الى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة اصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا اقرب الى احدكم من عنق راحلته وقد قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان وقد جاء ان سبب نزولها ان الصحابة قالوا يا رسول الله المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل وهو الرفيق يحب اهل الرفق بل يعطيهم في الرفق فوق اماني وهذا قد اخذه المؤلف رحمه الله من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بعدما سمعت اليهودي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم السام عليك يا محمد فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وعليكم ففطنت عائشة لليهودي فقالت وعليكم الشام واللعنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة ان الله رفيق يحب اهل الرفق الحديث وقال ان الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف فالله تعالى رفيق في افعاله خلق السماوات والارض في ستة ايام مع قدرته على خلقها في لحظة واحدة وكذلك الادميون والحيوانات وانواع الاشجار والنبات يخلقها تعالى بالتدريج شيئا فشيئا حتى تتم وتكبر وهذا من رفقه وحكمته التي فيها من الفوائد والمنافع ما لا يدخل تحت الحصر واذا كان رفيقا فهو يحب اهل الرفق ويعطيهم من فضله واحسانه ما لا يعطي غيرهم ولهذا ما كان الرفق في شيء الا زانه ولا كان العنف في شيء الا شانه فالمتأني الذي يأتي الامور برفق وسكينة ووقار اتباعا لسنن الله في الكون تتيسر له الامور خصوصا الذي يأمر الناس وينهاهم في مصالح دينهم ودنياهم فانه محتاج بل مضطر الى الرفق واللين قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وكذلك من اذاه الناس بالاقوال البشعة فصان لسانه عن مشاتمتهم ورفع عن نفسه برفق ولين. اندفع عنه من اذاهم بسبب ذلك ما لا يندفع عمن قابلهم وصنعك صنيعهم مع راحته وطمأنينة قلبه واكتسابه للرزانة والحلم وتنزهه عن سفسفة الاقوال ولهذا لما كان اليهود يريدون بخطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم بقولهم السام عليكم يريدون الموت من كمال حلمه صلى الله عليه وسلم لم يشتمهم بل قال وعليكم اي ما قلتم ولهذا قال لي عائشة الم تسمعي ما قلت لهم فبين عليه الصلاة والسلام ان المقابلة قد تحصل من دون كلام مستبشع ولا قول غليظ وقال سفيان الثوري رحمه الله ينبغي للامر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يكون عالما بما يأمر به عالما بما ينهى عنه عدلا فيما يأمر به عدلا فيما ينهى عنه رفيقا فيما يأمر به رفيقا فيما ينهى عنه فالرفق يدرك به خير كثير ويثيب الله عليه ثوابا جزيلا والعنف بخلاف ذلك وهو القريب وقربه المختص بي داعي وعابده على الايمان يعني ان القريب من اسمائه تعالى قسمان قرب عام وقرب خاص فالقرب العام احاطة علمه بجميع الاشياء وهو اقرب الى الانسان من حبل الوريد ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم الا هو معهم اينما كانوا والنوع الثاني قربه المختص بالداعين والعابدين والمحبين وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة والتأييد والاجابة والقبول والاثابة ومن ذلك قوله تعالى واسجد واقترب وقال النبي صلى الله عليه وسلم اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فهذا قربه من عابديه وقال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فهذا قربه من داعيه بالاجابة والتوفيق وللمصنف ها هنا كلام حسن ذكره في بدائع الفوائد فلنذكره لشدة الحاجة اليه وعدم اجزاء غيره عنه قال في اثناء كلامه على قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية الى قوله ان رحمة الله قريب من المحسنين وسادسها وهو من النكت السرية البديعة جدا انه دال على قرب صاحبه من الله وانه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأل مسألة اقرب شيء اليه فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ولهذا اثنى سبحانه على عبده زكريا في قوله اذ نادى ربه نداء خفيا فكلما استحضر القلب قرب الله تعالى منه وانه اقرب اليه من كل قريب وتصور ذلك اخفى دعاءه مهما امكنه ولم يتأتى له رفع الصوت به بل يراه غير مستحسن كما ان من خاطب جليسا له يسمع اخفى كلامه فانه لو بالغ في رفع الصوت استهجن ذلك منه ولله المثل الاعلى سبحانه وقد اشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم ربنا قريب فنناجيه ام بعيد فنناديه فانزل الله عز وجل واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان وهذا يدل على ارشادهم للمناجاة في الدعاء لا للنداء الذي هو رفع الصوت فانهم سألوه فاجيبوا بان ربهم تبارك وتعالى قريب لا يحتاج في دعائه وسؤاله الى النداء وانما يسأله مسألة القريب المناجي لا مسألة البعيد المنادي وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قربا عاما من كل احد فهو قريب من داعيه وقريب من عابده واقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو اخص من قرب الانابة وقرب الاجابة الذي لم يثبت اكثر المتكلمين سواه بل هو قرب خاص من الداعي والعابد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن ربه تبارك وتعالى من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا فهذا قربه من عابده واما قربه من داعيه وسائليه فكما قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان وقوله ادعوا ربكم تضرعا وخفية فيه الاشارة والاعلام بهذا القرب واما قربه تبارك وتعالى من محبه فنوع اخر ونبأ اخر وشأن اخر قد ذكرناه في كتاب التحفة المكية على ان العبارة تنبو عنه ولا يحصل في القلب حقيقة معناه لكن بحسب قوة المحبة وضعفها يكون تصديق العبد بهذا القرب واياك ثم اياك ان تعبر عنه بغير العبارة النبوية او يقع في قلبك