ذلكم النصر من الله لكم اي مضعف كل مكر وكيد يكيدون به الاسلام واهله وجاعل مكره محيقا بهم لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله معه يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدر وقتلهم المسلمون. فلم تقتلوهم بحولكم وقوتكم. ولكن الله قتلهم حيث اعانكم على ذلك بما تقدم ذكره وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو الله ويناشده في نصرته. ثم خرج منه فاخذ حفنة من تراب. فرماها في وجوه المشركين. فاوصلها الله الى وجوههم فما بقي منهم واحد الا وقد اصاب وجهه. وفمه وعينيه منها. فحينئذ انكسر حدهم وفتر زندهم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يأمر تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الايمانية. والقوة في امره والسعي في جلب الاسباب المقوية للقلوب والابدان نهاهم عن الفرار اذا التقى الزحفان فقال يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا اي في صف القتال وتزاحف الرجال واقتراب بعضهم من بعض. بل اثبتوا لقتالهم واصبروا على جلادهم. فان في ذلك نصرة لدين الله وقوة لقلوب المؤمنين. وارهابا للكافرين فقد باء اي رجع بغضب من الله مأواه اي مقره جهنم. وهذا يدل على ان الفرار من الزحف من غير عذر. من اكبر الكبائر كما وردت بذلك الاحاديث الصحيحة. وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الاية ان المتحرف للقتال وهو الذي ينحرف من جهة الى اخرى ليكون امكن له في القتال وانكى لعدوه فانه لا بأس بذلك لانه لم يولد بره فارا وانما ولى دبره ليستعلي على عدوه او يأتيه من محل يصيب فيه غرته او ليخدعه ذلك او غير ذلك من مقاصد المحاربين. وان المتحيز الى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار. فان ذلك جائز. فان كانت الفئة في العسكر فالامر في هذا واضح. وان كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين. والتجائهم الى بلد من بلدان المسلمين او الى عسكر اخر من عسكر المسلمين. فقد ورد من اثار الصحابة ما يدل على ان هذا جائز. ولعل هذا يقيد بما اذا ظن المسلمون ان الانهزام احمد عاقبة وابقى عليهم. اما اذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم. فيبعد في هذه الحال ان تكون من الاحوال المرخص فيها لانه على هذا لا يتصور الفرار المنهي عنه. وهذه الاية مطلقة. وسيأتي في اخر السورة تقيدها بالعدد فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى. وليبليه وبان فيهم الفشل والضعف فانهزموا. يقول تعالى لنبيه لست بقوتك حين رميت التراب اوصلته الى اعينهم. وانما اوصلت اليهم بقوتنا واقتدارنا اي ان الله قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين. من دون مباشرة قتال ولكن الله اراد ان يمتحن المؤمنين ويوصلهم بالجهاد الى اعلى الدرجات وارفع المقامات. ويعطيهم اجرا حسنا وثوابا جزيلا سليم. يسمع تعالى ما اسر به العبد وما اعلن. ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها فيقدر على العباد اقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده. ويجزي كلا بحسب نيته وعمله ان تستفتحوا ايها المشركون اي تطلبوا من الله ان يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين فقد جاءكم الفتح حين اوقع الله بكم من عقابه ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين. وان تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لانه ربما امهلتم ولم يعجل لكم النقمة وان تعودوا الى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين. نعد في نصرهم عليكم ولن تغني عنكم فئتكم اي اعوانكم وانصاركم الذين تحاربون وتقاتلون معتمدين عليهم شيئا. وان الله مع المؤمنين ومن كان الله معه فهو المنصور. وان كان ضعيفا قليلا عدده وهذه المعية التي اخبر الله انه يؤيد بها المؤمنين. تكون بحسب ما قاموا به من اعمال الايمان. فاذا ادين العدو عن المؤمنين في بعض الاوقات فليس ذلك الا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الايمان ومقتضاه. والا فلو قاموا بما امر الله به من كل وجه. لمن هزم لهم راية انهزاما مستقرا. ولا عليهم عدوهم ابدا لما اخبر تعالى انه مع المؤمنين امرهم ان يقوموا بمقتضى الايمان الذي يدركون به معيته. فقال يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله. بامتثال امرهما واجتناب نهيهما. ولا تولوا عنه اي عن هذا الامر الذي هو طاعة الله وطاعة رسوله وانتم تسمعون ما يتلى عليكم من كتاب الله واوامره ووصاياه ونصائحه فتوليكم في هذه الحال من اقبح الاحوال ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون. اي لا تكتفوا بمجرد الدعوة الخالية التي لا حقيقة لها فانها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله. فليس الايمان بالتمني والتحلي. ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الاعمال انشر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. يقول تعالى قال ان شر الدواب عند الله من لم تفيد فيهم الايات والنذر وهم الصم عن استماع الحق البكم عن النطق به الذين لا يعقلون ما ينفعهم ويؤثرونه على ما يضرهم. فهؤلاء شر عند الله من جميع الدواب لان الله اعطاهم اسماعا وابصارا وافئدة. ليستعملوها في طاعة الله فاستعملوها في معاصيه. وعدموا بذلك الخير الكثير فانهم كانوا بصدد ان يكونوا من خيار البرية. فابوا هذا الطريق واختاروا لانفسهم ان يكونوا من شر البرية. والسمع الذي نفاه الله عنهم سمعوا المعنى المؤثر في القلب. واما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من اياته. وانما لم يسمعوا السماع النافع لانه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع اياته ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون ولو على الفرض والتقدير لتولوا عن الطاعة وهم معرضون. لا التفات لهم الى الحق بوجه من الوجوه. وهذا دليل على ان الله تعالى هذا لا يمنع الايمان والخير الا لمن لا خير فيه. الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده وله الحمد تعالى والحكمة في هذا يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم. واعلموا الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون. يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان منه وهو الاستجابة لله وللرسول اي الانقياد لما امر به والمبادرة الى ذلك والدعوة اليه والاجتناب لما نهيا عنه. والانتفاف عنه والنهي عنه. وقوله اذا دعاكم لما يحييكم. وصف ملازم لكل ما دعا الله ورسوله اليه وبيان لفائدته وحكمته. فان حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال انه اليه تحشرون. فاياكم ان تردوا امر الله اول ما يأتيكم في حال بينكم وبينه اذا اردتموه بعد ذلك وتختلف قلوبكم فان الله يحول بين المرء وقلبه. يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها انا شاء. فليكثر العبد من قول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب اصرف قلبي الى طاعتك اي تجمعون ليوم لا ريب فيه. فيجازى المحسن باحسانه والمسيء بعصيانه. واتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تصيب فاعل الظلم وغيره وذلك اذا ظهر الظلم فلم يغير. فان عقوبته تعم الفاعل وغيره. وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر وقمع اهل الشر والفساد. والا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما امكن. واعلموا لمن تعرض لمساخطه وجانب رضاه