المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين الانفال هي الغنائم التي ينفلها الله لهذه الامة من اموال الكفار. وكان كانت هذه الايات في هذه السورة قد نزلت في قصة بدر اول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين. فحصل بين المسلمين فيها نزاع. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها. فانزل الله يسألونك عن الانفال. كيف تقسم وعلى من تقسم قل لهم الانفال لله ورسوله يضعانها حيث شاء. فلا اعتراض لكم على حكم الله ورسوله. بل على عليكم اذا حكم الله ورسوله ان ترضوا بحكمهما وتسلموا الامر لهما. وذلك داخل في قوله فاتقوا الله بامتثال اوامر واجتناب نواهيه. واصلحوا ذات بينكم. اي اصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر. بالتوادد والتحاب والتواصل فبذلك تجتمع كلمتكم ويزول ما يحصل بسبب التقاطع من التخاصم والتشاجر والتنازع. ويدخل في اصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم والعفو عن المسيئين منهم. فانه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر والامر الجامع لذلك كله قوله واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين فان الايمان يدعو الى طاعة الله ورسوله كما ان من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤمن. ومن نقصت طاعته لله ورسوله فذلك لنقص ايمانه. ولما كان الايمان قسمين ايمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء. والفوز التام وايمانا دون ذلك ذكر الايمان الكامل فقال انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم ايات انما المؤمنون الالف واللام للاستغراق لشرائع الايمان الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خافت ورهبت فاوجبت لهم خشية الله تعالى الانكار عن المحارم. فان خوف الله تعالى اكبر علاماته ان يحجز صاحبه عن الذنوب. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا انا ووجه ذلك انهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره. فعند ذلك يزيد ايمانهم. لان التدبر من اعمال القلوب ولانه لا بد ان يبين لهم معنى كانوا يجهلونه. او يتذكرون ما كانوا نسوه او يحدث في قلوبهم رغبة في الخير. واشتياق الى كرامة ربهم او وجلا من العقوبات وازدجارا عن المعاصي. وكل هذا مما يزداد به الايمان. وعلى ربهم وحده لا له يتوكلون ان يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية. ويثقون بان ان الله تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للاعمال كلها. فلا توجد ولا تكمن الا به الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون الذين يقيمون الصلاة من فرائض ونوافل باعمالها الظاهرة والباطنة كحضور القلب فيها. الذي هو روح الصلاة ولبها ومما رزقناهم ينفقون النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقة على الزوجات والاقارب. وما ملكت ايمانهم والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم اولئك الذين اتصفوا بتلك الصفات هم المؤمنون حقا. لانهم جمعوا بين الاسلام والايمان. بين الاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة بين العلم والعمل بين اداء حقوق الله وحقوق عباده. وقدم تعالى اعمال القلوب لانها اصل لاعمال الجوارح وافضلها منها وفيها دليل على ان الايمان يزيد وينقص. فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها. وانه ينبغي للعبد ان هدى ايمانه وينميه. وان اولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال لهم درجات عند ربهم اي عالية بحسب علو اعمالهم ومغفرتهم لذنوبهم ورزق كريم. وهو ما اعده الله لهم في دار كرامته. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر قلب بشر ودل هذا على ان من لم يصل الى درجتهم في الايمان. وان دخل الجنة فلن ينال ما ينال من كرامة الله التامة كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان شريطا من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في بحق بعد ما تبين كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون. قدم تعالى امام هذه الغزوة الكبرى المباركة الصفات التي على المؤمنين ان يقوموا بها. لان من قام بها استقامت احواله وصلحت اعماله. التي من اكبرها الجهاد في سبيل الله فكما ان ايمانهم هو الايمان الحقيقي وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم الله به. كذلك اخرج الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته الى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه الله تعالى. وقد قدره وقضاه. وان كان المؤمنون لم يخطر ببال الهم في ذلك الخروج انه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم ان ذلك واقع جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ويكرهون لقاء عدوهم كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون. والحال ان هذا لا ينبغي خصوصا بعدما تبين لهم ان خروجهم بالحق ومما امر الله به ورضيه. فبهذه الحال ليس للجدال محل فيها لان الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الامر. فاما اذا وضح وبان فليس الا الانقياد والاذعان هذا وكثير من المؤمنين لم يجري منهم من هذه المجادلة شيء. ولا كرهوا لقاء عدوهم وكذلك الذين عاتبهم الله ان قادوا للجهاد اشد الانقياد. وثبتهم الله وقيض لهم من الاسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم. وتودون ان غير ذات وكان اصل خروج يتعرضون لعير خرجت مع ابي سفيان ابن حرب لقريش الى الشام. قافلة كبيرة فلما سمعوا برجوعها من الشام ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فخرج معه ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا يعتقدون عليها ويحملون عليها متاعهم. فسمعت بخبرهم قريش فخرجوا بمنع غيرهم في عدد كثير وعدة وافرة من السلاح والخيل والرجال يبلغ عددهم قريبا من الالف ووعد الله المؤمنين احدى الطائفتين. اما ان يظفروا بالعير او بالنفير فاحب العيرة لقلة ذات يد المسلمين. ولانها غير ذات شوكة ولكن الله تعالى احب لهم واراد امرا اعلى مما احبوا اراد ان يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم. ويريد الله ان يحق الحق بكلماته. فينصر اهله ان يستأصل اهل الباطل ويري عباده من نصره للحق امرا لم يكن يخطر ببالهم ليحق الحق بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه ويبطل الباطل بما يقيم من الادلة والشواهد على بطلانه. فلا يبالي الله بهم ان تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين اي اذكروا نعمة الله عليكم لما قارب التقاؤكم بعدوكم استغثتم بربكم وطلبتم منه ان يعينكم وينصركم فاستجابوا لكم واغاثكم بعدة امور. منها ان الله امدكم بالف من الملائكة مردفين. اي يردف بعضهم بعضا وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم. وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم. وما جعله الله اي انزال الملائكة الا بشرى. اي لتستبشر بذلك نفوسكم ولتطمئن به قلوبكم والا فالنصر بيد الله ليس بكثرة عدد ولا عدد ان الله عزيز لا يغالبه مغالب. بل هو القهار الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والالات ما بلغوا. حكيم حيث قدر الامور باسبابها ووضع الاشياء مواضعها. ومن نصره واستجابته لدعائكم ان انزل عليكم نعاسا ليطهركم به يغشيكم اي فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل. ويكون امنة لكم وعلامة على النصر والطمأنينة. ومن ذلك انه انزل من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجسه وليربط على قلوبكم ان يثبتها فان ثبات القلب اصل ثبات البدن ويثبت به الاقدام فان الارض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت وثبتت به الاقدام. ومن ذلك ان الله اوحى الى الملائكة اني معكم بالعون والنصر والتأييد فثبتوا الذين امنوا اي القوا في قلوبهم والهموهم الجراءة على عدوهم. ورغبوهم في الجهاد وفضله. سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب الذي هو اعظم جند لكم عليهم. فان الله اذا ثبت المؤمنين والقى الرعب في قلوب الكافرين. لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم الله اكتافهم. فاضربوا فوق الاعناق اي على الرقاب. واضربوا منهم كل بنان. اي مفصل وهذا خطاب اما للملائكة الذين اوحى الله اليهم ان يثبتوا الذين امنوا. فيكون في ذلك دليل انهم باشروا القتال يوم بدر او للمؤمنين يشجعهم الله ويعلمهم كيف يقتلون المشركين. وانهم لا يرحمونهم. وذلك لانهم شاقوا الله ورسوله. اي حاربوا ابوهما وبارزوهما بالعداوة اتق الله ورسوله فان الله شديد العقاب. ومن عقابه تسليط اوليائه على اعدائه قيلهم ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذابا ذلكم العذاب المذكور فذوقوه ايها المشاققون لله ورسوله عذابا معجلا وفي هذه القصة من ايات الله العظيمة ما يدل على ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حق منها ان الله وعدهم وعدا فانجز هموه. ومنها ما قال الله تعالى قد كان لكم اية في فئتين التقت فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين. ومنها اجابة دعوة الله للمؤمنين ما استغاثوه بما ذكره من الاسباب. وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين وتقييد الاسباب التي بها ثبت ايمانهم. وثبت اقدامهم وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. ومنها ان من لطف الله ان يسهل عليه طاعته. وييسرها باسباب داخلية وخارجية