المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل العاشر في فوائد الرحمة والشفقة على الخلق. كم في كتاب الله من الايات وكم في السنة من النصوص المحكمات التي فيها الحث على الرحمة والشفقة على الخلق صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم قريبهم وبعيدهم برهم وفاجرهم بل وعلى جميع اجناس الحيوان وكم في من الترغيب في الاحسان وان الراحمين يرحمهم الرحمن والمحسنين يحسن اليهم الديان. وان الله كتب الاحسان على كل شيء حتى في ازهاق النفس من الانسان والحيوان وشرع الله كل رحمة وحكمة وبر وفضل وامتنان. لقد وسعت رحمة الله كل شيء. وامر بايصال المنافع الى كل حي اما امر باعطاء المحتاجين وحث على ازالة الضرر عن المضطرين وعلى الحنو على الصغار والكبار وجميع العالمين. اما قال صلى الله عليه وسلم مرغبا غاية الترغيب في الاحسان. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء. وقال ان الله كتب الاحسان على كل شيء فاذا قتلت فاحسنوا القتلة واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته. اما نادى بك ان تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتحسن الى من اساء اليك وقال ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. اما اباح للمظلوم ان يأخذ حقه بالعدل وندبه الى طريق الاحسان والفضل فقال تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وقال سبحانه وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله ان الله لا يحب الظالمين. اما امر الله بشكر نعمه المتنوعة وجعل من اجل شكره الاحسان وجعل من اجل شكره الاحسان الى الخلق. قال تعالى بعدما ذكر منته على نبيه بشرح صدره ووضع وزره ورفع ذكره تأمل اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر واما بنعمة ربك فحدث. اما حث المتعاملين على اعلى المناهج فقال ولا تنسوا الفضل بينكم وهو البذل والسماح في المعاملة. اما شرع عقوبة العاصين وقمع المجرمين المفسدين بالعقوبات المناسبة لجرائم قائمهم رحمة بهم وبغيرهم ليطهرهم. ولان لا يعودوا الى ما يضرهم وردعا لغيرهم. ولهذا قال تعالى في عقوبة القتل الذي هو اكبر الجرائم ولكم في القصاص حياة. وقال بعدما شرع قطع ايدي السارقين صيانة للاموال جزاء بما كسب نكالا من الله فالشريعة كلها مبنية على الرحمة في اصولها وفروعها وفي الامر باداء حقوق الله وحقوق الخلق فان الله لم يكلف نفسا الا وسعها وقال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ولما ذكر احوال الطهارة وتفاصيلها. قال ما يريد الله ليجعل من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. واذا تدبرت ما شرعه في المعاملات والحقوق الزوجية وحقوق الوالدين والقرابة وجدت ذلك كله خيرا وبركة. لتقوم مصالح العباد وتتم الحياة الطيبة وتزول شرور كبيرة. لولا بهذه الحقوق لم يكن عنها محيص. ثم من رحمة الله بالجميع ان من اخلص عمله منهم ونوى القيام بما عليه من واجبات ومستحبات كان قربة له الى الله وزيادة خير واجر. وكان له ثواب ما كسب وانفق وقام به من تلك الحقوق. قال صلى الله عليه وسلم انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك. فاذا كان هذا في القيام بما الجسد وتربيته. فما ظنك بثواب القيام بالتربية القلبية بتعليم العلوم النافعة والاخلاق العالية؟ فهذا اعظم اجرا وثواب قال صلى الله عليه وسلم بان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وافضل ما نحل والد ولده ادب حسن. وكذلك رحم الله المعلمين والمتعلمين للعلوم النافعة الدينية وما اعان عليها. فالمعلمون جعل نفس تعليمهم اجل الطاعات وافضلها. ثم ما يترتب على تعليمهم من انتفاع المتعلمين بعلمهم ثم تسلسل هذا النفع في من يعلمونه ويتعلم ممن علموهم مباشرة او بواسطة فكل هذا خير وحسنات جارية للمعلمين ونفع مستمر في الحياة وبعد الممات. قال صلى الله عليه وسلم فاذا مات العبد انقطع عمله الا لا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح يدعو له. وكذلك رحم الله المتعلمين. حيث قيد لهم من يعلمهم ما يحتاجونه في امور دنياهم ودينهم ويصبر على مشقة ذلك. ولهذا وجب عليهم ان يكافئوا المعلمين بالقيام بحقوقهم ومحبتهم احترامهم وكثرة الدعاء لهم. وعلى الجميع ان يشكروا الله بما قيض لهم