الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين. اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبي لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود وايده بجنود لم تروها. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم. وانظر الى جميع مقاماته في دعوة وجهاد الاعداء وهو صادر بامر الله معلن بدعوته للقريب والبعيد والعدو والصديق لا تصده معارضة الاعداء ولا قلة الانصار المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل التاسع في فوائد الشجاعة وذم الجبن والتهور. حقيقة الشجاعة هي الصبر والثبات والاقدام على الامور النافع تحصيلها او رفعها وتكون في الاقوال وفي الافعال فاصلها في القلب وهو ثباته وقوته وسكونه عند المهمات والمخاوف. وثمرته الاقدام في الاقوال والي والافعال وعند القلق والاضطراب. وكماله وزينته ان يكون موافقا للحكمة فانه اذا زاد عن حد الحكمة خشي ان يكون تهورا وصفها والقاء باليد الى التهلكة وذلك مذموم كما يذم الجبن. فالشجاعة خلق فاضل متوسط بين خلقين رذيلين وهما الجبن والتهور والشجاعة خلق نفسي ولكن له مواد تمده. فاعظم ما يمده وينميه الايمان وقوة التوكل على الله وكمال الثقة بالله وعلم العبد ان ما اصابه لم يكن ليخطأه وما اخطأه لم يكن ليصيبه ويمده ايضا الاكثار من ذكر الله الثناء عليه. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فمتى قوي ايمان العبد بالله وبقضائه وقدره؟ وقوي يقينه بالثواب والعقاب وتم توكله على الله وثقته بكفاية الله. وعلم ان الخلق لا يضرون ولا ينفعون. وان نواصيهم بيد الله اه وعلم الاثار الجليلة الناشئة عن الشجاعة متى تمكنت هذه المعارف من قلبه؟ قوي قلبه واطمئن فؤاده واقدم على كل قول ينفع الاقدام عليه ولابد لمن كانت هذه حاله ان يمده الله بمدد من عنده ليدركه العبد بحوله ولا قوته فان من كان الله معه او فلا خوف عليه. ومن كان الله معه هانت عليه المصاعب. ودفع الله عنه المكاره. قال الله تعالى قليلة غلبتان كثيرة باذن الله. والله مع الصابرين انظر الى حالة نبينا صلوات الله وسلامه عليه. وقد احاطت به المخاوف المزعجة وهو في الغار. والاعداء منتشرون في وطلبها. ويقول له ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله لو نظر احدهم موضع قدميه لابصرنا. قال ما ظنك يا ابا بكر باثنين ان الله ثالثهما مطمئنا ثابتا غير مبال ولا قلق. يقول الله عنه في تلك الحال الا تنصروه فقد نصره والاولياء لم يفتر ولم يضعف ولم ين ولم يخف مخلوقا ولم يثنه خذلان الخاذلين ولا لوم اللائمين بل ثبت على الدعوة والجهاد مستمر اعظم من ثبوت الرواسي وهو مع ذلك مطمئن الضمير. ثابت الجأش واثقا بوعد الله. مستبشرا بنصر الله حتى انجز الله له ما وعده واكمل دينه واعز جنده وهزم الاحزاب وجعل له العاقبة الحميدة وتبعه على ذلك خلفاؤه واصحابه. فمضوا على ما مضى عليه نبيهم بايمان ويقين وثبات كامل وقوة في الدين حتى فتحوا الامصار ودانت لهم الاقطار. واظهر الله بهم الدين تم نعمته على المؤمنين. والله ما ادركوا ذلك بكثرة عدد ولا قوة عدد. والله ما ادركوا ذلك بكثرة عدد ولا قوة عدد. كيف اقل دولة في ذلك الوقت واضعفها تلتهم العرب كلهم التهاما. انما ادركوا ذلك بقوة الايمان واليقين. وبعدة الشجاعة الايمانية النية المؤيدة بالثقة بنصر رب العالمين وباعداد المستطاع من القوة المعنوية والمادية للاعداء. وبالصبر العظيم في مواطن طاء وبالنصر الرباني ويمد هذا الخلق الفاضل ايضا التمرين. فان الشجاعة ان كانت في القلب فانها تحتاج الى تدريب النفس على وعلى التكلم بما في النفس والقاء المقالات والخطب في المحافل. فمن مرن نفسه على ذلك لم يزل به الامر