المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. راء. تلك ايات يقول تعالى الف لام راء تلك ايات الكتاب الحكيم وهو هذا القرآن المشتمل على الحكمة والاحكام الدالة اياته على الحقائق الايمانية والاوامر والنواهي الشرعية. الذي على جميع الامة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد اكان للناس عجبا انه حينا الى رجل منهم ان انذر الناس وبشر الذين وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون ان هذا لساحر مبين. ومع هذا فاعرض اكثرهم فهم لا يعلمون. فتعجبوا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس عذاب الله. وخوفهم نقم الله وذكرهم بايات الله. وبشر الذين امنوا ايمانا ان لهم قدم صدق عند ربهم اي لهم جزاء موفور. وثواب مذخور عند ربهم بما قدموه واسلفوه من الاعمال الصالحة الصادقة فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به. فقال الكافرون عنه ان هذا لساحر مبين يبين السحر لا يخفى بزعمهم على احد. وهذا من سفههم وعنادهم. فانهم تعجبوا من امر ليس مما يتعجب منه ويستغرب. وان ما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم؟ الذي بعثه الله من انفسهم يعرفونه حق المعرفة فردوا دعوته وحرصوا على ابطال دينه. والله متم نوره ولو كره الكافرون. ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش. يدبر ذلكم الله ربكم فاعبدوه افلا تذكروا يقول تعالى مبينا للربوبيته والهيته وعظمته ان الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. مع انه قادر على خلقها في لحظة واحدة. ولكن لما له في ذلك من الحكمة الهية ولانه رفيق في افعاله. ومن جملة حكمته فيها انه خلقها بالحق وللحق. ليعرف باسمائه وصفاته بالعبادة ثم بعد خلق السماوات والارض استوى على العرش استواء يليق بعظمته يدبر الامر في العالم العلوي والسفلي من الاماتة والاحياء وانزال الارزاق ومداولة الايام بين الناس. وكشف الضر عن المضرورين واجابة سؤال السائلين. فان انواع التدابير نازلة منه وصاعدة اليه. وجميع الخلق مذعنون لعزه. خاضعون لعظمته وسلطانه. ما من شفيع الا من بعد فلا يقدم احد منهم على الشفاعة ولو كان افضل الخلق حتى يأذن الله ولا يأذن الا لمن ارتضى ولا يرتضي الا اهل من الاخلاص والتوحيد له. ذلكم الذي هذا شأنه الله ربكم. اي هو الله الذي له وصف الالهية الجامعة لصفات الكمال وصف الربوبية الجامع للصفات الافعال فاعبدوه اي افردوه بجميع ما تقدرون عليه من انواع العبودية. افلا تذكرون الادلة على انه وحده المعبود المحمود ذو الجلال والاكرام. فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام وحكمه الديني وهو شرعه الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له. ذكر الحكم الجزائي وهو مجازاته على الاعمال بعد الموت. فقال اليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا انه يبدأ الخلق ثم يعيد ليجزي الذين امنوا وعملوا والذين كفروا لهم شراب والذين كفروا لهم شراب من حبيب وعذاب كن اليم بما كانوا يكفرون. اليه مرجعكم جميعا. اي سيجمعكم بعد موتكم لميقات يوم معلوم انه يبدأ الخلق ثم يعيده. فالقادر على ابتداء الخلق قادر على اعادته. والذي يرى ابتدائه بالخلق ثم ينكر يمكن اعادته للخلق فهو فاقد العقل منكر لاحد المثلين مع اثبات ما هو اولى منه. فهذا دليل عقلي واضح على المعاد. ثم ذكرت دليلا نقليا فقال وعد الله حقا اي وعده صادق لا بد من اتمامه ليجزي الذين امنوا بقلوبهم بما امرهم الله الايمان به وعملوا الصالحات بجوارحهم من واجبات ومستحبات بالقسط اي بايمانهم واعمالهم. جزاء قد بينه لعباده واخبر انه لا تعلم نفس ما اخفي له من قرة اعين. والذين كفروا بايات الله وكذبوا رسل الله. لهم شراب من حميم. اي ماء حار يشوي الوجوه ويقطع الامعاء. وعذاب اليم من سائر اصناف العذاب بما كانوا يكفرون. اي بسبب كفرهم بهم وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون. ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون. لما ما قرر ربوبيته والهيته ذكر الادلة العقلية الافقية الدالة على ذلك وعلى كماله. في اسمائه وصفاته من الشمس والقمر والسماوات والارض وجميع ما خلق فيهما من سائر اصناف المخلوقات. واخبر انها ايات لقوم يعلمون. ولقوم يتقون فان العلم يهدي الى معرفة الدلالة فيها. وكيفية استنباط الدليل على اقرب وجه. والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير من الشر الناشئين عن الادلة والبراهين وعن العلم واليقين. وحاصل ذلك ان مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وحياته وقيوميته. وما فيها من الاحكام والاتقان والابداع والحسن. دال على كمال حكمة الله وحسن خلقه وسعة علمه وما فيها من انواع المنافع والمصالح. كجعل الشمس ضياء والقمر نورا. يحصل بهما من النفع الضروري وغيره فيما يحصل يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره واحسانه. وما فيهما من التخصيصات دال على مشيئة الله قادته النافذة وذلك دال على انه وحده المعبود المحبوب المحمود ذو الجلال والاكرام والاوصاف العظام الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة الا اليه ولا يصرف خالص الدعاء الاله. لا لغيره من المخلوقات المربوبات. المفتقرات الى الله في جميع شؤونها. وفي هذه ايات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله والنظر فيها بعين الاعتبار. فان بذلك تنفتح البصيرة ويزداد الايمان والعقل وتقوى القريحة وفي اهمال ذلك تهاون بما امر الله به. واغلاق لزيادة الايمان وجمود للذهن والقريحة ان الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا والذين هم عن اياتنا غافلون. يقول تعالى ان الذين لا يرجون لقاءنا اي لا يطمعون بلقاء الله الذي هو اكبر ما طمع فيه الطامعون. واعلى ما امله المؤملون. بل اعرضوا عن ذلك. وربما كذبوا به ورضوا بالحياة الدنيا بدلا عن الاخرة. واطمئنوا بها اي ركنوا اليها. وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم. فسعوا لها واكب على لذاتها وشهواتها باي طريق حصلت حصلوها ومن اي جهة لاحت ابتدروها قد صرفوا ايراداتهم وافكارهم واعمالهم اليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها. وكأنها ليست دار ممر. يتزود منها المسافرون الى الدار الباقية التي اليها يرحل الاولون والاخرون. والى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. والذين هم عن اياتنا غافلون. فلا ينتفعون بالايات القرآنية ولا بالايات الافقية والنفسية والاعراض عن الدليل مستلزم للاعراض والغفلة عن المدلول المقصود اولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون. اولئك الذين هذا وصفهم مأواهم النار اي مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها. بما كانوا يكسبون من الكفر والشرك وانواع المعاصي فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين فقال تجري من تحتهم الانهار في يقول تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان والقيام بموجبه ومقتضاه من الاعمال الصالحة. المشتملة على اعمال القلوب واعمال الجوارح. على وجه الاخلاص والمتابعة. يهدي ربهم بايمانهم اي بسبب ما معهم من الايمان. يثيبهم الله اعظم الثواب وهو الهداية. فيعلمهم ما ينفعهم يمن عليهم بالاعمال الناشئة عن الهداية. ويهديهم للنظر في اياته. ويهديهم في هذه الدار. الى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم وفي دار الجزاء الى الصراط الموصل الى جنات النعيم. ولهذا قال تجري من تحتهم الانهار الجارية على الدوام. في جنات النعيم اضافها الله الى النعيم. لاشتمالها على النعيم التام. نعيم القلب بالفرح والسرور والبهجة والحضور. ورؤية الرحمن عن سمع كلامه والاغتباط برضاه وقربه. ولقاء الاحبة والاخوان والتمتع بالاجتماع بهم. وسماع الاصوات المطربات نغمات المشكيات والمناظر المفرحات ونعيم البدن بانواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك. مما لا تعلمه النفوس لا خطر ببال احد او قدر ان يصفه الواصفون وتحيتهم فيها سلام واخر دعوانا دعواهم فيها سبحانك اللهم اي عبادتهم فيها اولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص. واخرها تحميد لله. فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء. وانما يا لهم اكمل اللذات الذي هو الذ عليه من المآكل اللذيذة. الا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب. وتفرح به الارواح وهو لهم منزلة النفس من دون كلفة ومشقة. واما تحيتهم فيما بينهم عند التلاقي والتزاور. فهو السلام. اي كلام سالم من اللغو والاثم موصوف بانه سلام. وقد قيل في تفسير قوله دعواهم فيها سبحانك. الى اخر الاية ان اهل الجنة اذا احتاجوا الى الطعام والشراب ونحوهما قالوا سبحانك اللهم فاحضر لهم في الحال. فاذا فرغوا قالوا الحمد لله رب تميم الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون. وهذا من لطفه واحسانه بعباده انه لو عجل لهم الشر اذا اتوا باسبابه وبادرهم بالعقوبة على ذلك كما يعجل لهم الخير اذا اتوا باسبابه لقضي اليهم اجلهم اي لمحقتهم العقوبة. ولكنه تعالى يمهلهم ولا يهملهم. ويعفو عن كثير من حقوقه. فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. ويدخل في هذا ان العبد اذا غضب على اولاده او اهله او ماله. ربما دعا عليهم لو قبلت منه لهلكوا ولاضره ذلك غاية الضرر. ولكنه تعالى حليم حكيم. وقوله فنذر الذين لا يرجون لقائه انا اي لا يؤمنون بالاخرة. فلذلك لا يستعدون لها ولا يعملون ما ينجيهم من عذاب الله في طغيانهم اي باطنهم الذي جاوزوا به الحق والحد