ويسر من الاسباب النافعة التي توصلهم الى السعادة. ومن رحمة هذه شريعة توصيتها وحثها على الاحسان الى اليتامى والمضطرين والبائسين والعاجزين. والحلو عليهم والقيام بمهامهم واعانتهم بحسب كان واوصى الله ورسوله بالمماليك من الادميين والحيوانات ان يقام بكفايتهم ومصالحهم. والا يكلفوا من العمل ما لا يطيقون ففي هذا رحمة للمماليك والبهائم ورحمة ايضا للملاك والسادة من وجهين. احدهما ان قيامهم بما يملكون هو عين مصلحتهم ونفعه عائد عليهم فانهم اذا قصروا عاد النقص والضرر الدنيوي على الملاك. ولهذا كثير من الملاك لولا هذا الوازع الطبيعي النفعي لاهمله مماليكهم وبهائمهم ولكن المصلحة الدنيوية وخوف الضرر على انفسهم الجأتهم الى ذلك رحمة من الله وجودا وكرما. الوجه الثاني ان الملاك اذا احتسبوا في نفقاتهم على ما يملكون ونووا القيام بالواجب ورحمة المملوك والبهيمة اثابهم الله وكفر به من سيئاتهم وزاد في حسناتهم وانزل لهم البركة في هذه المماليك فان كل شيء دخلته النية الصالحة والتقرب الى الله لابد ان تحل فيه البركة كما ان من اهمل مماليكه وبهائمه وترك القيام بحقهم استحق العقاب. ومن جملة ما يعاقب به ان تنزع البركة منها. فكما حبس وقطع رزق من يملكه قطع الله عنه من الرزق جزاء على عمله. وهذا مشاهد بالتجربة. وكل هذا من اثار الرحمة التي اشتملت عليها الشريعة كاملة. ولهذا من اوى الى ظلها الظليل فهو المرحوم. ومن خرج عنها فهو الشقي المحروم. لقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق ولقد لجأ الى حصنها الحصين. كل موفق رشيد. ولقد اقامت البراهين انها من اكبر الادلة على انها من عند العزيز الحميد. كيف لا يكون ذلك واكبر من ذلك وقد شرعها البر الرحيم العليم الكريم الرؤوف الجواد ذو الفضل العظيم. شرعها الذي هو ارحم بعباده من الوالدة بولدها. بل جميع الوالدين وحنانهم جزء يسير جدا من رحمة الله الذي انزل بين عباده رحمة واحدة. وامسك عنده تسعة وتسعين رحمة تتراحم الخليقة كلها حتى ان البهائم والسباع الضارية لتعطف على اولادها وتحنوا عليهم حنوا لا يمكن وصفه فلا يمكن الوصف طفين ان يعبروا عن جزء يسير جدا من رحمة الله التي بثها ونشرها على العباد. فتبا لمن خرج عن رحمة الله التي وسعت كل شيء وزهد شريعته. واستبدل بهذا المورد السبيل المر الزعاف والعذاب الوبيل. طوبى لمن كان له حظ وافر من رحمة الله. ويا سعادة من اغتبط بكرم الله اهي وسلك كل سبيل ووسيلة توصله الى الله علما وعملا وارشادا ونصحا ودعوة واحسانا الى عباد الله فانه تعالى لما ذكر ان وسعت كل شيء. ذكر اهل الرحمة الخاصة المتصلة بالسعادة الابدية والنعيم السرمدي فقال ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبه وها للذين يتقون ويأتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسولا نبي الامي فقط قال واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. فذكر تعالى الطرق العظيمة الكلية التي تنال بها رحمة الله والفوز بثوابه ورضوانه وهي الايمان والتقوى واتباع الرسول وطاعة الله ورسوله وتفاصيل هذه الامور هي القيام بجميع الدين اصوله وفروعه واعمال القلوب جوارحي وقول اللسان فمن لم يقم بهذه الاصول لن يكون له نصيب من هذه الرحمة الخاصة المتصلة بسعادة الابد. وعلى قدر اتصافه وقيامه بهذه الامور يكون له نصيب من هذه الرحمة. فكما انه تعالى واسع الرحمة فانه شامل الحكمة. ومن حكمته ان الامور متعلقة باسبابها رقها والاسباب ومسبباتها كلها من رحمة الله. قال صلى الله عليه وسلم لن يدخل احد منكم الجنة بعمله. قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال انا الا ان يتغمزني الله برحمة منه وفضل متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له ولهذا على العبد ان يشكر الله على الخير والثواب ويشكره على التوفيق لمعرفة الاسباب وسلوكها التي رتب عليها الثواب. قال تعالى عن اهل الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. وفي الحديث الصحيح يقول الله يا عبادي كلكم ضال الا من فاستهدوني اهدكم. وهذا يشمل الهداية العلمية والهداية العملية. وقد امرنا الله ان ندعو في كل ركعة من ركعات الصلاة بحصول هاتين الهدايتين في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين الضالين