المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثامن في وجوب النصيحة وفوائدها ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الدين النصيحة ثلاثة. قالوا لمن يا رسول تقول الله قال لله ولكتابه ورسوله وائمة المسلمين وعامتهم. اخبر صلى الله عليه وسلم خبرا متضمنا للحث على النصيحة والترغيب فيها ان الدين كله منحصر في النصيحة. يعني ومن قام بالنصيحة فقد قام بالدين وفسره تفسيرا يزيل الاشكال ويعم جميع الاحوال وان موضوع النصيحة خمسة امور باستكمالها يكمل العبد. اما النصيحة لله فهي القيام بحقه وعبوديته التامة وعبوديته تعم ما يجب اعتقاده من اصول الايمان كلها واعمال القلوب والجوارح واقوال اللسان من الفروض والنوافل فعل المقدور منها ونية بما يعجز عنه. قال تعالى في حق المعذورين ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج. وذلك اذا نصحوا لله ورسوله فاشترط في نفي الحرج عن هؤلاء ان يكونوا ناصحين لله ورسوله. وذلك بالنيات الصادقة والقيام بالمقدور لهم. ومن اعظم النصيحة لله الذب عن الدين وتفنيد شبه المبطلين وشرح محاسن الدين الظاهرة والباطنة فان شرح محاسن الدين وخصوصا في هذه الاوقات التي طغت فيها الماديات وجرفت بزخارفها وبهرجتها اكثر البشر. وظنوا بعقولهم الفاسدة انها هي الغاية ومنتهى الحسن الكمال واستكبروا عن ايات الله وبيناته ودينه. ولم يخطر بقلوب اكثرهم ان محاسن الدين الاسلامي فاقت بكمالها وجمالها وجلالها كل شيء وان محاسن غيرها ان فرض فيه محاسن فانه يتلاشى ويضمحل اذا قيس بنور الدين وعظمته وبهائه. وانه الطريق الوحيد الى صلاح البشر وسعادتهم ومحال ان تحصل السعادة بدونه. اما سعادة الدين فواضح لكل احد منصف. واما سعادة الدنيا فان الامور مادية المحضة اذا خلت من رح الدين فانها شقاء على اهلها ودمار. والمشاهدة اكبر شاهد على هذا فان امور المادة قد ارتقت في هذه الاوقات ارتقاء هائلا يعجز الفصيح عن التعبير عنه. ومع ذلك فهل عاش هؤلاء مع انفسهم ومع غيرهم ومع بقية الامم عيشة سعيدة هنيئة طيبة ام الامر بالعكس وما يخرجون من طامة الا تلقتهم طامة اكبر منها ولا خلصوا من كوارث وعذاب الا دخلوا في عذاب افظع منه. ولا والله ينجيهم من هذا غير الدين الصحيح. وسيعلمون ويعلم غيرهم عواقبهم الوخيمة. واما النصيحة لكتاب بالله فهي الاقبال بالكلية على تلاوته وتدبره وتعلم معانيه وتعليمها والتخلق باخلاقه وادابه والعمل باحكامه اجتناب نواهيه والدعوة الى ذلك. واما النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو الايمان الكامل به وتعظيمه وتوقيره وتقديم حبته واتباعه على الخلق كلهم وتحقيق ذلك وتصديقه باتباعه ظاهرا وباطنا في العقائد والاخلاق والاعمال. قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. والحرص على تعلم سنته وتعليمها واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة وهي شقيقة الكتاب. قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. وجملة ما تقدم ان النصيحة لله ورسوله هي الايمان بالله رسوله وطاعة الله ورسوله. وهذا يعم كل ما تقدم. واما النصيحة لائمة المسلمين وهم ولاتهم من السلطان الاعظم الى الامير الى قاضي الى جميع من لهم ولاية صغيرة او كبيرة فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم اعظم من غيرهم. وجبلهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد امامتهم والاعتراف بولايتهم ووجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم وحث على طاعتهم ولزوم امرهم الذي لا يخالف امر الله ورسوله وبذل ما يستطيع الانسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما تاجون اليه في رعايتهم. كل احد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق. فان صلاحهم صلاح لرعيتهم. واجتناب سبهم والقدح في واشاعة مسالبهم فان