسوة وغيرها ان له حقا عليك بالاحسان والبر والدعاء واعلى من ذلك من له حق عليك بتربية عقلك وروحك تربية علمية تهذيبية ان له الحق الاكبر عليك وهذا من جملة فضائل اهل العلم المعلمين العاملين. ومن حقوقهم على الناس فانهم ربما فاقوا في هذه التربية تربية الوالدين باضعاف مضاعفة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقوله ذي القربى اي احسنوا الى اقاربكم القريب منهم والبعيد. بالقول والفعل. واوصلوا لهم من الهدايا والصدقات والبر والاحسان المتنوع ما يشرح صدورهم. وتتيسر به امورهم. فتكون بذلك واصلين. وللاجر من الله حائزين اليتامى هم الذين فقدت اباؤهم وهم صغار. فمن رحمة ارحم الراحمين امر الناس برحمتهم. والحنو عليهم والاحسان اليهم وكفالتهم وجبر خواطرهم وتأديبهم وان يربوهم احسن تربية كما يربون اولادهم. سواء كان اليتيم ذكر او انثى قريبا او غير قريب. والمساكين هم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر. فلم يحصلوا على كفايتهم ولا كاية من يمونون. فامر تعالى بسد خلتهم ودفع فاقاتهم. والحض على ذلك وقيام العبد ما امكنه من ذلك من غير ضرر عليه والجار ذي القربى اي الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة والجار الجنب الذي ليس بقريب. فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقا مسلما كان او كافرا قريبا او بعيدا بكف اذاه عنه وتحمل اذاه وبذل ما يهون عليه ويستطيع من الاحسان وتمكينه من الانتفاع بجداره او طريق ماء على وجه لا يضر الجار وتقديم الاحسان اليه على الاحسان على من ليس بجار وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا لحقه. فينبغي للجار ان يتعاهد جاره بالصدقة والهدية والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال تقربا الى الله واحسانا الى اخيه صاحب الحق. والصاحب بالجنب قيل هو الرفيق وقوف السفر وقيل هو الزوجة. وقيل هو الرفيق مطلقا في الحضر والسفر. وهذا اشمل فانه يشمل القولين الاولين. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه من مساعدته على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في العسر واليسر المنشط والمكره وان يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه. وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد وابن السبيل وهو الغريب من غير بلده سواء كان محتاجا ام غير محتاج فحث الله على الاحسان الى الغرباء لكونهم في مظنة الوحشة والحاجة وتعذر ما يتمكنون عليه في اوطانهم فيتصدق على محتاج ويجبر خاطر غير المحتاج بالاكرام والهدية والدعوة والمعاونة على سفره. وما ملكت ايمانكم اي من الرقيق والبهائم بالقيام بكفايتهم. والا يحملوا ما لا يطيقون. وان يعاونوا على مهماتهم. وان يقام بتقويمهم بهم النافع فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه المتواضع لعباد الله المنقاد لامر الله وشرعه الذي يستحق الثواب والثناء الجميل. ومن لم يقم بذلك فانه عبد معرض عن ربه عات على الله. متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور باقواله على وجه الكبر والعجب واحتقار الخلق وهو في الحقيقة السافل المحتقر. ولهذا قال ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. فهؤلاء ما بهم من الاوصاف القبيحة تحملهم على البخل بالحقوق واجدة. ويأمرون الناس باقوالهم وافعالهم بالبخل. ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فهؤلاء جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم وبين السعي في خسارة انفسهم والسعي في خسارة غيرهم. وهذه هي صفات الكافرين. ولهذا قال تدنا للكافرين عذابا مهينا اي كما استهانوا بالحق وتكبروا على الخلق. واستهانوا بالقيام بالحقوق. اهانهم الله بالعذاب الاليم والخزي الدائم. وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محصورا. اي احذر هذين الخلقين الرذيلين البخل بالواجبات في بذل المال. فيما ينبغي بذله فيه تبرير بالنفقة فيما لا ينبغي او زيادة على ما ينبغي فتقعد ان فعلت ذلك ملوما اي تلام على ما فعلت من الاسراف لان كل عاقل يعرف ان الاسراف مناف للعقل الصحيح كما انه مناف للشرع ان الله جعل الاموال قياما لمصالح الخلق. فكما ان منعها وامساكها