المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة الخامسة عشرة والمئة فائدة قصة اخرى رجل له ابنان بلغ سن التمييز وكان ابوهما اذ ذاك نعم المرء لهما في ملاحظة اخلاقهما وخلائقهما على صغر سنهما فاراد تكميل ذلك بالتعليم الذي لا تتم الامور الا بالتعليم النافع ولكن ما كل مجتهد مصيب اراد من اجتهاده ان يبعث كل واحد منهما الى مدرسة مغايرة للمدرسة الاخرى في اصلها وغايتها وثمراتها لم يشاور في اختيار الاصلح احدا من الناصحين العارفين وكان يسمع ان كل واحدة من المدارس راقية ولكن الاسماء لا تغر اللبيب والاشتراك في المسميات لا تدل على الاستواء في الصفات اما احدهما فادخله في مدرسة فيها من الفنون العصرية شيء كثير ولكنها فاقدة للتعاليم الدينية التي هي جوهر العلوم وروحها والثاني ادخله في مدرسة دونها في الشهرة عند الناس ولا بأس بها في الفنون العصرية ولكنها مؤسسة على العناية العظيمة بالتعاليم الدينية وتهذيب الاخلاق والحث على كمالاتها ولكن عند الصباح يحمد القوم السرى وعند النتائج وحصول الثمرات يعرف الفرق العظيم والتفاوت الكثير مكثا فيهما مدة الدراسة وترقى كل واحد منهما في علومهما وتروى من معينهما واخذ كل منهما الشهادة بنجاحه التام المناسب لحاله فماذا صار كل واحد منهما وماذا اثمرت له المدرسة وهل ارتفع بها او انخفض لان العلم ليس هو مجرد معرفة الالفاظ وفصاحة اللسان ولا مجرد معرفة الصنائع وان كانت هذه من الوسائل النافعة ولكن العلم هو المرقي للارواح مع الاجساد الجامع بين مصالح الدين والدنيا الموجه صاحبه وغيره لكل صفة حميدة وخصلة سديدة اما الاول فانه خرج من مدرسته فصيح اللسان يحسن ان ينشئ الكلام وربما احسن انتاج بعض الصنائع ولكن التعاليم الروحية قد فقدها قد اخذه العجب والزهو والغرور وصار معجبا بنفسه متكبرا على ابناء جنسه بل قد رأى والده من معاملته المذكورة لهما شيئا كثيرا رأى نفسه انه يعرف اشياء لا يعرفها العوام وتخلق باخلاق الاجانب اعدائه في الدين قد فقد الفضيلة واتصف بالرذيلة فيا ليت تعاليمه السابقة كانت لاغية هباء منثورا لكنها مع ذلك زادته عتوا كبيرا ونفورا فلما رأى والده ابنه بهذه الحالة اسقط في يده ورأى انه قد خسر ولده لانه لا سبيل في الغالب الى تلافيه واستدراك نقصه المضطرد بعدما غذته هذه المدرسة بزقومها وسمومها ولم يقتصر هذا الابن القعر على احتقار الناس بل اوصلته الجرأة على احتقار علوم الرسل واديانهم فاصبح ابوه من الخاسرين واضحى الابن التعس ملحدا من الملحدين اما الاخ الثاني فانه حين تخرج من مدرسته ونظرنا الى ما جناه منها فاذا هو قد ملئ عقلا ودينا وخلقا وتواضعا لان الدين بطبيعته هذه اثاره رأيناه قد تمسك غاية التمسك بدين الاسلام وبدت عليه انواره وهدايته وارشاده وتوجيهاته السديدة المستقيمة واذا هو الرجل الحقيقي بمعنى الكلمة قد تسربل بالدين وانبعث يدعو الى الله على بصيرة وينصر دينه وقومه النصر الصحيح ويحثهم على كل خلق جميل وينهاهم عن كل خلق رذيل فاضحى على من يأتم به المهتدون ونورا يقتبس منه المؤمنون واصبح رجلا دينيا ودنيويا قد استصحب تعاليم الدين والتي جمعت جميع المصالح وزادت عن جميع القبائح مع الصدق الكامل والنصح الصادق والاصابة في القول والعمل فانجبرت به مصيبة ابيه وظهر الفرق العظيم والتفاوت بينه وبين اخيه واخفاق الاول ونجاح الثاني راجع الى اختيار الوالد فيا ايها الاباء المشفقون الله الله في اولادكم وافلاد اكبادكم الذين يخلفونكم وانتم احياء واموات انظروا لهم واختاروا لهم ما ينفعهم وينفعكم والا فلا تلوموا الا انفسكم