المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ومن باب النكاح حديث ابن مسعود المتفق عليه يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر واحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء به الامر بالنكاح وهو امر استحباب لمن استطاع الباءة وهو المهر وخصوصا في حق الشباب. وقد يجب اذا تعين طريقا الى العفة وقد جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الحكم والحكمة وما يترتب على النكاح من المصالح ودفع المفاسد وفيه ان من لم يستطع الباءة فعليه ان يضعف شهوته لان لا يقع في الحرام وانفع ما يضعفها الصوم فانه له وجاء اي قاطع ومضعف للشهوة لان شهوة النكاح تنشأ عن الشبع وكثرة الاكل وهذا داخل في الاستعفاف الذي قال الله فيه. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله هذه الاية فيها الرجاء والاطماع من الله. ان يغنيهم الله من فضله فلهذا ينبغي للعادم ان يكون طامعا راجيا في تيسير الله. وليحذر من اليأس في رحمة الله وتيسيره وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله واثنى عليه وقال لكني اصلي وانام واصوم وافطر اتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني متفق عليه في هذا الحديث وغيره اكبر برهان على ان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته وعاداته خير ما سلكه العبد. وان من غلى واراد مجاوزة ذلك فقد خالف هديه. فان كان مجتهدا جاهلا ظانا ان هذا العمل يحب الله ورسوله ربما عفي له عن جهله ولكنه ناقص ومن رغب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما تبينت له واعتقد ان الغلو في العبادات والتبتل عن العادات الشرعية خير خير من هدي الرسول فقد تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ولابد ان يقع اخر الامر في الاستحسان والانقطاع لان هدي الرسول هو الذي يكون فيه القيام بكل الحقوق. بحق الله وحق النفس وحق الاهل. وحق من له حق وهو الذي يمكن الاستمرار عليه والدوام لسهولته ويسره وهو اطوع لله وانفع للعبد في عاجله واجله عن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود ولود فاني مكاثر بكم الانبياء يوم القيامة. رواه احمد. فيه كما تقدم وفيه انه ينبغي اختيار من جمعت الوصفين مع ما ياتي في حديث ابي هريرة تنكح المرأة لاربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه. قال الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء. فالمقاصد في النساء طبيعية ودينية ونفعية. واولى المقاصد واحقها بالتقديم الدين. وحسن الاخلاق. وهي الودود. ولهذا اثنى الله على نساء اهل الجنة بانهن خيرات الاخلاق وحسان الخلق وانهن عرب متحببات الى ازواجهن فالتحبب الى الزوج بحسن العشرة والملاطفة والدعابة وثواب ذلك خير ما يرغب فيه الراغبون وارغب منافع الزوجة ان تكون ولودا معروفة بنفسها بذلك ومن نساء معروفات بذلك ومنافع الاولاد الدينية والدنيوية لا تحصى ومن ذلك حصول هذا المقصد الجليل وهو تكفير امة محمد صلى الله عليه وسلم. فانه يسر بذلك في الدنيا والاخرة ودين المرأة واخلاقها الجميلة وامانتها خير ما حصله العبد. قال تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله وخير ما كنز العبد قلب شاكر ولسان ذاكر. وزوجة صالحة تعينه على دينه ودنياه ولهذا حث صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله فاظفر بذات الدين تربت يداك وعن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع انسانا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير. رواه الخمسة وصححه الترمذي كانوا في الجاهلية اذا تزوج احدهم قالوا له على وجه التهنئة بالرفاء والبنين. فابدلهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كهذه البركة المباركة. بارك الله لك اي في اهلك جعلهم الله مباركين في دينهم ودنياهم. وما يترتب على ذلك وبارك عليك ايها المتزوج بان يجعل زواجك وقرانك بارك وجمع بينكما في خير وهذا هو المقصود الاعظم بالزواج. اجتماع الزوجين في خير وعافية وصفاء ووئام. وبهذه الامور الثلاثة تتم النعمة وعن ابن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطبة في الحاجة ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث ايات رواه الاربعة وحسنه الترمذي وهذا يشمل كل حاجة يريدها العبد ان يقدم بين ذلك هذا الثناء والدعاء فانه من اسباب نجاح الحاجات ومن اهم الحوائج النكاح فانها تتضمن الثناء على الله بغاية المحامد شهادة له بالتوحيد ولنبيه بالرسالة والاستعانة بالله ميسر كل امر واستغفاره من الذنوب الحاصلة والاستعاذة بالله من شرور النفس الكامنة فيها. واللجأ اليه في طلب الهداية والسلامة من الضلالة عن جابر مرفوعا اذا خاطب احدكم المرأة فان استطاع ان ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها فليفعل. رواه احمد وابو داوود. ولمسلم عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه سلم قال لرجل تزوج امرأة انظرت اليها؟ قال لا. قال فاذهب فانظر اليها. في هذين الحديثين الامر بالتثبت لحصول مقاصد النكاح اذا كان هذا في احد المقاصد وهو الجمال والملاحة. فكيف بالمقاصد التي هي اهم الدين والاخلاق الجميلة لكنها لا تدرك هذه بالبصر فالطريق اليها البحث فسؤال من يثق به ممن يعرفها فيكون هذا من باب التنبيه بالادنى على الاعلى. واذا كان هذا في حق الزوج الذي اذا شاء ابقى واذا شاء فارق فكيف في حق المرأة التي تكون كالاسير عند الزوج؟ فعلى من يتولى زواجها اذا خطبها خاطب ان يبحث عنه وعن دينه واخلاقه وعن حسبه. ويسأل ايضا عن المحل الذي يريد ان يضعها فيه التثبت في الامور كلها مأمور به واهم ما يكون امور الزواج في حق الطرفين. وهو في جانب الانثى ارجح عن سهل بن سعد الساعدي قال جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت اهب لك نفسي فنظر اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر اليها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأت المرأة انه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من اصحابه فقال يا رسول الله ان لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال فهل عندك من شيء فقال لا والله يا رسول الله قال اذهب الى اهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ولو خاتما من حديد. فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا ازاري. قال سهل ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنع بازالك ان لبسته لم يكن عليها منه شيء. وان لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى اذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فامر به فدعي له فلما جاء قال ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وكذا وسورة كذا عددها فقال تقرأهن عن ظهر قلبك قال نعم. قال اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن. متفق عليه وفي هذا الحديث فوائد كثيرة منها ان المرأة لا تتزوج الا بمهر قليل او كثير حتى ولو بمنفعة ولو باقراء شيء من الان كما هو صريح هذا الحديث خلافا لطائفة من اهل العلم ان النبي صلى الله عليه وسلم فانه تحل له من دون مهر كما في هذا الحديث. وقوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها ومنها جواز النظر الى من يريد ان يتزوجها لانه نظر اليها صعد وصوب فلما لم تدخل نظره طأطأ برأسه صلى الله عليه وسلم ومنها جواز خطبة الرجل من المرأة كما في هذه القضية او من وليها كما في قضية صاحب مدينة مع موسى ومنها حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. فانه لم يخجل المرأة بل سكت ولعله فهم انها تريد الاتصال بزوج. لعل بعض الحاضرين يخطبها. فحقق الله ظنه بهذا الرجل الذي خطبها. وقيد خطبته لها ان لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة. لان ظاهر انه حيث لم يجبها بل سكت لا رغبة له. ولكن احتمال قائم فاحترز هذا الرجل بهذا الكلام. ومنها ما كان عليه المسلمون في اول الامر من قلة ذات اليد وقناعتهم. رجال ونسائهم بذلك رضي الله عنهم واستدل به على الولي. وان من لا ولي لها فوليها الحاكم. قد يقال النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم. ولهذا لم يسألها قال لها ولي حاضر بل زوجها. وفيه ان الرضا لا يشترط فيه تصريح بل دلالة الحال تكفي عن تصريح المقال فانه لم يقل لها صلى الله عليه وسلم هل رضيت بهذا الرجل او اذنت؟ بل زوجها علمه بدلالة حالها على الرضا ورغبتها في الاتصال بزوج. وفيه ان ما لا يحصل به نفع بالكلية لا يصلح ان يكون مهرا بانه لما قال عن ازاره لها نصفه بين له صلى الله عليه وسلم ان الانتفاع به على هذا الوجه متعذر وفيه ان الشيء الذي اذا قسم فيه ضرر لا يصلح قسمه ولولا ان الازار لمثله ضروري لكان نصفه متمولا يباع ويقتسمان الثمن. ولهذا قال التمس ولو خاتما من وخاتم الحديد اقل قيمة من نصف الازار في الغالب. وفي هذا دليل على ان النفع الحقيقي بالقرآن ان يقرأه الانسان عن ظهر قلب لانه الذي يكون مع الانسان. واما من ليس في قلبه منه شيء. ولكنه يقدر على قراءته في المصحف ونحو فلا يتصف بانه من اهل القرآن الا وقت قراءته له. الحافظ له او لبعضه موصوف بذلك كل وقت بانه اذا لم يكن في قراءة فالقرآن محفوظ في صدره