المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظن المراد بالخوض في ايات الله التكلم بما يخالف الحق. من تحسين المقالات الباطلة والدعوة اليها ومدح اهلها والاعراض عن الحق والقدح فيه وفي اهله. فامر الله رسوله اصلا وامته تبعا. اذا رأوا من يخوض بايات الله بشيء مما ذكر بالاعراض عنهم وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل والاستمرار على ذلك حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره فاذا كان في كلام غيره زال النهي المذكور. فان كان مصلحة كان مأمورا به وان كان غير ذلك كان غير مفيد ولا مأمور به. وفي بذم الخوض بالباطل حث على البحث والنظر والمناظرة بالحق. ثم قال واما ينسينك الشيطان اي بان جلست معهم على وجه النسيان والغفلة فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. يشمل الخائضين بالباطل وكل متكلم بمحرم او فاعل محرم فانه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر. الذي لا يقدر على ازالته. هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم. ولم يستعمل تقوى بان كان يشاركهم في القول والعمل المحرم او يسكت عنهم وعن الانكار. فان استعمل تقوى الله تعالى بان كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم. فيترتب على ذلك زوال الشر او تخفيفه. فهذا ليس عليه حرج ولا اثم. ولهذا قال على الذين يتقون من حسابهن من شيء ولكن ذكرى لعلهم وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء. ولكن ذكرى لعلهم يتقون. اي ولكن ليذكرهم ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على انه ينبغي ان يستعمل المذكر من الكلام ما يكون اقرب اليه الى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على انه اذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا الى شره. الى ان تركه هو الواجب لانه اذا ناقض المقصود كان تركه مقصودا الحياة الدنيا وذكر به ان تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع. وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها اولئك الذين ابصروا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون. المقصود من العباد ان يخلصوا لله الدين. بان يعبدوه وحده لا شريك له. ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لاقبال القلب عليه الله وتوجهه اليه وكون سعي العبد نافعا وجدا لا هزلا واخلاصا لوجه الله لا رياء وسمعة هذا هو الدين الحقيقي ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم. وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه اي علا بها عليهم وفلجهم بها. نرفع درجات من نشاء كما رفعنا درجات ابراهيم عليه الذي يقال له دين. فاما من زعم انه على الحق وانه صاحب دين وتقوى. وقد اتخذ دينه لعبا ولهوا بان لها قلبه عن محبة الله ومعرفته واقبل على كل ما يضره. ولها في باطله ولعب فيه ببدنه. لان العمل والسعي اذا كان لغير الله فهو لعب. فهذا امر قال الله تعالى ان يترك ويحذر ولا يغتر به وتنظر حاله ويحذر من فعاله ولا يغتر بتعويقه عما يقرب الى الله وذكر به اي ذكر بالقرآن ما ينفع العباد. امرا وتفصيلا وتحسينا له. بذكر ما فيه من اوصاف الحسن. وما يضر العباد نهيا عنه. وتفصيل اذا لانواعه وبيان ما فيه من الاوصاف القبيحة الشنيعة الداعية لتركه. وكل هذا لان لا تبسل نفس بما كسبت. اي قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرؤه على علام الغيوب واستمرارها على ذلك المرهوب. فذكرها وعظها لترتدع وتنزجر وتكف عن فعلها. وقول ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع. اي قبل ان تحيط بها ذنوبها ثم لا ينفعها احد من الخلق. لا قريب ولا صديق ولا يتولاها من دون الله احد. ولا يشفع لها شافع. وان تعدل كل عدل. اي تفتدي بكل فداء. ولو بملئ الارض ذهبا. لا يؤخذ منها اي لا يقبل ولا يفيد. اولئك الموصوفون بما ذكر الذين ابسلوا اي اهلكوا وايسوا من الخير. وذلك بما لهم شراب من حميم. اي ماء حار قد انتهى حره. يشوي وجوههم ويقطع امعائهم. وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ونرد على اعقابنا بعد اذ هدى حيران له اصحاب يدعونه قل يا ايها الرسول للمشركين بالله الداعين معه غيره. الذين يدعونكم الى دينهم. مبينا وشارحا لوصف الهتهم. التي يكتفي بذكر وصفها عن النهي عنها. فان كل عاقل اذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه قبل ان تقام البراهين على ذلك. فقال اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا. وهذا وصف يدخل فيه كل من عبد من دون الله. فانه لا ينفع ولا يضر. وليس له من الامر شيء. ان الامر الا لله. ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله. اي وننقلب بعد هداية الله لنا الى الضلال. ومن الى الغيب ومن الصراط الموصل الى جنات النعيم. الى الطرق التي تفضي بسالكها الى العذاب الاليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد صاحبها كالذي استهوته الشياطين في الارض. اي اضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه. الموصل له الى مقصده. فبقي حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى. والشياطين يدعونه الى الردى. فبقي بين الداعيين حائرا. وهذه حال الناس كلهم. الا من عصمه الله الله تعالى فانهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة. دواعي الرسالة والعقل الصحيح والفطرة المستقيمة. يدعونه الى الهدى والصعود الى اعلى عليين. ودواعي الشيطان ومن سلك مسلكه. والنفس الامارة بالسوء. يدعونه الى الضلال. والنزول الى اسفل سافلين فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في اموره كلها او اغلبها. ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان. ويتعارض عنده الجاذبان وفي هذا الموضع تعرف اهل السعادة من اهل الشقاوة. وقوله قل ان هدى الله هو الهدى اي ليس الهدى الا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله. وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. وامرنا لنسلم لرب العالمين بان ننقاد لتوحيده لاوامره ونواهيه. وندخل تحت رق عبوديته فان هذا افضل نعمة انعم الله بها على العباد. واكمل تربية اوصلها اليهم وان نقيموا الصلاة واتقوا وهو الذي اليه تحشرون. وان اقيموا الصلاة اي وامرنا ان نقيم الصلاة اتى باركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. واتقوه بفعل ما امر به واجتناب ما عنه نهى. وهو الذي اليه تحشرون. اي تجمعون ليوم القيامة فيجازيكم باعمالكم خيرها وشرها ويوم يقول كن فيكون. قوله الحق وله الملك يوم ينفق في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. ويوم يقول كن فيكون قوله الحق الذي لا مرية فيه ولا مثنوية ولا يقول شيئا عبثا وله الملك يوم ينفخ في الصور اي يوم القيامة خصه بالذكر مع انه مالك كل شيء لانه تنقطع فيه الاملاك فلا يبقى ملك الا الله الواحد القهار. عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير. الذي له الحكمة التامة والنعمة السابغة والاحسان العظيم. والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا. لا اله الا هو ولا رب سواه وان قال ابراهيم لابيه ازر تتخذ اصناما الهة يقول تعالى واذكر قصة ابراهيم عليه الصلاة والسلام مثنيا عليه ومعظما في حال دعوته الى التوحيد ونهيه عن الشرك اذ قال لابيه ازر اتتخذ اصناما الهة؟ اي لا تنفع ولا تضر وليس لها من الامر شيء. اني اراك وقومك في ضلال مبين حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا. وتركتم عبادة خالقكم ورازقكم ومدبركم. وكذلك نريد ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين. وكذلك حين وفقناه للتوحيد والدعوة اليه نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض. اي ليرى ببصيرته ما اشتملت عليه من الادلة القاطعة والبراهين الساطعة. وليكون من سنين فانه بحسب قيام الادلة يحصل له الايقان. والعلم التام بجميع المطالب فلما جن عليه في الليل اي اظلم رأى كوكبا لعله من الكواكب المضيئة. لان تخصيصه بالذكر يدل على زيادته عن غيره. ولهذا والله اعلم قال من قال انه الزهرة. قال هذا ربي. اي على وجه التنزل مع الخصم. اي هذا ربي. فهلم ننظر؟ هل يستحق الربوبية وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فانه لا ينبغي لعاقل ان يتخذ الهه هواه بغير حجة ولا برهان. فلما افل غاب ذلك الكوكب قال لا احب الافلين. اي الذي يغيب ويختفي عمن عبده. فان المعبود لا بد ان يكون قائما بمصالح من عبده له في جميع شؤونه. فاما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب. فمن اين يستحق العبادة؟ وهل اتخاذه الها الا من اسفه السفه وابطل الباطل يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين فلما رأى القمر بازغا اي قال الايعاء ورأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها. قال هذا ربي تنزلا فلما افلا قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. فافتقر غاية الافتقار الى هداية ربه. وعلم انه ان لم يهده الله فلا هادي له. وان لم يعنه على كطاعته فلا معين له قال يا قومي اني بريء فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر من الكوكب ومن القمر فلما افلت تقرر حينئذ الهدى واضمحل الردى. فقال يا قومي اني بريء مما تشركون. حيث قام البرهان الصادق الوحي فاضحوا على بطلانه اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا اي لله وحده مقبلا عليه معرضا عمن سواه. وما انا من المشركين فتبرأ من الشرك واذعن بالتوحيد. واقام على ذلك البرهان. وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الايات هو الصواب. وهو ان المقام مقام مناظرة من ابراهيم لقومه. وبيان بطلانية الاهية هذه الاجرام العلوية وغيرها واما من قال انه مقام نظر في حال طفوليته فليس عليه دليل. وحاج قد هدانا ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربي شيئا افلا تتذكرون وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدانا اي فائدة المحاجة لمن لم يتبين له الهدى. فاما من هداه الله ووصل الى اعلى درجات اليقين. فانه هو نفسه يدعو الناس الى ما هو عليه ولا اخاف ما تشركون به فانها لن تضرني ولن تمنع عني من النفع شيئا الا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما. افلا تتذكرون؟ فتعلمون انه وحده المعبود المستحق للعبودية. وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به ما لم ينزل فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون وكيف اخاف ما اشركتم وحالها حال العجز وعدم النفع. ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا اي الا بمجرد اتباع الهوى. فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون؟ قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين حين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. الذين امنوا ولم يلبسوا ان يخلطوا ايمانهم بظلم. اولئك لهم الامن وهم مهتدون الامن من المخاوف والعذاب والشقاء. والهداية الى الصراط المستقيم. فان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بظلم مطلقا. لا بشرك ولا بمعاصي حصل لهم الامن التام والهداية التامة. وان كانوا لم يلبسوا ايمانهم بالشرك وحده. ولكنهم يعملون السيئات. حصل لهم اصل الهداية اصل الامن وان لم يحصل لهم كمالها ومفهوم الاية الكريمة ان الذين لم يحصل لهم الامران لم يحصل لهم هداية ولا امن بل حظهم الضلال والشقاء. ولما حكم لابراهيم عليه السلام بما بين به من البراهين القاطعة قال عليه السلام في الدنيا والاخرة. فان العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات. خصوصا العالم العامل المعلم. فانه يجعله الله واماما للناس بحسب حاله ترمق افعاله وتقتفى اثاره ويستضاء بنوره ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال الله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات. ان ربك حكيم عليم. فلا يضع العلم والحكمة الا في المحل اللائق به وهو اعلم بذلك المحل وبما ينبغي له