حتى يكون ملكة له وزالت هيبة الخلق من قلبه فلا يبالي بالقاء الخطب والمقالات في المحافل الصغار والكبار على العظماء وغيرهم. وكذلك تمرين النفس على مقارعة الاعداء ولقائهم والجسارة في ميادين القتال. تقوى به النفس والقلب فلا يزال به الامر حتى لا يبالي بلقاء الاعداء. ولا تزعجه والمخاوف وقد حث الله على هذا الدواء النافع بقوله يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. وقال اصبروا ان الله مع الصابرين وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واثنى على المتصفين بهذا الوصف الجليل في قوله الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فهكذا يكون حال الرجال لا كمن خلع الرعب قلوبهم وصار خوف الخلق عندهم اعظم من خوف الخالق. قال تعالى في وصف هؤلاء يحسبون كل عليهم يحسبون الاحزاب لم يذهبوا. وان يأتي الاحزاب يودوا لو انهم بادون في الاعراب. يسألون عن انبائكم لو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. وقال سبحانه اشحة عليكم فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون واعلم ان الشجاعة المحمودة اذا كان المقصود بها نصر الحق ورد الباطل وتحصيل المنافع العامة والمصالح المشتركة فاما اذا في حظوظ النفس الدنيئة لا في حقوق الله وحقوق الخلق فانها ذميمة. ولهذا نجد هذا الصنف من الناس يقاتل اشد القتال في الخصام على اقل قليل من امور الدنيا فاما في الامور النافعة فانه في غاية الجبن عنها والاهتمام بشأنها. وسبب ذلك ضعف الوازع الديني وقوة الشهوة البهيمية والسبعية فهؤلاء هم الارذلون. ومما يمد هذا الخلق الجليل الاخلاص لله وعدم مراعاة الخلق. فان المخلص الذي لا يريد الا وجه الله وثوابه لا يبالي بلوم اللائمين اذا كان في ذلك رضا لرب العالمين. فيقدم على قول الحق غير بال بانتقاد من انتقده في موضوعه او لفظه او فصاحته او عدمها لا يعد المدح من الناس شيئا في جانب قيامه بالحق. اما المرائي المتزين للناس الواقف في همته على مدحهم وذمهم فما اسرع خبره في المقامات الرهيبة وما اعظم هلعه وهيبته اذا رماه الناس بابصارهم وما اقل ثبوته عند اعتراض المعترضين وذم الذامين. والسبب في هذا انه جعل تعظيم الخلق ومدحهم ثناءهم نصب عينيه وقبلة قلبه وهو غايته التي يطلب. ومعلوم ان من كانت هذه حاله ان اقواله وافعاله تقع على هذا النحو الذي والطريقة التي اليها يصبو ومع ذلك لو قام في مقام من مقاماته الوضيعة لكانت اقواله وافعاله قليلة البركة غير مأمون من ثبوته عليها. ولو تأملت الغاية التي يسعى اليها وهي ارادة تعظيم الخلق لوجدت هذا التعظيم او الثناء اذا فرض وجوده نفاقا تزينا واتباعا للاغراض المتنوعة. فما اسرع ما ينقطع ويتبدل بضده. اما المخلص لله القاصد لوجهه الذي غرضه نفع عباده لله فان الله يجعل في اعماله وكلامه الخير والبركة. ولو قدر ان يعترض في هذا الطريق لوم لائمين وطعنهم. فيا سرعان ما يزول فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض. كل عمل لغير الله فهو مضمحل باطل. وكل سعي لله ولنفع الخلق فانه باق ونفعه متواصل. ما اخسر المرائين وما اسوأ حظ المشبعين بالبهرج المتزينين. ما اخسر المرائين وما اسوأ حظ المتشبعين بالبهرج المتزينين وما اعظم حظ المخلصين وما اعظم درجاتهم عند رب العالمين. الاخلاص والتوكل والشجاعة اخلاق متلازمة يمد بعضها بعضا ويستعين بعضها ببعض وصاحبها في علو مضطرد واضدادها بالعكس. كم بين من الكبرى دائرة حول مراض الله والسعي في نفع عباد الله واستحلاء المشاق في هذا السبيل. وبين من همته الدنيئة حول الامور الدنيئة وغايته التقرب الى الخلق والتزين لهم. قال تعالى قل هل يستوي الاعمى والبصير ام هل تستوي الظلمات والنور