غير معناها ومرادها فتزل قدم بعد ثبوتها وقد ضعف تمييز خلائق في هذا المقام وساء تعبيرهم فوقعوا في انواع من الطامات والشطح فقابلهم من غلظ حجابه فانكر محبة العبد لربه جملة وقربه منه واعاد ذلك الى مجرد الثواب المخلوق فهو عنده المحبوب القريب ليس الا وقد ذكرنا من طرق الرد على هؤلاء وهؤلاء في كتاب التحفة اكثر من مائة طريق انتهى كلامه رحمه الله وهو المجيب يقول من يدعو اجب هو انا المجيب لكل من ناداني وهو المجيب لدعوة المضطر اذ يدعوه في سر وفي اعلان جعل المؤلف للمجيب معنيين معنى عام ومعنى خاص فالعام هو اجابته تعالى لكل من دعاه دعاء عبادة ودعاء مسألة كما قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم فدعاء المسألة ان يقول بلسانه اللهم اعطني كذا او اللهم ادفع عني كذا فهذا يقع من البر والفاجر ويستجيب الله فيه للبر والفاجر فقد يدعو الكافر بحصول رزق او دفع عدو او خروج من مشقة فيستجيب الله له ولا اعظم كفرا من ابليس وقد سأل الله النظرة فانظره الله الى يوم يبعثون ولهذا يستدل بهذا النوع على كرم الباري وسعة جوده وحلمه ولا يدل مجرد الاجابة على حسن حال الداعي الذي اجيبت دعوته حتى يأتي ما يدل على ذلك فان اقترن بذلك ما يدل على تعين الحق معه كسؤال الانبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم دل ذلك على صدق من اجاب الله دعاءه ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو بدعاء يرى الناس عيانا اجابته فيجعلونه من دلائل النبوة وايات صدقه صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يذكرونه عن كثير من اولياء الله من اجابة دعواتهم يجعلونه من كرامات الله لاوليائه واما الاجابة الخاصة فلها اسباب عديدة ومن اعظمها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة فان الله تعالى يجيب دعوته وذلك لشدة افتقار العبد لربه في هذه الحال وانقطاع يقلقه من المخلوقين ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجاتهم اليها فكيف بمن اضطر اليها ولهذا قال المصنف وهو المجيب لدعوة المضطر اذ يدعوه في سر وفي اعلان ومن اسباب اجابة الدعاء اطالة السفر والتوسل الى الله باحب الوسائل المقربة اليه من اسمائه وصفاته ونعمه ودعوة المظلوم ودعوة الوالد لولده او عليه وفي الاوقات والاحوال الشريفة كما وردت بذلك كله النصوص والاخبار التي لا يسعها هذا الموضع قال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم وقال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان وقال تعالى ان ربي قريب مجيب وقال امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم ويجعلكم خلفاء الارض االه مع الله وهو الجواد فجوده عم الوجوه جميعه بالفضل والاحسان وهو الجواد فلا يخيب سائلا ولو انه من امة الكفران يعني ان جوده تعالى عام لجميع المخلوقات قد عمها وشملها وملأها من فضله واحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة وخاص للسائلين بلسان المقال او بلسان الحال من بر وفاجر ومسلم وكافر فمن سأل الله اعطاه سؤله ونا له ما طلب قال تعالى وهو الرحيم انه هو البر الرحيم وقال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون وقال تعالى واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فاعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر وفي رواية لغير مسلم ذلك باني جواد ماجد واجد عطائي كلام وعذابي كلام انما امري لشيء اذا اردت ان اقول له كن فيكون وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان خزائن الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ارأيتم ما انفق منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه وبيده الاخرى القسط يخفض بها ويرفع ومن جوده وكرمه ما اعده الله لاوليائه في دار كرامته مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومن جوده وكرمه انه المغيث لكل مخلوقاته فلهذا قال وهو المغيث لكل مخلوقاته وكذا يجيب اغاثة لهفان فالمغيث يتعلق بالشدائد والمشقات فهو المغيث لجميع المخلوقات عندما تتعسر امورها وتقع في الشدائد والكربات من اطعام جائعهم وكسوة عاريهم وتخليص مكروبهم وكشف الضر عنهم وانزال الغيث عليهم في وقت الضرورة اليه وكذا يجيب اغاثة اللهفان اي دعاء من دعاه في حالة اللهف وشدة الاضطرار فمن استغاثه اغاثه قال تعالى وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله ينظر اليكم ازلين قنيطين فيظل يضحك يعلم ان فرجكم قريب وقال تعالى ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون وقال تعالى حتى اذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها اه وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم ان الله مخلصين له الدين دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين اكيرين فلما انجاهم الاية وقال تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية ان انجانا لئن انجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون وقال تعالى امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء ارض االه مع الله وقال تعالى سيجعل الله بعد عسري يسرا وقال تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي وغيره واعلم ان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا وقال تعالى عن ذي النون عليه السلام انه نادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين اي اذا وقعوا في الشدائد نجاهم الله ودفعها عنهم بايمانهم ولهذا ينجيهم من كربات الموت وشدة القبر واهوال يوم القيامة حين تعجز قدرهم ولا يبقى ملجأ يلجأون اليه الا الله تبارك وتعالى وكم انجى في الدنيا من الكرب والشدائد كثيرا من انبيائه واوليائه واغاثهم بلطفه ودفع عنهم بعزته ورحمهم ويسرهم لليسرى