المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة الرابعة عشرة والمئة قائدة في صورة ارشاد والد لابنيه وجواب كل منهما كان رجل من اهل العلم والصلاح له ابنان اصابهما مرض اضطر الى بعثهما للمستشفى فبعث كل واحد منهما الى مستشفى غير مستشفى اخيه ووصاهما عند ذلك بوصية نافعة وصاهما بقوة التوكل على الله تعالى والاستعانة به مع مباشرة العلاج فان لذلك نفعه واثره الطيب وقال لهما ان التوكل لا ينافي القيام على ما بك ما من المرض ومشقته وصعوبة العلاج وطول محبسكما هناك بقوة الرجاء والطمع في فضل الله وحصول الشفاء واجعل الرجاء نصب اعينكما كل وقت واياكما ان يملككما اليأس او يخالطكما خوف من المستقبل فان هذا هو من اقوى الاسباب لحصول النفع بالعلاج وحصول العافية وخصوصا اذا انضم الى ذلك احتساب الاجر والثواب فان الاحتساب يهون المصائب ويسهل المشاق ويسهل الامور العسيرة ويقابل بحلاوته مرارة الالام ثم اشتغلا في مدة احتباسكما بالخير الذي ينفعكما في الدين والدنيا من كثرة ذكر الله الذي يسلي الحزين ويؤمن الخائف وحسن الخلق مع من يتصل بكما ودعوة كل من تعاشرونه وتجتمعون به الى الخير والاشتغال به والبحث عن مسائل العلم النافع والبحث في كثرة نعم الله عليكما وعلى الناس فانكما بذلك تكسبان خيرا كثيرا واياك ما من الضجر والسآمة والملل وسوء الخلق وكثرة الهم والافكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع فانكما اذا حفظتما وصيتي وراعيتموها لابد ان تروا اثارها الحميدة وعواقبها الطيبة ثم ودعهما الله الذي لا تضيع ودائعه بعد ان بعث معهما من يخدمهما ويقوم بما يلزمهما وجعل يتضرع الى الله في توفيقهما ونجاحهما فدخل كل واحد مستشفى غير مستشفى اخيه وبعد مدة لم تدعه الاشواق حتى زارهما وعادهما فبدأ باحدهما فوجده كاسف البال ضعيفا الحال قد ملكته الاحزان وطالت به الالام ولم يزل مرضه الذي كان يعهد بل زاد فلم يملك الاب الرحيم نفسه من البكاء والحزن على ما شاهد من ابنه فقال يا بني ما الذي صيرك الى ما رأيت الم اتخير لك احسن ما عرفت من المستشفيات الراقية الم اصحبك من يقوم بجميع ما يلزم ويتعاهد خدمتك فقال يا ابتي هو ما رأيت ما هو الا ان فارقتك ونسيت ما قلت لي واوصيتني به واشغلني مرضي وكثرت مخاوفي وافكاري الضارة وزاد مرضي اني مع قوم وبين اناس قد قضوا اوقاتهم بالغفلة والاعراض عن الله وعن ذكره فابتلوا بالهموم وجعلوا يتسلون عن ذلك كما زعموا بالالعاب الضارة الشطرنج والنرد ونحوهما فلم تزدهم الا مرضا الى مرضهم وهما الى همهم فسلكت مسلكهم واصابني يا ابت ما اصابهم فيا اسفا يا ابتي قد اجتمعا علي مرض قلبي ومرضي الذي ذهبت لعلاجه ودب اليأس الى قلبي حتى كاد يغمره فالان يا ابتي قد بقي في بقية رمق ونوع رجاء ان اخرجتني منهم وصحبتني فاني مع ذلك لم اجد عند المباشرين لعلاجي الا شراسة الاخلاق وصعوبة العلاج وعدم النجاح والهلع والطمع المتجاوز للحد فاستصحبني يا ابتي ما دام في بقية