يعمهون. يترددون حائرين. لا يهتدون السبيل ولا يوفقون لاقوم دليل. وذلك عقوبة لهم على ظلمهم وكفرهم بايات الله قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا الى ضر كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون. وهذا اخبار عن طبيعة الانسان من حيث هو وانه اذا مسه ضر من مرض او مصيبة اجتهد في الدعاء وسأل الله في جميع احواله قائما وقاعدا ومضطجعا الح في الدعاء ليكشف الله عنه ضره اي استمر في غفلته معرضا عن ربه كأنه ما جاءه ضره فكشفه الله عنه. فاي ظلم اعظم من هذا الظلم يطلب من الله قضاء غرضه فاذا اناله اياه لم ينظر الى حق ربه وكأنه ليس عليه لله حق. وهذا تزيين من زين له ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر. كذلك زين للمسرفين اي متجاوزين للحد. ما كانوا يعملون ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين. يخبر تعالى انه اهلك الامم الماضية بظلمهم وكفرهم بعد ما جاءتهم البينات على ايدي الرسل تبينوا الحق فلم ينقادوا لها ولم يؤمنوا. فاحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم على محارم الله. وهذه سنته في جميع الامم ثم جعلناكم ايها المخاطبون في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون. فان انتم اعتبرتم واتعظتم بمن قبلكم واتبعتم ايات الله وصدقتم رسله. نجوتم في الدنيا والاخرة وان فعلتم كفعل الظالمين قبلكم احل بكم ما احل بهم ومن انذر فقد اعذر قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي. ان نتبع الا ما يوحى اليه يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم وانهم اذا تتلى عليهم ايات الله القرآنية المبينة للحق اعرضوا عنها وطلبوا وجوه التعنت فقالوا جراءة منهم وظلما. ائت بقرآن غير هذا او بدله. فقبحهم الله ما اجرأهم على الله. واشدهم ظلما وردا اياته. فاذا كان الرسول العظيم يأمره الله ان يقول لهم قل ما يكون لي اي ما ينبغي ولا يليق ان ابدله من تلقاء نفسي فاني رسول محظوظ ليس لي من الامر شيء ان اتبع الا ما يوحى الي. اي ليس لي غير ذلك فاني عبد مأمور. اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. فهذا قول خير الخلق وادبه مع اوامر ربه ووحيه. فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين الذين جمعوا بين الجهل والضلال والظلم والعناد. والتعنت والتعجيز لرب العالمين. افلا يخافون عذاب يوم عظيم فان زعموا ان قصدهم ان يتبين لهم الحق بالايات التي طلبوا فهم كذبة في ذلك. فان الله قد بين من الايات ما يؤمن على مثله البشر وهو الذي يصرفها كيف يشاء تابعا لحكمته الربانية ورحمته بعباده قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادراكم به فقد لبثت فيكم عمرا طويلا من قبله اي قبل تلاوته وقبل درايتكم به انا ما خطر على بالي ولا وقع في ظني افلا تعقلون اني حيث لم اتقوله في مدة عمري ولا صدر مني ما يدل على ذلك فكيف اتقوله بعد ذلك؟ وقد لبثت فيكم عمرا طويلا تعرفون حقيقة حاله باني امي لا اقرأ ولا اكتب ولا ادرس ولا اتعلم من احد فاتيتكم بكتاب عظيم اعجز الفصحاء. واعي العلماء فهل يمكن مع هذا ان يكون من تلقاء نفسي؟ ام هذا دليل قاطع انه تنزيل من حكيم حميد. فلو اعملتم افكاركم وعقولكم وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه وانه الحق الذي ليس بعده الا الضلال. ولكن اذ ابيتم الا التكذيب والعناد فانتم لا شك انكم ظالمون فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح المجرمون فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته فلو كنت متقولا لكنت اظلم الناس وفاتني الفلاح ولم تخفى عليكم حالي ولكني جئتكم بايات الله فكذبتم بها. فتعين فيكم الظلم ولابد ان امركم سيضمحل. ولن تنالوا الفلاح ما دمتم كذلك ودل قوله قال الذين لا يرجون لقاءنا ان الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم ايمانهم بلقاء الله وعدم رجائه وان من امن بلقاء الله فلا بد ان ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به. لانه حسن القصد سبحانه وتعالى يقول تعالى ويعبدون اي المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم اي لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع. ولا تدفع عنهم شيئا. ويقولون قولا خاليا من البرهان. هؤلاء شفعاؤنا عند الله ان يعبدونهم ليقربوهم الى الله ويشفعوا لهم عنده. وهذا قول من تلقاء انفسهم وكلام ابتكروه هم ولهذا قال تعالى مبطنا لهذا القول قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الارض. اي الله تعالى هو العالم الذي الذي احاط علما بجميع ما في السماوات والارض. وقد اخبركم بانه ليس له شريك ولا اله معه. افانتم يا معشر المشركين تزعمون انه يوجد له فيها شركاء افتخبرونه بامر خفي عليه وعلمتموه؟ اانتم اعلم ام الله؟ فهل يوجد قول ابطل من هذا القول المتضمن ان هؤلاء الضلال الجهال السفهاء اعلم من رب العالمين. كي يكتفي العاقل بمجرد تصور هذا القول فانه ويجزم بفساده وبطلانه. اي تقدس وتنزه ان يكون له شريك او نظير بل هو الله الاحد الفرد الصمد. الذي لا اله في السماوات والارض الا هو. وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه فانه باطل عقلا وشرعا وفطرة. ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل. وان الله هو العلي الكبير وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا. ولولا كلمة سبقت من اي وما كان الناس الا امة واحدة متفقين على الدين الصحيح ولكنهم اختلفوا. فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين. وانزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. ولولا كلمة سبقت من ربك بامهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم. لقضي بينهم بان ننجي المؤمنين. ونهلك الكافرين المكذبين ترى هذا فارقا بينهم فيما فيه يختلفون. ولكنه اراد امتحانهم وابتلاء بعضهم ببعض. ليتبين الصادق من الكاذب لولا انزل عليه اية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا ويقولون اي المكذبون المتعنتون لولا انزل عليه اية من ربه يعنون ايات الاقتراح التي يعينونها. كقولهم لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا. وكقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. فقل لهم اذا طلبوا منك اية انما الغيب لله. اي هو المحيط علما باحوال العلم فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم وحكمته البديعة. وليس لاحد تدبير في حكم ولا دليل. ولا غاية ولا تعليل فانتظروا اني معكم من المنتظرين. اي كل ينتظر بصاحبه ما هو اهل له. فانظروا لمن تكون العاقبة اسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون. يقول تعالى واذا اذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالصحة بعد المرض والغنى بعد الفقر والامن بعد الخوف نسوا ما اصابهم من الضراء ولم يشكروا الله على الرخاء والرحمة استمروا في طغيانهم ومكرهم. ولهذا قال اذا لهم مكر في اياتنا. اي يسعون بالباطل ليبطلوا به الحق. قل الله اسرع فان المكر السيء لا يحيق الا باهله. فمقصودهم منعكس عليهم ولم يسلموا من التبعة. بل تكتب الملائكة عليهم ما يعملون ويحصيه الله عليهم ثم يجازيهم الله عليه اوفر الجزاء اه الموج من كل مكان وظنوا لما ذكر تعالى القاعدة العامة في احوال الناس عند اصابة الرحمة لهم بعد الضراء. واليسر بعد العسر ذكر حالة تؤيد ذلك وهي حالهم في البحر عند اشتداده. والخوف من عواقبه. فقال هو الذي يسيركم في البر والبحر تيسر لكم من الاسباب المسيرة لكم فيها. وهداكم اليها. حتى اذا كنتم في الفلك اي السفن البحرية وجرينا بهم بريح طيبة موافقة لما يهوونه من غير انزعاج ولا مشقة. وفرحوا بها واطمئنوا اليها. فبينما هم كذلك. اذ جاءتها ريح عاصية شديدة الهبوب وجاءهم الموج من كل مكان. وظنوا انهم احيط بهم اي عرفوا انه الهلاك. فانقطع حينئذ تعلقهم بالمخلوق وعرفوا انه لا ينجيهم من هذه الشدة الا الله وحده. فدعوه مخلصين له الدين ووعدوا من انفسهم على وجه الالزام. فقال قالوا لان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين متاع الحياة الدنيا الينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون. فلما جاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق. اي نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء. وما الزموه انفسهم فاشركوا بالله من اعترفوا بانه لا ينجيه من الشدائد ولا يدفع عنهم المضايق. فهلا اخلصوا لله العبادة في الرخاء كما اخلصوه في الشدة. ولكن هذا البغي يعود عليهم ولهذا قال يا ايها الناس انما بغيكم على انفسكم متاع الحياة الدنيا اي غاية ما تؤملون ببغيكم وشرودكم عن الاخلاص لله. ان تنالوا شيئا من حطام الدنيا وجاهها. النذر اليسير الذي سينقضي سريعا. ويمضي جميعا. ثم تنتقلون عنه بالرغم ثم الينا مرجعكم في يوم القيامة فننبئكم بما كنتم تعملون. وفي هذا غاية التحذير لهم عن قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق ببيانه وارشاده او بالهامه وتوفيقه قل الله وحده يهدي للحق بالادلة والبراهين وبالالهام والتوفيق والاعانة على سلوك اقوم طريق. اي لا يهتدي الاستمرار على عملهم. اننا مثل الحياة الدنيا كما ان انزلناه من السماء اه فجعلناها حصيدا كاله ان لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون. وهذا المثل من احسن امثلة وهو مطابق لحالة الدنيا فان لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه ان زهى وقتا قصيرا اذا استكمل وتم اضمحل وزال عن صاحبه او زال صاحبه عنه فاصبح صفر اليدين منها ممتلئ القلب من همها وحزنها فذلك كما ان انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض اي نبت فيها من كل صنف وزوج بهيج مما يأكل الناس كالحبوب والثمار ومما تأكل الانعام كانواع العشب والكلأ المختلف الاصناف حتى اذا اخذت الارض زخرفها اي تزخرفت في منظرها واكتست في زينتها فصارت بهجة للناظرين ونزهة للمتفرجين واية للمتبسطين فصرت ترى لها منظرا عجيبا ما بين اخضر واصفر وابيض وغيره. وظن اهلها انهم قادرون عليها اي حصل معهم طمع بان ذلك سيستمر ويدوم بوقوف ايراداتهم عنده. وانتهاء مطالبهم فيه. فبينهم في تلك الحالة اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس. اي كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا سواء بسواء. كذلك فصلوا الايات اي نبينها ونوضحها بتقريب المعاني الى الاذهان وضرب الامثال لقوم يتفكرون ان يعملون افكار وهم فيما ينفعهم. واما الغافل المعرض فهذا لا تنفعه الايات. ولا يزيل عنه الشك البيان. ولما ذكر الله حال الدنيا وحاصل نعيم شوق الى الدار الباقية فقال عمت على عبادهم بالدعوة الى دار السلام والحث على ذلك والترغيب خص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفائه. فهذا فضله واحسانه. والله يختص برحمته من يشاء. وذلك عدله وحكمته. وليس فلاحد عليه حجة بعد البيان والرسل. وسمى الله الجنة دار السلام. لسلامتها من جميع الافات والنقائص. وذلك لكمال نعيمها تمامه وبقائه وحسنه من كل وجه. ولما دعا الى دار السلام كأن النفوس تشوقت الى الاعمال الموجبة لها. الموصلة اليها فاخبر عنها بقوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة اي للذين احسنوا في عبادة الخالق بان عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته وقاموا بما قدروا عليه منها واحسنوا الى عباد الله بما يقدرون عليه من الاحسان القولي والفعلي. من بذل الاحسان المالي والاحسان البدني والامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعليم الجاهلين ونصيحة المعرضين وغير ذلك من وجوه البر والاحسان. فهؤلاء الذين احسنوا لهم الحسنى وهي الجنة في حسنها وزيادة. وهي النظر الى وجه الله الكريم. وسماع كلامه والفوز برضاه. والبهجة بقربه. فبهذا حصل له هم اعلى ما يتمناه المتمنون. ويسأله السائلون. ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال ولا يرهق وجوههم قطر ولا ذلة اي لا ينالهم مكروه بوجه من الوجوه. لان المكروه اذا وقع بالانسان تبين ذلك في وجهه. وتغير وتكدر. واما هؤلاء فهم كما قال الله عنهم تعرف في وجوههم نظرة النعيم. اولئك اصحاب الجنة الملازمون لها لا يحولون ولا يزولون ولا يتغيرون. والذين كسبوا السيئات وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم اظلم اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون لما ذكر اصحاب الجنة ذكر اصحاب النار فذكر ان بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الاعمال السيئة المسخطة لله من انواع الكفر التكذيب واصناف المعاصي فجزاؤهم سيئة مثلها اي جزاء يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف احوالهم ترهقهم اي تغشاهم ذلة في قلوبهم وخوف من عذاب الله. لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم. وتسري تلك الذلة فاطنة الى ظاهرهم فتكون سوادا في الوجوه مظلما اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فكم بين الفريقين من الفرق. ويا بعد ما بينهما من التفاوت. وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة تظن ان يفعل بها فاقرة وجوه يومئذ مصفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها اترى اولئك هم الكفرة الفجرة. ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا مكانكم يقول تعالى ويوم نحشرهم جميعا. اي نجمع جميع الخلائق لميعاد يوم معلوم. ونحضر المشركين وما كانوا يعبدون من دون الله ثم نقول للذين اشركوا مكانكم انتم وشركائكم اي الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم بينهم اي فرقنا بينهم بالبعد البدني والقلبي. وحصلت بينهم العداوة الشديدة. بعد ان بذلوا لهم في الدنيا خالص المحبة وصفو الوداد فانقلبت تلك المحبة والولاية بغضا وعداوة. وتبرأ شركاؤهم منهم وقالوا ما كنتم ايانا تعبدون فاننا ننزه الله ان يكون له شريك او نديد غافلين. فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم. ان كنا عن عبادتكم لغافلين. ما امرناكم به ولا دعوناكم لذلك. وانما عبدتم من دعاكم الى ذلك. وهو الشيطان كما قال الله تعالى الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين. وقال ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون. فالملائكة الكرام الانبياء والاولياء ونحوهم يتبرأون ممن عبدهم يوم القيامة. ويتنصلون من دعائهم اياهم الى عبادتهم. وهم الصادقون البارون في ذلك كانوا يفترون. فحينئذ يتحسر المشركون حسرة لا يمكن وصفها. ويعلمون مقدار ما قدموا من الاعمال. وما الخصال ويتبين لهم يومئذ انهم كانوا كاذبين وانهم مفترون على الله قد ضلت عبادتهم واضمحلت معبوداتهم وتقطعت بهم الاسباب والوسائل. ولهذا قال تعالى هنالك اي في ذلك اليوم تبلو كل نفس ما اسلفت اي تتفقد اعمالها وكسبها وتتبعه بالجزاء وتجازى بحسبه. ان خيرا فخير وان شرا فشر. وضل عنهم ما كانوا ترون من قولهم بصحة ما هم عليه من الشرك. وان ما يعبدون من دون الله تنفعهم وتدفع عنهم العذاب. قل من يرزقكم السمع والابصار لا تتقون. اي قل لهؤلاء الذين اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. محتجا عليهم بما اقروا به من توحيد الربوبية على ما انكروه من توحيد الالوهية. من يرزقكم من السماء والارض بانزال الارزاق من السماء واخراج انواعها من الارض. وتيسير فيها امن يملك السمع والابصار؟ اي من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟ وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل ولكمال شرفهما ونفعهما. ومن يخرج الحي من الميت كاخراج انواع الاشجار والنبات من الحبوب والنوى. واخراج المؤمن من والطائر من البيضة ونحو ذلك. ويخرج الميت من الحي عكس هذه المذكورات. ومن يدبر الامر في العالم العلوي والسفلي لي وهذا شامل لجميع انواع التدابير الالهية. فانك اذا سألتهم عن ذلك فسيقولون الله لانهم يعترفون بجميع ذلك وان الله لا شريك له في شيء من المذكورات. فقل لهم الزاما بالحجة افلا تتقون الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك وتخلعون ما تعبدون من دونه من الانداد والاوثان. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الا انا تصرفون. فذلك الذي وصف نفسه بما وصفها به. الله ربكم اي المألوه المعبود المحمود المربي جميع الخلق بالنعم وهو الحق. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فانه تعالى المنفرد بالخلق ومصالح دينهم ودنياهم. ان في ذلك لايات لقوم يسمعون عن الله سمع فهم وقبول واسترشاد. لا سمع تعنت وعناد فان في ذلك لايات لقوم يسمعون. يستدلون بها على انه وحده المعبود. وانه الاله الحق وان الهية ما سواه والتدبير لجميع الاشياء الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو. ذو الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والاكرام. فان تصرفون عن عبادة من هذا وصفه. الى عبادة الذي ليس له من وجود الى العدم ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فليس له من الملك مثقال ذرة ولا شركة له بوجه من الوجوه ولا يشفع عند الله الا باذنه. فتبا لمن اشرك به. وويحا لمن كفر به. لقد عدموا عقولهم بعد ان عدموا اديانهم بل فقدوا دنياهم واخراهم. ولهذا قال تعالى عنهم كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. بعدما اراهم الله من الايات البينات والبراهين النيرات ما فيه عبرة لاولي الالباب. وموعظة للمتقين. وهدى للعالمين يقول تعالى مبينا عجز الهة المشركين وعدم اتصافها بما يوجب اتخاذها الهة مع الله. قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ان يبتديه ثم يعيده. وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير. اي ما منهم احد يبدأ الخلق ثم يعيده وهي اضعف من ذلك واعجز. قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده. من غير مشارك ولا معاون له على ذلك. فانى تؤفكون اي تصرفون وتحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء والاعادة الى عبادة من لا يخلق شيئا وهم يخلقون. قل هل من شركاء الا ان يهدى بعدم علمه ولضلاله. وهي شركاؤهم التي لا تهدي ولا تهتدي الا ان تهدى. فما لكم كيف تحكمون اي اي شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل بصحة عبادة احد مع الله. بعد ظهور الحجة والبرهان انه لا يستحق العبادة الا الله وحده. فاذا تبين انه ليس في الهتهم التي يعبدون مع الله اوصافا معنوية. ولا اوصافا فعلية تقتضي ان تعبد مع الله اه بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان الاهيتها. فلاي شيء جعلت مع الله الهة؟ فالجواب ان هذا من الشيطان للانسان اقبح البهتان واضل الضلال. حتى اعتقد ذلك والفه وظنه حقا. وهو لا شيء. ولهذا قال وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا. ان الله عليم وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. اي ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله. فان انه ليس لله شريك اصلا عقلا ولا نقلا. وانما يتبعون الظن. وان الظن لا يغني من الحق شيئا. فسموها الهة وعبدوها مع الله ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الله عليم بما ما يفعلون وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة يقول تعالى وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله اي غير ممكن ولا متصور ان يفترى هذا القرآن على الله تعالى لانه الكتاب العظيم الذي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثله. لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وهو كتاب الله الذي تكلم به رب العالمين. فكيف يقدر احد من الخلق ان يتكلم بمثله او بما يقاربه. والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه. فان كان احد يماثل الله في عظمته واوصاف كماله امكن ان يأتي بمثل هذا القرآن. ولو تنزلنا على الفرظ والتقدير فتقوله احد على رب العالمين لعاجله بالعقوبة وبادر بالنكال ولكن الله انزل هذا الكتاب رحمة للعالمين وحجة على العباد اجمعين. انزله تصديق الذي بين يديه من كتب السماوية بان وافقها وصدقها بما شهدت به. وبشرت بنزوله فوقع كما اخبرت. وتفصيل الكتاب للحلال والحرام والاحكام الدينية والقدرية والاخبارات الصادقة. لا ريب فيه من رب العالمين. اي لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه. بل هو الحق اليقين تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه. ومن اعظم انواع تربيته ان انزل عليهم هذا الكتاب فيه مصالحهم الدينية والدنيوية المشتمل على مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال في سورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين. ام يقولون اي المكذبون به عنادا وبغيا. افتراه محمد على الله. واختلقه. قل لهم ملزما لهم بشيء ان قدروا عليه. امكن ما ادعوه والا كان قولهم باطلا فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين. يعاونكم على الاتيان بسورة مثل وهذا محال. ولو كان ممكنا لادعوا قدرتهم على ذلك. ولاتوا بمثله. ولكن لما بان عجزهم تبين ان ما قالوه باطل لا حظ له من الحجة والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه انهم لم يحيطوا به علما. فلو احاطوا به علما وفهموه حق فهمه لاذعنوا بالتصديق له. وكذلك الى الان لم يأتهم تأويله الذي وعدهم ان ينزل بهم العذاب ويحل بهم النكال. وهذا التكذيب الصادر منهم من جنس تكذيب من قبلهم ولهذا قال وهو الهلاك الذي لم يبقي منهم احدا فليحذر هؤلاء ان يستمروا على تكذيبهم في حل بهم ما احل بالامم المكذبين والقرون المهلكين وفي هذا دليل على التثبت في الامور. وانه لا ينبغي للانسان ان يبادر بقبول شيء او رده. قبل ان يحيط به علما يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به. وربك اعلم بالمفسدين. ومنهم من يؤمن به. اي بالقرآن وما جاء به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين. وهم الذين لا يؤمنون به على وجه العناد والظلم والفساد فسيجازيهم على فسادهم باشد العذاب وان كذبوك فاستمر على وليس عليك من حسابهم من شيء. وما من حسابك عليهم من شيء لكل عمله. فقل لعملي ولكم عملكم. انتم بريئون مما اعمل وانا بريء مما تعملون. كما قال تعالى من عمل صالحا فلنفسه. ومن اساء فعليها يستمعون اليك افا انت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. يخبر تعالى عن بعض المكذبين ان للرسول ولما جاء به وان منهم من يستمعون الى النبي صلى الله عليه وسلم وقت قراءته للوحي لا على وجه الاسترشاد بل على على وجه التفرج والتكذيب وتطلب العثرات وهذا استماع غير نافع ولا مجد على اهله خيرا. لا جرى من سد عليهم باب التوفيق وحرموا من فائدة الاستماع. ولهذا قال افانت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. وهذا الاستفهام بمعنى النفي المتقرر اي لا تسمع الصم الذين لا يستمعون القول ولو جهرت به. وخصوصا اذا كان عقلهم معدوما. فاذا كان من المحال اسماع الاصم الذي لا يعقل لي الكلام فهؤلاء المكذبون. كذلك ممتنع اسماعك اياهم اسماعا ينتفعون به. واما اسماع الحجة فقد سمعوا ما تقوم عليهم به حجة الله البالغة فهذا طريق عظيم من طرق العلم. قد انسد عليهم وهو طريق المسموعات المتعلقة بالخبر. ثم ذكر انسداد الطريق الثاني وهو طريق النظر فقال ومنهم من ينظر اليك ولو كانوا لا يبصرون. ومنهم من ينظر اليك فلا يفيده نظره اليك. ولا سبر احوالك شيئا. فكما انك اتهدي العميا ولو كانوا لا يبصرون. فكذلك لا تهدي هؤلاء. فاذا فسدت عقولهم واسماعهم وابصارهم. التي هي الطرق الموصلة الى العلم ومعرفة الحقائق فاين الطريق الموصل لهم الى الحق؟ ودل قوله ومنهم من ينظر اليك ان النظر الى حالة النبي صلى الله عليه سلم وهديه واخلاقه واعماله. وما يدعو اليه من اعظم الادلة على صدقه وصحة ما جاء به. وانه يكفي البصير عن غيره من الادلة وقوله ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون. ان الله لا يظلم الناس شيئا. فلا يزيد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم. ولكن نسى انفسهم يظلمون. يجيئهم الحق فلا يقبلونه. فيعاقبهم الله بعد ذلك بالطبع على قلوبهم. والختم على اسماعهم وابصارهم قد خسر الذين كذبوا بنقاء الله وما كانوا مهتدين. يخبر تعالى عن سرعة انقضاء الدنيا وان الله قال اذا حشر الناس وجمعهم ليوم لا ريب فيه كأنهم ما لبثوا الا ساعة من النهار وكأنه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس وهم يتعارفون بينهم كحالهم في الدنيا ففي هذا اليوم يربح المتقون ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين الى الصراط المستقيم والدين القويم حيث فاتهم النعيم واستحقوا دخول النار فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون كن اي لا تحزن ايها الرسول على هؤلاء المكذبين. ولا تستعجل لهم فانهم لا بد ان يصيبهم الذي نعدهم من العذاب. اما في الدنيا فتراه بعينك وتقر به نفسك. واما في الاخرة بعد الوفاة فان مرجعهم الى الله وسينبئهم بما كانوا يعملون احصاه الله ونسوه. والله على كل شيء شهيد. ففيه الوعيد الشديد لهم والتسلية للرسول الذي كذبه قومه وعاندوه رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون يقول تعالى ولكل امة من الامم الماضية رسول يدعوهم الى توحيد الله ودينه. فاذا جاءهم رسولهم بالايات صدقه بعضهم وكذبه اخرون. فيقضي الله بينهم بالقسط بنجاة المؤمنين. واهلاك المكذبين وهم لا يظلمون. بان عذبوا قبل ارسال الرسول وبيان الحجة او يعذبوا بغير جرمهم. ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين لكل اجل اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذر المكذبون لك من مشابهة الامم المهلكين. فيحل بهم ما حل باولئك ولا يستبطئ العقوبة ويقول متى هذا الوعد ان كنتم صادقين فان هذا ظلم منهم حيث طلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم فانه ليس له من الامر شيء وانما عليه البلاغ بيان للناس واما حسابهم وانزال العذاب عليهم فمن الله تعالى ينزله عليهم اذا جاء الاجل الذي اجله فيه والوقت الذي قدره فيه الموافق لحكمته الالهية. فاذا جاء ذلك الوقت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فليحذر المكذبون من استعجالي بالعذاب فانهم مستعجلون بعذاب الله الذي اذا نزل لا يرد بأسه عن القوم المجرمين. ولهذا قال ارأيتم ان اتاكم عذابه بياتا او نهارا ما لا يستعجل منه المجرمون. يقول تعالى قل ارأيتم ان اتاكم عذابه بياتا واقتنوا منكم بالليل او نهارا في وقت غفلتكم. ماذا يستعجل منه المجرمون اي اي بشارة استعجلوا بها واي عقاب ابتدروه كان وقد كنتم به تستعجلون. اثم اذا ما وقع امنتم به فانه لا ينفع الايمان حين حلول عذاب ويقال لهم توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا انهم يؤمنون. الان تؤمنون في حال الشدة والمشقة. وقد كنتم به تستعجلون فان سنة الله في عباده انه يعتبهم اذا استعتبوه قبل وقوع العذاب. فاذا وقع العذاب لا ينفع نفسا ايمانها ما قال تعالى عن فرعون لما ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين انه يقال له الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ وقال تعالى فلم يكن ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال هنا اثم اذا ما وقع امنتم به الان تدعون الايمان. وقد كنتم به تستعدون فهذا ما عملت ايديكم وهذا ما استعجلتم به ثم قيل للذين ظلموا حين يوفون اعمالهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الخلد في العذاب الذي تخلدون فيه ولا يفتر عنكم ساعة هل تجزون الا بما كنتم تكسبون من الكفر والتكذيب والمعاصي يقول قول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ويستنبئونك احق هو ان يستخبرك المكذبون على وجه التعنت والعناد لا على وجه التبين والرشاد احق هو اي اصحيح حشر العباد وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد. وجزاء العباد باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر. قل لهم مقسما على صحته مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان. اي وربي انه لحق لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه. وما انتم بمعجزين لله ان يبعثكم. فكما ابتدأ خلقكم ولم تكونوا شيئا. كذلك يعيدكم مرة اخرى ليجازيكم باعمالكم. واذا كانت القيامة واسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون فلو ان لكل نفس ظلمت بالكفر والمعاصي جميع ما في الارض من ذهب وفضة وغيرهما. لتفتدي به من عذاب الله لافتدت به. ولما نفعها ذلك وانما النفع والضر والثواب والعقاب على الاعمال الصالحة والسيئة واسروا اي الذين ظلموا الندامة لما رأوا العذاب ندموا على ما قدموا ولا تحين مناص. وقضي بينهم بالقسط اي العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من