والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب الجحيم لانهم كفروا بالله وكذبوا باياته المبينة للحق يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتلوا ان الله لا فقد انحلت يمينه فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا اي فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فصيام ثلاثة ايام. ذلك المذكور كفارة ايمانكم اذا حلفتم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ثم قال تعالى لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربا ذلك بان منهم قسيسين يقول تعالى في بيان اقرب الطائفتين الى المسلمين والى ولايتهم ومحبتهم وابعدهم من ذلك. لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا. فهؤلاء الطائفة الثاني على الاطلاق اعظم الناس معاداة للاسلام والمسلمين. واكثرهم سعيا في ايصال الضرر اليهم. وذلك لشدة بغضهم لهم بغيا وحسدا وعنادا وكفرا وذكر تعالى لذلك عدة اسباب منها ان منهم قسيسين ورهبانا اي علماء متزهدين وعبادا في متعبدين والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة. فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين. ومنها انهم لا يستكبرون اي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق. وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم. فان المتواضع اقرب الى الخير من المستكبر. ومنها انهم اذا سمعوا ما انزل الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له وفاضت اعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه. فلذلك امنوا واقروا به فقالوا ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين. وهم امة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله وصحة ما جاءوا به ويشهدون على الامم السابقة بالتصديق والتكذيب. وهم عدول شهادتهم مقبولة. كما قال الله تعالى كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكأنهم ليموا على ايمانهم ومسارعتهم فيه فقالوا وما لنا لا نؤمن بالله يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. اي ما الذي يمنعنا من الايمان بالله؟ والحال انه قد جاءنا الحق من ربنا الذي لا يقبل الشك والريب ونحن اذا امنا واتبعنا الحق طمعنا ان يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين. فاي مانع يمنعنا اليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للايمان وعدم التخلف عنه. قال الله تعالى فاثابهم الله بما قالوا خالدين فيها فاثابهم الله بما قالوا اي بما تفوهوا به من الايمان به من التصديق بالحق جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. وذلك جزاء المحسنين. وهذه الايات نزلت في النصارى الذين امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وغيره ممن امن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيه من يختار دين الاسلام. ويتبين له بطلان ما كانوا عليه وهم اقرب من اليهود والمشركين الى دين الاسلام. ولما ذكر ثواب المحسنين ذكر عقاب المسيئين. قال يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم من المطاعم والمشاكل اقترب فانها نعم انعم الله بها عليكم. فاحمدوه اذ احلها لكم واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها او عدم قبولها. او اعتقاد تحريمها فتجمعون بذلك بين القول على الله الكذب. وكفر النعمة واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا. فان هذا من الاعتداء والله قد نهى عن الاعتداء فقال ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك. ثم امر بضد ما عليه المشركون الذين يحرمون ما احل الله فقال واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا طيب اي كونوا من رزقه الذي ساقه اليكم بما يسره من الاسباب اذا كان حلالا لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من انواع الاموال التي تؤخذ بغير حق. وكان ايضا طيبا وهو الذي لا خبث فيه. فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث. واتقوا الله في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. الذي انتم به مؤمنون. فان ايمانكم بالله يوجب عليكم تقواه. ومراعاة حقه. فانه لا يتم الا بذلك ودلت الاية الكريمة على انه اذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وسرية وامة ونحو ذلك فانه لا يكون حراما بتحريمه لكن لو فعله فعليه كفارة يمين كما قال الله تعالى يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك الا ان تحريم فيه كفارة ظهار ويدخل في هذه الاية انه لا ينبغي للانسان ان يتجنب الطيبات ويحرمها نفسه بل يتناولها مستعينا على طاعة ربه الايمان. لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم. اي في ايمانكم التي صدرت على وجه اللغو. وهي الايمان التي حلف بها من غير نية ولا قصد. او عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. اي بما عزمتم عليه وعقدت عليه قلوبكم كما قال في الاية الاخرى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فكفارته اي كفارة اليمين الذي عقدته بقصدكم اطعام عشرة مساكين. وذلك الاطعام من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم. اي كسوة عشرة مساكين والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة او تحرير رقبة اي عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع. فمتى فعل واحدا من هذه الثلاثة تكفرها وتمحوها وتمنع من الاثم. واحفظوا ايمانكم عن الحلف بالله كاذبا. وعن كثرة الايمان. واحفظوها اذا حلفتم عن الحنث فيها الا اذا كان الحنث خيرا. فتمام الحفظ ان يفعل الخير. ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون. كذلك يبين الله لكم اياته المبينة الحلال من الحرام الموضحة للاحكام لعلكم تشكرون الله حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فعلى العباد شكر الله تعالى على ما من به عليهم من معرفة الاحكام الشرعية وتبيينها يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصار والازلام رجس من عمل الشيطان يذم تعالى هذه الاشياء القبيحة ويخبر انها من عمل الشيطان وانها فاجتنبوه اي اتركوه لعلكم تفلحون. فان الفلاح لا يتم الا بترك ما حرم الله. خصوصا هذه الفواحش المذكورة وهي امر وهي كل مخامر العقل اي غطاه بسكره والميسر وهو جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين. كالمراهنة ونحوها الانصاب التي هي الاصنام والانداد ونحوها. مما ينصب ويعبد من دون الله. والازلام التي يستقسمون بها. فهذه الاربعة نهى الله عنها وزجر واخبر عن مفاسدها الداعية الى تركها واجتنابها. فمنها انها رجس اي خبث نجس معنى وان لم تكن نجسة حس والامور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس باوظارها. ومنها انها من عمل الشيطان الذي هو اعدى الاعداء للانسان ومن المعلوم ان العدو يحذر منه. وتحذر مصايده واعماله. خصوصا الاعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه. فان فيها هلاكة الحزم كل الحزم. البعد عن عمل العدو المبين. والحذر منها والخوف من الوقوع فيها. ومنها انه لا يمكن الفلاح للعبد الا باجتنابها فان فلاح هو الفوز المطلوب المحبوب. والنجاة من المرهوب وهذه الامور مانعة من الفلاح. ومعوقة له ومنها ان هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس. والشيطان حريص على بثها خصوصا الخمر والميسر. ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء فان في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه ما يدعو الى البغضاء بينه وبين اخوانه المؤمنين. خصوصا اذا اقترن بذلك من السباب بما هو من لوازم شارب الخمر فانه ربما اوصل الى القتل وما في الميسر من غلبة احدهما للاخر واخذ ماله الكثير في غير مقابلة ما هو من اكبر الاسباب للعداوة والبغضاء؟ ومنها ان هذه الاشياء تصد القلب ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة خلق لهما العبد وبهما سعادته. فالخمر والميسر يصدانه عن ذلك اعظم صد. ويشتغل قلبه ويذهل لبه في الاشتغال بهما حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري اين هو. فاي معصية اعظم واقبح من معصية تدنس صاحبها؟ وتجعله من اهل الخبث توقعه في اعمال الشيطان وشباكه. فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها. وتحول بين العبد وبين فلاحه. وتوقع العداوة والبغضاء وبين المؤمنين وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة. فهل فوق هذه المفاسد شيء اكبر منها؟ ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها عرضا بقوله فهل انتم منتهون؟ لان العاقل اذا نظر الى بعض تلك المفاسد انزجر عنها وكفت نفسه ولم يحتج الى وعظ ولا زجر بليغ واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على البلاغ المبين. طاعة الله وطاعة رسوله واحدة. فمن اطاع الله فقد اطاع الرسول من اطاع الرسول فقد اطاع الله. وذلك شامل للقيام بما امر الله به ورسوله من الاعمال. والاقوال الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه. والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك. وهذا الامر اعم الاوامر فانه كما ترى يدخل فيه كل امر ونهي ظاهر وباطن. وقوله واحذروا اي من معصية الله ومعصية رسوله. فان في ذلك الشر والخسران المبين فان توليتم عما امرتم به ونهيتم عنه فاعلموا ان ما على رسولنا البلاغ المبين. وقد ادى ذلك فان اهتديتم فلانفسكم ان اسأتم فعليها والله هو الذي يحاسبكم. والرسول قد ادى ما عليه وما حمل به ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا اذا ما اتقوا وامنوا لما نزل تحريم الخمر والنهي الاكيد والتشديد فيه تمنى اناس من المؤمنين ان يعلموا حال اخوانهم الذين ماتوا على الاسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها فانزل الله هذه الاية. واخبر تعالى انه ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح اي حرج واثم فيما طعموا من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها. قيد ذلك بقوله ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات. اي بشرط انهم تاركون للمعاصي. مؤمنون بالله ايمانا صحيحا. موجبا لهم عمل الصالحات. ثم استمروا على ذلك والا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون اخر. فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه اجله. ويدوم على احسانه فان الله يحب المحسنين في عبادة الخالق. المحسنين في نفع العبيد ويدخل في هذه الاية الكريمة. من طعم المحرم او فعل غيره بعد التحريم ثم اعترف بذنبه وتاب الى الله واتقى وامن وعمل صالحا. فان الله يغفر له. ويرتفع عنه الاثم في ذلك