فانهم اذا وردوها وردوها مفلسين فرادى بلا اهل ولا مال ولا اولاد ولا جنود ولا انصار كما خلقهم الله اول مرة عارين من كل شيء. فان الاشياء انما تتمول وتحصل بعد ذلك باسبابها التي هي اسبابها. وفي ذلك ويتذكرون به الاخلاق الحميدة والطرق الموصلة اليها والاخلاق الرذيلة والطرق المفضية اليها. فان كان ذكرى للعالمين كان اعظم نعمة انعم الله بها عليهم فعليهم قبولها والشكر عليها. وما قدروا الله حق قدره اذ قال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وهارون وكذلك نجزي المحسنين لما ذكر الله تعالى عبده وخليله ابراهيم عليه السلام. وذكر ما من الله عليه به من العلم والدعوة والصبر. ذكر ما اكرمه الله به من الذرية الصالحة والنسل الطيب. وان الله جعل صفوة الخلق من نسله. واعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة. التي لا يدرك ولها نظير فقال ووهبنا له اسحاق ويعقوب ابنه الذي هو اسرائيل ابو الشعب الذي فضله الله على العالمين كلا من هما هدينا الصراط المستقيم في علمه وعمله. ونوحا هدينا من قبل وهدايته من انواع الهدايات الخاصة. التي لم تحصل الا قادم من العالم وهم اولو العزم من الرسل الذي هو احدهم. ومن ذريته يحتمل ان الضمير عائد الى نوح. لانه اقرب مذكور. ولان ان الله ذكر مع من ذكر لوطا وهو من ذرية نوح لا من ذرية ابراهيم لانه ابن اخيه ويحتمل ان الضمير يعود الى ابراهيم لان السياق في مدحه والثناء عليه ولوط وان لم يكن من ذريته فانه ممن امن على يده. فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك ابلغ من كونه مجرد ابن له داوود وسليمان ابن داوود وايوب ويوسف ابن يعقوب وموسى وهارون ابني عمران وكذلك كما اصلحنا ذرية ابراهيم الخليل. لانه احسن في عبادة ربه واحسن في نفع الخلق. كذلك نجزي المحسنين بان نجعل لهم من الثناء الصدق والذرية الصالحة بحسب احسانهم وزكريا ويحيى ابنه وعيسى ابن مريم. والياس كل من هؤلاء من الصالحين في اخلاقهم واعمالهم وعلومهم بل هم سادة الصالحين وقادتهم وائمتهم اسماعيل ابن ابراهيم ابو الشعب الذي هو افضل الشعوب. وهو الشعب العربي. ووالد سيد ولد ادم محمد صلى الله عليه وسلم. ويونس ابن متى ولوطا ابن هارون اخي ابراهيم وكل من هؤلاء الانبياء والمرسلين فضلنا على العالمين لان درجات الفضائل اربع وهي التي ذكرها الله بقوله ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين فهؤلاء من الدرجة العليا بل هم افضل الرسل على الاطلاق. فالرسل الذين قصهم الله في كتابه افضل ممن لم يقص علينا بلا شك ومن ابائهم اي اباء هؤلاء المذكورين وذرياتهم واخوانهم اي هدينا من اباء هؤلاء وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم اي اخترناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون. ذلك الهدى المذكور. هدى الله الذي لا هدى الا هداه. يهدي به من يشاء من عباده فاطلبوا منه الهدى فانه ان لم يهدكم فلا هادي لكم غيره. وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. ولو اشركوا على الفرض والتقدير لحبط عنهم ما كانوا يعملون. فان الشرك محبط للعمل موجب للخلود في النار. فاذا كان هؤلاء الصفوة الاخيار لو واشركوا وحاشاهم لحبطت اعمالهم فغيرهم اولى. اولئك الذين هدى الله اولئك المذكورون الذين هدى الله فبهداهم مقتضى ان يمشي ايها الرسول الكريم خلف هؤلاء الانبياء الاخيار واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم فاهتدى بهدي الرسل قبله وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين وكان سيد المرسلين وامام المتقين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين. وبهذا الملحظ استدل من استدل دل من الصحابة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل الرسل كلهم. قل للذين اعرضوا عن دعوتك لا اسألكم عليه اجرا. اي اطلب منكم مغرما ومالا جزاء عن ابلاغي اياكم. ودعوتي لكم. فيكون من اسباب امتناعكم. ان اجري الا على الله. ان هو الا ذكرى للعالمين. يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيذرونه. ويتذكرون به معرفة ربهم باسمائه واوصافه قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى هذا تشنيع من الله على من نفى الرسالة من اليهود والمشركين. وزعم ان الله ما انزل على بشر من شيء. فمن قال هذا فما قدر الله حق قدره ولا عظمه حق عظمته. اذ هذا قدح في حكمته. وزعم انه يترك عباده هملا. لا يأمرهم ولا ينهاهم ونفي لاعظم منة امتن الله بها على عباده. وهي الرسالة التي لا طريق للعباد الى نيل السعادة والكرامة والفلاح الا بها. فاي قدح في اعظم من هذا. قل لهم ملزما بفساد قولهم وقررهم بما به يقرون. من انزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو الثورات العظيمة نورا في ظلمات الجهل وهدى من الضلالة وهاديا الى الصراط المستقيم علما وعملا. وهو الكتاب الذي شاع وذاع وملأ ذكره القلوب والاسماع. حتى انهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس. ويتصرفون فيه بما شاءوا. فما وافق اهواءهم منه ابدوه واظهروه وما خالف ذلك اخفوه وكتموه. وذلك كثير وعلمتم من العلوم التي بسبب ذلك الكتاب الجليل. ما لم تعلموا وانتم ولا اباؤكم. فاذا سألتهم عمن انزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات. فاجب عن هذا السؤال وقل الله الذي انزله حينئذ يتضح الحق وينجلي مثل الشمس. وتقوم عليهم الحجة ثم اذا الزمتهم بهذا الالزام ذرهم في خوضهم يلعبون اتركهم يخوضوا في الباطل ويلعبوا بما لا فائدة فيه. حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. وهذا كتاب انزلناه والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون. اي وهذا القرآن الذي انزلناه اليك مبارك اي وصفه البركة. وذلك لكثرة خيراته وسعة مضراته. مصداق الذي بين يديه اي موافق كل الكتب السابقة وشاهد لها بالصدق. ولتنذر ام القرى ومن حولها. اي وانزلناه ايضا لتنذر ام القرى. وهي مكة المكرمة ومن حولها من ديار العرب بل ومن سائر البلدان. فتحذر الناس عقوبة الله واخذه الامم. وتحذرهم مما يوجب ذلك. والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به. لان الخوف اذا كان في القلب عمرت اركانه. وانقاد لمراضي الله وهم على صلاتهم يحافظون. اي يداومون عليها ويحفظون اركانها وحدودها وشروطها وادابها ومكملاتها. جعلنا الله منهم الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم لكم اليوم تجزئون عذاب الهون. اليوم تجزئون عذاب الهون بما كنت كنتم تقولون على الله غير الحق. وكنتم عن اياته تستكبرون. يقول تعالى قال لا احد اعظم ظلما ولا اكبر جرما ممن كذب على الله. بان نسب الى الله قولا او حكما. وهو تعالى بريء منه. وانما كان هذا اما الخلق لان فيه من الكذب وتغيير الاديان اصولها وفروعها. ونسبة ذلك الى الله ما هو من اكبر المفاسد. ويدخل في ذلك النبوة وان الله يوحي اليه وهو كاذب في ذلك فانه مع كذبه على الله وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق ان فاتبعوه ويجاهدهم على ذلك ويستحل دماء من خالفه واموالهم. ويدخل في هذه الاية كل من ادعى النبوة كمصيلمة كذاب والاسود العنسي والمختار وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. ومن قال سانزل مثل ما انزل الله اي ومن اظلموا ممن زعم انه يقدر على ما يقدر الله عليه. ويجاري الله في احكامه. ويشرع في الشرائع كما شرعه الله. ويدخل في هذا كل من يزعم انه يقدر على معارضة القرآن وانه في امكانه ان يأتي بمثله. واي ظلم اعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات الناقص من كل وجه. مشاركة الغني الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه في ذاته واسمائه وصفاته. ولما ذم الظالمين ذكر ما اعد له من العقوبة في حال للاحتضار ويوم القيامة فقال ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت اي شدائده واهواله الفظيعة وكربه الشنيعة لرأيت امرا هائلا وحالة لا يقدر الواصف ان يصفها. والملائكة باسط ايديهم الى اولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب يقولون لهم عند منازعة ارواحهم وقلقها وتعصيها للخروج من الابدان. اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب اي العذاب الشديد الذي يهينكم ويذلكم. والجزاء من جنس العمل. فان هذا العذاب بما كنتم تقولون على الله غير الحق. من كذبكم عليه وردكم للحق الذي جاءت به الرسل. وكنتم عن اياته تستكبرون. اي ترفعون عن الانقياد لها والاستسلام لاحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه. فان هذا الخطاب والعذاب الموجه اليهم انما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده. وفيه دليل على ان الروح جسم يدخل ويخرج. ويخاطب ويساكن الجسد ويفارقه. فهذه حالهم في البرزخ. واما يوم القيامة فرادى كما خلقناكم اول مرة ولقد جئتمونا فرارا وتركتم ما خولناكم وراء ظهورك الذين زعمتم انهم فيكم شركاء كاليوم تنقطع جميع الامور التي كانت مع العبد في الدنيا سوى العمل الصالح والعمل السيء. الذي هو مادة الدار الاخرة الذي تنشأ عنه يكون حسنها وقبحها وسرورها وغمومها وعذابها ونعيمها بحسب الاعمال. فهي التي تنفع او تضر وتسوء او تسر وما سواها من الاهل والولد والمال والانصار. فعواري خارجية واوصاف زائلة واحوال حائلة. ولهذا قال الله تعالى هذا ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم اي اعطيناكم وانعمنا به عليكم وراء ظهوركم لا يغنون عنكم شيئا. وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. فان المشركين يشركون بالله ويعبدون معه الملائكة والانبياء والصالحين وغيرهم. وهم كلهم لله ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من انفسهم شركة في عبادتهم وهذا زعم منهم وظلم. فان الجميع عبيد لله والله مالكهم. والمستحق لعبادتهم. فشركهم في العبادة وصرفها لبعض العبيد تنزيل له منزلة الخالق المالك. فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة. وما نرى معكم شفعاء الذين زعمتم انهم فيكم شركاء. لقد تقطع بينكم اي تقطعت الوصل والاسباب بينكم وبين شركائكم. من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تجد شيئا. وضل عنكم ما كنتم تزعمون من الربح والامن والسعادة والنجاة. التي زينها لكم الشيطان حسنا في قلوبكم فنطقت بها السنتكم واقتربتم بهذا الزعم الباطل الذي لا حقيقة له حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون وظهر انكم الخاسرون لانفسكم واهليكم واموالكم