المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلم هذا اخبار عن حمده والثناء عليه بصفات الكمال ونعوت العظمة والجلال عموما. وعلى هذه المذكورات خصوصا فحمد نفسه على خلقه السماوات والارض. الدالة على كمال وسعة علمه ورحمته. وعموم حكمته وانفراده بالخلق والتدبير. وعلى جعله الظلمات والنور. وذلك شامل للحسي من ذلك كالليل والنهار والشمس والقمر. والمعنوي كظلمات الجهل والشك والشرك والمعصية والغفلة. ونور العلم والايمان واليقين والطاعة وهذا كله يدل دلالة قاطعة انه تعالى هو المستحق للعبادة واخلاص الدين له. ومع هذا الدليل ووضوح البرهان ثم الذي الذين كفروا بربهم يعدلون اي يعدلون به سواه يسوونهم به في العبادة والتعظيم. مع انهم لم يساووا الله في شيء من الكمال وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه هو الذي خلقكم من طين وذلك بخلق مادتكم وابيكم ادم عليه السلام ثم قضى اجلا اي ضرب لمدة اقامتكم في هذه الدار اجلا. تتمتعون به وتمتحنون وتبتلون بما يرسل به رسله ليبلوكم ايكم احسن عملا. ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. واجل مسمى عنده. وهي الدار الاخرة التي ينتقل العباد اليها من هذه الدار. فيجازيهم باعمالهم من خير وشر. ثم مع هذا البيان التام وقطع الحجة ان هم تمترون اي تشكون في وعد الله ووعيده ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع لكثرة موادها وتنوع ووحد النور لكون الصراط الموصلة الى الله واحدة لا تعدد فيها. وهي الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به. كما قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله اي وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الارض فاهل السماء والارض متعبدون لربهم خاضعون لعظمته. مستكينون لعزته وجلاله. الملائكة المقربون والانبياء والمرسلون الصديقون والشهداء والصالحون. وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون. فاحذروا معاصيه وارغبوا في الاعمال التي تقربكم وتدنيكم من رحمته واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته. وما تأتيهن من اية من ايات ربهم الا كانوا عنها معرضين. هذا اخبار منه تعالى عن اعراض المشركين وشدة تكذيبهم وعداوتهم. وان هم لا تنفع فيهم الايات حتى تحل بهم المثلات. فقال وما تأتيهم من اية من ايات ربهم الدالة على الحق دلالة قاطعة الداعية لهم الى اتباعه وقبوله الا كانوا عنها معرضين. لا يلقون لها بالا ولا يصغون لها سمعا. قد انصرفت قلوبهم الى وولوها ادبارهم داء ما كانوا به يستهزئون. فقد كذبوا بالحق لما جاءهم. والحق حقه ان يتبع ويشكر الله على تيسيره لهم واتيانهم به. فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به. فاستحقوا العقاب الشديد. فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون. اي فسوف يرون ما استهزأوا به انه الحق والصدق. ويبين الله للمكذبين كذبهم وافترائهم. وكان يستهزئون بالبعث والجنة والنار. فاذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين هذه النار التي كنتم بها تكذبون. وقال تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت. بلى وعدا عليه حقا. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ليبين لهم والذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين ثم امرهم ان يعتبروا بالامم السالفة فقال الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن؟ اي كم تابع اهلاكنا للامم المكذبين. وامهلناهم قبل ذلك الاهلاك بان مكناهم في الارض ما لم نمكن لهؤلاء من الاموال والبنين هي وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم. فينبت لهم بذلك ما شاء الله من زروع وثمار. يتمتعون بها ويتناولون منها ما يشتهون. فلم يشكروا الله على نعمه. بل اقبلوا على الشهوات والهتهم انواع اللذات. فجاءتهم رسلهم بالبينات فلم يصدقوها بل ردوها وكذبوها فاهلكهم الله بذنوبهم وانشأ من بعدهم قرنا اخرين. فهذه سنة الله ودأبه في الامم السابقين واللاحقين. فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا اسحر مبين. هذا اخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين. وانهم ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به ولا لجهل منهم بذلك. وانما ذلك ظلم وبغي. لا حيلة لكم فيه. فقال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه باي وتيقنوا لقال الذين كفروا ظلما وعلوا. ان هذا الا سحر مبين. فان يبينة اعظم من هذه البينة هذا قولهم الشنيع فيها. حيث كابروا المحسوس الذي لا يمكن من له ادنى مسكة من عقل دفعه عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون. وقالوا ايضا تعنتا مبنيا على الجهل وعدم العلم بالمعقول. لولا انزل عليه ملك اي هلا انزل مع محمد ملك يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم انه بشر. وان رسالة الله لا تكون الا على ايدي الملائكة. قال الله في بيان رحمته ولطفه بعباده. حيث ارسل اليهم بشرا منهم يكون الايمان بما جاء به عن علم وبصيرة وغيب. ولو انزلنا ملكا برسالتنا لكان الايمان لا يصدر عن معرفة بالحق ولكان ايمانا بالشهادة الذي لا ينفع شيئا وحده. هذا ان امنوا والغالب انهم لا يؤمنون بهذه الحالة. فاذا لم يؤمنوا قضي الامر بتعجيل الهلاك عليهم وعدم انظارهم. لان هذه سنة الله فيمن طلب الايات المقترحة فلم يؤمن بها. فارسال الرسول البشري اليهم بالايات البينات التي يعلم الله انها اصلح للعباد وارفق بهم. مع امهال الله للكافرين والمكذبين. خير لهم فطلبهم لانزال الملك شر لهم لو كانوا يعلمون. ومع ذلك فالملك لو انزل عليهم وارسل لم يطيقوا التلقي عنه ولاحتملوا ذلك ولا اطاقته قواهم الفانية. ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا. لان الحكمة لا تقتضي بسوى ذلك ولا لبسنا عليهم ما يلبسون. اي ولكان الامر مختلطا عليهم وملبوسا. وذلك بسبب ما لبسوه على انفسهم. فان هم بنوا امرهم على هذه القاعدة التي فيها اللبس. وبها عدم بيان الحق. فلما جاءهم الحق بطرقه الصحيحة وقواعده التي هي قواعده لم يكن ذلك هداية لهم اذا اهتدى بذلك غيرهم والذنب ذنبهم. حيث اغلقوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا ابواب الضلال ولقد استهزأ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى مصليا لرسوله ومصبرا ومتهددا اعداءه ومتوعدا. ولقد استهزأ برسل من قبلك. لما اممهم بالبينات كذبوهم واستهزأوا بهم وبما جاءوا به. فاهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب. ووفى لهم من العذاب اكمل نصيب فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون. فاحذروا ايها المكذبون ان تستمروا على تكذيبكم. فيصيبكم ما اصابهم فان شككتم في ذلك او اغتبتم فسيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين. فلن تجدوا الا قوما مهلكين وامما في المثلات تالفين. قد اوحشت منهم المنازل وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. ابادهم الملك الجبار وكان بناؤهم عبرة لاولي الابصار وهذا السير المأمور به سير القلوب والابدان. الذي يتولد منه الاعتبار. واما مجرد النظر من غير اعتبار. فان ذلك لا يفيد شيئا