يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية منه من المباحث المنيفة. فصل الصحابة قال المصنف رحمه الله ومن اصول اهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم والسنتهم لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله عز وجل به في قوله والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا. ربنا انك رؤوف رحيم. وهذا الدعاء الصادر ممن اتبع المهاجرين والانصار باحسان يدل على كمال محبتهم لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثنائهم عليهم. لان من سعى في امن من الامور فهو ساع في تحقيقه فاجتهد في طلبه متضرعا لربه ان يتم ذلك له. واولى من دخل في هذا الدعاء الصحابة رضي الله عنهم الذين سبقوا الى الايمان وحققوه وحصل لهم من براهينه وطرقه ما لم يحصل لغيرهم ونفي الغل من جميع الوجوه يقتضي تمام المحبة لهم. فهم يحبون الصحابة لفضلهم وسبقهم. واختصاصهم لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ولاحسانهم الى جميع الامة لانهم هم المبلغون جميع ما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم فما وصل لاحد علم ولا خير الا على ايديهم وبواسطتهم رضي الله عنهم. قال المصنف رحمه الله وطاعة النبي صلى الله الله عليه وسلم في قوله لا تسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احد اهدهم ولا نصيف فعلى الامة ان يطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم في كل امر. وخصوصا في هذا الامر الخاص. وان يوقروا اصحابه ويحترموهم ان العمل القليل منهم يفضل العمل الكثير من غيرهم. كما في هذا الحديث وهذا من اعظم براهين فضلهم على غيرهم قال المصنف رحمه الله ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والاجماع من فضائلهم ومراتبهم. ويفضلون من انفق من قبل وهو صلح الحديبية وقاتل على من انفق من بعده وقاتل. وقد ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة فضلا قائلة كثيرة على الامة فيجب على الامة الايمان بها وان يحب الصحابة لاجلها. وقيل لصلح الحديبية فتح لما كتب عليه من المصالح والخير الكثير ودخول الكثير في الاسلام. ولهذا كان من اسلم قبل ذلك وانفق وقاتل افضل ممن فعل ذلك لما حصل لهم من السبق في الاسلام وقت ضعف المسلمين وكثرة الاعداء ووجود الموانع والمصاعب الكثيرة في طريق الاسلام ثم قال المصنف رحمه الله ويقدمون المهاجرين على الانصار. وهذا لان المهاجرين جمعوا الوصفين النصرة والهجرة. ولهذا كان الخلفاء الراشدون وبقية العشرة من المهاجرين وقد قدم الله ذكرى المهاجرين على الانصار في سورة التوبة والحشر وهذا التفضيل للجملة على الجملة لا لكل فرد من هؤلاء على كل فرد من الاخرين قال المصنف رحمه الله ويؤمنون بان الله قال لاهل بدر وكانوا ثلاثمئة وبضعة عشر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وبانه لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة. كما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا اكثر من الف واربعمائة. اي رضي الله عنهم في قوله لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة وكان عددهم يتراوح ما بين الف واربعمائة او خمسمائة. فاهل بدر واهل بيعة الرضوان يشهد لهم بالجنة والنجاة من من النار على وجه اخص من الشهادة بذلك لجميع الصحابة في قوله وكلا وعد الله الحسنى ولهذا قال المصنف رحمه الله ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة وثابت ابن قيس ابن شماس وغيرهم من الصحابة وهذا من اعظم الفضائل. تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالشهادة بالجنة. وهو من جملة براهين رسالته صلى الله عليه وسلم فان جميع من عينه النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة له بالجنة ولوازمها. لم يزالوا مستقيمين على الايمان حتى توصلوا الى ما وعدوا به رضي الله عنهم قال المصنف رحمه الله ويقرون بما تواتر به النقل عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وغيره من ان خير هذه الامة بعد نبيها ابو بكر ثم عمر. ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم. كما دل عليه الاثار وكما اجمع الصحابة على تقديم عثمان رضي الله عنه في البيعة ايها الخلافة وخلافة احد الاثنين لم يكن الا بعد مشاورة جميع المسلمين على اختلاف طبقاتهم. والقصة مشهورة في كتب التاريخ قال المصنف رحمه الله مع ان بعض اهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما. بعد اتفاقهم على تقديم ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ايهما افضل فقدم قوم عثمان وسكتوا ورضعوا بعلي وقدم قوم عليا وتوقفوا لكن استقر امر اهل السنة على تقديم عثمان ثم علي رضي الله عنهما. وان كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي رضي الله عنهما ليست من الاصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور اهل السنة. ولكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة. وذلك انهم ان الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم. ومن طعن في خلافة احد من هؤلاء فهو اضل من حمار اهله. يريد المؤلف رحمه الله ان