فهذا حق السائلين عليه هو احقه على نفسه لا انهم اوجبوه واحقوه بل احق على نفسه ان يجيب من سأله كما احق على نفسه في حديث معاذ الا يعذب من عبده المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل وهو الودود يحبهم ويحبه احبابه والفضل للمنان وهو الذي جعل المحبة في قلوب بهم وجازاهم بحب ثاني هذا هو الاحسان حقا لا معاذ وضتوا ولا لتوقع الشكران لكن يحب شكورهم وشكورهم لا الاحتياج منه للشكران هذا تفسير لاسمه تعالى الودود وقد اختلف المفسرون في تفسيره فقيل انه فعول بمعنى فاعل وقيل انه فعول بمعنى مفعول والصحيح انه يعم النوعين كليهما كما قال المصنف فهو الودود الذي يود عباده المؤمنين واولياءه الصالحين وهو المودود لاوليائه وعباده المتقين بل لا شيء اود اليهم منه ولا تعادلوا محبة الله محبة لا في اصلها ولا في متعلقاتها ولا في كيفيتها وهذا هو الواجب ان تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة غالبة على كل محبة ويتعين ان يكون كل محبة تبعا لمحبة الله قال تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الاية وقال تعالى والله يحب المحسنين والله يحب الصابرين ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا وقال تعالى وهو الغفور الودود اشارة الى ان من احبه الله غفر له الذنوب ويسره لكل مطلوب وقال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والدليل على وجوب محبة الله تعالى وانه يجب تقديمها على سائر محاب النفوس قوله تعالى قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم الى قوله احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره فتوعد تعالى من كانت هذه الامور احب اليه من الله ورسوله واتباع مرضات الله ولهذا كانت محبة الله تعالى هي روح الاعمال وجميع العبودية ناشئة من محبة الله ومحبة العبد لربه فضل من الله واحسان ليست بحول العبد ولا قوته فهو الذي احب عبده فجعل المحبة في قلبه ثم لما احبه العبد جازاه الله بحب اخر فهذا هو الاحسان على الحقيقة احسان محض ليس المقصود به المعاوضة وانما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ومحبة للشكر من غير حاجة منه الى الشكر بل المصلحة كلها عائدة الى العبد فتبارك الذي اودع محبته في قلوب عباده المتقين ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت الى حالة تتضاءل عندها المحاب وتسليهم عن المألوفات وتهون عليهم المصيبات وتلذذ لهم مشقة الطاعات وتثمر لهم ما يشاؤون من اصناف الكرامات التي اعلاها حصول محبة الله والفوز برضاه والانس بقربه فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه محبة قبلها صار بها محبا لربه ومحبة بعدها شكرا من الله له على محبته صار بها من اصفيائه المخلصين فنسألك اللهم حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا الى حبك اللهم اجعل حبك احب الينا من انفسنا واهلنا واولادنا ومن الماء البارد واجعل كل محبة تعلقت منا بغيرك تابعة لمحبتك واعظم سبب يكتسب به العبد محبة الله التي هي اعظم المطالب الاكثار من ذكره وكثرة الانابة اليه وكثرة التقرب اليه بالفرائض والنوافل وتحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترظت عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه وما ترددت عن شيء انا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته رواه البخاري والمقصود ان معنى الودود انه المحبوب المودود اعظم مودة واصفاها واخلصها من عباده المؤمنين الواد لعباده القائمين بمحابه ومراضيه وله الفضل والمنة في ذلك كله وهو الشكور فلن يضيع سعيهم لكن يضاعفه بلا حسبان ما للعباد عليه حق واجب هو او جبل اجر العظيم الشاني كلا ولا عمل لديه ضائع ان كان بالاخلاص والاحسان ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله والحمد للمنان قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم وكان الله شاكرا عليما وقال تعالى والله شكور حليم فمن اسمائه تعالى الشاكر الشكور الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه ولا يتركه باطلا بل يضاعفه اضعافا مضاعفة بلا عد ولا حسبان كما قال تعالى انا لا نضيع اجر من احسن عملا وقال تعالى ان الله لا يضيع اجر المحسنين وقال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها وقال تعالى ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنتي يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما وقال تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم وقال تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم وهم من فزعين يومئذ امنون وقال تعالى فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة فان عملها كتبها الله له عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وقال صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه فيربيها لاحدكم كما يربي احدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم. متفق عليه الى غير ذلك من النصوص الدالة على سعة فضل الله وانه الشاكر لسعي العاملين الذي لا يضيع عمل عامل وبعينه ما يتحمل المتحملون من اجله ومن فعل لاجله اعطاه فوق المزيد ومن ترك لاجله عوضه الله خيرا من ذلك وهو الذي وفق عباده المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك واعطاهم من كراماته ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكل هذا ليس حقا واجبا عليه بالاصل وانما هو الذي اوجبه على نفسه ولهذا قال المصنف ما للعباد عليه حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشاني وهذا القيل الذي قيده به المصنف احسن من اطلاق من اطلق ذلك بقوله كلا ولا سعي لديه ضائع ما للعباد عليه حق واجب وكذلك تقييد المصنف للسعي الذي لا يضيعه الله بقوله ان كان بالاخلاص والاحسان اي مقصودا به وجه الله محسنا فيه على سنة رسول الله لان العمل لا يكون صالحا حتى يوجد فيه هذان الشرطان الاخلاص والمتابعة كما قال في موضع اخر فقيام دين الله بالاخلاص احسان انهما له اصلان وقول المؤلف ان عذبوا فبعدله لانه لا يعذبهم الا بذنوبهم التي اجترحوها بعدما قامت عليهم حجة الله وحذرهم الله منها غاية التحذير فاذا استمروا على الطغيان بعد ذلك ولم يقبلوا نصائح الناصحين علم انهم لا يصلحون الا للعذاب فعدل فيهم حيث عذبهم لانه لم يضع العقوبة الا في موضعها واما انعامه واكرامه فان ذلك محض فضله واحسانه لانه الذي وفقهم واعانهم واعد لهم من الكرامات ما لا يقابله اضعاف اضعاف اعمالهم ولكن له تعالى تمام الحمد وكمال النعمة وله الفضل اولا واخرا وظاهرا وباطنا قال في بدائع الفوائد قد اخبر الله سبحانه في كتابه انه كتب على نفسه الرحمة وهذا ايجاب منه على نفسه فهو الموجب وهو متعلق الايجاب الذي اوجبه فاوجب بنفسه على نفسه بقوله في الحديث الصحيح لما قضى الله الخلق كتب بيده على نفسه في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش ان رحمتي تغلب غضبي وفي لفظ سبقت غضبي فتأمل كيف اكد هذا الطلب والايجاب بذكر فعل الكتابة وصفة اليد ومحل الكتابة وانه كتاب وذكر مستقر الكتاب وانه عنده فوق العرش فهذا ايجاب مؤكد بانواع التأكيد وهو ايجاب منه على نفسه ومنه قوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين فهذا حق احقه على نفسه فهو طلب وايجاب على نفسه بلفظ الحق ولفظ علا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمعاذ اتدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله اعلم قال حقه عليهم ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا اتدري ما حق العباد على الله اذا فعلوا ذلك قلت الله ورسوله اعلم قال حقهم عليه الا يعذبهم بالنار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في غير حديث من فعل كذا وكذا كان حقا على الله ان يفعل به كذا وكذا في الوعد والوعيد فهذا الحق الذي احقه على نفسه ومنه الحديث الذي في المسند عن ابي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الماشي الى الصلاة اسألك بحق ممشاي هذا وبحق السائلين عليك فحق السائلين عليه ان يجيبهم وحق العابدين له ان يثيبهم والحقان هو الذي احقهما واوجبهما لا السائلون ولا العابدون فانه ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع ومنه قوله تعالى وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن فهذا الوعد هو الحق الذي احقه على نفسه واوجبه ونظير هذا ما اخبر به تعالى من قسمه ليفعلنه نحو قوله فوربك لنسألنهم اجمعين وقوله فوربك لنحشرنهم والشياطين وقوله لنهلكن الظالمين وقوله فالحق والحق اقول لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين الى اخر ما ذكره رحمه الله والمقصود من هذا الكلام ذكر ما يتعلق بقوله ما للعباد عليه حق واجب هو اوجب الاجر العظيم الشاني فان ايجابه على نفسه ما اوجبه فضل منه واحسان لا معاوضة ولا في مقابلة عمل مستقل من احد من العالمين فله المنة في هذه الدار وفي دار البرزخ ودار القرار