وهو الرديء من ما له فيخرجه ولا تبرأ بذلك ذمته ان كان فرضا. ولا يتم له الاجر والثواب ان كانت نفلا. وبين تعالى حكمة في ذلك وانها حكمة معقولة. فكما انكم لا ترضون ممن عليه حق لكم ان يعطيكم الرديء من ماله المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل قال تعالى واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. وقال خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم. والله سميع عليم وقال يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم. ومما اخرجنا لكم من الارض. ولا تيمموا بيث منه تنفقون ولستم باخذيه الا ان تغمضوا فيه. واعلموا ان الله غني حميد. فقط قال واتوا حقه يوم حصاده قد جمع الله في كتابه في ايات كثيرة بين الامر باقام الصلاة وايتاء الزكاة لانهما مشتركتان في انهما من اهم فروض الدين. ومباني الاسلام العظيمة والايمان لا يتم الا بهما. ومن قام بالصلاة وبالزكاة كان مقيما لدينه. ومن ضيعهما كان لما سواهما من دينه اضيع. فالصلاة فيها الاخلاص التام للمعبود. وهي ميزان الايمان والزكاة فيها الاحسان الى المخ مخلوقين وهي برهان الايمان. ولهذا اتفق الصحابة على قتال مانع الزكاة. وقال ابو بكر رضي الله عنه لاقاتلن ان من فرق بين الصلاة والزكاة. وقوله تعالى خذ من اموالهم صدقة. هذا الامر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه ان يأخذ من اموال المسلمين صدقة. وهي الزكاة وهذا شامل لجميع الاموال المكمولة من انعام وحرور ونقود وعروض كما صرح به في الاية الاخرى من طيبات ما كسبتم من النقود والعروض والماشية المنماة ومما اخرجنا لكم من الارض من الحبوب والثمار. وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم النصاب في هذه الانواع كلها مقدار الواجب منها. وانها عشر الخارج من الارض مما يسقى بلا مؤونة. ونصف العشر فيما سقي بمؤونة ربع العشر من اموال التجارة وذلك اذا حال الحول في اموال التجارة وحصل الحصاد والجذاذ وقت حصول الثمار. كما هو صريح الاية المذكورة. وامر تعالى باخراج الوسط فلا يظلم رب المال فيؤخذ العالي من ماله الا ان يختار هو ذلك ولا يحل له ان يتيمم الخبيث وهو الرديء من ماله الذي هو دون حقكم الا ان تقبلوه على وجه الكراهة والاغماض. فكيف ترضون لربكم ولاخوانكم ما لا ترضونه لان انفسكم فليس هذا من الانصاف والعدل. وبين تعالى الحكمة في الزكاة وبيان مصالحها العظيمة. فقال تطهرهم وتزكيهم بها فهذه كلمة جامعة يدخل فيها من المنافع للمعطي والمعطى والمال والامور العمومية والخصوصية شيء كثير. فقوله تطهرهم اي من الذنوب ومن الاخلاق الرذيلة فان من اعظم الذنوب واكبرها منع الزكاة. وايضا اعطاؤها سبب لمغفرة ذنوب اخرى. فانها فمن اكبر الحسنات والحسنات يذهبن السيئات. ومن اشنع الاخلاق الرذيلة البخل. والزكاة تطهره من هذا الخلق الرذيل تتصف صاحبها بالرحمة والاحسان والشفقة على الخلق وتطهر المال من الاوساخ والافات فان للاموال افات مثل افات الابدان. واعظم افاتها ان تخالطها الاموال المحرمة فهي للاموال مثل الجرب تسحته تحل به النكبات والنوائب المزعجة. فاخراج الزكاة تطهير له من هذه الافة المانعة له من البركة والنماء. فيستعد بذلك للنماء والبركة وتوجيهه للامور النافعة. واما قوله وتزكيهم بها فالزكاة هي النماء والزيادة. فهي تنمي المؤتي بالزكاة تنمي اخلاقه وتحل البركة في اعماله ويزداد بالزكاة ترقيا في مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. وتنمي بزوال ما به من وتنمي المال بزوال ما به ضرره وحصول ما فيه خيره. وتحل فيه البركة من الله. