وقوله وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله اني زنيت. فاعرض عنه. وليس هذا الاعراض لانه لا يثبت بالاقرار مرة. بل لان هذا كلام لم يقله احد قبله. فلم يحب فقال اتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطف فقال انما اهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيه الشريف تركوه. واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله كتاب الحدود. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته. قوله كتاب الحدود. الحد لغة المنع. والحدود اصطلاحا. عقوبات مقدرة شرعا على معاص لتمنع من الوقوع في مثلها. وهذه الحكمة في ذكروها مع الحد. والحدود نعمة من الله تعالى. فان كثيرا من ناس لا يمنعهم من فعل المعصية الا اذا علموا انه يقام عليهم الحد الذي امر الله به. فالحدود تردع عن فعل المعصية. فاذا فعلت المعصية واقيمت الحدود ارتدع من اقيم عليه الحد فلا يعود الى فعله دعا غيره لان لا به كما فعل بهذا. والحدود حق لله الله تعالى فاذا بلغت الامام وجب اقامتها. وحرمت حينئذ شفاعة فيها. ومن شفع حينئذ فهو ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. كما ورد لعن الله من حالت شفاعته دون حد من حدود الله. وورد اذا بلغت الحدود فلعن الله الشافع مشفع وفي اقامة الحدود صلاح العالم. وفي عدم ذلك خراب الديانة وفساد العالم. ولا فرق في ذلك بين الشريف والوضيع. فالحدود حق لله تعالى لا يجوز تركها. كما تقدم ان القصاص حق للادمي. وقد ندب الله تعالى الى العفو عن ذلك كما تقدم. ما لم يكن مرجح للقصاص الاربعون والثلاثمائة. الحديث الاول. عن انس بن مالك رضي الله عنه انه قال قدم ناس من عكل او عرينة المدينة فامر لهم النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بلقاح. وامره ان يشربوا من البانها وابوالها. فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واستاقوا النعم. فجاء خبروا في اول النهار فبعث في اثارهم. فلما ارتفع النهار لابيهم فامر بهم فقطعت ايديهم وارجلهم. وسمرت اعينهم وتركوا وفي الحرة يستسقون فلا يسقون. قال ابو قلابة. فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد ايمانهم. وحاربوا الله ورسوله. رواه البخاري ومسلم. اجتويت البلاد اذا كرهتها وان كانت موافقة واستوبأتها اذا لم توافقك. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث انس قدم ناس من عقل او عرينة فك من احد الرواة. وقد ورد ان بعضهم من عكل وبعضهم من عرينة قوله فاستووا المدينة اي كرهوها واستوخموها. فتورمت لحومهم نفخت بطونهم. لانهم استنكروا البلاد بعد البرية. وكانت المدينة فيها حمى عظيمة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان ينقل الله حماها الى الجحفة. فنقلها الله تعالى وبقي فيها بقية يسيرة. وقوله فامر لهم النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بلقاح. اي من ابل الصدقة. وامرهم ان يشربوا من بانها وابوالها فانطلقوا. اي وفعلوا ما امرهم به من ذلك. فلما اصحوا اي برئوا من المرض. قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واستاقوا النعم. فجاء الخبر في اول النهار. فبعث في اثار دارهم اي من يطلبهم. فلما ارتفع النهار جيء بهم فامر فقطعت ايديهم وارجلهم. اي من خلاف كما امر الله تعالى وسمرت اعينهم. اي احمية المسامير بالنار وفضخت بها اعينهم لانهم فعلوا ذلك بالراعي. وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون اي تركوهم يعضون حجارة الحرة. فهذه اشنع القتلات على الاطلاق والعياذ بالله لان فعلهم اشنع الافعال. ولهذا قال ابو قلابة فهؤلاء سرقوا اي النعم. وقتلوا اي الراعي. وكفروا بعد ايمانهم اي ارتدوا لان الايمان لم يدخل قلوبهم. كما قال تعالى عن الاعراب قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم الاية والا فمن دخل الايمان قلبه لم يرض به بديلا. ولهذا قال هرقل في جواب اسئلته لابي سفيان وسألتك هل يرتد احد منهم سخط نقطة لدينه فزعمت ان لا وكذلك الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب وقوله وحاربوا الله ورسوله. اي قطعوا الطريق. ووقفوا ورد ذكر الحرابة لله ورسوله في موضعين من القرآن. احدهما في قطاع الطريق في قوله الله ورسوله. الاية الثاني في اكل الربا في قوله. فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله. وان توبة فلكم رؤوس اموالكم. الاية ففي هذا الحديث حدكم قطاع الطريق. وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة. ففي الكتاب قوله تعالى صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو في المسجد. فناداه فقال