عن وضعها فيما جعلت له مذموم. فكذلك بذلها في الامور الضارة او زيادة غير اللائقة في الامور العادية وغيرها مذموم لانه اتلاف للمال بغير مصلحة. وانحراف في حسن التصرف والتدبير. وضعف التدبير وعدم انتظامه مذموم في كل شيء. كما ان حسن التدبير محمود ونافع لفاعله وغيره. محصورا اي فارغ اليد. فلا بقي ما في يدك من المال. ولا خلفه مدح ثناء وهذا الامر بايتاء ذي القربى وغيرهم مع القدرة. فاما مع العدم او تعذر النفقة الحاضرة. فامر تعالى ان يردوا فامر على ان يردوا ردا جميلا فقال واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. اي تعرضن عن عطائهم حاضرا ولكنك ترجو فيما بعد ذلك تيسير الامر من الله فقل لهم قولا ميسورا اي لطيفا برفق ووعد جميلة عند الوجود واعتذار بعدم الامكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة قلوبهم عاذرين راجين كما قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذى. وهذا من لطف الله بالعباد امرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لان انتظار ذلك عبادة وسبب لحصوله فان الله عند ظن عبده به وكذلك وعدهم ان يعطوهم اذا وجدوا ولعل الله ييسره له. وفي قوله ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. فيه الحث على تعليق القلب والرجاء والطمع بالله. وصرف في التعلق بالمخلوقين فالموفق في حال الوجود والغنى قلبه متعلق بحمد الله وشكره والثناء عليه. لا ينسى ولا يبطر النعمة. وفي حال الفقد والفقر صابر راض راج من الله فضله وخيره ورحمته وهذا من اجل عبادات القلوب المقربة الى علام الغيوب. ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق وذلك ان الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها فنهى الوالدين عن هذا الخلق الذي هو من ارذل الاخلاق واسقطها. قتل اولادهم خشية الفقر ففيه عدة جنايات قتل النفس الذي هو من اعظم الفساد واشنع من ذلك قتل الاولاد الذين هم فلذات الاكباد. وسوء الظن برب العالمين وجهلهم وضلالهم البليغ ظنوا ان وجودهم يضيق عليهم الارزاق تتكفل لهم بقيامه برزق الجميع. فاين هذا الخلق الشنيع من اخلاق خواص مؤمنين الذين كلما كثرت اولادهم وعوائلهم قوي ظنهم بالله وراجوا زيادة فضله وقاموا بمؤنتهم مطمئنة النفوس ورجو زيادة فضله وقاموا بمؤنتهم مطمئنة نفوسهم. حامدين ربهم ان جعل رزقهم على ايديهم. ومثنين على ربهم ان اقدرهم على ذلك وراجين ثواب ذلك عنده ومشاهدين لمنة الله عليهم بذلك. قال صلى الله عليه وسلم هل تنصرون ترزقون الا بضعفائكم بدعائهم ورغبتهم الى الله. قوله ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا. والنهي عن ثوبان الزنا يشمل النهي عنه وعن جميع دواعيه ومقدماته كالنظر المحرم والخلوة بالاجنبية وخطاب من يخشى الفتنة بخطابه ونحو ذلك ووصف الزنا باقبح الاوصاف بانه فاحشة اي جريمة عظيمة تستفحش شرعا وعقلا. لان فيها انتهاك حرمة الشرع والتهاون به فيه افساد المرأة وافساد الانساب واختلاط المياه وفيه اضرار باهلها وبزوجها وبكل من يتصل بها وفيه من المفاسد شيء كثير. وامر تعالى بايفاء المكاييل والموازين والمعاملات كلها بالقسط من غير بخس ولا نقص ولا غش ولا كتمان وفي ضمن ذلك الامر بالصدق والنصح في جميع المعاملات فانه بذلك يصلح الدين والدنيا. ولذلك قال ذلك خير احسن تأويلا اي هو خير في الحاضر. واحسن عاقبة في الاجل يسلم به العبد من التبعات تحل البركة في هذه المعاملة. وقوله ولا تقف ما ليس لك به علم. ايوة لا تتبع ما ليس لك به علم. بل تثبت في كل ما قولوا وتفعلوا فان التثبت في الامور كلها دليل على حسن الرأي وقوة العقل. وبه تتوضح الامور ويعرف بعد ذلك هل الاقدام وخير ام الاحجام؟ لان المتثبت لابد ان يعمل فكره ويشاور في الامور التي عليه ان يتثبت فيها. والفكر والمشاورة اكبر الاسباب لاصابة الصواب والسلامة من التبعة. ومن الندم الصادر من العجلة. ومن عدم استدراك الفارق. ولهذا قال ان السمع والبصر روى الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا. اي لابد ان تسأل عن حركة هذه الجوارح. وهل هي حركات نافعة بان وضعت فيما يقرب الى الله ام ضارة بان وجهت الى معصية الله؟ فليتعاهد العبد بحفظها عن الامور الضارة ليعد لهذا السؤال جوابا. فمن استعمل بطاعة الله فقد زكاها ونماها واثمرت له النعيم المقيم. ومن استعملها في ضد ذلك فقد دساها واسقطها واوصلته الى العذاب الاليم وقوله ولا تمش في الارض مرحا. اي لا تتكبر على الحق ولا على الخلق. فان التكبر ارزل له اخلاق المتكبر المعجب بنفسه ليبلغ ما يظنه وتطمح له نفسه من الخيالات الفاسدة انه في مقام رفيع على الخلق بل هو ممقوت عند الله وعند خلقه. مبغوض محتقر قد نزل بخلقه هذا الى اسفل سافلين ففاته مطلوبه من كبره وعجبه وحصل على نقيضه. ومن مضار للكبر انه صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر. والنار مثوى المتكبرين والكبر هو بطر الحق وغمط الناس اي احتقارهم وازدراؤهم وهذه الاوامر الحسنة والارشادات في هذه الايات من الحكمة العالية التي اوحاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. وهي من اعظم محاسن الدين. فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب والعمل به ومعرفة الحق والعمل به في كل شيء. قال سبحانه وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. الى اخر السورة العبودية لله نوعان. عبودية لربوبية الله وملكه فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم. فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون وعبودية لالوهية ورحمته وهي عبودية انبيائه واوليائه. وهي المراد هنا. ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن. تنبيها على انهم انما وصلوا الى هذه الحال برحمته بهم ولطفه واحسانه. فذكر صفاتهم اكمل الصفات. وبالاتصاف بها يكون العبد تحققا بعبوديته الخاصة النافعة المثمرة للسعادة الابدية. فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا اي ساكنين لله وللخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب جهل فانه اضاف الخطاب لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه منه من الاثم ولا يقابلون الجاهل بجهله. وهذا ثناء عليهم بالرزانة والحلم العظيم والعفو عن الجاهل. ومقابلة مسيئي بالاحسان والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما اي يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا. وقال سبحانه والذين يقولون ربنا اصرف عنا اداب جهنم اي دفاعه عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب. ان عذابها كان غراما اي ملازما لاهلها ملازمة الغريم لغريمه. انها ساءت مستقرا ومقاما. وهذا منهم على وجه التضرع لربهم وبيان شدة حاجتهم اليه. وانه ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليهم. فان صرف الشدة يعظم ثم وقعه بحسب شدتها وفظاعتها. والذين اذا انفقوا اي النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا اي يزيدوا للحد فيدخلوا في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة. ولم يقتروا فيدخلوا في باب الشح والبخل. وكان انفاقهم بين اسرافي والتقطير قوام تقوم به الاحوال فانهم يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة. وفيما ينبغي من الامور النافعة على المحتاجين. وفي المشاريع الخيرية وفي الامور الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية من غير ضرر ولا اضرار هذا من اقتصادهم وعقلهم وحسن تدبيرهم. والذين لا يدعون مع الله الها اخر. لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة بل يعبدون دونه وحده مخلصين له الدين حنفاء. مقبلين عليه معرضين عما سواه ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة ولا يزنون ومن يفعل ذلك ذلك المذكور من الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله والزنا يلقى اثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه. اي العذاب اب مهانا. فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت في الكتاب والسنة واجماع الامة. وكذلك لمن اشرك بالله كذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة بكونها كلها من اكبر الكبائر واما خلود القاتل بغير حق والزاني في العذاب. فقد دلت النصوص القرآنية وتواترت الاحاديث النبوية ان جميع المؤمنين وان دخلوا النار فسيخرجون منها ولا يخلد فيها مؤمن. فان الايمان الكامل يمنع من دخولها. ومطلق الايمان