المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انه لا يحب المسرفين. يقول تعالى بعد ما انزل على بني ادم لباسا يواري سوءاتهم وريشا. يا ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد. اي استروا عوراتكم عند الصلاة كلها. فارضها ونفلها. فان سترها زينة للبدن. كما انكشفها يدع البدن قبيحا مشوها. ويحتمل ان المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن. ففي هذا الامر بستر العورة في الصلاة وباستعمال التجمل فيها ونظافة السترة من الادناس والانجاس. ثم قال وكلوا واشربوا اي مما رزقكم الله من الطيبات. ولا في ذلك والاسراف اما ان يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي يضر بالجسم. واما ان يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس. واما بتجاوز الحلال الى الحرام. انه لا يحب المسرفين. فان السرف يبغضه الله ويضر بدن الانسان معيشته حتى انه ربما ادت به الحال الى ان يعجز عما يجب عليه من النفقات. ففي هذه الاية الكريمة الامر بتناول الاكل والشرب عن تركهما وعن الاسراف فيهما رزقا قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. كذلك نفس يقول تعالى منكرا على من تعنت وحرم ما احل الله من الطيبات. قل من حرم زيارة الله التي اخرج لعباده من انواع اللباس على اختلاف اصنافه والطيبات من الرزق من مأكل ومشرب بجميع انواعه اي من هذا الذي يقدم على تحريم ما انعم الله بها على العباد. ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعه الله. وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات. جعله لهم ليستعينوا به على عبادته فلم يبحوا الا لعباده المؤمنين. ولهذا قال قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة اي لا تبعت عليهم فيها. ومفهوم الاية ان من لم يؤمن بالله بل استعان بها على معاصيه. فانها غير خالصة له ولا مباحة. بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها ويسأل عن النعيم يوم القيامة. كذلك نفصل الايات اي نوضحها ونبينها لقوم يعلمون انهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الايات. ويعلمون انها من عند الله فيعقلونها ويفهمونها. ثم ذكر المحرمات التي حرمها الله وفي كل شريعة من الشرائع فقال قل انما حرم ربي الفواحش اي الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعة وقبحها وذلك كالزنا واللواط ونحوهما. وقوله ما ظهر منها وما بطن. اي الفواحش التي تتعلق بحركات البدن والتي تتعلق بحركات القلوب كالكبر والعجب والرياء والنفاق ونحو ذلك والاثم والبغي بغير الحق اي الذنوب التي تؤثم وتوجب عقوبة في حقوق الله والبغي على الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم. فدخل في هذا الذنوب المتعلقة بحق الله. والمتعلقة بحق العباد وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا اي حجة. بل انزل الحجة والبرهان على التوحيد. والشرك هو ان يشرك مع الله في عبادته احد من خلق وربما دخل في هذا الشرك الاصغر كالرياء والحلف بغير الله ونحو ذلك. وان تقولوا على الله ما لا تعلمون في اسمائه وصفاته وافعاله وشرعه. فكل هذه قد حرمها الله ونهى العباد عن تعاطيها. لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة. ولما فيها من الظلم على الله والاستطالة على عباد الله وتغيير دين الله وشرعه اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. اي وقد اخرج الله بني ادم الى الارض واسكنهم فيها وجعل لهم اجلا مسمى لا تتقدم امة من الامم على وقتها المسمى ولا تتأخر لا الامم ولا افرادها لما اخرج الله بني ادم من الجنة تلاهم بارسال الرسل وانزال الكتب عليهم يقصون عليهم ايات الله. ويبينون لهم احكامه. ثم ذكر فضل من استجاب لهم وخسارة من لم لهم فقال فمن اتقى ما حرم الله من الشرك والكبائر والصغائر واصلح اعماله الظاهرة والباطنة فلا خوف عليه من الشر الذي قد يخافه غيرهم ولا هم يحزنون على ما مضى. واذا انتفى الخوف والحزن حصل الامن التام والسعادة والفلاح الابدي الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها. اي لامنت بها قلوبهم ولا انقادت لها جوارحهم. اولئك اصحاب نارهم فيها خالدون. كما استهانوا باياته ولازموا التكذيب بها. اهينوا بالعذاب الدائم الملازم آآ قالوا ضلوا عنا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. اي لا احد اظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشريك له او النقص له. او تقولي عليه ما لم يقل او كذب باياته الواضحة المبينة للحق المبين الهادية الى الصراط المستقيم. فهؤلاء وان تمتعوا بالدنيا ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ. فليس ذلك بمغن عنهم شيئا. يتمتعون قليلا ثم يعذبون طويلا حتى اذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم اي الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم واستيفاء اجالهم قالوا لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا اينما كنتم تدعون من دون الله من الاصنام والاوثان. فقد جاء وقت الحاجة ان كان فيها منفعة لكم او دفع مضرة. قالوا ضلوا عن ايظ محلوا وبطلوا وليسوا مغنيين عنا من عذاب الله من شيء. وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين. مستحقين للعذاب المهين الدائم فقالت لهم الملائكة كلما دخلت امة يظلون قالت اخراهم لاناهم ربنا هؤلاء فاتهم عذاب قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ادخلوا في امم اي في جملة امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس. اي مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار فاستحق الجميع الخزي والبوار كلما دخلت امة من الامم العاتية النار لعنت اختها كما قال تعالى ويوم القيامة يكفر بعض ببعض ويلعن بعضكم بعضا. حتى اذا اداركوا فيها جميعا. اي اجتمع في النار جميع اهلها من الاولين والاخرين والقادة والرؤساء والمقلدين الاتباع قالت اخراهم اي متأخروهم المتبعون للرؤساء لاولاهم اي لرؤسائهم شاكين الى