يا رسول الله اني زنيت. فاعرض عنه. فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله اني زنيت. فاعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الاية وفي السنة هذا الحديث ومن نظر الى ظاهر الاية ظن ان عذابهم على وجه التخيير. ولكن قد فسر الاية حبر الامة ترجمان القرآن. ابن عباس رضي الله عنهما فقال ان قتلوا واخذوا المال قتلوا حتما وصلبوا. ولو عفا ولي المقتول. لان الحق لله تعالى وان قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا. وان اخذوا المال ولم يقتلوا قطعت ايديهم وارجلهم من خلاف. اي تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ولا تقطع اليد والرجل من جانب واحد. لان القصد تأديبهم لا اتلافهم وان لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا. وانما اخافوا السبيل نفوا من الارض. اي ان يشردوا فلا يتركون يأوون الى بلد. حتى تظهر توبتهم وهذا معنى الاية والمراد منها. لان افعالهم مختلفة كما ترى. فجعل الى العقاب على قدر الظلم. ومن فوائد هذا الحديث مشروعية استعذاب الهواء واجتناب الوخام لاجل حفظ الصحة. ومنها ان الرجوع الى ما اعتاده الانسان معين على حفظ صحته. فاذا ترك ما اعتاد فعله فمرض بسبب ذلك. فدواء ان يرجع الى عادته. ولهذا امرهم ان يرجعوا الى عادتهم ومنها مشروعية التداوي ومنها ان ابوال الابل اذا خلطا كان ذلك سواءا نافعا. خصوصا للمرض المتأثر من الوخام واستنكار الاغذية ومنها ان بول الابل طاهر. ومثلها كل ما يؤكل لحمه من الحيوانات لانه ورد ان الله تعالى لم يجعل دواء امتي فيما حرم عليه وايضا فلو سلم انه امرهم بالتداوي به لاجل الضرورة. والا فهو محرم؟ للزم ان يأمرهم بغسل اثره في افواههم عند ارادة الصلاة فالصحيح ان بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر. ومنها ان فكما يحصل بربطه على خشبة في مجمع الناس. حتى يشتهر امره. فانه يحصل بالقائه في الارض في مجمع الناس. وتركه يومين او ثلاثة حتى يشتهر امره الحادي والاربعون والثلاثمائة. الحديث الثاني عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود. عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهري رضي الله عنهما انهما قالا ان رجلا من الاعراب اتى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقال يا رسول الله انشدك ان الله الا قضيت بيننا بكتاب الله. فقال الخصم الاخر وهو افقه منه فاقض بيننا بكتاب الله واذن لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وعلى آله وسلم قل فقال ان ابني كان عسيفا على هذا. فزنى امرأتي واني اخبرت ان على ابني الرجم فافتديت منه بمئة شاة ووليد ايه ده! فسألت اهل العلم فاخبروني انما على ابني جلد مائة وتغريب وعام وان على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. والذي نفسي بيده لاقضين بينكم بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. وغدو يا انيس لرجل من اسلم الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدى عليها فاعترفت فامر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فرجمت رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته قوله عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود. هذا احد الفقهاء السبعة الذين اشتهروا في المدينة بالفقه. وهم من اجلاء التابعين. وعدهم بعضا بعضهم في بيت فقال اذا قيل من في العلم سبعة ابحر روايتهم ليست عن الفقه خارجة. فخذهم عبيد الله عروة قاسم. سعيد ابو بكر سليمان خارجه. وقوله عن ابي هريرة وزيد ابن خالد الجهني انهما قال قال ان رجلا من الاعراب اتى الى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله انشدك الله الا قضيت بيننا بكتاب الله الى اخره. وهذا كلام لا يقال لمثل رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. لانه لا يقضي الا بكتاب الله وكلامه مشرع فهو المبين عن الله احكامه. وانما يقال هذا الكلام لمن يتهم فيه حكمه ولكن لا غرابة في هذا على الاعراب. كما قال الله عنهم الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر. واجدر حدود ما انزل الله. ولكنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم يتحمل منهم. ويصبر على ما يقولون. لانه كان ينزل الناس منازلهم. لما جبله الله عليه من الاخلاق الكريمة. ولهذا امره الله بذلك في قوله خذ العفو وامر بالعرف. اي خذ ما تيسر صار من اخلاق الناس ونحو ذلك. فقال الخصم الاخر وهو افقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله واذن لي. اي ان اتكلم وابين لك حالنا وجميع دعوانا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قل