المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ثم حذر ادم شره وفتنته فقال فكنا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين اي امر الله تعالى ادم وزوجته حواء التي انعم الله بها عليه ليسكن اليها ان يأكل من الجنة حيث شاء ويتمتع فيها بما عاد الا انه عين لهما شجرة ونهاهما عن اكلها. والله اعلم ما هي. وليس في تعيينها فائدة لنا وحرم عليهما اكلها بدليل قوله فتكون من الظالمين. فلم يزال ممتثلين لامر الله حتى تغلغل اليهما عدوهما ابليس بمكره. فوسوس له الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما. وقال ما نهاكما ربكما ان هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين. فوسوس لهما وسوس ستنخدعهما بها وموه عليهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين اي من جنس الملائكة او تكون من الخالدين. كما قال في الاية الاخرى هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ ومع قوله هذا اقسم لهما بالله وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين اني لك ما لمن الناصحين من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت فاغترا بذلك وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل فلما ذاق الشجرة بنت لهما سوءاتهما وطفقا يخسفان عليهما من فدلاهما اي نزلهما عن رتبتهما الية التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي الى التلوث باودارها فاقدما على اكلها. فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوءاتهما اي ظهرت عورة كل منهما بعدما كانت مستورة. فصار العري الباطن من التقوى في هذه الحال. اثر في اللباس الظاهر حتى انخلع فظهر عوراتهما ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من اوراق شجر الجنة. ليستتر بذلك وناداهما ربهما وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا. الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين. فلما اقترضتما المنهي واطعتما عدوكما فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولها فاعترف بالذنب وسألا من الله مغفرته فقال قال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا ظلمنا انفسنا وان لم لنكونن من الخاسرين اي قد فعلنا الذنب الذي نهيتنا عنه وضرينا انفسنا باقتراف الذنب. وقد فعلنا سبب الخسائر ان لم تغفر لنا بمحو اثر الذنب وعقوبته. وترحم بقبول التوبة والمعافاة من امثال هذه الخطايا. فغفر الله لهما ذلك وعصى ادم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. هذا وابليس مستمر على طغيانه. غير مقلع من عصيانه. فمن اشبه ادم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والاقلاع. اذا صدرت منه الذنوب اجتباه الله وهداه. ومن اشبه ابليس اذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي. فانه لا يزداد من الله الا بعدا الى حين قال فيها تحيون وفيها تموت وفيها تموتون ومنها تخرجون اي لما اهبط الله ادم وزوجته وذريتهما الى الارض. اخبرهما بحال اقامتهم فيها. وانه جعل لهم فيها حياة يتلوها الموت. مشحونة بالامتحان والابتلاء. وان انهم لا يزالون فيها يرسل اليهم رسلا وينزل عليهم كتبا حتى يأتيهم الموت فيدفنون فيها ثم اذا استكملوا بعثهم الله واخرجهم منها الى الدار التي هي الدار حقيقة. التي هي دار مقامة يسواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير. ذلك من ايات الله ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري. واللباس الذي المقصود منه الجمال هكذا سائر الاشياء كالطعام والشراب والمراكب والمناكح ونحوها. قد يسر الله للعباد ضروريها. ومكمل ذلك. وبين لهم ان هذا ليس مقصودا بالذات وانما انزله الله ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته. ولهذا قال ولباس التقوى ذلك خير من اللباس الحسي فان لباس التقوى يستمر مع العبد ولا يبلى ولا يبيد. وهو جمال القلب والروح. واما اللباس الظاهري فغايته ان يستر العورة الظاهرة في وقت من من الاوقات او يكون جمالا للانسان وليس وراء ذلك منه نفع. وايضا فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة التي لا يضره مع الضرورة واما بتقدير عدم لباس التقوى فانها تنكشف عورته الباطنة ويناله الخزي والفضيحة. وقوله ذلك فمن ايات الله لعلهم يذكرون. اي ذلك المذكور لكم من اللباس مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم. وتشبهون باللباس الظاهر على الباطن يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة تنزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. انا جعلنا الشياطين اولياء الذين لا يؤمنون يقول تعالى محذرا لبني ادم ان يفعل بهم الشيطان كما فعل بابيهم يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان بان يزين لكم العصيان ويدعوكم اليه ويرغبكم فيه فتنقادون له كما اخرج ابويكم من الجنة وانزلهما من المحل العالي الى انزل منه. فانتم يريد ان يفعل بكم كذلك ولا يألو جهده عنكم. حتى يفتنكم ان استطاع فعليكم ان تجعلوا الحذر منه في بالكم. وان تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه. والا تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها اليكم. فانه يراقبكم على الدوام ويراكم هو وقبيله من شياطين الجن من حيث لا ترونهم. انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون فعدم الايمان هو الموجب لعقد الولاية بين الانسان والشيطان. انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون قل ان الله لا يأمر بالفحشاء يقولون على الله ما لا تعلمون. يقول تعالى مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب. وينسبون ان الله ما امرهم بها واذا فعلوا فاحشة. وهي كل ما يستفحش ويستقبح. ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة. قالوا وجدنا عليها اباءنا اتقوا في هذا والله امرنا بها وكذبوا في هذا. ولهذا رد الله عليهم هذه النسبة فقال قل ان الله لا يأمر بالفحشاء لا يليق بكماله وحكمته ان يأمر عباده بتعاطي الفواحش. لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. اتقولون على الله ما لا تعلمون واي افتراء اعظم من هذا؟ ثم ذكر ما يأمر به فقال عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون. قل امر ربي بالقسط اي في العبادات والمعاملات لا بالظلم والجور. واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. اي توجهوا لله واجتهدوا في تكميل العبادات. خصوصا عن الصلاة اقيموها ظاهرا وباطنا. ونقوها من كل نقص ومفسد. وادعوه مخلصين له الدين. اي قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له والدعاء يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. اي لا تراءوا ولا تقصدوا من الاغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه. كما بدأكم اول ولا مرة تعودون للبعث فالقادر على بدء خلقكم. قادر على اعادته. بل الاعادة اهون من البداءة فريقا منكم هدى الله اي وفقهم للهداية ويسر لهم اسبابها وصرف عنهم وفريقا حق عليهما الضلالة. اي وجبت عليهم الضلالة بما تسببوا لانفسهم. وعملوا باسباب الغواية. فانهم اتخذوا يعطينا اولياء من دون الله. ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. فحين انسلخوا من ولاية الرحمن واستحبوا ولاية الشيطان حصل لهم النصيب الوافر من الخذلان. ووكلوا الى انفسهم فخسروا اشد الخسران. وهم يحسبون انهم مهتدون. لانهم غلبت عليهم الحقائق فظنوا الباطل حقا والحق باطلا. وفي هذه الايات دليل على ان الاوامر والنواهي تابعة للحكمة والمصلحة. حيث ذكر تعالى انه لا يتصور ان يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول. وانه لا يأمر الا بالعدل والاخلاص. وفيه دليل على ان الهداية بفضل الله ومنه وان الضلالة بخذلانه للعبد. اذا تولى الشيطان بجهله وظلمه وتسبب لنفسه بالضلال. وان من حسب انه مهتد وهو قال انه لا عذر له لانه متمكن من الهدى وانما اتاه حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل الى الهدى