الخلاف الكائن بين الامة على وجهين احدهما الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية التي اذا اجتهد فيها الحاكم من قاض ومفت ومصنف ومعلم فاصاب له اجران. واذا اجتهد واخطأ فله اجر واحد الوجه الثاني الخلاف في المسائل الاصولية. كمسائل صفات الباري والقدر والايمان ونحوها. وهذا يضلل فيها المخالفون لما دل عليه الكتاب والسنة ولما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم باحسان. فمسألة الخلافة وتقديم علي على عثمان رضي الله عنهما فيها يعد من البدع التي من اعتقدها فهو في الغالب متشيع وقد ازرى بالمهاجرين والانصار كما قال ذلك غير واحد من السلف واما التفضيل بينهما فانها مسألة خفية من جنس مسائل الخلاف في المسائل الاجتهادية. قال المصنف رحمه الله تعالى ويحبون اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم المقادير يخم. اذكركم الله في اهل بيتي. وقال ايضا للعباس عمه وقد اشتكى اليه ان بعض قريش يجفوا بني هاشم فقال والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي. فمحبة اهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة من منها اولا لاسلامهم وفضلهم وسوابقهم. ومنها لما يتميزون به من قرب النبي صلى الله عليه وسلم واتصالهم بنسبه. ومنها لما حث عليه صلى الله عليه وسلم ورغب فيه ولما في ذلك من علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله وقال صلى الله عليه وسلم ان الله اصطفى من بني اسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار. وقد جمع الله له انواع الشرف من كل وجه. قال المصنف رحمه الله ويتولون ازواج النبي صلى الله عليه وسلم امهات المؤمنين. ويؤمنون بانهن ازواجه في الاخرة. خصوصا خديجة رضي الله عنها ام اكثر اولاده فان جميع اولاده الذكور والاناث منها. الا ابراهيم فانه من سريته مارية القبطية قال المصنف رحمه الله واول من امن به وعضده على امره وكان لها منه المنزلة الطيبة والصديقة بنت الصديق التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام عام وعائشة وخديجة رضي الله عنهما هما افضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف العلماء ايهما افضل. والتحقيق وان لكل واحدة منهن من الفضائل والخصائص ما ليس للاخرى فلخديجة من السبق ومعاونة النبي صلى الله عليه وسلم على امره في اول الامر. وتثبيته وكون اكثر اولاد النبي صلى الله عليه عليه وسلم منها ما ليس لعائشة. ولعائشة من العلم والتعليم ونفع الامة ما ليس لخديجة رضي الله عنهما قال المصنف رحمه الله ويتبرأون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم وطريقة النواصب الذين يؤذون اهل البيت بقول او عمل واول من سمى الروافض بهذا اللقب زيد بن علي الذي خرج في اوائل دولة بني العباس. وبايعه كثير من الشيعة. ولما ما نظره في ابي بكر وعمر رضي الله عنهما وطلبوا منه ان يتبرأ منهما فابى تفرقوا عنه فقال رفضتم فمن يومئذ قيل لهم الرافضة وكانوا فرقا كثيرة منهم الغالية ومنهم من هم دون ذلك. وفرقهم معروفة واما النواصب فهم الذين نصبوا العداوة والاذية لاهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لهم وجود في لهذه الامة لاسباب وامور سياسية معروفة. ومن زمن طويل ليس لهم وجود والحمد لله ثم قال المصنف رحمه الله ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون ان هذه الاثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه هم فيه معذورون. اما مجتهدون مصيبون واما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون ان كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الاثم وصغائره. بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل قائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم ان صدر. حتى انهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم. لان لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم خير القرون وان من احدهم اذا تصدق به كان افضل من جبل احد ذهبا ممن بعدهم ايه هذه الامور اذا قوبلت بالمساوي على فرض ان هناك مساوئ اضمحلت تلك المساوي معها ولا يقاربهم احد في شيء من ذلك رضي الله عنهم قال المصنف رحمه الله ثم اذا كان قد صدر عن احد منهم ذنب فيكون قد تاب منه او اتى بحسنات تمحوه او غفر له بفضل في سابقته او بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم احق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم او ابتلي ببلاء في الدنيا ما كفر به عنه فاذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالامور التي كانوا فيها مجتهدين ان اصابوا فلهم اجران وان اخطأوا فلهم اجر. والخطأ مغفور ثم ان القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الايمان بالله ورسوله الجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقينا انهم خير الخلق بعد الانبياء كان ولا يكون مثلهم وانهم الصفوة من قرون هذه الامة التي هي خير الامم واكرمها على الله وهذا كلام نفيس في غاية التحقيق والابداع. ولا زيادة عليه في اقامة البرهان على كمال فضل الصحابة رضي الله عنهم لا يحتاج الى شرح او بيان