الله ربنا هؤلاء اضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار. اي عذبهم عذابا مضاعفا لانهم اضلونا وزينوا لنا الاعمال الخبيثة. وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل وقالت اولاهم لاخراهم اي رؤساء قالوا لاتباعهم فما كان لكم علينا من فضل. اي قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال وفي فعل اسباب العذاب. فاي فضل لكم علينا قال الله لكل منكم ضعف ونصيب من العذاب. فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. ولكنه من المعلوم ان عذاب الرؤساء وائمة ضلال ابلغ واشنع من عذاب الاتباع. كما ان نعيم ائمة الهدى ورؤسائه اعظم من ثواب الاتباع. قال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فهذه الايات ونحوها دلت على ان سائر انواع المكذبين بايات الله مخلدون في العذاب مشتركون فيه وفي اصله. وان كانوا متفاوتين في مقداره بحسب اعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم. وان مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنا ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. وكذلك نجزي المجرمين. يخبر تعالى عن عقاب من كذب باياته فلم يؤمن بها. مع انها اية بينات واستكبر عنها فلم ينقد لاحكامها. بل كذب وتولى انهم ايسون من كل خير فلا تفتح ابواب السماء لارواحهم اذا ماتوا وصعدت تريد العروج الى الله فتستأذن فلا يؤذن لها كما لم تصعد في الدنيا الى الايمان بالله ومعرفته ومحبته. كذلك لا تصعد بعد الموت فان الجزاء من جنس العمل. ومفهوم الاية ان ارواح المؤمنين المنقذين لامر الله المصدقين باياته تفتح لها ابواب السماء حتى تعرج الى الله. وتصل الى حيث اراد الله من العالم العلوي. وتبتهج بالقرآن من ربها والحظوة برضوانه. وقوله عن اهل النار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل. وهو البعير المعروف في سم الخياط اي حتى يدخل البعير الذي هو من اكبر الحيوانات جسما في خرق الابرة. الذي هو من اضيق الاشياء. وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال. اي فكما محال دخول الجمل في سم الخياط. فكذلك المكذبون بايات الله محال دخولهم الجنة. قال الله تعالى انه من يشرك بالله كيف قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار؟ وقال هنا وكذلك نجزي المجرمين. اي الذين كثر اجرامهم واشتد طغيانهم وكذلك نجزي لهم من جهنم مهاد اي فراش من تحتهم. ومن فوقهم غواش اي ظلل من العذاب تغشاهم. وكذلك الظالمين لانفسهم جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد لا نكلف نفسا الا وسعها يا خالدون. لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين. ذكر ثواب المطيعين فقال والذين امنوا بقلوبهم ثم عملوا الصالحات بجوارحهم فجمعوا بين الايمان والعمل بين الاعمال الظاهرة والاعمال الباطنة بين فعل الواجبات وترك المحرمات ولما فكان قوله وعملوا الصالحات لفظا عاما يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة. وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد. قال تعالى لا نكلف نفسا الا وسعها. اي بمقدار ما تسعه طاقتها. ولا يعسر على قدرتها. فعليها في هذه الحال ان تتقي الله بحسب استطاعتها واذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها. كما قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. ما جعل عليكم في الدين من حرج. فاتقوا الله ما استطعتم. فلا واجب مع العجز ولا محرمة مع الضرورة. اولئك اي المتصفون بالايمان والعمل الصالح. اصحاب الجنة هم فيها خالدون. اي لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا لانهم يرون فيها من انواع اللذات واصناف المشتهيات ما تقف عنده الغايات. ولا يطلب اعلى منه ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار. وقال الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي وما كنا لنهتدي لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون. ونزعنا ما في صدورهم من غل وهذا من كرمه واحسانه على اهل الجنة ان الغل الذي كان موجودا في قلوبهم والتنافس الذي بينهم ان الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا اخوانا متحابين. واخلاء متصافين. قال تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرور متقابلين ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهما الغبطة والسرور. ويرى انه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمن من التحاسد والتباعد لانه قد فقدت اسبابه وقوله تجري من تحتهم الانهار اي يفجرونها تفجيرا حيث شاؤوا واين ارادوا ان شاءوا في خلال القصور او في تلك الغرف العاليات او في رياض الجنات من تحت تلك الحدائق الزاهرات انهار تجري في غير في اخدود وخيرات ليس لها حد محدود. ولهذا لما رأوا ما انعم الله عليهم واكرمهم به. قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا بان من علينا واوحى الى قلوبنا فامنت به. وانقادت للاعمال الموصلة الى هذه الدار. وحفظ الله علينا ايماننا واعمالنا. حتى بها الى هذه الدار فنعم الرب الكريم الذي ابتدأنا بالنعم واسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ولا يعده وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله اي ليس في نفوسنا قابلية للهدى لولا انه تعالى من بهدايته واتباع رسله لقد جاءت رسل ربنا بالحق. اي حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي اخبرت به الرسل. وصار حق يقين لهم بعد ان كان علم يقين لهم قالوا لقد تحققنا ورأينا ما وعدتنا به الرسل. وان جميع ما جاءوا به حق اليقين. لا مرية فيه ولا اشكال. ونود تهنئة لهم واكراما وتحية واحتراما. ان تلكم الجنة اورثتموها. اي كنتم الوارثين لها. وصارت اقطاعا لكم. اذ انا اقطاع الكفار النار اورثتموها بما كنتم تعملون. قال بعض السلف اهل الجنة نجوا من النار بعفو الله. وادخلوا الجنة برحمته الله واقتسموا المنازل وورثوها بالاعمال الصالحة. وهي من رحمته. بل من اعلى انواع رحمته