المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي الذي نزل الكتاب الذي فيه الهدى والشفاء والنور. وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية. وهو يتولى الصالحين الذين صلحت نياتهم واعمالهم واقوالهم. كما قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. فالمؤمن الصالحون لما تولوا ربهم بالايمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر. تولاهم الله ولطف بهم واعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بايمانهم كل مكروه. كما قال الله تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون. وان وهذا ايضا في بيان عدم استحقاق هذه الاصنام التي يعبدونها من دون الله لشيء من العبادة. لانها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر انفسهم ولا في نصر عابديها. وليس لها قوة العقل والاستجابة. فلو دعوتها الى الهدى لم تهتدي. وهي صور لا حياة فيها فتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون حقيقة. لانهم صوروها على صور الحيوانات من الادميين او غيرهم. وجعلوا لها ابصارا واعضاء رأى فاذا رأيتها قلت هذه حية. فاذا تأملتها عرفت انها جمادات لا حراك بها ولا حياة. فباي رأي اتخذها المشركون الهة مع الله ولاي مصلحة او نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بانواع العبادات. فاذا عرف هذا عرف ان المشركين والهتهم التي ولو اجتمعوا وارادوا ان يكيدوا من تولاه فاطر الارض والسماوات. متولي احوال عباده الصالحين. لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر لكمال عجزهم وعجزها وكمال قوة الله واقتداره وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه. وقيل ان معنى قوله تراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون. ان الضمير يعود الى المشركين المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتحسبهم ينظرون اليك يا رسول الله والله نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب. ولكنهم لا يبصرون حقيقتك. وما يتوسمهم المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق هذه الاية جامعة لحسن الخلق مع الناس وما ينبغي في معاملتهم فالذي ينبغي ان يعامل به الناس ان يأخذ العفو اي ما سمحت به انفسهم وما سهل عليه من الاعمال والاخلاق فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم بل يشكر من كل احد ما قابله به من قول وفعل جميل او ما هو دون ذلك. ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن ولا يتكبر على الصغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره. بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه وتنشرح لهم صدورهم. وامر بالعرف اي بكل قول حسن وفعل جميل. وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما يأتي الى الناس منك اما تعليم علم او حث على خير من صلة رحم او بر والدين او اصلاح بين الناس او نصيحة نافعة او رأي مصيب او معاونة على بر وتقوى او زجر عن قبيح. او ارشاد الى تحصيل مصلحة دينية او دنيوية. ولما كان لابد من اذية الجاهل. امر الله تعالى ان يقابل الجاهل بالاعراض عنه. وعدم مقابلته بجهله. فمن اذاك بقوله او فعله لا تؤذه. ومن حرمك لا تحرمه. ومن قطعك تصل ومن ظلمك فاعدل فيه. واما ما ينبغي ان يعامل به العبد شياطين الانس والجن. فقال تعالى انه اي وقت وفي اي حال ينزغنك من الشيطان نزغ. اي تحس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير. او حث على الشر وايعاز اليه فاستعذ اي التجأ واعتصم بالله واحتمي بحماه فانه سميع لما تقول عليم بنيتك وضعفك وقوة التجائك له فسيحميك من فتنته ويقيك من وسوسته. كما قال تعالى قل اعوذ برب الناس. ملك الناس. اله الناس من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا. تذكروا ولما كان العبد لابد ان يغفل وينال منه الشيطان الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته. ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ان المتقي اذا احس بذنب ومسه طائف من الشيطان فاذنب بفعل محرم او ترك واجب تذكر من اي باب اوتي ومن اي مدخل دخل الشيطان علي وتذكر ما اوجب الله عليه وما عليه من لوازم الايمان فابصر واستغفر الله تعالى واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح الحسنات الكثيرة فرد شيطانه خاسئا حسيرا قد افسد عليه كل ما ادركه منه واما اخوان الشياطين واولياؤهم فانهم اذا وقعوا في الذنوب لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب ولا يقصرون عن ذلك. فالشياطين ولا تقصر عنهم بالاغواء لانها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القيادة لها وهم لا يقصرون عن فعل الشر يؤمنون اي لا يزال هؤلاء المكذبين لك في تعنت وعناد. ولو جاءتهم الايات الدالة على الهدى والرشاد. فاذا جئتهم بشيء من الايات الدالة على صدقك لم ينقادوا واذا لم تأتهم باية من ايات الاقتراح التي يعينونها قالوا لولا اجتبيتها اي هلا اخترت الاية فصارت الاية الفلانية او المعجزة الفلانية كأنك انت المنزل للايات. المدبر لجميع المخلوقات. ولم يعلموا انه ليس لك من الامر شيء. او ان المعنى لولا اخترعتها من نفسك قل انما اتبع ما يوحى الي من ربي فانا عبد متبع مدبر. والله تعالى هو الذي ينزل الايات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده. وطلبته حكمته البالغة. فان اردتم اية لا تضمحلوا على تعاقب الاوقات. وحجة لا تبطل في جميع الانات فهذا القرآن العظيم والذكر الحكيم بصائر من ربكم يستبصر به في جميع المطالب الالهية والمقاصد الانسانية. وهو الدليل والمدلول فمن تفكر فيه وتدبره علم انه تنزيل من حكيم حميد. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبه قامت الحجة على كل من بلغ ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. والا فمن امن فهو هدى له من الضلال. ورحمة له من الشقاء. فالمؤمن مهتد بالقرآن متبعون له سعيد في دنياه واخراه. واما من لم يؤمن به فانه ضال شقي في الدنيا والاخرة هذا الامر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى. فانه مأمور بالاستماع له والانصات. والفرق بين الاستماع والانصات. ان الانصات في الظاهر ترك التحدث او الاشتغال بما يشغل عن استماعه. واما الاستماع له فهو ان يلقي سمعه ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع. فان من لازم على هذه الامرين حين يتلى كتاب الله فانه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا وايمانا مستمرا متجددا وهدى متزايدا وبصيرة في ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما. فدل ذلك على ان من تلي عليه الكتاب فلم يستمع له وينصت. انه محروم الحظ من الرحمة. قد فاته خير كثير. ومن اوكد ما يؤمر به مستمع القرآن. ان يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية اذا قرأ امامه. فانه مأمور بالانصات حتى ان اكثر العلماء يقولون ان اشتغاله بالانصات اولى من قراءته الفاتحة وغيرها واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين الذكر لله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بهما. وهو اكمل انواع الذكر واحواله. فامر الله عبده ورسوله محمدا الاصل وغيره تبع بذكر ربه في نفسه. اي مخلصا خاليا تضرعا اي متضرعا بلسانك. مكررا لانواع الذكر وخيفة في قلبك بان تكون خائفا من الله وجل القلب منه. خوفا ان يكون عملك غير مقبول. وعلامة الخوف ان يسعى ويجتهد في تكميل العمل واصلاحه والنصح به. ودون الجهر من القول اي كن متوسطا. لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها. وابتغي بين ذلك سبيلا الغدو اول النهار والاصال اخرة. وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما. ولا تكن من الغافلين الذين نصروا الله فانساهم انفسهم فانهم حرموا خير الدنيا والاخرة. واعرضوا عن من كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته. واقبلوا وعلى من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به. وهذه من الاداب التي ينبغي للعبد ان يراعيها حق رعايتها. وهي الاكثار من ذكر الله اناء الليل والنهار خصوصا طرفي النهار. مخلصا خاشعا متضرعا. متذللا ساكنا. وتواطأ عليه قلبه ولسانه. بادب ووقار واقدام اقبال على الدعاء والذكر. واحضار له بقلبه وعدم غفلة. فان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل له ثم ذكر تعالى ان له عبادا مستديمين لعبادته ملازمين لخدمته وهم الملائكة. فلتعلموا ان الله لا يريد ان يتكثر بعبادتكم من قلة ولا ليتعزز بها من ذلة. وانما يريد نفع انفسكم وان تربحوا عليه اضعاف اضعاف ما عملتم. فقال ان الذين عند ربك من الملائكة المقربين وحملة العرش والكروبيين لا يستكبرون عن عبادته بل يذعنون لها وينقادون لاوامرهم لربهم ويسبحونه الليل والنهار لا يفترون وله وحده لا شريك له يسجدون فليقتدي العباد بهؤلاء الملائكة الكرام وليداوموا على عبادة الملك العلام