المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين اي كل نفس مرتهنة محبوسة وموثقة بكسبها السيء وحبسها في العذاب السيء. وذلك لان الجزاء من جنس العمل. فكما حبس المجرمون ما لديهم لله ولخلقه من الحقوق اللازمة. فلم يؤدوا الصلاة التي هي اكبر العبادات المتضمنة للاخلاص ولا اطعموا المساكين من الحق الذي اوجبه الله لهم في اموالهم. ولا حبسوا نفوسهم على ما شرع وقيدوها الدين بل اطلقوها فيما شاءوا من المرادات الفاسدة فخاضوا بالباطل مع الخائضين. ولا صدقوا ربهم ورسلهم مع تواتر الايات بل كانوا يكذبون بيوم الدين. فلذلك حبسوا في هذا المحبس الفظيع وادخلوا في سقر فلما كان اصحاب اليمين قد حبسوا انفسهم في الدنيا على شرع الله تصديقا وعملا واطلقوا السنتهم وجوارحهم في طاعة الله ومرضاته. اطلق الله اسارهم وفك رهنهم. فلم يكونوا في ذلك اليوم تهانيين بل كانوا مطلقين فيما اشتهت انفسهم ولذت عيونهم فعمل العبد في الدنيا اما ان يكون سببا لارتهانه او سببا لخلاصه بل الاصل ان الانسان في حبس وان عمله سيرتهن لانه ظلوم وجهول طبعا الا من خلصه الله من هذا ومن فعليه بالصبر وعمل الصالحات. فلهذا جعل الارتهان عاما. واستثنى منه اصحاب اليمين فقال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين كلما ازداد العبد قربا من الله بالايمان به تحققي بحقائقه ومعرفته بالله ومحبته والانابة اليه. واخلاص العمل له. حصل له الخير والسرور واندفعت عنه انواع الشرور وزالت عنه المخاوف وسهلت عليه صعاب الامور هذا هو المعنى الذي اراد الله بقوله لموسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم ثم بدل لحسنا بعد سوء فاني غفور رحيم. ويدل على هذا قوله لا يخاف لدي. ولم يقل لا يخاف مني اي لا خوف ينال من منت عليه باكمل الحالات واشرف المراتب. وهي الرسالة ولكل مؤمن نصيب من هذا بحسب ما قام به من اتباع المرسلين ويدل ايضا ان المراد هذا المعنى العام الحسن الجليل ان السياق والقرينة تدل عليه دلالة بينة فان الخوف الصادر من موسى انما وقع لما رأى عصاه تهتز كانها جان. فخاف حينئذ من تلك الحية بحسب طبيعة البشرية فاعلمه الله تعالى ان هذا محل القرب من الله لا يليق ولا يكون فيه خوف. وانما فيه الامن التام. ولهذا قال في الاية الاخرى اقبل ولا تخف انك من الامنين ويدل على هذا المعنى ما دل عليه الاستثناء في قوله الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فان اني غفور رحيم. فان الاستثناء ميزان العموم. والاصل ان يكون من جنس المستثنى منه. فالمعنى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون فانهم ظلموا انفسهم ثم راجعوا الى ربهم وبدلوا سيئاتهم حسنات رجعوا الى مرتبتهم. وازال الغفور الرحيم عنهم موجب الظلم والاساءة. والله اعلم فائدة وهي في الحقيقة تابعة للايراد السابق في اخبار الله لا يهدي الظالمين والكافرين ونحوهم مع انه وقع منه هداية لمن اتصف بذلك الوصف وجوابه السابق هو ان النفي واقع على من حق عليه انه مجرم من اهل النار. وان الهداية الحاصلة لمن لم يكن كذلك ثم تبين لي في يومي هذا وتوضح معنى ما زال مشكلا علي. وضحه الله ولله الحمد وهو حل هذه الاية الكريمة. واذا وقع القول عليهم مخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون. وانها تقرير للاية التي قبلها. فان الله تعالى قال لرسوله مسليا بعدم ايمان المعاندين. وان هذا لا يضر الحق شيئا. انك لا تسمع الموتى ولا اسمعوا الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين. وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم. ان تسمعوا والا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون. فلما بين له اجتهاده صلى الله عليه وسلم في هداية الضالين دين انما ينتفع به ويسمعه سمع قبول وانقياد. من يؤمن باياتنا فهم مسلمون واما الموتى الذين ليس في قلوبهم ادنى حياة لطلب الحق. فكما ان صوتك لا تسمع به الاموات موتا حسيا فصوتك ايضا في الدعوة والارشاد لا تسمع به موت القلوب ولا الصم. المعرضون المدبرون عن الحق ولا الذين العمى لهم وصفا والغي لهم نعتا. فهؤلاء هم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون وهؤلاء هم الذين حق عليهم القول واذا حق القول على الاشقياء لم تنفعهم الايات المسموعة والتذكير. كما لا تنفعهم الايات التي يصير الايمان عندها اضطراريا وهذه الايات الكبار التي تكون مقدمة الساعة. فانه اذا طلعت الشمس من مغربها لم ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا حينئذ حق القول على الاشقياء انهم لا يزالون على شقائهم فيخرج لهم دابة من الارض تكلمهم وتبين لهم المسلم من الكافر. فالقول اذا حق لا يتغير ولا يتبدل ويحصل اليأس من ايمان الكافرين. ولو كانت الايات اكبر الايات. فالاية تقرر ما قبلها. وتدل على العلة وهي ان من حق عليه القول لو جاءته كل اية لم يؤمن حتى يرى العذاب الاليم والله اعلم قوله تعالى اولم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بني اسرائيل. تدل على ان اهل العلم بهم يعرف الحق من الباطل والحلال من الحرام فهم الوسائل بين الله وبين عباده. ولهذا استشهد الله بهم على التوحيد وعلى النبوة وعلى صحة القرآن كما في هذه الاية وعلى التوحيد في قوله شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم. وعلى القرآن قوله بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. وتدل هذه الايات على ان العلم الحقيقي وما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. وما فرق بين الحق والباطل. وما سوى ذلك وان كان صحيحا. فلا يستحق صاحبه ان يكون من اهل العلم الذين امر الله بالرجوع اليهم. وانما هو من اهل الذكر الذين قال الله فيهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون عقيق بمن من الله عليهم بشيء من العلم ان يكونوا اسرع الناس انقيادا للحق. وابعد الناس عن الباطل ولهذا شدد الله الذم بمخالفة هذين الامرين على اهل العلم. كقوله الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبث والطاغوت. وقوله الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة. وقوله سبحانه المتر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله. يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم ما تولى فريق منهم وهم معرضون