فقال ان نبني كان عسيفا على هذا. اي اجيرا عنده يرعى ماشيته. فزنا بامرأته واني اخبرت ان على ابن الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة اي ولا يرفع ابني لان لا يرجم. فسألت اهل العلم اي الذين يعلمون حدود ما انزل الله فاخبروني انما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وان على امرأتها الرجم اي لان ابنه بكر والمرأة ثيبة. والظاهر انهم نقوا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. لان هذا العلم حق فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم والذي نفسي بيده لقى قضين بينكم بكتاب الله. وهذا قسم منه على هذا الحكم. وقد ورد عنه القسم في قضايا كثيرة. واذا تأملت تلك المواضع وجدتها كلها لائقة للقسم. لان المخبر كانه شاك في ذلك الحكم والقسم مما يؤكد ذلك. وفيه ان حكم الرسول حكم بكتاب الله. وان انما شرعه بالسنة هو تفسير لكتاب الله. وكانت دعواهما بالغنم والوليدة فلهذا قال الوليدة والغنم رد عليك. اي لانه اخذها بلا عوض فرعي فهو داخل في قوله تعالى كن بينكم بالباطل. وكم دخل في هذه الاية من الاقسام الكثيرة فضلا عن انواعها. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. اي كما اخبرت به اهل العلم. وغدويا انيس لرجل من اسلم الى امرأة هذا. فان اعترفت فارجمها فاعترفت فامر بها فرجمت. ففي هذا الحديث فوائد كثيرة منها ان البكر اذا زنا فعليه جلد مائة وتغريب عام. والجلد صوت وسط لا جديد ولا خلق. ومنها ان الثيب يرجم حتى يموت. ومنها انه لا بأس بالقسم على الصدق. بل ربما استحب اذا كان المقام يقتضي ذلك مثل لو شك في الخبر والمطلوب تأكيده. ومنها انه لا يجوز المعاوضة على تعطيل حده لانه يلزم اقامتها كما تقدم. ومنها ان انه اذا عاوض على ذلك فهو باطل. ويرد عليه ما له ويقام الحد. وهنا قاعدة عظيمة ينبغي التنبه لها. وهي ان من فعل شيئا لسبب ورتب الفعل على ذلك السبب ظانا وجوده. فتبين عدم ذلك السبب ان فعله ذلك يلغى ولا يعتد به. ومنها انه يجوز التوكيل في اثبات الحدود واستيفاءها. فان اقامة الحدود الى الامام. ولا يجوز لاحد ان يفتى عليه في ذلك. فاذا وكل احدا في اثبات حد من الحدود او استيفائه ملك ذلك ومثله الامير والحاكم فانهم نواب الامام الاعظم. ويستثنى الرقيق كما فيأتي الثاني والاربعون والثلاثمائة. الحديث الثالث عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود. عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما انهما قالا سئل النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم عن الامة اذا زنت ولم تحصن. قال ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها. ثم ان زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير. رواه البخاري ومسلم. قال ابن شهاب لا ادري ابعد الثالثة او الرابعة. والضفير الحبل. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث عبيد الله بن عبدالله رضي الله الله عنهما ايضا. قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم عن الامة. اي المملوكة اذا زنت ولم تحصن. فقال ان زنت فاجلدوها. الى اخره. اي كما امر الله تعالى بقوله فاذا اتينا بفاحشة فعليهن اي الحرائر. من العذاب اي جلد خمسين جلدة. لان الجلد هو الذي يتبعض. واما الرجم فلا يمكن ان يتبعض. فالرقيق على النصف من الحر. لان زناه اقل عارا ولا يغرب لانه يفوت حق سيده. وربما كان احب اليه والمحصن هو الذي قد اتم الله عليه النعمة بالزواج. فزنا ما هو اعظم من زنا البكر؟ لانه تمت عليه النعمة. فلم يتعد من الحلال الى الحرام وقلة ايمانه. فكان على الحر الرجم اذا احصن واما الرقيق فالمحصن وغيره سواء. وقوله في الثالثة او الرابعة ثم بيعوها ولو بضفير. اي بحبل. اي فلا خير فيها ولا ينبغي له ان الزانية في ملكه. واقامة الحدود كما تقدم الى الامام ويستثنى الرقيق. فان لسيده ان يقيم الحد عليه في جلد واما القتل كالقصاص ونحوه فليس الى السيد. بل الى الامام الثالث والاربعون والثلاثمائة. الحديث الرابع عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال اتى رجل من المسلمين رسول الله صلى في اربع مرات. فلما شهد على نفسه اربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقال ابك جنون؟ قال لا قال فهل احصنت؟ قال نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اذهبوا به فارجموه. قال ابن شهاب فاخبرني ابو سلمة ابن عبد الرحمن انه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول كنت فيمن رجمه. فرجمناه بالمصلى. فلما اذلقته الحجارة هرب فادركناه بالحرة فرجمناه. رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته. قوله في حديث ابي هريرة اتى رجل من المسلمين الى اخره. وهو ماعز ابن ما لك الاسلمي ان يؤاخذه اول مرة. فتنحى تلقاء وجهه. فقال يا رسول الله اني اني زنيت فاعرض عنه حتى ثنى ذلك. اي كرر اقراره اربع مرات فلما شهد على نفسه اربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم فقال أبيك جنون؟ قال لا وفي الروايات انه سأل قومه عنه. فقالوا ليس في عقله خلل. ففيه ان المجنون تسقط عنه التكاليف. وقوله فقال هل احصنت؟ قال نعم اي هل تزوجت؟ والاحصان هو ان يتزوج حرة ويطأها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. اذهبوا به فارجموه اي حتى يموت. قال ابن شهاب فاخبرني ابو سلمة ابن عبدالرحمن انه قال سمعت جابرا يقول كنت فيمن رجمه. فرجمناه بالمصلى اي مصلى العيد. فلما اذلقته الحجارة اي حمي عليه الرجم واشتد الم الحجارة عليه. هرب بموجب الطبائع البشرية. انها لا تصبر على المؤلم فادركناه بالحرة فرجمناه. اي حتى مات رضي الله عنه. وفي بعض الروايات ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم امر ان يستنكح اي لعله سكران. فلا يثبت عليه الحد. ففي هذا الحديث فوائده كثيرة منها ان الزنا يثبت بالاقرار. كما يثبت بشهادة اربعة واولى واشترط بعضهم ان يقر اربعا والا يرجع عن اقراره حتى يتم عليه الحد. لانه في هذا الحديث اقر اربعا. وقال اخرون يكفي الاقرار مرة واحدة. فيثبت عليه الحد بذلك استدلالا بما تقدم من قوله عليه السلام واغدي انيس لرجل من اسلم الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها. ولم يشترط ان تقر اربع مرات ولو كان واجبا لذكره. وظاهر الحال انها لم تقر الا مرة واحدة ولانه قد لا يمكن الاقرار الا مرة واحدة كيف يعطل الحد حتى يقر اربعا؟ وفصل بعضهم فقال ان كان لم يشتهر ولم يتهم قبل اقراره. لم يثبت حتى يقر اربعا كما في قصة ماعز. وان كان قد اشتهر واتهم بالفاحشة. كفى اقراره مرتين واحدة. كما تقدم في قوله واغدوا يا انيس الى امرأة هذا. فان اعترف ترجمها وهذا التفصيل احسن الاقوال. وهو الذي تجتمع فيه الاحاديث ومنها ان المجنون ليس بمكلف. ولا تثبت عليه الحدود ومعنى قولنا لا يحد اي لا يحد الحد الذي قدر الله تعالى والا فيؤدب تأديبا يردعه وامثاله. وتأديبه كتأديب البهائم. وكل اقواله ليست معتبرة. ومنها ان السكران قال لا تعتبر اقراراته. كما ان جميع اقواله وعقوده لاغية على الصحيح فلا يثبت طلاقه ولا عتقه ولا اقراره بمال ولا غيره ولا هبته ولا رهنه. ولا سائر تبرعاته وتصرفاته هذا الصحيح بلا شك. ومن قال يقع طلاقه وبعض عقوده فليس ليس معه دليل بل الدليل على خلاف ما قال. وغاية ما يقولون يقع عليه عقوبة له. فالجواب عن هذا ان الله تعالى لم يوجب على السكران الا الحق فقط وايضا فان ضرر المرأة بايقاع الطلاق ابلغ من ضرر الرجل فكيف تعاقب ولم تفعل ذنبا. فهذا قول ضعيف جدا ومنها انه يجب الاستفصال في مقام الاحتمال. اذا كان الحكم يختلف كما تقدم هذا اذا كان الاحتمال قريبا. واما اذا كان بعيدا جدا فلا يلزم الاستفصال عنه. ومنها انه يسأل عن الانسان اذا اشتبه في امره من يتصل به كاقاربه واصدقائه. ومنها انه يجب على المحصن الرجم. وقد ورد ان من القرآن الذي نسخ له رفضه وبقي حكمه اية الرجم. وهي الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما من بتت نكالا من الله. والله عزيز حكيم. والمراد بالشيخ المحصن والشيخة المحصنة. وفي بعض روايات هذا الحديث انهم لما اخبروا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه هرب قال تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه. ففيه انه اذا ثبت عليه الزنا بمجرد اقراره ولم يشتهر بالفاحشة. ورجع عن اقراره قبل ان ان يتم عليه الحد. فانه يترك ولو كان رجوعه بعد ما ذاق الم الرجل واما اذا كان مشتهرا بذلك وثبت عليه الزنا بالشهود فيلزم اتمام الحد رجع او لم يرجع. ومنها فضل ماعز رضي الله عنه فانه غضب على نفسه لله تعالى. ورضي يبي اتلافها غضبا لله. ومنها انه يلزم الانسان ان يحذر من فعله ذنب فاذا غلبته نفسه وفعله وستر الله عليه فلا يفضح نفسه ويهتك ستر الله تعالى. بل يتوب فيما بينه وبين الله الله تعالى الرابع والاربعون والثلاثمائة. الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال ان اليهود جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فذكروا له ان امرأة منهم ورجلا زنيا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ما تجدون في التوراة في شأن الرجم. فقالوا نفضحهم ويجلدون. قال عبدالله بن سلام