صحبك الله بكل خير فرق له والده فاجاب سؤاله ورثى لسوء مصيره وحاله وعرف الابن التعس ان اكبر الاسباب لوصوله لهذه الحالة نبذه نصائح ابيه العالم المشفق الحكيم وجعل يلقي سمعه وبصره وقلبه لنصائح والده لعله يفلح بعد ذلك ثمان هذا الاب الحنون انطلق الى ابنه الاخر فاذا هو في مستشفى جميل وحوله اصحاب وعشراء فالاخوان المتصافين المتصاحبين المتحابين يتبادلون الاحاديث الطيبة واثر السرور والبشر بادي على وجوههم وقد اضمحل مرضه وتم شفاؤه وعاد على احسن من حاله قبل مرضه فقال يا بني ما الذي حبسك عني وانت ولله الحمد في عافية ونعمة صابغة وانا اعد الايام بل الساعات شوقا الى لقياك فقال يا ابتي ما هو الا اني لما انصرفت منك كانت وصيتك نصب عيني واهم عندي من علاج مرضي لما عرفته منك من الخبرة التامة والنصح فوجدتها اكبر معين لي على كل حالة من احوالي فاني ما زلت معتمدا متوكلا على الله وما زلت راجيا منه الشفاء ولا زلت محتسبا ما يصيبني من الم وعلاج شاق وطول محبس مرتقبا اجره وثوابه عند الله فرأيت الذي يصيبني لا نسبة له الى الخير الذي ارجوه من ربي فيقوى بذلك قلبي وتطمئن لذلك نفسي وتقوى الطبيعة مع ذلك على دفع الامراض التي معي ثم في اخر امري صار الطبيب يتعجب من سرعة زوال مرضي وطمأنينة قلبي ومع ذلك يا ابتي لا زلت مع هؤلاء الاخوان الذين حولي وامراضهم تشبه مرضي اعاشرهم معاشرة الصاحب الشفيق لصاحبه وادعوهم واحثهم على التعاون على الخير واذكرهم وصيتك النافعة واذكرهم ما حصل لي منها من النفع وارغبهم في العمل بها حتى رأوا من اثارها ما رأيت وازدادت محبتي لهم ومحبتهم لي فصرنا نتخوف من خروجنا من هذا الموضع الذي لم نصل اليه الا اضطرارا نتخوف من الفراق الذي يحول بين كل واحد والاجتماع بحبيبه لان كل واحد منا له بلد وقطر غير بلد الاخر وحصلت بيننا هذه الالفة التي تشاهد وكلنا ولله الحمد لنا زمان ونحن رافلون في اثواب العافية وصار لك يا ابتي بذلك علينا جميعا المنة الكبرى والمعروف الاعظم حيث كانت نصائحك الثمينة قد شاهدنا اثارها وجنينا ثمارها فجزاك الله يا ابتي من اب رحيم عني وعن زملائي افضل الجزاء ثماني اخبرك يا ابت بخبر يسرك جدا انا لم نستفد من هذا المستشفى مجرد الشفاء والنجاح من امراضنا فقط بل استفدنا منه اكبر من ذلك استفدنا اننا حصلنا خيرا كثيرا لا تحسبن اوقاتنا تمضي علينا غفلة وسبهللا بل اكثرها في قراءة وذكر لله ومباحثة في العلوم النافعة ونعم الله السابقة وتعداد ما لله علينا من فضل واحسان مع منضم الى ذلك من قوة التوكل والرجاء والطمع في فضل الله واحسانه والرغبة في الخير والرهبة من ضده فلما تم كلام هذا الابن الموفق ظهر على الاب من السرور والاستبشار ما لا يمكن التعبير عنه وذلك من اثار المساعي المشكورة والاعمال المبرورة وانساه هذا السرور ما حصل معه من الحزن على ابنه السابق فانظر الى هذا التفاوت والفرق العظيم بين الابنين وذلك راجع الى قبول النصائح والعمل النافع والله اعلم