بوجوه الا ان لله ما في السماوات والارض. الا ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون. الا ان لله ما في السماوات والارض يحكم فيهم بحكمه الديني والقدري. وسيحكم فيهم بحكمه اعزائي ولهذا قال الا ان وعد الله حق. ولكن اكثرهم لا يعلمون. فلذلك لا يستعدون للقاء الله. بل ربما لم يؤمنوا به وقد تواترت عليه الادلة القطعية والبراهين النقلية والعقلية ويحيي ويميت اي هو المتصرف بالاحياء والاماتة وسائر انواع التدبير لا شريك له في ذلك. واليه ترجعون يوم القيامة فيجازيكم باعمالكم خيرها وشرها من ربكم وشفاء لما في الصدور. وهدى ورحمة للمؤمنين. يقول يقول تعالى مرغبا للخلق في الاقبال على هذا الكتاب الكريم. بذكر اوصافه الحسنة الضرورية للعباد. فقال يا ايها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم. اي تعظكم وتنذركم عن الاعمال الموجبة لسخط الله. المقتضية لعقابه. وتحذركم عنها ببيان اثارها ومفاسدها وشفاء لما في الصدور. وهو هذا القرآن شفاء لما في الصدور من امراض الشهوات. الصادة عن الانقياد للشر شرع وامراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني. فان ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب. والوعد والوعيد مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة واذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة من الشر ونمتا على تكرار ما يرد اليها من معاني القرآن اوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس. وصار ما يرضي الله احب الى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والادلة التي صرفها الله وهو غاية التصريف وبينها احسن بيان مما يزيل الشبه القادحة في الحق ويصل به القلب الى اعلى درجات اليقين. واذا صح قلب من مرضه ورفل باثواب العافية تبعته الجوارح كلها. فانها تصلح بصلاحه وتفسد بفساده وهدى ورحمة للمؤمنين فالهدى هو العلم بالحق والعمل به. والرحمة هي ما يحصل من الخير والاحسان. والثواب العاجل والاجل لمن اهتدى به فالهدى اجل الوسائل والرحمة اكمل المقاصد والرغائب. ولكن لا يهتدي به ولا يكون رحمة الا في حق المؤمنين. واذا حصل الهدى وحلت الرحمة الناشئة عنه. حصلت السعادة والفلاح والربح والنجاح والفرح والسرور. ولذلك امر تعالى بالفرح بذلك فقال قال قل بفضل الله الذي هو القرآن الذي هو اعظم نعمة ومنة وفضل تفضل الله به على عباده ورحمته الدين والايمان وعبادة الله ومحبته ومعرفته. فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون من متاع الدنيا ولذاتها. فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا. مما هو مضمحل زائل عن قريب. وانما امر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته لان ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها. وشكرها لله تعالى وقوتها وشدة الرغبة في العلم والايمان الداعية للازدياد منهما. وهذا فرح محمود. بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها. او الفرح بالباطل. فان هذا مذموم كما قال تعالى عن قوم قارون له لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا. قل قيل لكم ام عن الله يقول تعالى منكرا على المشركين الذين ابتدعوا تحريم ما احل الله وتحليل ما حرم قل ارأيتم ما انزل الله لكم من رزق؟ يعني انواع الحيوانات المحللة التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. قل لهم موبخا على هذا القول الفاسد. االله اذن لكم ام على الله تفترون؟ ومن المعلوم ان الله لم يأذن لهم. فعلم انهم ولكن اكثرهم لا يشكون. وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة؟ ان يفعل الله بهم من النكال حل بهم من العقاب. قال الله تعالى ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. ان الله لذو فضل على الناس كثير وذو احسان جزيل. ولكن اكثر الناس لا يشكرون. اما الا يقوموا بشكرها واما ان يستعينوا بها على معاصيه اما ان يحرموا منها ويردوا ما من الله به على عباده. وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة. ويثني بها على الله ويستعين به على طاعته. ويستدل بهذه الاية على ان الاصل في جميع الاطعمة الحل. الا ما ورد الشرع بتحريمه. لان الله انكر على من حرم الرزق الذي انزله لعباده وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين يخبر تعالى عن عموم مشاهدته واطلاعه على جميع احوال العباد في حركاتهم وسكناتهم وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام فقال وما تكون في شأن اي حال من احوالك الدينية والدنيوية وما تتلوا منه من قرآن اي وما تتلوا من القرآن الذي اوحاه الله اليك ولا تعملون من عمل صغير او كبير الا كنا شهودا اذ تفيضون فيه. اي وقت شروعكم فيه واستمراركم على العمل به. فراقبوا الله في اعمالكم وادوها على وجه النصيحة والاجتهاد فيها. واياكم وما يكره الله تعالى فانه مطلع عليكم. عالم بظواهركم وبواطنكم. وما يعزب عن ربك اي ما يغيب عن علمه وسمعه بصره ومشاهدته من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. اي قد احاط به علم وجرى به قلمه وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر. كثيرا ما يقرن الله بينهما. وهما العلم المحيط بجميع اشياء وكتابته المحيطة بجميع الحوادث كقوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يخبر تعالى عن اوليائه واحبائه. ويذكر اعمالهم واوصافهم وثوابهم. فقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم فيما يستقبلونه مما امامهم من المخاوف والاهوال. ولا هم يحزنون على ما اسلفوا. لانهم لم يسلفوا الا صالح الاعمال. واذا قانون خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثبت لهم الامن والسعادة. والخير الكثير الذي لا يعلمه الا الله تعالى. ثم ذكر وصفهم فقال الذين امنوا وكانوا يتقون. الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر بالقدر خيره وشره وصدقوا ايمانهم باستعمال التقوى بامتثال الاوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا كان الله تعالى وليا لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة ذلك هو الفوز العظيم. ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. اما البشارة في الدنيا فهي الثناء الحسن في قلوب المؤمنين والرؤيا الصالحة. وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لاحسن الاعمال والاخلاق. وصرفه عن مساوئ الاخلاق واما في الاخرة فاولها البشارة عند قبض ارواحهم كما قال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا. وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم مقيم وفي الاخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الاليم. لا تبديل لكلمات الله بل ما وعد الله فهو حق لا يمكن تغييره ولا تبديله. لانه الصادق في قيله الذي لا يقدر احد ان يخالفه فيما قدره وقضاه. ذلك هو الفوز العظيم لانه اشتمل على النجاة من كل محذور. والظفر بكل مطلوب محبوب. وحصر الفوز فيه لانه لا فوز لغير اهله للايمان والتقوى والحاصل ان البشرى شاملة لكل خير وثواب. رتبه الله في الدنيا والاخرة على الايمان والتقوى. ولهذا وكذلك فلم يقيد اي ولا يحزنك قول المكذبين فيك من الاقوال التي يتوصلون بها الى القدح فيك وفي دينك. فان اقوالهم لا تعزهم ولا تضرك شيئا. ان العزة لله جميعا يؤتيها من يشاء. ويمنعها ممن يشاء. قال تعالى من كان يريد العزة لله العزة جميعا. اي فليطلبها بطاعته. بدليل قوله بعده. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ومن المعلوم لانك على طاعة الله وان العزة لك ولاتباعك من الله. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وقوله هو السميع العليم اي سمعه قد احاط بجميع الاصوات. فلا يخفى عليه شيء منها. وعلمه قد احاط بجميع الظواهر والبواطن. فلا يعزب عنه قالوا ذرة في السماوات والارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. وهو تعالى يسمع قولك وقول اعدائك فيك ويعلم ذلك تفصيلا فاكتفي بعلم الله وكفايته فمن يتق الله فهو حسبه. الا ان لله من في السماوات ومن في الارض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. ان يتبعون الا الظن وان ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخلصون يخبر تعالى ان له ما في السماوات والارض خلقا وملكا وعبيدا يتصرف فيهم بما شاء من احكامه. فالجميع مماليك لله مسخرون مدبرون. لا يستحقون شيئا من العبادة. وليسوا شركاء لله بوجه من الوجوه. ولهذا قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. ان يتبعون الا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. وان هم الا يخرصون في ذلك. خرصك كذب وافك وبهتان. فاذا كانوا صادقين في انها شركاء لله. فليظهروا من اوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة فلن يستطيعوا فهل منهم احد يخلق شيئا او يرزق؟ او يملك شيئا من المخلوقات؟ او يدبر الليل والنهار؟ الذي جعله الله قياما للناس هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لقوم يسمعون. هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه في النوم والراحة بسبب الظلمة. التي تغشى وجه الارض فلو استمر الضياء لما قروا ولما سكنوا. وجعل الله النهار مبصرا. اي مضيئا يبصر به الخلق. فيتصرفون في معايشهم باطلة وانه الرؤوف الرحيم العليم الحكيم الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الارض. ان يقول تعالى مخبرا عن بهت المشركين ان لرب العالمين قالوا اتخذ الله ولدا فنزه نفسه عن ذلك بقوله سبحانه اي تنزه عما يقول الظالمون في نسبة اليه علوا كبيرا. ثم برهن على ذلك بعدة براهين. احدها قوله هو الغني. اي الغنى منحصر فيه وانواع الغنى مستغرقة فيه. فهو الغني الذي له الغنى التام بكل وجه واعتبار من جميع الوجوه. فاذا كان غنيا من كل وجه فلاي شيء اتخذوا الولد الحاجه منه الى الولد؟ فهذا مناف لغناه. فلا يتخذ احد ولدا الا لنقص في غناه. البرهان الثاني قوله له ما في السماوات وما في الارض وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من اهل السماوات والارض. الجميع مخلوقون عبيد مماليك. ومن المعلوم ان هذا الوصف العام ينافي ان يكون له منهم ولد. فان الولد من جنس والده لا يكون مخلوقا ولا فملكيته لما في السماوات والارض عموما تنافي الولادة. البرهان الثالث قوله ان عندكم من سلطان بهذا اي هل عندكم من حجة وبرهان يدل على ان لله ولدا؟ فلو كان لهم دليل لابدوه. فلما تحداهم وعجزهم عن اقامة الدليل ما قالوه وان ذلك قول بلا علم. ولهذا قال اتقولون على الله ما لا تعلمون؟ فان هذا من اعظم المحرم قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. اي لا ينالون مطلوبهم ولا يحصل لهم مقصودهم وانما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلا. ثم ينتقلون الى الله ويرجعون اليه. فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون. واتل عليهم نبأ نوح اذ قال لقومه يا قوم الله توكلت فاجمعوا امركم مشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم يقول تعالى لنبيه واتل على قومك نبأ نوح في دعوته قومي حين دعاهم الى الله مدة طويلة. فمكث فيهم الف سنة الا خمسين عاما. فلم يزدهم دعاؤه اياهم الا طغيانا تمللوا منه وسئموا وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل ولا متوان في دعوتهم. فقال لهم يا قومي ان كان كبر عليكم وتذكيري بايات الله اي ان كان مقامي عندكم وتذكيري اياكم ما ينفعكم بايات الله الادلة الواضحة البينة قد شق عليكم وعظم لديكم. واردتم ان تنالوني بسوء او تردوا الحق. فعلى الله توكلت اي اعتمدت على الله في دفع كل شر يراد وبما ادعو اليه فهذا جندي وعدتي. وانتم فاتوا بما قدرتم عليه من انواع العدد والعدد. فاجمعوا امركم بحيث لا يتخلف منكم احد ولا تدخروا من مجهودكم شيئا. واحضروا شركائكم الذين كنتم تعبدونهم وتوالون من دون الله رب العالمين. ثم لا يكن امركم عليكم امة. اي مشتبها خفيا. بل ليكن ذلك ظاهرا علانية. ثم اقبل الي ايقضوا علي بالعقوبة والسوء الذي في امكانكم ولا تنظرون. اي لا تهملوني ساعة من نهار. فهذا برهان واية عظيمة على صحة رسالته وصدق ما جاء به. حيث كان وحده لا عشيرة تحميه ولا جنود تؤويه. وقد بادأ قومه وبتسفيه ارائهم وفساد دينهم وعيب الهتهم. وقد حملوا من بغضه وعداوته ما هو اعظم من الجبال الرواسي. وهم اهل القدرة والسطوة وهو يقول لهم اجتمعوا انتم وشركائكم ومن استطعتم وابدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد فاوقعوا بي ان قدرتم على ذلك فلم يقدروا على شيء من ذلك. فعلم انه الصادق حقا وهم الكاذبون فيما يدعون. ولهذا قال فان توليتم عما دعوتكم اليه فلا موجب لتوليكم. لانه تبين انكم لا تولون عن باطل الى حق. وانما تولون عن حق قامت الادلة على صحته الى باطل قامت الادلة على فساده. ومع هذا فما سألتكم من اجر على دعوتي وعلى اجابتكم. فتقول وهذا جائنا ليأخذ اموالنا فتمتنعون لاجل ذلك. ان اجري الا على الله اي لا اريد الثواب والجزاء الا منه. وايضا فاني ما امرتكم بامر واخالفكم الى ضده. بل امرت ان اكون من المسلمين. فانا اول داخل واول فاعل لما امرتكم به تكلموه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. فكذبوه بعدما دعاهم ليلا ونهارا سرا وجهارا. فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا. فنجيناه ومن معه في الفلك الذي امرناه ان يصنعه باعيننا وقلنا له اذا فاردت النور فاحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك. الا من سبق عليه القول ومن امن. ففعل ذلك فامر الله السماء بماء منهمر وفجر الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر. وحملناه على ذات الواح ودسر تجري باعيننا وجعلناهم خلائف في الارض بعد اهلاك المكذبين. ثم بارك الله في ذريته وجعل ذريته هم الباقين ونشرهم في اقطار الارض. واغرقنا الذين كذبوا باياتنا. بعد ذلك البيان واقامة البرهان. فانظر كيف كان عاقبة منذرين وهو الهلاك المخزي واللعنة المتتابعة عليهم في كل قرن يأتي بعدهم. لا تسمع فيهم الا لوما ولا ترى لا قدحا وذما فليحذر هؤلاء المكذبون ان يحل بهم ما حل باولئك الاقوام المكذبين من الهلاك والخزي والنكال اي ثم وبعثنا من بعد نوح عليه السلام رسلا الى قومهم المكذبين. يدعونهم الى الهدى ويحذرونهم من اسباب الردى. فجاءوهم اي كل نبي ايد دعوته بالايات الدالة على صحة ما جاء به. فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل. يعني ان الله تعالى عاقبهم حيث جاءهم الرسول فبادروا بتكذيبه. طبع الله على قلوبهم وحال بينهم وبين الايمان بعد ان كانوا متمكنين منه كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ولهذا قال هنا كذلك نطبع على قلوب المعتدين اي نختم عليها فلا يدخلها خير. وما ظلمهم الله. ولكن ظلموا انفسهم بردهم الحق لما جاءهم. وتكذيبهم الاول اي ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الذين ارسلهم الله الى القوم المكذبين المهلكين موسى ابن عمران كليم الرحمن احد اولي العزم من المرسلين واحد الكبار المقتدى بهم المنزل عليهم الشرائع والمعظمة الواسعة وجعلنا معه اخاه هارون وزيرا. بعثناهما الى فرعون وملأه. اي كبار دولته ورؤسائهم. لان عامة تبع للرؤساء باياتنا الدالة على صدق ما جاء به من توحيد الله والنهي عن عبادة ما سوى الله فاستكبروا عنها ظلما وعلوا بعد ما استيقنوها وكانوا قوما مجرمين اي وصفهم الاجرام والتكذيب فلما جاءهم الحق من عندنا الذي هو اكبر انواع الحق واعظمه وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب. وهو رب العالمين المربي جميع خلقه بالنعم. فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى ردوه فلم يقبلوه. وقالوا ان هذا لسحر مبين. لم يكفهم قبحهم الله اعراضهم ولا ردهم اياه. حتى جعلوه ابطل الباطل وهو السحر الذي حقيقته التمويه بل جعلوه سحرا مبينا ظاهرا وهو الحق المبين. ولهذا قال لهم موسى موبخا لهم عن ردهم الحق الذي لا يرده الا اظلموا الناس اسحر هذا ولا يفلح الساحرون. اتقولون للحق لما جاءكم؟ اي اتقولون انه سحر مبين اسحر هذا اي فانظروا وصفه وما اشتمل عليه. فبمجرد ذلك يجزم بانه الحق. ولا يفلح الساحرون لا في الدنيا ولا في الاخرة فانظروا لمن تكون له العاقبة ولمن له الفلاح وعلى يديه النجاح. وقد علموا بعد ذلك وظهر لكل احد ان موسى عليه السلام وهو الذي افلح وفاز بظفر الدنيا والاخرة وما نحن لكما بمؤمنين. قالوا لموسى سار الدين لقوله بما لا يرده اجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه اباءنا؟ اي اجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه اباءنا من الشرك وعبادة غير الله. وتأمرنا بان نعبد الله وحده لا شريك له. فجعلوا قول ابائهم الضالين حجة يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام وقولهم وتكون لكم الكبرياء في الارض اي وجئتمونا لتكونوا انتم الرؤساء ولتخرجون من ارضنا وهذا تمويه منهم. وترويج على جهالهم وتهيج لعوامهم على معاداة موسى وعدم الايمان به. وهذا لا يحتج به من عرف الحقائق وميز بنا الامور. فان الحجج لا تدفع الا بالحجج والبراهين. واما من جاء بالحق فرد قوله بامثال هذه الامور فانها تدل على عجز موردها عن الاتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه. لانه لو كان له حجة لاوردها. ولم يلجأ الى قوله قصدك كذا او مرادك كذا. سواء كان صادقا في قوله واخباره عن قصد خصمه ام كاذبا. مع ان موسى عليه الصلاة الصلاة والسلام كل من عرف حاله وما يدعو اليه عرف انه ليس له قصد في العلو في الارض. وانما قصده كقصد اخوانه المرسلين هداية الخلق وارشادهم لما فيه نفعهم. ولكن حقيقة الامر كما نطقوا به بقولهم وما نحن لك ما بمؤمنين. اي تكبرا وعنادا لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون. ولا لاشتباه فيه ولا لغير ذلك من المعاني. سوى الظلم والعدوان وارادة العلو الذي رموا به موسى وهارون. وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم. وقال فرعون للحق الذي جاء به موسى ومغالطا لملأه وقومه ائتوني بكل ساحر عليم. اي ماهر بالسحر متقن له ارسل في مدائن مصر من اتاه بانواع السحرة على اختلاف اجناسهم وطبقاتهم فلما جاء السحرة للمغالبة مع موسى قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون اي اي شيء اردتم لا اعين لكم شيئا وذلك لانه جازم بغلبته غير مبال بهم وبما جاءوا به موسى ما جئتم به السحر ان الله سيبطله. ان الله لا يصلح عمل المفسدين فلما القوا حبالهم وعصيهم اذا هي كأنها حيات تسعى. فقال موسى ما جئتم به السحر. اي هذا السحر الحقيقي العظيم ولكن مع عظمته ان الله سيبطله. ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فانهم يريدون بذلك نصر الباطل على الحق واي فساد اعظم من هذا؟ وهكذا كل مفسد عمل عملا واحتال كيدا او اتى بمكر فان عمله ويضمحل وان حصل لعمله روجان في وقت ما. فان مآله الاضمحلال والمحق. واما المصلحون الذين قصدهم باعمالهم الله تعالى وهي اعمال ووسائل نافعة مأمور بها. فان الله يصلح اعمالهم ويرقيها. وينميها على الدوام. فالقى موسى عصاه فتلقف جميع ما صنعوا. فبطل سحرهم واضمحل باطلهم ولو كره المجرمون. فالقي السحرة سجدا حين تبين لهم الحق. فتوعدهم فرعون بالصلب وتقطيع والارجل فلم يبالوا بذلك وثبتوا على ايمانهم. واما فرعون وملأه واتباعهم فلم يؤمن منهم احد. بل استمروا في طغيانهم يعمهون. ولهذا قال فرعون وملأهم ان يفتنهم وان فرعون لعالم في الارض وانه لمن المسرفين فما امن لموسى الا ذرية من قومه. اي شباب من بني اسرائيل صبروا على الخوف. لما ثبت في قلوبهم الايمان. على خوف من فرعون وملأهم ان يفتنهم عن دينهم. وان فرعون لعالم في الارض. اي له القهر والغلبة فيها. فحقيق بهم ان يخافوا من بطشه وخصوصا انه كان لمن المسرفين. اي المتجاوزين للحد في البغي والعدوان. والحكمة والله اعلم لكونه ما امن لموسى لا ذرية من قومه ان الذرية والشباب اقبلوا للحق. واسرع لهم قيادا بخلاف الشيوخ ونحوهم. ممن تربى على الكفر فانهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة ابعد من الحق من غيرهم. وقال موسى يا قومي وقال موسى موصيا لقومه بالصبر خيرا لهم ما يستعينون به على ذلك. فقال يا قومي ان كنتم امنتم بالله فقوموا بوظيفة الايمان. فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين اي اعتمدوا عليه والجأوا اليه واستنصروه. فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة فقالوا ممتثلين لذلك على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين اي لا تسلطهم علينا فيفتنون او يغلبون فيفتنون بذلك ويقولون لو كانوا على حق لما غلبوا. ونجنا برحمتك بك من القوم الكافرين. لنسلم من شرهم ولنقيم على ديننا على وجه نتمكن به من اقامة شرائعه. واظهاره من غير معارض ولا منازع بيوتكم قبلة واقيموا الصلاة. واقيموا الصلاة وبشر المؤمنين. واوحينا الى موسى واخيه حين اشتد الامر على قومهما من فرعون وقومه. وحرصوا على فتنتهم عن دينهم. ان تبوأ لقومكما بمصر بيوت اي مروهم ان يجعلوا لهم بيوتا يتمكنون به من الاستخفاء فيها. واجعلوا بيوتكم قبلة اي اجعلوها محلا تصلون فيه حيث عجزتم عن اقامة الصلاة في الكنائس والبيع العامة. واقيموا الصلاة فانها معونة على جميع الامور. وبشر المؤمنين بالنصر والتأييد واظهار دينهم. فان مع العسر يسرا. ان مع العسر يسرا. وحين اشتد الكرب وضاق الامر. فرجه الله ووسع فلما رأى موسى القسوة والاعراض من فرعون وملئه دعا عليهم وامن هارون على دعائه. فقال وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا ربنا هل يضلوا عن سبيلك ربنا طمس على اموالهم واشدد على قلوبهم اموالهم واشتر على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة يتزينون بها من انواع الحلي والثياب والبيوت المزخرفة والمراكب الفاخرة والخدام اقوالا عظيمة في الحياة الدنيا. ربنا ليضلوا عن سبيلك. فيضلون ويضلون. ربنا اطمس على اموالهم. اي اتلفها اما بالهلاك واما بجعلها حجارة غير منتفع بها. واشدد على قلوبهم اي قسها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب ابا الاليم قال ذلك غضبا عليهم حيث تجرأوا على محارم الله وافسدوا عباد الله وصدوا عن سبيله ولكمال معرفته ربي لان الله سيعاقبهم على ما فعلوا باغلاق باب الايمان عليهم سبيل الذين لا يعلمون. قال الله تعالى قد اجيبت دعوتكما. هذا دليل على ان موسى كان يدعو وهارون يؤمن على دعائه. وان الذي يؤمن يكون شريكا داعي في ذلك الدعاء فاستقيما على دينكما. واستمرا على دعوتكما. ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون. اي لا تتبع يعاني سبيل الجهال الضلال. المنحرفين عن الصراط المستقيم. المتبعين لطرق الجحيم. فامر الله موسى ان يسري ببني اسرائيل ليلا واخبره انهم يتبعون وارسل فرعون في المدائن حاشرين يقولون ان هؤلاء اي موسى وقومه قليلون وانهم لنا لغائضون. وانا لجميع حاذرون. فجمع جنوده قاصيهم ودانيهم فاتبعهم بجنوده بغيا وعدوا اي خروجهم باغين على موسى وقومه. ومعتدين في الارض. واذا اشتد البغي واستحكم الذنب فانتظر عقوبة وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا اذا ادركه الغرب قالو وجاوزنا ببني اسرائيل البحر وذلك ان الله اوحى الى موسى فلما وصل البحر ان يضربه بعصاه فضربه. فانفلق اثني عشر طريقا وسلكه بنو اسرائيل. وساق فرعون وجنوده خلفه مداخلين فلما استكمل موسى وقومه خالدين من البحر. وفرعون وجنوده داخلين فيه. امر الله البحر فالتطم على فرعون وجنوده فاغرقهم وبنوا اسرائيل ينظرون. حتى اذا ادرك فرعون الغرق وجزم بهلاكه. قال امنت انه لا اله الا الا الذي امنت به بنو اسرائيل. وهو الله الاله الحق الذي لا اله الا هو. وانا من المسلمين. اي المنقادين لدين الله ولما جاء به موسى قال الله تعالى مبينا ان هذا الايمان في هذه الحالة غير نافع له تؤمن وتقر برسول الله وقد عصيت قبل اي بارزت بالمعاصي والكفر والتكذيب وكنت من المفسدين فلا ينفعك الايمان كما جرت عادة الله ان الكفار اذا وصلوا الى هذه الحالة الاضطرارية انه لا ينفعهم ايمانهم. لان ايمانهم صار ايمانا فهد كايمان من ورد القيامة. والذي ينفع انما هو الايمان بالغيب من خلفك اية وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون قال المفسرون ان بني اسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم من فرعون كانهم لم يصدقوا باغراقه في ذلك فامر الله البحر ان يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه. ليكون لهم عبرة واية. وان كثيرا من الناس عن ايات غافلون. فلذلك تمر عليهم وتتكرر. فلا ينتفعون بها لعدم اقبالهم عليها. واما من له عقل وقلب حاضر فانه يرى من ايات الله ما هو اكبر دليل على صحة ما اخبرت به الرسل يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوء صدق. اي انزلهم الله واسكنهم في مساكن ال فرعون واورثهم ارضهم وديارهم. ورزقناهم من الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرهما. فما اختلفوا في الحق حتى جاءهم العلم الموجب لاجتماعهم وائتلافهم. ولكن بغى بعضهم على بعض. وصار لكثير منهم اهوية واغراض تخالف الحق فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير. ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. بحكمه العدل الناشئ عن علمه التام وقدرته الشاملة. وهذا هو الداء الذي يعرض لاهل الدين الصحيح. وهو ان الشيطان اذا اعجزوه ان يطيعوه في ترك الدين بالكلية سعى في التحريش بينهم والقاء العداوة والبغضاء. فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك. ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض وعداوة بعضهم لبعض ما هو قرة عين لعين؟ والا فاذا كان ربهم واحدة ورسولهم واحدة ودينهم واحدة ومصالحهم العامة متفقة فلاي شيء يختلفون اختلافا يفرق شملهم ويشتت امرهم ويحل رابطتهم ونظامهم سقوط من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت. ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت. فنسألك اللهم لطفا بعبادك المؤمنين يجمع شملهم ويرأب صدعهم. ويرد قاصيهم على دانيهم. يا ذا الجلال والاكرام انا انزلنا اليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فان كنت في مما انزلنا اليك هل هو صحيح ام غير صحيح؟ فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك. اي اسأل اهل الكتاب المنصفين والعلماء الراسخين فانهم سيقرون لك بصدق ما اخبرت به. وموافقته لما معهم. فان قيل ان كثيرا من اهل الكتاب من اليهود والنصارى بل ربما كان اكثرهم ومعظمهم كذبوا رسول الله وعاندوه. وردوا عليه دعوته. والله تعالى امر رسوله ان يستشهد به وجعل شهادتهم حجة لما جاء به. وبرهانا على صدقه. فكيف يكون ذلك؟ فالجواب على هذا من عدة اوجه انها ان الشهادة اذا اضيفت الى طائفة او اهل مذهب او بلد ونحوهم. فانها انما تتناول العدول الصادقين منهم واما من عاداهم فلو كانوا اكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم لان الشهادة مبنية على العدالة والصدق وقد حصل ذلك بايمان كثير من احبارهم الربانيين كعبد الله ابن السلام واصحابه وكثير ممن اسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه. ومن بعده وكعب الاحبار وغيرهما ومنها ان شهادة اهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابهم الثورة الذي ينتسبون اليه. فاذا كان موجودا في التوراة ما يوافق القرآن ويصدقه. ويشهد له بالصحة. فلو اتفقوا من اولهم في اخرهم على انكار ذلك لم يقدح بما جاء به الرسول. ومنها ان الله تعالى امر رسوله ان يستشهد باهل الكتاب على صحة ما جاءه واظهر ذلك واعلنه على رؤوس الاشهاد. ومن المعلوم ان كثيرا منهم من احرص الناس على ابطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فلو كان عندهم ما يرد ما ذكره الله لابدوه واظهروه وبينوه. فلما لم يكن شيء من ذلك كان عدم رد المعادي واقرار مستجيب من ادل الادلة على صحة هذا القرآن وصدقه. ومنها انه ليس اكثر اهل الكتاب رد دعوة الرسول. بل اكثرهم استجاب لها وانقاد طوعا واختيارا. فان الرسول بعث واكثر اهل الارض المتدينين اهل كتاب. فلم يمكث دينه مدة غير كثيرة حتى انقاد للاسلام اكثر اهل الشام ومصر والعراق وما جاورها من البلدان التي هي مقر دين اهل الكتاب. ولم يبقى الا اهل الريادة الذين اثروا رياستهم على الحق. ومن تبعهم من العوام الجهلة. ومن تدين بدينهم اسما لا معنى. كالافرنج الذين حقيقة امرهم انهم دهرية منحلون عن جميع اديان الرسل. وانما انتسبوا للدين المسيحي ترويجا لملكهم. وتمويها لباطلهم كما يعرف ذلك من عرف احوالهم البينة الظاهرة. وقوله لقد جاءك الحق اي الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه. ولهذا قال قال من ربك فلا تكونن من الممطرين. كقوله تعالى كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لا تكونن من الذين كذبوا بايات الله فتكون من الخاسرين. وحاصل هذا ان الله نهى عن الشك في هذا القرآن والامتراء فيه. واشد من ذلك التكذيب به. وهو ايات الله البينات التي لا تقبل التكذيب بوجه على هذا الخسار وهو عدم الربح اصلا. وذلك بفوات الثواب في الدنيا والاخرة. وحصول العقاب في الدنيا والاخرة. والنهي عن الشيء امر بضده فيكون امرا بالتصديق التام بالقرآن. وطمأنينة القلب اليه والاقبال عليه علما وعملا. فبذلك يكون العبد من الرابحين الذين ادركوا اجل المطالب. وافضل الرغائب واتم المناقب. وانتفى عنهم الخسار. ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم يقول تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك اي انهم من الضالين الغاويين اهل النار. لا بد ان يصيروا الى ما قدرهم الله وقضاه فلا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية فلا تزيدهم الايات الا طغيانا وغيا الى غيهم. وما ظلمهم الله لكن ظلموا انفسهم بردهم للحق لما جاءهم اول مرة. فعاقبهم الله بان طبع على قلوبهم واسماعهم وابصارهم. فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم الذي وعدوا به. فحينئذ يعلمون حق اليقين ان ما هم عليه هو الضلال وان ما جاءتهم به الرسل هو الحق ولكن في وقت لا يجدي عليهم ايمانهم شيئا. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون. واما الايات فانها تنفع من له قلب او القى السمع وهو شهيد السلام ما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين. يقول تعالى فلولا كانت قرية من قرى المكذبين امنت حين رأت العذاب فنفعها ايمانها. اي لم يكن منهم احد انتفع بايمانه حين رأى العذاب كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبا. لما قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل انا من المسلمين فقيل له الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ وكما قال الله تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا لله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا. سنة الله التي قد خلت في عباده قال الله تعالى حتى اذا جاء احدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا والحكمة في هذا فان الايمان الاضطراري ليس بايمان حقيقة ولو صرف عنه العذاب والامر الذي اضطره الى الايمان لرجع الى الكفران وقوله الا قوم يونس لما امنوا بعد ما رأوا العذاب كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين فهم مستثنون من العموم السابق. ولابد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة لم تصل الينا. ولم تدركها افهامنا. قال الله تعالى وان يونس لمن المرسلين. الى قوله فارسلناه الى مئة الف او يزيدون. فامنوا فمتعناهم الى حين ان الحكمة في ذلك ان غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. واما قوم يونس فان الله علم ان ايمانهم سيستمر بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه. والله اعلم. ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا اه يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا بان يلهمهم الايمان ويوزع قلوبهم للتقوى. فقدرته صالحة لذلك ولكنه اقتضت حكمته ان كان بعضهم مؤمنين وبعضهم كافرين. افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ اي لا تقدر على ذلك وليس في ولا قدرة لغير الله على شيء من ذلك فرجس على الذين لا يعقلون. وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن الله. اي بارادته ومشيئته واذنه القدري الشرعي فمن كان من الخلق قابلا لذلك يزكو عنده الايمان وفقه وهداه. ويجعل الرجز اي الشر والضلال على الذين لا يعقلون عن الله اوامره ونواهيه. ولا يلقون بالا لنصائحه ومواعظه يدعو تعالى عباده الى النظر لما في السماوات والارض والمراد بذلك نظر الفكر والاعتبار والتأمل لما فيها وما تحتوي عليه والاستبصار. فان في ذلك لايات لقوم يؤمنون وعبرا لقوم يوقنون تدل على ان الله وحده المعبود المحمود ذو الجلال والاكرام والاسماء والصفات العظام وما تغني ايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فانهم لا ينتفعون بالايات لاعراضهم وعنادهم. فهل ينتظرون الا مثل ايام الذين خلوا من قبرهم خلفا انتظروا اني معكم من المنتظرين. فهل الا مثل ايام الذين خلوا من قبلهم. اي فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بايات الله بعد وضوحها؟ الا مثل ايام الذين من قبلهم اي من الهلاك والعقاب فانهم صنعوا كصنيعهم. وسنة الله جارية في الاولين والاخرين. قل فانتظروا ان معكم من المنتظرين فستعلمون لمن تكون له العاقبة الحسنة والنجاة في الدنيا والاخرة وليست الا للرسل واتباعهم ولهذا قال ثم ننجي رسلنا والذين امنوا من مكاره الدنيا والاخرة وشدائدهما. كذلك حقا علينا اوجب على انفسنا ننجي المؤمنين. وهذا من دفعه عن المؤمنين. فان الله يدافع عن الذين امنوا. فانه بحسب ما مع العبد من الايمان تحصل له النجاة من المكاره اعبد الذين تعبدون من دون الله فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن اعبدوا الله اه الذي يتوفاكم وامرت ان اكون من المؤمنين. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم سيدنا المرسلين وامام المتقين وخير الموقنين. قل يا ايها الناس ان كنتم في شك من ديني اي في ريب واشتباه فاني لست في شك من لدي العلم اليقيني انه الحق وان ما تدعون من دون الله باطل. ولي على ذلك الادلة الواضحة والبراهين الساطعة. ولهذا قال فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله من الانداد والاصنام وغيرها. لانها لا تخلق ولا ترزق ولا تدبر شيئا من الامور وانما هي مخلوقة مسخرة. ليس فيها ما يقتضي عبادتها. ولكن اعبد الله الذي يتوفاكم. اي هو الذي خلقكم. وهو الذي يميتكم ثم يبعثكم ليجازيكم باعمالكم. فهو الذي يستحق ان يعبد ويصلى له ويخضع ويسجد. وامرت ان اكون من المؤمنين وان اقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين وان اقم وجهك للدين حنيفا اي اخلص اعمالك الظاهرة والباطنة لله. واقم جميع شرائع الدين حنيفا. اي مقبلا على الله معرضا عما سواه ولا تكونن من المشركين لا في حالهم ولا تكن معهم. ولا تدعو من دون الله ما لا ينفعك وسع وهذا وصف لكل مخلوق انه لا ينفع ولا يضر وانما النافع الضار هو الله تعالى. فان فعلت بان دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك. فانك اذا من الظالمين اي الضارين انفسهم باهلاكها. وهذا الظلم هو الشرك. كما قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم. فاذا كان خير الخلق لو دعا مع الله غيره لكان من الظالمين المشركين. فكيف بغيره؟ وان يمسسك الله بضر فلا كاشف لفضله من عباده وهو الغفور الرحيم. هذا من اعظم الادلة على ان الله وحده المستحق للعبادة. فانه النافع الضار المعطي المانع. الذي اذا مس بضر كفقر ومرض ونحوها كشف له الا هو لان الخلق لو اجتمعوا على ان ينفعوا بشيء لم ينفعوا الا بما كتبه الله ولو اجتمعوا على ان يضروا احدا لم يقدر على شيء من ضرره. اذا لم يرده الله ولهذا قال وان يردك بخير فلا راد لفضله. اي لا يقدر احد من الخلق ان يرد فضله واحسانه. كما قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده يصيب به من يشاء من عباده ان يختص برحمته من شاء من خلقه. والله ذو الفضل العظيم. وهو الغفور لجميع الزلات الذي يوفق عبده لاسباب مغفرته. ثم اذا فعلها العبد غفر الله ذنوبه كبارها وصغارها. الرحيم الذي وسعت رحمته كل كل شيء ووصل جوده الى جميع الموجودات بحيث لا تستغني عن احسانه طرفة عين. فاذا عرف العبد بالدليل القاطع ان الله هو المنفرد بالنعم وكشف النقم واعطاء الحسنات وكشف السيئات والكربات وان احدا من الخلق ليس بيده من هذا شيء الا ما اجراه الله على يده جزم بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل. ولهذا لما بين الدليل الواضح قال بعده نفسي ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل. اي قل يا ايها الرسول لما تبين البرهان يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم اي الخبر الصادق المؤيد بالبراهين الذي لا شك فيه من الوجوه وهو واصل اليكم من ربكم الذي من اعظم تربيته لكم. ان انزل اليكم هذا القرآن الذي فيه تبيان لكل شيء فيه من انواع الاحكام والمطالب الالهية والاخلاق المرضية. ما فيه اعظم تربية لكم. واحسان منه اليكم. فقد تبين الرشد من الغيب ولم يبقى لاحد شبهة. فمن اهتدى بهدى الله بان علم الحق وتفهمه. واثره على غيره. فلنفسه والله تعالى غني عن عباده. وانما ثمرة اعمالهم راجعة اليهم. ومن ضل عن الهدى بان اعرض عن العلم بالحق. او عن العمل به فانما يضل عليها ولا يضر الله شيئا. فلا يضر الا نفسه. وما انا عليكم بوكيل. فاحفظ اعمالكم واحاسبكم عليها وانما انا لكم نذير مبين. والله عليكم وكيل. فانظروا لانفسكم ما دمتم في مدة الامهال واصبر حتى يحكم الله واتبع ايها الرسول ما يوحى اليك علما وعملا وحالا ودعوة واصبر على ذلك فان هذا اعلى انواع الصبر. وان عاقبته حميدة فلا تكسل ولا تضجر. بل دم على ذلك واثبت حتى يحكم الله بينك وبين من كذبك. وهو خير الحاكمين. فان حكمه مشتمل على العدل التام. والقسط الذي يحمد عليه قد امتثل صلى الله عليه وسلم امر ربه. وثبت على الصراط المستقيم حتى اظهر الله دينه على سائر الاديان. ونصره على اعدائه السيف والسنان بعدما نصره الله عليهم بالحجة والبرهان. فلله الحمد والثناء الحسن. كما ينبغي لجلاله وعظمته وكماله وسعة احسانه