كذبتم. ان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها فقرأوها. فوضع احدكم احدهم يده على اية الرجم. فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك. فرفع يده فاذا فيها اية الرجم. فقال صدق يا محمد. فامر بهما النبي صلى الله عليه عليه وعلى اله وسلم فرجما. قال فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال رضي الله عنه الذي وضع يده على اية الرجم هو عبدالله بن سوريا. رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث ابن عمر ان اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فذكروا له ان امرأة ورجلا منهم زنيا. وكانوا لعنهم الله يعلمون انه رسول الله حقا. ولكن كفروا به بغضا وعنادا وترافعهم اليه في هذا قصدهم لعله ان يحكم باخف مما في التوبة وراه نبي الرحمة. وانه جاء برفع الاخر المصاري والاغلال. فقال لهم رسول الله ما تجدون في التوراة في شأن الرجم مراده ان يبين لهم ان كتب الله متفقة على هذا الحكم العظيم ولكنهم غيروا ذلك وبدلوا فقالوا نفضحهم فكانوا في اول الامر يقيمون الحدود كما امر الله ثم غيروا حكم الله تعالى. فكان اول ما غيروها انهم يجلدون الوضيع دون الشريف. ثم بعد ذلك ابطلوا هذا. وغيروا ذلك في فضيحة والجلد. وذلك انهم يسودون وجه الزاني. ويركي على حمار ويطوفون به على مجامع الناس. ينادون عليه بجريمته وكان عبد الله ابن سلام حاضرا. وكان من احبارهم فاسلم رضي الله عنه فقال كذبوا يا رسول الله ان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها. اي لينظروا هل هي فيها ام لا فاقرأوها فوضع احدهم يده على اية الرجم. وهو عبد الله ابن سوريا وكان شابا. ولكنه من احبارهم وعلمائهم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبدالله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فاذا فيها اية الرجم. فقالوا صدق يا محمد فامر بهما النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم فرجما قال ابن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة اي من شدة عشقه لها يفديها بنفسه حتى في هذه الحالة. مع انه يعلم انهما ميتان جميعا. ففيه ان الكفار اذا الينا وجب ان نحكم بينهم بما انزل الله. وان نقيم عليهم الحدود ولا نمكنهم لو ارادوا ان يستأنفوا فلا يقبلوا الحكم بل يجبرون على التزامه. وفيه انه تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض لا على المسلمين الا فيما استثني كما تقدم. وفيه رجم المحصن الخامس والاربعون والثلاثمائة. الحديث السادس عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال قال لو ان امرأ اطلع عليك بغير اذنك فحذفته بحصاة وفقير عينه ما كان عليك جناح. رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته. قوله في حديث ابي هريرة لو ان امرأ عليك بغير اذن اي من خلل الباب. او من جدار ونحوه. فحذفته بحصاة ففقأت عينه. ما كان عليك اي لان العين جنت وتعدت بالنظر المحرم. فلا ضمان اتلافها وليس هذا من باب دفع الصائل. فلا يجوز انذار من فعلها هذا ولا دفعه بالاسهل فالاسهل. بل هذا من باب اتلاف العضو الجاني كقطع يد السارق لجنايتها بالسرقة. وكجلد الزاني او رجمه لتلذذ جميع بدنه بالزنا. وكقتل القاتل والقصاص فيما دون النفس ولا يقاس على النظر الاستماع. لانه لا يماثله من كل وجه الله اعلم. باب حد السرقة. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليمه قوله باب حد السرقة. تقدم الكلام على معنى الحدود وفائدته فيها في اول كتاب الحدود. والسرقة هي اخذ المال من مالكه على وجهه اختفاء بخلاف الغصب والنهبة فلا قطع فيهما. ولا يسمى بيان سرقة. وان كان المنتهب والغاصب في بعض الصور اعظم اثما من السارق وثبت قطع السارق بالكتاب والسنة واجماع الامة. وهو هو مقتضى القياس والحكمة. ويشترط في القطع ان يكون المال مأخوذا من حرز مثله ويختلف باختلاف الاوقات والبلدان والاموال. فالمرجع في ذلك الى العرف. ويشترط ايضا ان يكون نصابا. فلو اخذ اقل منه لم يقطع. السادس والاربعون والثلاثمائة. الحديث الاول عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وفي لفظ ثمنه رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقد ذكره بقوله في حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وفي الرواية الاخرى ثمنه. وثلاثة الدراهم في ذلك الوقت ربع دينار مأخوذ من وهو الاختفاء. اي ما يجتن به في الحرب وكانوا يستعملونه في الزمن الاول. لان سلاحهم سيف ورمح وقول هذا ابلغ ما عندهم. ويتخذون المجن يقيهم منها وهو شيء يأخذه احدهم بيده على هيئة الشمسية. يتقي به عند القتال وفي الحديث انه لا يقطع باقل من النصاب. وفيه ان عرض يقوم بالنقد. فان بلغت قيمته نصابا قطع والا فلا وقد اختلف العلماء في النقدين ايهما الاصل؟ فالمشهور من مذهبي ان كل واحد منهما اصل. فيقوم العرض بارخصهما فان كان المسروق من احدهما فالمرجع الى ما قدر فيه ولا يقوم بالاخر السابع والاربعون والثلاثمائة الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا. رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في في تعليقاته واستدلوا بهذا الحديث وبقوله في حديث عائشة تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا. اي انها لا تقطع في اقل من ربع دينار وعنه رواية ان الاصل في نصاب السرقة الذهب وان الفضة تبع له. وهذا هو الصحيح كما تقدم. ان الاصل في الديات الابل على الصفح وتقدمت ادلته ومما يبين صحة هذا القول ان من اخذ بالقول الاول وقال كل واحد اصل فانه لا يسلم من التناقض وايضا فان قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا. يفيد انها لا تقطع في اقل من ذلك. وهذا قول من النبي صلى الله عليه وعلى اله اله وسلم. وهو عام في كل وقت. واما الاول فانه فعله وثلاثة الدراهم في ذلك الوقت ربع دينار. وقوله قيمته ثلاثة دراهم من كلام الصحابي. فلا يفيد ان كل عرض سرق. وبلغت قيمة ثلاثة دراهم قطع به. لان الثلاثة في ذلك الوقت ساوت ربع الدين نار مصادفة. فالعبرة بالذهب على الصحيح. واظنه مذهب الشافعي ولم يشترط الظاهرية نصابا. واوجب القطع في سرقة القليل والكثير ولكن ترد هذا القول الاحاديث الصحيحة. ولان هذا المقص دار الذي قدره الشارع هو اقل ما تتبعه همة غالب الناس. واما حقير جدا فلا قطع فيه شرعا وعقلا. وقد اعترض بعض المعترضين على هذا حكم الذي شرع الله رحمة بالعباد. وحفظا لاموالهم فقال يد بخمسجد وديت. ما بالها قطعت في ربع دين ناري مراد هذا المعترض ان الله تعالى شرع دية اليد خمسمائة دينار لان دية النفس الف دينار. ودية اليد نصف دية النفس كيف اوجب قطعها في ربع دينار؟ وربع الدينار ليس له نسبة الى الخمسمائة فاجابه العلماء عليه اعتراضه باجوبة. منها ان الله وتعالى شرع دية النفس الف دينار. ودية اليد نصف ذلك حفظا للابدان واوجب قطع اليد في سرقة ربوع دينار فاكثر حفظا للاموال. وهذا مقتضى الحكمة والعدل الذي ليس فوقه عدل. ومنها قولهم لما كانت امينة كانت ثمينة فلما خانت هانت. اي لما كانت امينة كانت ثمينة. فجعل ديتها خمسمائة دينار لامانتها. فلما خانت بسرقة المال على الله وعلى خلقه. فقطعت في سرقة هذا القليل. لخيانتها وهوانها. الى غير ذلك من الاجوبة السديدة. ولو فكر هذا المعترض قل تفكير او كان معه عقل يفهم به حقائق الامور. لعلم ان هذا الحكم احسن الاحكام. ولا صلاح للدين والدنيا الا به. لان ان المسلمين لا صلاح لدينهم ودنياهم الا بلزوم الشرع. وامتثال اوامره واقامة حدوده. الثامن والاربعون والثلاثمائة حديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها ان قريشا اهمهم امر المخلوق التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى على آله وسلم. فقالوا ومن يجترئ عليه الا اسامة بن زيد حبوا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فكلمه اسامة ويم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وفي لفظ كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده امر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بقطع يدها. رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث في عائشة ان قريشا اهمهم امر التي سرقت. الى اخره اي كبر عليهم وطلبوا امرا يتوصلون به الى ترك قطعها لانها من اكبر قبائل قريش. فان بني مخزوم قبيلة كبيرة من شرف قبائل قريش وعظمائهم. واكثر صناديد اهل مكة من بني مخزوم فلهذا شق عليهم اقامة الحد عليها. وطلبوا درء عنها فطلبوا وسيلة يستشفعون بها الى رسول الله صلى الله عليه وعلى على آله وسلم. وكانت العادة قد جرت. ان يستشفع الى الانسان باقرب الناس اليه واحبهم له. وكان احب الناس الى رسول الله من امته في اصحابه على قدر مراتبهم. ومن احبائه اسامة بن زيد سيدي بني حارثة. فهو حب رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وابن حبه اي يحبهما رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فان ان زيدا اول الامر تبناه رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كما تقدم حتى نزل قوله تعالى وقوله الاية فنسب الى ابيه. واسامة كان يحبه رسول رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم محبة عظيمة. فلهذا سلوا به الى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقالوا ومن يجترئ على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ان يتدلل على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ويسأل منه ترك حدها فقالوا له كلم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فكلمه فغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم غضبا لله تعالى فقال اتشفع في حد من حدود الله؟ وقد تقدم التحذير من الشفاعة في الحدود بعد بلوغها. وان الله ورسوله لعن الشافع والمشفع هذا بعد ظهورها وبلوغها الامام. واما قبل ان تبلغ الامام فهل ينبغي ينبغي ان يستر الانسان على من وجده يفعل معصية او يشفع فيه الى من اراد ان ارفعه الصحيح انه ينظر الى المصلحة. فان كان رفعه اصلح رفعه وان كان الستر عليه اصلح ستر عليه. وقوله ثم قام فاختطب الى اخره. كانت هذه عادته صلى الله عليه وعلى اله وسلم اذا وقع امر يحتاج الى التنبيه عليه خطب الناس وبين لهم الحق هذا من تبليغه ونصحه. فنشهد بالله لقد بلغ البلاغ المبين صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وجزاه عن امته افضل الجزاء. قوله انما اهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيه الضعيف اقاموا عليه الحد. كما تقدم في الزنا مثلها هذا وهذا من تغييرهم لحكم الله وحدوده. فلهذا اهلكهم الله بفعلهم ثم نبه على ما يجب فعله من العدل بين الناس في الاحكام شريفهم ووضيعهم. قريبهم وبعيدهم. غنيهم وفقيرهم. في الحد وعدده وغير ذلك. فلا يدرأ عن الشريف او يقام عليه بعض الحد او يقام عليه خفية. فهذا من فعل من غيروا حكم الله. فاهلكهم الله وبما اكتسبوا فقال ويم الله وهذا قسم منه صلى الله عليه وعلى اله وسلم لاجل التأكيد. لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يده اي مع شرفها وفضلها وقربها منه صلى الله عليه وعلى اله وسلم فلا يمنع ذلك من ترك اقامة الحد عليها. ولكن حاشا سيدة سائل العالمين من ذلك الفعل. وقوله في اللفظ الاخر كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده. الى اخره. اختلف العلماء هل يقطع جاحد العارية ام لا. مذهب الائمة انه لا يقطع. قالوا لانه خائف وليس بسارق. وفي ذلك نظر. ومذهب الامام احمد انه يقطع لهذا النص ولانه لا فرق بينه وبين السارق. بل فعله اولى ان الشارع امر بالاحسان وبذل المعروف. وقد امتثل المعير امر الشارع في ذلك وجحد العارية سبب لقطع الاحسان بين الناس. وهذا هو الصحيح واجاب الائمة الثلاثة عن هذا الحديث بان هذه المرأة كانت تسرق وتجحد العارية. فقطعها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لسرقها لا لجحدها العارية. وهذا التأويل مخالف لظاهر اللفظ ففي هذا الحديث فوائد كثيرة. منها تحريم الشفاعة في الحدود بعد بلوغها الايمان ومنها وجوب العدل بين الناس كما تقدم. ومنها وجوب قطعه العارية. كالسارق على الصحيح. باب حد الخمر قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته. قوله باب حد الخمر. اضيف فالى سببه كسائر ابواب الفقه. واحسن ما فسر به الخمر. واجمع ما قيل فيه على الاطلاق هو ما فسره به من اوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فانه فسره بقوله كل مسكر خمر وكل خمر حرام. فذكر في في هذا فعرف الخمر وذكر حكمه في هذا الكلام المختصر. فخرج بقول كل مسكر خمر البنج ونحوه. فانه يغطي العقل ولكن انه ليس بمسك فانه يباح تعاطيه للضرورة. لانه يسهل الادوية والتداوي. وقال عمر الخمر ما خامر العقل. اي سمي الخمر خمرا لانه يخامر العقل ان يغطيه. وورد ما اسكر كثيره فملئ الكف منه حرام. فالعبرة بالكثير. فاذا كان الكثير يسكر القليل حرام. ولا يباح لجوع ولا لعطش لانه يعطش. ولا يباع بحال الا لدفع لقمة غص بها. ويدخل في الخمر الحشيشة من الاشياء المسكرة. وحرم الله تعالى الخمر. لانه يفسد العقل ويذهبه. فيكون الانسان في هذه الحالة اسوأ حالا من البهيمة وقد تقدم ان الله تعالى اوجب القصاص حفظا للابدان واوجب قطع السارق حفظا للاموال. وفي هذا اوجب حد الخمر حفظا للعقول وربما تجرأ السكران على المحرمات كلها. من الزنا والقذف والقتل وغير ذلك. ولهذا سميت الخمرة ام الخبائث. والله الله تعالى ميز الانسان عن سائر الحيوانات بالعقل. فاذا زال عقله فلا فرق بينه وبين البهائم. بل يكون اسوأ حالا منها كما تقدم وقد اعتاد الناس الخمر في الجاهلية. ومكث حبها في قلوبهم فلهذا نهاهم الله تعالى عنها على وجه التدريج. فاول ما انزل في الخمر قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى. فاولا نهاهم عنها ها عند ارادة الصلاة. فلما تمرنوا على هذه الحالة انزل قوله يسألونك عن الخمر والميسر. قل فيهما اثم الاية فهذا اعم من الاول. ولكن لم يحتم النهي