المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ظالمين بايات الله يجعلون. اي قد نعلم ان الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوؤك. ولم نأمرك بما به من الصبر الا لتحصل لك المنازل العالية. والاحوال الغالية. فلا تظن ان قولهم صادر عن اشتباه في امرك وشك فيك. فانهم لا يكذبونك لانهم يعرفون صدقك ومدخلك ومخرجك وجميع احوالك. حتى انهم كانوا يسمونه قبل البعثة الامين. ولكن الظالمين مسلمين بايات الله يجحدون. اي فان تكذيبهم لايات الله التي جعلها على يديك ولا مبدل لكلمات الله ولقد ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا. واوذوا حتى اتاهم نصرنا كما صبروا تظفر كما ظفروا. ولقد جاءك من نبأ المرسلين ما به يثبت فؤادك. ويطمئن به قلبك لجمعهم على الهدى وان كان كبر عليك اعراضهم اي شق عليك من حرصك عليهم ومحبتك لايمانهم. فابذل وسعك في ذلك فليس في مقدورك ان تهدي من لم يرد الله هدايته. فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتأتيهم باية. اي فافعل ذلك فانه لا يفيدهم شيئا. وهذا قطع لطمعه في هدايته اشباه هؤلاء المعاندين. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى. ولكن تعالى اقتضت انهم يبقون على الضلال. فلا تكونن من الجاهلين الذين لا يعرفون حقائق الامور. ولا ينزلونها على منازلها انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم انما يستجيب لدعوتك ويلبي رسالتك وينقاد لامرك الذين يسمعون بقلوبهم ما ينفعهم وهم اولوا الالباب والاسماع. والمراد بالسماع هنا سماع القلب والاستجابة. والا مجرد سماع الاذن يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى باستماع اياته. فلم يبق لهم عذر في عدم القبول والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون. احتملوا ان المعنى مقابل للمعنى المذكور. اي انما يستجيب لك احياء القلوب. واما اموات القلوب الذين لا يشعرون بسعادتهم ولا يحسون بما ينجيهم. فانهم لا يستجيبون لك ولا ينقادون. وموعدهم القيامة يبعثهم الله ثم اليه يرجعون. ويحتمل ان المراد بالاية على ظاهرها. وان الله تعالى يقرر المعاد. وانه سيبعث الاموات يوم القيامة ثم نبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله. والترهيب من عدم ذلك اكثرهم لا يعلمون. وقالوا اي مكذبون بالرسول تعنتا وعنادا. لولا انزل عليه اية من ربه يعنون بذلك ايات الاقتراح التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وارائهم الكاسدة. كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض او تكون لك جنة من نخيل وعنب. فتفجر الانهار خلالها تفجيرا. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. او ان تأتي بالله والملائكة قبيلا. قل مجيبا لقولهم ان الله قادر على ان ينزل اية فليس في قدرته قصور عن ذلك. كيف وجميع الاشياء من قادة لعزته مذعنة لسلطانه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الايات التي لو جاءتهم فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب. كما هي سنة الله التي لا تبديل لها. ومع هذا فان كان قصدهم الايات التي تبين لهم الحق وتوضح السبيل. فقد اتى محمد صلى الله عليه وسلم بكل اية قاطعة. وحجة ساطعة دالة على ما جاء به من بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين ان يجد فيما جاء به عدة ادلة عقلية ونقلية بحيث لا تبقي في القلوب ادنى شك وارتياب. فتبارك الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق. وايده بالايات البينات ليهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع عليم في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا ما فرطنا في الكتاب من شيء اي جميع الحيوانات الارضية والهوائية من البهائم والوحوش والطيور كلها امم امثالكم خلقناها كما خلقناكم ورزقناها كما رزقناكم. ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا كما كانت نافذة فيكم. ما فرطنا في الكتاب من شيء اي ما اهملنا ولا اغفلنا في اللوح المحفوظ شيئا من الاشياء. بل جميع الاشياء صغيرها وكبيرها مثبتة في اللوح المحفوظ على ما هي عليه فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الاية دليل على ان الكتاب الاول قد حوى جميع الكائنات. وهذا احد مراتب القضاء والقدر فانها اربع مراتب. علم الله الشامل لجميع الاشياء. وكتابه المحيط بجميع الموجودات. ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء وخلقه لجميع المخلوقات حتى افعال العباد. ويحتمل ان المراد بالكتاب هذا القرآن وان المعنى كالمعنى في قوله تعالى نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. وقوله ثم الى ربهم يحشرون. اي جميع الامم تحشر وتجمع الى الله في موقف القيامة في ذلك الموقف العظيم الهائل فيجازيهم بعدله واحسانه ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الاولون والاخرون. اهل السماء اهل الارض والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات من يشاء هذا بيان لحال المكذبين ايات الله المكذبين لرسله انهم قد سدوا على انفسهم باب الهدى وفتحوا باب الردى وانهم صم عن سماع الحق بكم عن النطق فلا ينطقون الا بباطل. في الظلمات اي منغمسون في ظلمات الجهل والكفر والظلم والعناد والمعاصي. وهذا من ابولال الله اياهم فمن يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم. لانه المنفرد بالهداية والاضلال. بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته يقول تعالى لرسوله قل للمشركين بالله العادلين به غيره. ارأيتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعة اغير الله تدعون ان كنتم صادقين. اي اذا حصلت هذه المشقات وهذه الكروب التي يضطر الى دفعها. هل تدعون الهتكم واصنامكم ام تدعون ربكم الملك الحق المبين؟ بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه بل اياه تدعون في كشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون فاذا كانت هذه حالكم مع اندادكم عند الشدائد تنسونهم لعلمكم انهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وتخلصون لله الدعاء. لعلمكم انه هو النافع الضار. المجيب لدعوة المضطر. فما بالكم في الرخاء تشركون به وتجعلون له شركاء هل دلكم على ذلك عقل او نقل؟ ام عندكم من سلطان بهذا؟ بل تفترون على الله الكذب ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون يقول تعالى ولقد ارسلنا الى امم من قبلك من الامم السالفين والقرون المتقدمين. فكذبوا رسلنا وجحدوا فاخذناهم بالبأساء والضراء اي بالفقر والمرض والافات والمصائب. رحمة منا بهم لعلهم يتضرعون الينا ويلجأون عند الشدة الينا فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم اي استحجرت فلا تلين للحق. وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فظنوا ان ما هم عليه دين الحق. فتمتعوا في باطلهم من الزمان ولعب بعقولهم الشيطان. فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابوابكم فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذنا بغتة فاذا هم مبلسون. اي ايسون من كل خير وهذا اشد ما يكون من العذاب. ان يؤخذوا على غرة وغفلة وطمأنينة اشد لعقوبتهم واعظم لمصيبتهم