ولو مثقال ذرة يمنع من الخلود فيها كما تقدم ونص الله على هذه الاشياء الثلاثة لانها اكبر الكبائر وفسادها كبير. فالشرك فيه فساد الاديان بالكلية والقتل فيه فساد الابدان والزنا فيه فساد الاعراض الا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بان اقلع عنها في الحال وندم على فعلها. وعزم عزما جازما الا يعود وامن بالله ايمانا صحيحا يقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات وعمل عملا صالحا فيدخل فيه جميع الصالحات من واجب ومستحب. فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات بان يوفقهم للخير كتبدل اقوالهم وافعالهم التي كانت مستعدة لفعل السيئات تتبدل حسنات فيتبدل شركهم ايمانا ومعصيتهم طاعة. وتتبدل نفس السيئات التي عملوها. ثم احدثوا عن كل ذنب منها توبة وندما وانابة طاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الاية وورد فيه حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم ابدل مكانه قل لسيئة حسنة الى اخر الحديث. وكان الله غفورا رحيما. لمن تاب يغفر ذنوبه كلها. وكان الله غفورا لمن تاب يغفر ذنوبه كلها رحيما بعباده اذا دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبيلها منهم ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا. اي فليعلم ان توبته في غاية الكمال. لانها رجوع الى الطريق الموصل صلي الى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة. والمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وان تكون على اكمل الوجوه واجلها. لتحصل له ثمراتها الجليلة والذين لا يشهدون اي لا يحضرون. الزور القول المحرم والفعل المحرم. فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على كل قول وفعل محرم. كالخوض في ايات الله بالباطل والجدل بالباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء وشرب الخمر والغناء المحرم وفرش الحرير والصور ونحو ذلك واذا كانوا لا يشهدون الزور فانهم من باب اولى لا يفعلونه ولا يقولونه. شهادة الزور داخلة في قول الزور. واذا مروا طغو وهو الكلام الذي لا فائدة فيه دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم. مروا كراما. اي نزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه. ورأوه سفها منافيا لمكارم الاخلاق. وفي قوله واذا مروا باللغو اشارة الى انهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه. ولكن يحصل ذلك بغير قصد. فيكرمون انفسهم عنه. والذين اذا ذكروا بايات ربهم التي امروا بالاستماع لها والاهتداء بها لم يخروا عليها صما وعميان. اي لم يقابلوها بالاعراض عنها والصمم عن سماعها. وصرف القلب عنها كما يفعله من لم تؤمن بها ويصدق وانما حال هؤلاء الاخيار عند سماعها كما قال تعالى انما يؤمن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون. يقابل بالقبول والافتقار اليها والانقياد والتسليم لها. وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية. فيزداد بها ايمانهم ويتم بها يقينهم وتحدث لهم فرحا ونشاطا واغتباطا. لما يعلمون انها افضل المنن الواصلة اليهم من ربهم الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واخلاء واقران وزوجات. وذرياتنا قرة اعين. اي بهم اعيننا واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من علو هممهم ومراتبهم ان مقصودهم بهذا الدعاء للذريات ان يطلبوا منه صلاحهم فان صلاح الذرية عائد اليهم والى والديهم. لان النفع يعود على الجميع. بل صلاحهم عودوا الى نفع المسلمين عموما. لان بصلاح المذكورين صلاحا لكل من له تعلق بهم. ثم يتسلسل الصلاح والخير قلنا للمتقين اماما اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين هي درجة الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم يقتدى باقوالهم وافعالهم. ويطمئن اليها لثقة المتقين بعلمهم ودينهم. ويهتدي المهتدون بهم. ومن المعلوم ان الدعاء بحصول شيء دعاء به. وبما لا يتم الا به. وهذه درجة درجة الامامة في الدين. لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرهم لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فهذا الدعاء يستلزم من حصول الاعمال الصالحة والصابر