والميسر هو جميع المغالبات غير ما استثني. وهو المسابقة في الخيل والابل والسهام. فتباح هذه للحاجة. واما غيرها فرهان من منهي عنه. ثم بعد ذلك انزل الله تعالى يا يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصار والازلام رجس. والانصاب والازلام رجس من ما ليش الشيطان. الاية. فالانصاب هو ما يعبد من دون الله والازلام هو ما يستقسمون به في الجاهلية. فيجعل احدهم ثلاثة اقدام في احد هفعل وفي الثاني لا تفعل. وفي الثالث غفل فيدخلها في جيبه ونحوه ثم يجيلها فيه. ويخرج واحدة منها فان خرج افعل مضى لشأنه الذي هم به. وان خرج لا تفعل رجع عن ذلك وان خرج الغفل اعادها. فبدل المسلمين عن ذلك بخير منه وهو الاستخارة فذكر الله تعالى ثمانية اشياء توجب ترك الخمر والميسر وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فلما نزلت هذه الاية قال انتهينا انتهينا التاسع والاربعون والثلاثمائة. الحديث الاول. عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اوتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدة نحو اربعين. قال وفعله ابو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبدالرحمن بن عوف الحدود ثمانون. فامر به عمر رضي الله عنه. رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدة نحو اربعين جلدة. وورد صريحا جلده اربعين. وفعله ابو بكر رضي الله عنه. اي وكان هذا عدد من الجلد يكفي في ردع الناس ذلك الوقت. فلما كان عمر اي وكثرت الفتوح وتترف الناس وكثرت الاموال بين ايديهم. كثر فيهم شرب الخمر ولم يرتدعوا بذلك العدد من الجلد. فلهذا جمع عمر واستشارهم في ذلك. كما هي عادتهم رضي الله عنهم. اذا وقع امر مهم اجتمعوا وتشاوروا. وقوله فقال عبدالرحمن بن عوف يا امير المؤمنين اخف الحدود اي التي قدرها الله في كتابه ثمانون يريد حد القذف. وفي بعض الاحاديث ان عليا قال اذا سكر هذا واذا هذا افترى وحد المفتري ثمانون. اي اذا غاب عقله فاقل ما يصدر منه القذف. وهو غالب الوقوع من السكران. فامر به عمر فكان العمل على ذلك. فلما استخلف علي قال قد جلد رسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم اربعين وابو بكر كذلك. وجلد عمر ثمانين والكل حق. ثم جلده اربعين. فهذا تصريح منه بان كل ذلك حق. واختلف في حد الخمر. هل يجب الا ينقص عن الثمانين يجب الا يزاد على الاربعين. او ان الاربعين لا ينقص عنها. وما فوق الارض اربعين يرجع فيه الى المصلحة. فان كان يحصل في الاربعين النكاية والردع عنها الفعل اقتصر عليها. كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وابي بكر. وان كان لا يحصل في الاربعين الردع والنكاية زيد عليها حتى يحصل الردع عن هذا الفعل. كما في زمن عمر. فيه ثلاث اقوال الاول هو المشهور من مذهب احمد. والثالث اي الرجوع فيه الى اصح الاقوال. وهو رواية عن احمد. اختارها جملة من الاصحاب الخمسون والثلاثمائة. الحديث الثاني عن ابي بردة هانئ ابن نيار البلوي رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول لا يجلد فوق عشرة اسواط في حد من حدود الله. رواه البخاري ومسلم. قال شيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث ابي بردة ابن نيار لا يجلد فوق عشرة اسواط الا في حد من حدود الله تعالى. حدود الله هي اوامره ونواهيه. فاذا ورد تلك حدود الله والله فلا تعتدوها. فالمراد به الاوامر. واذا ورد تلك حدود الله فلا تقربوها. فالمراد به المحرمات وهذا الحديث في التعزيرات والتأديبات. وقال بعضهم ان المراد بقوله الا في حد من حدود الله. المراد بذلك العقوبات التي قدرها شارع فيكون معنى الحديث ان ما قدر الشارع عقوبة على فعله كالزنا والسرقة وشرب الخمر. يرجع فيه الى تقدير الشارع. وما ما لم يقدره الشارع عقوبة على فعله. فانه لا يزاد في التعزير عليه على عشرة اشواط غير ما استثني. قالوا ولا يعزر باخذ المال غير ما استثني والصحيح ان معنى الحديث انه لا يزاد على عشرة اسواط في التأديبات التي ليست على فعل محرم او ترك واجب. كتأديب المعلم الصبيان وتأديب الرجل زوجته وولده وخادمه ونحو ذلك. واما العقوبات التي قدرها الشارع. فنعم لا يزاد على ما قدره. واما التعزير على ترك واجب او فعل محرم لم يقدر الشارع فيه عقوبة فانه يرجع فيه الى المصلحة. فان كان على معصية قد مضت فيؤدب بما يردعه وامثاله عن فعلها وان كان على معصية قد اصر عليها فيؤدب حتى يقلع عنها وان كان على ترك واجب فيؤدب حتى يلتزمه. وقد تبلغ التعزير الى القتل. هذا هو الصحيح. كما ان الصحيح انه يعزر اخذ المال. اذا كان في ذلك مصلحة. كما تضعف القيمة على كاتم الضال وكما يحرق متاع الغال ونحو ذلك