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال بل تزيده. تنمي ايضا المخرج اليه فتسد حاجته. وتقوم المصلحة النية التي تصرف فيها الزكاة كالجهاد والعلم والاصلاح بين الناس والتأليف ونحوها وايضا تدفع عادية الفقر والفقراء. فان ارباب الاموال اذا احتكروها واحتجزوها. ولم يؤدوا منها شيئا للفقراء اضطر الفقراء وهم جمهور الخلق وثاروا بالشر والفساد على ارباب الاموال. بهذا ونحوه تسلطت البلاشفة على الخلق. فالقيام بالدين اسلامي على وجهه بعقائده وحقائقه واخلاقه واداء حقوقه هو السد المانع شرعا وقدرا لهذه الطائفة التي بها فساد الاديان والدنيا والاخرة. وامر تعالى الاخذ منهم الزكاة ان يصلي عليهم فيدعو لهم بالبركة. فان من ذلك طمأنة بخواطرهم وتسكينا لقلوبهم وتنشيطا لهم وتشجيعا على هذا العمل الفاضل. وكما ان الامام والساعي مأمور دعائي للمزكي عند اخذها. فالفقير المحتاج اذا اعطيها من باب اولى ان يشرع له الدعاء للمعطي تسكينا لقلبه. وفي هذا اعانة على الخير. ودل تعليل الاية الكريمة ان كلما اعان على فعل الخير ونشط عليه وسكن قلب صاحبه انه مطلوب ومحبوب لا وانه ينبغي للعبد مراعاته وملاحظته في كل شأن من شؤونه. فان من تفطن له فتح له ابوابا نافعة له ولغيره بلا تعب ولا مشقة. وانه ينبغي ادخال السرور على المؤمنين. ولما امر في اية البقرة بالنفقات قال واعلموا ان الله غني حميد غني بذاته عن جميع المخلوقين. وهو الغني عن نفقات المنفقين وطاعات الطائعين. وانما امرهم بها وحث فهم عليها لمحض مصلحتهم ونفعهم وبمحض فضله وكرمه عليهم. اذ تفضل عليهم بالامر بهذه الاعمال والتوفيق لفعلهم التي توصل اصحابها الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. ومع كمال غناه وسعة عطاياه. فهو الحميد فيما يشرعه هذه من الاحكام الموصلة لهم الى دار السلام. وحميد في افعاله لا تخرج عن الفضل والعدل والحكمة. وحميد الاوصاف. لان اوصاف كلها محاسن وكمالات. لا يدرك العباد كنهها ولا يقدرونها حق قدرها. فلما حثهم على الانفاق النافع نهاهم هم عن الامساك الضار وبين لهم انهم بين داعيين. داعي الرحمن يدعوهم الى الخير ويعدهم عليه الفضل والثواب العاجل والاجل وخلف ما انفقوا وداعي الشيطان الذي يحثهم على الامساك ويخوفهم ان انفقوا افتقروا فمن كان مجيبا الرحمن وانفق مما رزقه الله فليبشر بمغفرة الذنوب وحصول كل مطلوب. ومن كان مجيبا لداعي الشيطان فانه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. فليختر العبد اي الامرين اليق به. وختم الاية بالاخبار بانه عليم اي واسع الصفات كثير الهبات. عليم بمن يستحق المضاعفة من العاملين المخلصين الصادقين وعليم بمن هو اهل لذلك فيوفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات قال سبحانه انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم. المراد بالصدقات هنا الزكاة فهؤلاء الثمانية هم اهلها اذا دفعت الى جهة من هذه الجهات اجزأت ووقعت موقعها وان دفعت في غير هذه الجهات لم تجز هؤلاء المذكورون فيها قسمان. قسم يأخذ لحاجته كالفقراء والمساكين والرقاب وابن السبيل. والغارم لنفسه. وقسم يأخذ لنفعه العمومي والحاجة اليه وهم البقية. فاما الفقراء والمساكين فهم خلاف الاغنياء. والفقير اشد حاجة من المسكين لان الله بدأ به والاهم مقدم في الذكر غالبا. ولكن الحاجة تجمع الصنفين والعاملين عليها وهم وهم السعاة الذين يشبونها ويكتبونها ويحفظونها ويقسمونها على اهلها. فهم يعطون ولو كانوا اغنياء لانها بمنزلة الاجرة في حقهم والمؤلفة قلوبهم وهم سادات العشائر والرؤساء الذين اذا اعطوا حصل في اعطائهم مصلحة للاسلام والمسلمين. اما دفع شرهم عن المسلمين واما رجاء اسلامهم واسلام نظرائهم او جبايتها ممن لا يعطيها ويرجى قوة ايمانهم. وفي الرقاب اي في فكها من الرق كاعانة المكاتبين ببذلها في شراء الرقاب لعتقها وفي فك الاسارى من المسلمين عند الاعداء والغارمين للاصلاح بين الناس اذا كان الصلح يتوقف على بذل مال فيعانون على القيام بهذه المهمة والمصلحة العظيمة وهي الاصلاح بين الناس ولو اغنياء ومن الغارمين من ركبتهم ديون الناس وعجزوا عن وفائها فيعانون من الزكاة لوفائها. وفي سبيل الله اي بذلها على اعانة المجاهدين بالزاد والمزاد والركوب والسلاح. ونحوها مما فيه اعانة المجاهدين. ومن الجهاد التخلي لطلب العلم الشرعي والتجرد للاشتغال به. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده فيعان على سفره من الزكاة. فالله تعالى فرضها لهؤلاء الاصناف بحسب حكمته وعلمه علمي ووضعه الاشياء مواضعها. فان سد الكفايات وقيام المصالح العمومية النافعة من الفروض على المسلمين. وهي على اهل موالي شكر منهم لله تعالى على نعمته بالمال. وتطهير لهم ولها ونماء وبركة. واتصاف بصفات الاخيار والسلام من نعوت الاشرار