على طاعة الله وعن طيته وعلى اقداره المؤلمة ومن العلم النافع التام الراسخ الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا ولما كانت هممهم واعمالهم عالية كان الجزاء من جنس العمل. فجازاهم من جنس عملهم فقال اولئك يجزون الغرفة. اي المنازل العالية الرفيعة الجامعة لكل نعيم روحي وبدني. بسبب صبرهم على القيام هذه الاعمال الجليلة ويلقون فيها تحية وسلاما من ربهم ومن الملائكة الكرام ومن بعضهم على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات. والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والاعراض عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان وقيام الليل والاخلاص فيه والخوف من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها وانهم يخرجون الواجبات والمستحبات في النفقات على وجه الاقتصاد. واذا كانوا مقتصدين في النفقات التي جرت عادة اكثر الخلق بالتفريط فيها او الافراط اقتصادهم وتوسطهم في غيرها من باب اولى. ووصفهم بالسلامة من كبائر الذنوب وفواحشها. وبالتوبة مما يصدر منهم منها منها الاخلاص لله في عبادته وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها وانهم يتنزهون عن اللغو والاقوال الرديئة التي لا خير فيها ولا نفع. وذلك يستلزم كمال انسانيتهم ومروءتهم. وكمالهم ورفعة نفوسهم عن كل امر رذيل. وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها. والتفهم عانيها والعمل بها والاجتهاد في تنفيذ احكامها وانهم يدعون ربهم باكمل دعاء ينتفعون به ينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم وذريتهم. ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لان من حرص على شيء ودعا الله في حصوله لابد ان يكون مجتهدا في تحصيله بكل طريق مستعينا بربه في تسهيل ذلك انهم دعوا الله في حصول اعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الامامة والصديقية. فلله ما اعلى هذه الصفات وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب وازكى تلك النفوس. ولله فضل الله عليهم ولطفه بهم. الذي اوصلهم الى هذه المقامات والمنازل ولله الحمد من جميع عباده. اذ بين لهم اوصافهم وحثهم عليها. واعان السالكين ويسر الطريق من سلك رضوانه والله الموفق المعين. قال سبحانه خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين هذه الاية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس. وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم ومعاشرتهم. فامر تعالى باخذ العفو وهو ما سمحت به انفسهم وسهلت به اخلاقهم من الاعمال والاخلاق. بل يقبل ما سهل ولا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم ولا ما لا يطيقونه. بل عليه ان يشكر من كل احد ما قابله به من قول وعمل وخلق جميل. وما هو دون ذلك ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم. وعن ما اتوا به وعاملوه من النقص. ولا يتكبر على صغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره. بل يعامل الجميع باللطف وما تقتضيه الحال الحاضرة وبما تنشرح له صدورهم ويوقر الكبير ويحنو على الصغير ويجامل النظير وامر بالعرف وهو كل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما يأتي الى الناس منك اما تعليم علم ديني او دنيوي او نصيحة او حثا لهم على على خير من عبادة الله وصلة رحم وبر الوالدين واصلاح بين الناس او رأي مصيب او او معاونة على بر وتقوى او زاجر عن قبيح او ارشاد الى مصلحة دينية او دنيوية او تحذير من ضد ذلك ولما كان لابد للعبد من اذية الجاهلين له بالقول او بالفعل امر الله بالاعراض عنهم. وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم. فمن اذاك بقوله او فعله فلا تؤذه. ومن حرمك فلا تحرمه. ومن قطعك فصله. ومن ظلمك فاعدل فيه فبذلك يحصل لك الثواب من الله ومن راحة القلب وسكونه. ومن السلامة من الجاهلين. ومن انقلاب العدو صديقا. ومن التبوأ من مكارم الاخلاق واعلاه اه اكبر حظ واوفر نصيب. قال تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا. وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. ولنقتصر في هذا الموضوع اي على هذه الايات ففيها الهدى والشفاء والخير كله