من الشبه آآ التي قد يذكرها بعض الناس فيقول ان فرعون وقومه لم يعتقدوا في وجود الصانع سبحانه بل ادعى فرعون لنفسه الربوبية بدليل ما اخبر الله تعالى عنه انه قال وما رب العالمين وقال فمن ربكما يا موسى؟ وقال انا ربكم الاعلى. وقال ما علمت لكم من اله غيري وقال لان اتخذت الها غيري لاجعلنك من المسجونين فالجواب انه ليس في هذا كله انه كان منكرا لوجود الله تعالى. لان بطلان دعواه معلوم بالضرورة لكل من له احساس وفهم ومن يعقل ان فرعون مولود مثله من اب وام ويأكل ويشرب ويمرض وينام ويعتريه ما يصيب الناس ويراه كاحادهم بلا فرق لا يمتري في ان دعواه ليست على ما يفهمها بعض المتمسلمين من هذه الامة. من ان قومه اعتقدوا له الربوبية لهم وانه مقاسم لله في التدبير والملك والحول والطول اتخذوه الها لهم من دون الله او معه وانه ادعى ذلك بينهم لنفسه فاعترفوا له بذلك وان العاقل ليخجل من حكاية مثل هذا عمن ينتمي الى الاسلام وانما اراد فرعون بذلك انه احق بالاعتلاء والسيادة على اهل مصر وانه لا مزاحم له في الامر والنهي والتشريع والطاعة والالوهية. من جميع اهل المملكة لان الرب والاله هو الملك والمطاع والمعبود والمربي لمطيعيه. ولو على سبيل الوهم منهم فيه لقول الله عن يوسف عليه السلام وقال للذي ظن ان ناج منهما اذكرني عند ربك. فانساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين وقال ارجع الى ربك فاسأله. وقال يا صاحبي السجن اارباب متفرقون خير ام الله الواحد الواحد القهار وقال اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله وقال تعالى وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري فاوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى واني لاظنه من الكاذبين وهو انما يقصد في ذلك التلبيس والتهويش والمغالطة لموسى والتمويه على قومه كقوله عز وجل ونادى فرعون في قومه قال يا قوم اليس لي ملك مصر؟ وهذه الانهار تجري من تحتي. افلا تبصرون ام انا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا القي عليه اسورة من ذهب او جاء معه الملائكة مقترنين فانت تراه يصدق بالملائكة. يعني فرعون كان يؤمن بوجود الملائكة. او جاء معه الملائكة مقترنين. وهو يتوقع ايضا صحة دعوى موسى بان له الها في السماء فاوقد لي هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى واني لاظنه من الكاذبين ويستعمل ذلك على سبيل المكر والخداع لدفع موسى عليه السلام وقد قال الله تعالى وقال الملأ من قوم فرعون اعتذروا موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك والهتك. قوله تعالى وياذرك يعني يتركك والهتك لا يعبدك ولا يعبد الهتك الالهة جمع اله بمعنى المعبود وكان للمصريين الهة كثيرة ويفهم من هذا التحريض على قتل موسى وقومه ان له الهة يألههم ويعبدهم مع الله في الامن والعافية. ويرجع الى الله وحده اذا اشتد به الامر مشركين مع طلبه وقومه الدعاء من موسى في الشدة. وقال المؤمن الذي كان يكتم ايمانه اتقتلون رجلا ان ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه. وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب يا قومي لكم الملك اليوم ظاهرين في الارض فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد فانت تراه لا يعارض من يتوعده بالله وبأسه في مجلسه من وزرائه واهل شوراه فلو كان يعتقد غير ما ذكرنا او يعتقد فيه قومه سوى ما قلنا وما زعمه لنفسه عليهم من الهيته لهم واستحقاقه ذلك دون غيره من البشر لعارض هذا المؤمن الذي خاطبهم وخوفهم بأس الله مما يدل على انهم كانوا يعرفون الله عز وجل وقال الله عز وجل ولقد ارسلنا موسى باياتنا الى فرعون وملأه فقال اني رسول رب العالمين. فلما جاءهم باياتنا اذا هم منها يضحكون وما نريهم من اية الا هي اكبر من اختها. واخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا ايها الساحر ادعوا لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب اذا هم ينكثون قال الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى عليه السلام انه ابتعثه الى فرعون وملأه من الامراء والوزراء والقادة والاتباع والرعايا من القبط وبني اسرائيل يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له. وينهاهم عن عبادة ما سواه وانه بعث معه ايات عظاما كيده وعصاه. وما ارسل معه من الطوفان والجراد والقمل والضفادع ومن نقص الزروع والانفس والثمرات. ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والانقياد لها. وكذبوها وسخروا منها وضحكوا ممن جاءهم بها يقول تعالى وما نريهم من اية الا هي اكبر من اختها ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم وجهلهم وخبالهم. وكلما جاءتهم اية من هذه الايات يضرعون هنا الى موسى عليه السلام. ويتلطفون له في العبارة بقولهم يا ايها الساحر اي العالم قاله ابن جرير وكان علماء زمانهم هم السحرة ولم يكن السحر عندهم في زمانهم مذموما فليس هذا منهم على سبيل الانتقاص منهم. لان الحال حال ضرورة منهم اليه لا تناسب ذلك. وانما هو تعظيم في بزعمهم ففي كل مرة يعدون موسى عليه السلام انكشف عنهم هذا ان يؤمنوا ويرسلوا معه بني اسرائيل. وفي كل مرة يمكثون ما عاهدوا عليه. وهذا كقوله تعالى فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ايات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجس الى اجل هم اذا هم ينكثون. وقال عز وجل ولقد اتينا موسى تسع ايات بينات. فاسأل بني اسرائيل اذ جاءهم. فقال له فرعون اني لاظنك يا موسى قال لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر واني لاظنك يا فرعون مثبورا. فموسى وهو فالصادق المصدوق يقول لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر فدل على ان فرعون كان عالما بان الله انزل الايات وهو من اكبر خلق الله عنادا وبغيا. لفساد ارادته وقصده لا لعدم علمه. قال تعالى ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعفوا طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نسائهم انه كان من المفسدين. ومثله قوله عز وجل مخاطبا موسى عليه السلام وادخل يدك في جيبك. تخرج بيضاء من غير سوء. في تسع ايات الى فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم اياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وجحدوا بها. واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين. والجحود هو الانكار مع العلم. قال الراغب هو نفي ما في القلب اثباته واثبات ما في القلب نفيه فكفر فرعون وقومه كفر جحود وعناد واستكبار. كاليهود الذين قال الله فيهم الذين اتيناهم كتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم والمشركين الذين قال سبحانه فيهم فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون