المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في احكام الشرع الفرعية المتنوعة في الصلاة والزكاة وما ينضم اليهما من المعاني الاخرى. قال تعالى اقم الصلاة فلدلوك الشمس الى غسق الليل. وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك. عسى ان يبعثك ربك مقاما محمود حمودا. هذا الامر من الله لعباده بالصلاة التي امر بها في ايات متعددة. ويأتي الامر بها في القرآن بلفظ الاقامة كهذه الاية ومثل واقيموا الصلاة ونحوها. وهو ابلغ من قوله افعلوها. فان هذا امر بفعلها وبتكميل اركانها وشروطها ومكملاتها ظاهرا وباطنا. وبجعلها شريعة ظاهرة قائمة من اعظم شعائر الدين. وفي هذه الاية زيادة عن بقية في الايات وهي الامر بها لاوقاتها الخمسة او الثلاثة. وهذه هي الفرائض واضافاتها الى اوقاتها من باب اضافة الشيء الى سببه الموجب له. فلدلوك الشمس اي زوالها واندفاعها من المشرق نحو المغرب فيدخل في هذا صلاة الظهر وهو اول الدلوك وصلاة العصر وهو اخر الدلوك الى غسق الليل اي ظلمته. فدخل في ذلك صلاة المغرب وهو ابتداء الغسق. وصلاة العشاء الاخرة. وبها يتم الغسق والظلمة وقرآن الفجر اي صلاة الفجر وسماها قرآنا لمشروعية اطالة القراءة فيها. ولفضل قراءتها لكونها مهنها مشهودة يشهدها الله وتشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. ففي هذه الاية الكريمة فوائد منها ذكر الاوقات في الخمسة صريحا ولم يصرح بها في القرآن في غير هذه الاية. واتت ظاهرة في قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون تون وفيها ان هذه المأمورات كلها فرائض. لان الامر بها مقيد في اوقاتها. وهذه هي الصلوات الخمس. وقد تستتبع ما يتبعها من الرواتب ونحوها. ومنها ان الوقت شرط لصحة الصلاة. وسبب لوجوبها ويرجع في مقادير الاوقات الى تقدير النبي صلى الله عليه وسلم كما يرجع اليه في تقدير ركعات الصلاة وسجداتها وهيئاتها وفيها ان العصر والظهر يجمعان للعذر. وكذلك المغرب والعشاء بان الله جمع وقتهما في وقت واحد للمعذور. ووقتان لغير المعذور. وفيهما فضيلة صلاة الفجر وفضيلة اطالة في القرآن فيها. وان القرآن فيها ركن. لان العبادة اذا سميت ببعض اجزائها دل ذلك على فضيلته وركنيته. وقد فعبر الله عن الصلاة بالقراءة وبالركوع وبالسجود وبالقيام. وهذه كلها اركانها المهمة. قوله ومن الليل فتهجد به. اي صل به في اوقاته نافلة لك اي لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو المقامات ورفع الدرجات بخلاف غيرك فانها كونوا كفارة لسيئاته ويحتمل ان يكون المعنى ان الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين. واما صلاة الليل فانها فرض عليك وحدك دون المؤمن لكرامتك على الله اذ جعل وظيفتك اكثر من غيرك ومن عليك بالقيام بها ليكثر ثوابك ويرتفع مقامك تنال بذلك المقام المحمود. وهو المقام الذي يحمده فيه الاولون والاخرون. مقام الشفاعة العظمى حين يستشفع الخلائق باكابر الانبياء. ادم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. وكلهم يعتذر ويتأخر عنها. حتى يستشفعوا بسيد ولد ادم ليرحمهم الله من هم الموقف وكربه. ويفصل بينهم فيشفعه الله. ويقيمه مقاما يغبطه به الاولون والاخرون وتكون له اليد البيضاء على جميع الخلق صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. وادخلنا في شفاعته من علينا بالسعي في اسباب شفاعته التي اهمها اخلاص الاعمال لله. وتحقيق متابعته في هديه وقوله وعمله. قال سبحانه ولكل وجهة هو موليها تستبق الخيرات اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير. لما امر الله تعالى رسوله خصوصا والمؤمنين عموما باستقبال بيته الحرام اخبر ان كل اهل دين لهم وجهة يتوجهون اليها في عباداتهم. وليس الشأن في القبل والوجهات المعينة. فانها من الشرائع التي تختلف لا في الازمنة ويدخلها النسخ والنقل من جهة الى اخرى. ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله على الاطلاق. التقرب اليه وطلب الزلفة عنده. فهذا عنوان السعادة ومنشور الولاية. وهو الذي اذا لم تتصف به النفوس حصلت لها الخسارة في في الدنيا والاخرة. كما انها اذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة. وهذا امر متفق عليه في جميع الشرائع. وهو الذي خلق وفق الله له الخلق وامرهم به. الامر بالاستباق الى الخيرات قدر زائد على الامر بفعلها. فان الاستباق اليها يتضمن الامر بفعلها وتكميلها وايقاعها على اكمل الاحوال. والمبادرة اليها. ومن سبقت الدنيا الى الخيرات فهو السابق في الاخرة الى الجنات سابقون اعلى الخلق درجة. والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل. من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وعمرة وجهاد ونفع متعد وقاصر. فهذه الاية تحث على الاتيان بكل ما يكمل هذه العبادات من ركن وواجب وشرط ومستحب حب ومكمل ومتمم ظاهرا وباطنا. كالمبادرة في اول الوقت فعل السنن المكملات والمبادرة الى ابراء الذمم من الواجبات فعل جميع الاداب المتعلقة بالعبادات فلله ما اجمعها من اية وانفعها. ولما كان اقوى ما يحث النفوس الى المسارعة الى الخيرات. ما رتب الله عليها من الثواب وما يخشى بتفويتها من الحرمان والعقاب. قال اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا. ان الله على كل شيء قدير فيجمع الله العباد يوم القيامة بقدرته. ويجازيهم بما اسلفوه من الاعمال خيرها وشرها. حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فان خفتم فرجالا او ركبانا. فاذا امنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات عموما. وعلى الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر خصوصا. بفضلها فيها حضور ملائكة الليل والنهار فيها. ولكونها ختام النهار والمحافظة على الصلوات عناية العبد بها من جميع الوجوه التي امر الشارع بها وحث عليها من مراعاة الوقت وصلاة الجماعة والقيام بكل ما به تكمل وتتم وان تكون صلاة كاملة صاحبها عن الفحشاء والمنكر. ويزداد بها ايمانه. وذلك اذا حصل فيها حضور القلب وخشوعه. الذي هو لبها وروحها ولهذا قال وقوموا لله قانتين. اي مخلصين خاشعين لله فان القنوت هو دوام الطاعة مع الخشوع ومن تمام ذلك سكون الاعضاء عن كل كلام لا تعلق له بالصلاة. فيها ان القيام في صلاة الفريضة ركن ان كان المراد بالقيام من هنا الوقوف فان اريد به القيام بافعال الصلاة عموما دل على الامر باقامتها كلها. وان تكون قائمة تامة غيرنا ناقصة فان خفتم فرجالا او ركبانا اي فصلوا الصلاة رجالا اي ماشيين على ارجلكم او ساعين عليها او ركبانا على الابل وغيره بها من المركوبات. وحدث المتعلق ليعم الخوف من العدو والسبع. ومن فوات ما يتضرر بفواته او تفويته. وفي هذه الحال لا يلزمه استقبال القبلة. بل قبلته حيثما كان وجهه. ومثل ذلك اذا اشتبهت القبلة في السفر. ومثل ذلك صلاة النافلة في السفر على الراحلة. وكل هذا داخل في قوله ولله المشرق والمغرب. فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم. فهذه الصلاة المعذور بالخوف فاذا حصل الامن صلى صلاة كاملة. ويدخل في قوله فاذا امنتم فاذكروا الله تكميل الصلوات. ويدخل فيه ايضا الاكثار من ذكر الله شكرا له على نعمة الامن وعلى نعمة التعليم. وفي الاية الكريمة فضيلة العلم وان على من علمه الله ما لم يكن يعلم الاكثار من ذكر الله فيه تنبيه على ان الاكثار من ذكر الله سبب لنيل علوم اخر لم يكن العبد ليعرفها. فان الشكر مقرون بالمزيد. وقد ذكر الله صلاة الخوف في سورة النساء في قوله واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة. فامر بها على تلك الصفة تحصيلا للجماعة لها امن للالفة وجمعا بين القيام بالصلاة والجهاد حسب الامكان. وبالقيام بالواجبات مع التحرز من شرور الاعداء سبحان من جعل في كتابه الهدى والنور والرشاد واصلاح الامور كلها