في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا. فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك. وعلى من رأى منهم ما لا يحل ان ينبههم سرا لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام. ويحصل بها المقصود. ان هذا مطلوب في حق كل احد. وبالاخص ولاة الامور فان تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير. وذلك علامة الصدق والاخلاص. واحذر ايها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ان تفسد بالتمدح عند الناس فتقول لهم اني نصحتهم وقلت وقلت فان هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الاخلاص وفيه اضرار اخر معروفة. واما النصيحة لعامة المسلمين فقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وذلك بمحبة الخير لهم والسعي في ايصاله اليهم بحسب الامكان. وكراهة الشر والمكروه لهم والسعي في دفع ذلك ودفع اسبابه. وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم ونصحهم في امور دينهم ودنياهم. وكل ما تحب ان يفعلوه معك من الاحسان فافعله معهم ومعاونتهم على البر والتقوى ومساعدتهم على كل ما يحتاجونه. فمن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته. والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه المسلم وهذه الامور كلها بحسب القدرة. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. فعلمت مما تقدم ان الامر كما ذكره صلى الله عليه وسلم ان النصيحة ستشمل الدين كله اصوله وفروعه حقوق الله وحقوق رسوله وحقوق الخلق كلهم اهل الحقوق العامة والخاصة. فمن قام بالنصيحة على الوجه فقد قام بالدين ومن اخل بشيء مما تقدم فقد ضيع من دينه بقدر ما ترك. فاين النصيحة ممن تهاون بحقوق ربه فضيعها وعلى محارمه فتجرأ عليها. واين النصيحة ممن قدم قول غير الرسول على قوله واثر طاعة المخلوق على طاعة الله ورسوله واين النصيحة من اهل الخيانات والغش في المعاملات؟ واين النصيحة ممن يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا وممن يتبعون عورات مسلمين وعثراتهم. اين النصيحة من اهل المكر والخداع؟ واين النصيحة في من يسعى في تفريق المسلمين والقاء العداوة والبغضاء بينهم واين النصيحة ممن يتعلقون عند اللقاء بالمدح والثناء ويقولون خلاف ذلك في الغيبة عند الاعداء وعند الاصدقاء؟ واين النصيحة ممن لا احترموا اعراض المسلمين ولا يرقب فيهم الا ولا ذمة. واين النصيحة من المتكبرين على الحق والمستكبرين على الخلق. المعجبين المحتقرين لغيرهم. فهؤلاء كلهم عن النصيحة بمعزل ومنزلهم فيها ابعد منزل. وكل هؤلاء قد اختل ايمانهم واستحق كل عقوبات المتنوعة وحرموا من الخير الذي رتب على النصح حرموا من الاخلاق الفاضلة وابتلوا بالاخلاق السافلة اولئك هم الخاسرون طوبى للناصحين حقيقة ما اعظم توفيقهم وما اهدى طريقهم. لا تجد الناصح الا مشتغلا بفرض يؤديه. وفي جهاد نفسه عن محارم ربه ونواهيه. وفي دعوة غيره الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. وفي التخلق بالاخلاق الجميلة والاداب المستحسنة. ان رأى من اخيه خيرا اذاعه ونشره وان اطلع منه على عيب كتمه وستره ان عاملته وجدته ناصحا صدوقا وان صاحبته رأيته قائما بحقوقه الصحبة على التمام مأمونا في السر والعلانية. مباركا على الجليس كحامل المسك. اما ان يحذيك واما ان تجد منه رائحة طيبة اذا وجدت الناصحة فاغتنم صحبته. واذا تشابهت عليك المسالك فاستعن بمشاورته. جاهد نفسك على التخلق بخلق النصح تجد حلاوة الايمان وتكن من اولياء الرحمن اهل البر والاحسان. لو اطلعت على ضمير الناصح لوجدته ممتلئا نورا وامنا ورحمة وشفقة. ولو شاهدت لرأيتها تدور حول مصالح المسلمين مجملة ومفصلة. ولو تأملت اعماله واقواله لرأيتها كلها صريحة متفقة. اولئك سادة الاخيار واولئك الصفوة الابرار. لقد نالوا الخير الكثير بالنيات الصالحة والعمل اليسير