المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ربنا حقا. فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم. فاذن الذين يصدون عن في سبيل الله ويلغونها عوجها وهم بالاخرة كافرون. يقول تعالى لما استقرارك كل من الفريقين في الدارين. ووجدوا ما اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب. من الثواب والعقاب ان اهل الجنة نادوا اصحاب النار ان قالوا ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. حين وعدنا على الايمان والصالح الجنة. فادخلناها وارانا ما وصفه لنا فهل وجدتم ما وعد ربكم على الكفر والمعاصي حقا؟ قالوا نعم قد وجدناه حقا. فتبين للخلق كلهم بيانا لا شك فيه صدق وعد الله. ومن اصدق من الله قيلا. وذهبت عنهم الشكوك والشبه. وصار الامر حق اليقين. وفرح المؤمنون بوعد الله واغتبطوا وايس الكفار من الخير واقروا على انفسهم بانهم مستحقون للعذاب. فاذن مؤذن بينهم اي بين اهل النار واهل الجنة بان قال اللعنة الله اي بعده واقصاؤه عن كل خير على الظالمين. اذ فتح الله لهم ابواب رحمته فصدفوا انفسهم عنها كل ما وصدوا عن سبيل الله بانفسهم وصدوا غيرهم فضلوا واضلوا. والله تعالى يريد ان تكون مستقيمة. ويعتدل سير السالكين اليه وهؤلاء يريدونها عوجا منحرفة صادة عن سواء السبيل. وهم بالاخرة كافرون. وهذا الذي اوجب لهم الانحراف عن الصراط والاقبال على شهوات النفس المحرمة. عدم ايمانهم بالبعث وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب. ومفهوم هذا النداء ان رحمة الله على المؤمن وبره شامل لهم واحسانه متواتر عليهم ولا لو اصحاب الجنة سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ونادوا اصحاب الجنة ارسلها اي وبين اصحاب الجنة واصحاب النار حجاب يقال له اعراف لا من الجنة ولا من النار. يشرف على الدارين وينظر من عليه حال الفريقين. وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من اهل الجنة اي علاماتهم التي بها يعرفون ويميزون. فاذا نظروا الى اهل الجنة نادوهم عن سلام عليكم ان ويسلمون عليهم. وهم الى الان لم يدخلوا الجنة. ولكنهم يطمعون في دخولها. ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم الا لما يريد بهم من كرامته اصحاب النار قالوا ربنا قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. ربنا لا تجعلنا واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار. ورأوا منظرا شنيعا وهولا فظيعا. قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. فاهل اهل الجنة اذا رآهم اهل الاعراف يطمعون ان يكونوا معهم في الجنة. ويحيونهم ويسلمون عليهم. وعند انصراف ابصارهم بغير اختيارهم لاهل النار يستجيرون بالله من حالهم هذا على وجه العموم. ثم ذكر الخصوص بعد العموم فقال قالوا ما اغنى عنكم جمعكم ممات ونادى اصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم وهم من اهل النار. وقد وفي الدنيا لهم ابهة وشرف واموال واولاد. فقال لهم اصحاب الاعراف حين رأوهم منفردين في العذاب بلا ناصر ولا مغيث. ما اغنى عنكم جمعكم في الدنيا الذي تستدفعون به المكاره. وتتوسلون به الى مطالبكم في الدنيا. فاليوم اضمحل ولا اغنى عنكم شيئا. وكذلك لديك اي شيء نفعكم استكباركم على الحق وعلى من جاء به وعلى من اتبعه. ثم اشاروا لهم الى اناس من اهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزءون بهم اهل النار فقالوا لاهل النار اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله اهؤلاء الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتماء الذين ادخلهم الله الجنة الذين اقسمتم لا ينالهم الله برحمة احتقارا لهم وازدراء واعجابا بانفسكم. قد حنثم في ايمانكم وبدا لكم من والله ما لم يكن لكم في حساب ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. اي قيل لهؤلاء الضعفاء اكراما واحتراما. ادخلوا الجنة باعمالكم الصالحة لا خوف عليكم فيما يستقبل من المكاره. ولا انتم تحزنون على ما مضى بل امنون مطمئنون فرحون بكل خير. وهذا كقوله تعالى ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون. واذا مروا بهم يتغامزون. الى ان قال فاليوم الذين امنوا من الكفر يضحكون على الارائك ينظرون. واختلف اهل العلم والمفسرون من هم اصحاب الاعراف؟ وما اعمالهم؟ والصحيح في ذلك انهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم. فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار. ولا رجحت حسناتهم فدخلوا الجنة. فصاروا في الاعراف ما شاء الله ثم ان الله تعالى يدخلهم برحمته الجنة فان رحمته تسبق وتغلب غضبه ورحمته وسعت كل شيء قالوا ان الله حرمهما على الكافرين. الذين اتخذوا دينهم وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما لقاء يومهم هذا فاليوم ننساهم كما نسوا نقاب يومهم هذا وما كانوا باياتنا يجحدون. اي ينادي اصحاب ناري اصحاب الجنة حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ. وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع. يستغيثون بهم فيقولون افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله من الطعام. فاجابهم اهل الجنة بقولهم ان الله حرمهما اي ماء الجنة وطعامها على الكافرين وذلك جزاء لهم على كفرهم بايات الله. واتخاذهم دينهم الذي امروا ان يستقيموا عليه. ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه لهوا ولعبا اي لهت قلوبهم واعرضت عنه ولعبوا واتخذوه سخريا او انهم جعلوا بدل دينهم الله و واللعب. واستعاضوا بذلك عن الدين القيم وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها. فاطمئنوا اليها ورضوا بها وفرحوا. واعرضوا عن الاخرة ونسوها اليوم ننساهم اي نتركهم في العذاب كما نسوا لقاء يومهم هذا. فكأنهم لم يخلقوا الا للدنيا. وليس امامهم عرض ولا جزاء ما كانوا باياتنا يجحدون. والحال ان جحودهم هذا لا عن قصور في ايات الله وبيناته. ولقد جئناهم بكتاب بل قد جئناهم بكتاب فصلناه اي بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج اليها الخلق على علم من الله باحوال العباد في كل زمان ومكان. وما يصلح لهم وما لا يصلح ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالامور فتجهله بعض الاحوال في حكم حكما غير مناسب. بل تفصيل من احاط علمه بكل شيء ووسعت رحمته كل شيء هدى ورحمة لقوم يؤمنون. اي تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال. وبيان الحق والباطل والغي والرشد. ويحصل ايضا لهم به الرحمة وهي الخير والسعادة في الدنيا والاخرة. فينتفي عنهم بذلك الضلال والشقاء. وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب لم يؤمنوا بها هذا الكتاب العظيم ولنقادوا لاوامره ونواهيه. فلم يبق فيهم حيلة الا استحقاقهم ان يحل بهم ما اخبر به القرآن. ولهذا قال هل ينظرون الا تأويله يقول الذين نسوا من قبل قد خسروا هل ينظرون الا تأويله اي وقوع ما اخبر به؟ كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه هذا تأويل رؤياي من قبل. يوم ياتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل. متندمين متأسفين قيل على ما مضى منهم متشفعين في مغفرة ذنوبهم مقرين بما اخبرت به الرسل. قد جاءت رسل ربنا بالحق. فهل لنا من شفعاء اشفعوا لنا او نرد الى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل. وقد فات الوقت عن الرجوع الى الدنيا. فما تنفعهم شفاعة وسؤالهم الرجوع الى الدنيا ليعملوا غير عملهم كذب منهم. مقصودهم به دفع ما حل بهم. قال الله تعالى ولو عادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون. قد خسروا انفسهم حين فوتوها الارباح وسلكوا بها سبيل الهلاك. وليس ذلك كخسران الاموال والاثاث او الاولاد انما هذا خسران لا جبران لمصابه. وضل عنه ما كانوا يفترون في الدنيا مما تمنيهم انفسهم به. ويعدهم الشيطان قدموا على ما لم يكن لهم في حساب. وتبين لهم باطلهم وضلالهم. وصدق ما جاءتهم به الرسل الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش تبارك الله يقول تعالى مبينا انه الرب المعبود وحده لا شريك له. ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض وما فيهما على عظمهما وسعتهما. واحكامهما واتقانهما وبديع خلقهما. في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. فلما قضاهما واودع فيهما من امرهما اودع. استوى تبارك وتعالى على العرش العظيم. الذي يسع السماوات والارض وما فيهما وما بينهما. استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه. فاستوى على العرش واحتوى على الملك ودبر الممالك. واجرى عليه اليهم احكامه الكونية واحكامه الدينية. ولهذا قال يغشي الليل المظلم النهار المضيء. فيظلم ما على وجه الارض ويسكن الادمي وتأوي المخلوقات الى مساكنها. ويستريحون من التعب والذهاب والاياب الذي حصل لهم في النهار. يطلبه حثيثا كلما جاء الليل ذهب وكلما جاء النهار ذهب الليل وهكذا ابدا على الدوام حتى يطوي الله هذا العالم وينتقل العباد الى دار غير هذه الدار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره. اي بتسخيره وتدبيره. الدال على ما له من اوصاف الكمال. فخلقها وعظمها دال على كمال وما فيها من الاحكام والانتظام والاتقان دال على كمال حكمته. وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها. دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه. وانه الاله الحق الذي لا تنبغي العبادة الاله. الا له الخلق والامر. اي له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها اعيانها واوصافها وافعالها. والامر المتضمن للشرائع والنبوات. فالخلق يتضمن احكامه الكونية القديمة والامر يتضمن احكامه الدينية الشرعية. وثم احكام الجزاء وذلك يكون في دار البقاء. تبارك الله اي عظم وتعالى وكثر خيره واحسانه. فتبارك في نفسه لعظمة اوصافه وكمالها. وبارك في غيره باحلال الخير الجزيل والبر الكثير. فكل حركة في الكون فمن اثار رحمته. ولهذا قال تبارك الله رب العالمين. ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الالباب على لانه وحده المعبود المقصود في الحوائج كلها امر بما يترتب على ذلك فقال المعتدين ادعوا ربكم تضلعا وخفية انه لا يحب المعتدين الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة ودعاء العبادة. فامر بدعائه تضرعا. اي الحاحا في المسألة. ودؤوبا في العبادة وخفية. اي لا وعلانية يخاف منها الرياء بل خفية واخلاصا لله تعالى. انه لا يحب المعتدين اي المتجاوزين للحد في كل الامور للاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له. او يتنطع في السؤال او يبالغ في رفع صوته بالدعاء. فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه ان رحمة الله قريب ولا تفسدوا في الارض بعمل المعاصي بعد اصلاحها بالطاعات فان المعاصي تفسد الاخلاق والاعمال والارزاق. كما قال الله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس. كما ان الطاعات تصلح بها الاخلاق والاعمال والارزاق واحوال الدنيا والاخرة. وادعوه خوفا وطمعا اي خوفا من عقابه. وطمعا في ثوابه طمعا في قبولها وخوفا من ردها لا دعاء عبد مدل على ربه قد اعجبته نفسه ونزل نفسه فوق منزلته او دعاء من هو غافل له وحاصل ما ذكر الله من اداب دعاء الاخلاص فيه لله وحده. لان ذلك يتضمنه الخفية واخفاؤه واصراره. وان يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا ولا امنا ولا غير مبال بالاجابة. وهذا من احسان الدعاء. فان الاحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها. واداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوقت ولهذا قال ان رحمة الله قريب من المحسنين في عبادة الله. المحسنين الى عباد الله. فكلما كان العبد اكثر احسانا كان اقرب الى رحمة ربه وكان ربه قريبا منه برحمته. وفي هذا من الحث على الاحسان ما لا يخفى فانزلنا به الماء فاخرجنا كذلك نخرج الموتى لعلكم يبين تعالى اثرا من اثار قدرته ونفحة من نفحات رحمته. فقال وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته اي الرياح المبشرات بالغيث التي تثيره باذن الله من الارض. فيستبشر الخلق برحمة الله وترتاح لها قلوبهم قبل حتى اذا اقلت الرياح سحابا ثقالا قد اثاره بعضها. والفه ريح اخرى والحه ريح اخرى. سقناه لبلد ميت قد كادت تهلك حيواناته وكاد اهله ان ييأسوا من رحمة الله. فانزلنا به اي بذلك البلد الميت. الماء الغزير من ذلك السحاب وسخر الله له ريحا تضره وتفرقه باذن الله. فاخرجنا به من كل الثمرات فاصبحوا مستبشرين برحمة الله راكعين بخير الله وقوله كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون. اي كما احيينا الارض بعد موتها بالنبات. كذلك نخرج الموتى من قبورهم بعد ما كانوا رفات متمزقين وهذا استدلال واضح فانه لا فرق بين الامرين فمنكر البعث استبعادا له مع انه يرى ما هو نظيره من باب العناد المحسوسات. وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في الاء الله. والنظر اليها بعين الاعتبار والاستدلال. لا بعين الغفلة والاهمال