اتهموهم وهذا ابلغوا في نفي التهمة. من ان لو قالوا تالله لم نفسد في الارض ولم نسرق قالوا فما جزاؤه؟ اي جزاء هذا الفعل ان كنتم كاذبين بان كان معكم قال ائتوني به استخلصه لنفسي. اي اجعله خصيصة لي ومقربا لدي. فاتوه به مكرما محترما. فلما اعجبه كلامه وزاد موقعه عنده. فقال له انك اليوم لدينا اي عندنا مكين امين. اي متمكن المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات الكتاب المبين. يخبر تعالى ان ايات القرآن هي ايات الكتاب المبين. اي البينة الواضحة الفاظه ومعانيه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. ومن بيانه وايضاحه انه انزله باللسان العربي اشرف الالسنة وابينها. المبين لكل ما يحتاجه الناس من الحقائق النافعة. وكل هذا الايضاح والتبيين لعلكم تعقلون. اي لتعقلوا حدوده واصوله وفروعه. واوامره ونواهيه. فاذا عقلتم ذلك بايقانكم قلوبكم بمعرفتها اثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد اليه. ولعلكم تعقلون. اي تزداد عقولكم بتكرر المعاني الشريفة العالية على اذهانكم فتنتقلون من حال الى احوال اعلى منها واكمل. نحن نقص عليك احسن القصص بما اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين. نحن نقص عليك احسن القصص وذلك لصدقها وسلامة عبارتها ورونق معانيها. بما اوحينا اليك هذا القرآن اي بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي اوحيناه اليك وفضلناك به على سائر الانبياء. وذلك محض منة من الله واحسان. وان كنت من قبله لمن الغافلين اي ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان قبل ان يوحي الله اليك. ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. ولما مدح ما اشتمل هذا القرآن من القصص وانها احسن القصص على الاطلاق. فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن. ذكر قصة يوسف واخوته القصة العجيبة الحسنة. فقال واعلم ان الله ذكر انه يقص على رسوله احسن القصص في هذا كتاب ثم ذكر هذه القصة وبسطها وذكر ما جرى فيها. فعلم بذلك انها قصة تامة كاملة حسنة. فمن اراد ان يكملها او يحسنها بما يذكر في الاسرائيليات. التي لا يعرف لها سند ولا ناقل. واغلبها كذب. فهو مستدرك على الله. ومكمل لشيء يزعم انه ناقص وحسبك بامر ينتهي الى هذا الحد قبحا. فان تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير. من الاكاذيب الامور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد ان يفهم عن الله ما قصه. ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه عليه وسلم ينقل فقوله تعالى اذ قال يوسف لابيه يا ابت اني رأيت احد عشر كوكبا اذ قال يوسف لابيه يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام يا ابتي اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل اليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والاخرة. وهكذا اذا اراد الله امرا من الامور العظام. قدم بين يديه مقدمة توطئة له وتسهيلا لامره. واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق. لطفا بعبده واحسانا اليه. فاولها يعقوب بان الشمس امه. والقمر ابوه والكواكب اخوته وانه ستنتقل به الاحوال الى ان يصير الى حال يخضعون له ويسجدون له اكراما واعظاما. وان ذلك لا يكون الا باسباب تتقدمه من اجتباء الله له واصطفائه له واتمام نعمته عليه بالعلم والعمل والتمكين في الارض. وان هذه نعمة ستشمل ال يعقوب الذين سجدوا له وصاروا تبعا له فيها. ولهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعذبك اعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب كما واسحاق وكذلك يجتبيك ربك ان يصطفيك ويختارك بما يمن به عليك من الاوصاف الجليلة والمناقب جميلة ويعلمك من تأويل الاحاديث اي من تعبير الرؤيا وبيان ما تؤول اليه الاحاديث الصادقة كالكتب السماوية ونحوها ويتم نعمته عليك في الدنيا والاخرة. بان يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم اسحاق حيث انعم الله عليهما بنعم عظيمة واسعة دينية ودنيوية. ان ربك عليم حكيم. اي علمه محيط بالاشياء ما احتوت عليه الضمائر العباد من البر وغيره. فيعطي كل ما تقتضيه حكمته وحمده. فانه حكيم يضع الاشياء مواضعها. وينزلها منازلها ولما بان تعبيرها ليوسف قال له ابوه يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك ليكيدوا لك كيدا اي حسدا من عند انفسهم ان تكون انت الرئيس الشريف عليهم. ان الشيطان للانسان عدو مبين. لا يفتر عنه ليلا ولا نهارا ولا سرا ولا جهارا. فالبعد عن الاسباب التي يتسلط بها على العبد اولى. فامتثل يوسف امر ابيه ولم يخبر اخوته بذلك بل كتمها عنهم. يقول يقول تعالى لقد كان في يوسف واخوته ايات اي عبر وادلة على كثير من المطالب الحسنة للسائلين اي لكل من سأل عنها بلسان الحال او بلسان المقال. فان السائلين هم الذين ينتفعون بالايات والعبر. واما المعرضون فلا ينتفعون بالايات ولا في القصص اذ قالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال اذ قالوا فيما بينهم ليوصف اخوه بنيامين اي شقيقه والا فكلهم اخوة احب ما ابينا منا ونحن عصبة. اي جماعة فكيف يفضلهما علينا بالمحبة والشفقة؟ ان ابانا لفي ضلال مبين. اي لفي خطأ مبين حيث فضلهما علينا من غير موجب نراه. ولا امر نشاهده. اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضين لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا اي غيبوه عن ابيه في ارض بعيدة لا يتمكن من رؤيته فيها. فانكم اذا فعلتم احد هذين الامرين يخلو لكم وجه ابيكم ان يتفرغ لكم ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة فانه قد اشتغل قلبه بيوسف شغلا لا يتفرغ لكم وتكونوا من بعده اي من من بعد هذا الصنيع قوما صالحين اي تتوبون الى الله وتستغفرون من بعد ذنبكم. فقدموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله وازالة لشناعته وتنشيطا من بعضهم لبعض. قال قائل منهم لا تقتلوا وجوهكم اي قال قائل من اخوة يوسف الذين ارادوا قتله او تبعيده. لا تقتلوا يوسف فان قتله اعظم اثما واشنع. والمقصود يحصل بتبعيده عن ابيه من غير قتل ولكن توصلوا الى تبعيده بان تلقوه في غيابة الجب. وتتوعدوه على انه لا يخبر بشأنكم. بل على انه ثم ملوك ابق منكم لاجل ان يلتقطه بعض السيارة. الذين يريدون مكانا بعيدا فيحتفظون فيه. وهذا القائل احسنهم رأيا في يوسف وابرهم واتقاهم في هذه القضية. فان بعض الشر اهون من بعض. والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل. فلما اتفقوا على هذا الرأي اي قال اخوة يوسف متوصلين الى مقصدهم لابيهم. يا ابانا ما لك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون اي لاي شيء يدخلك الخوف منا على يوسف من غير سبب ولا موجب. والحال انا له لناصحون. اي مشفقون عليه نود له ما نود لانفسنا. وهذا يدل على ان يعقوب عليه السلام لا يترك يوسف يذهب مع اخوته للبرية ونحوها. فلما نفوا عن انفسهم التهمة المانعة من عدم ارساله معهم. ذكروا له من مصلحة يوسف وانسه. الذي يحبه ابوه له. ما يقتضي ان يسمح بارساله فقالوا ارسله غدا يرتع ويلعب اي يتنزه في البرية ويستأنس وانا له لحافظون. اي سنراعيه ونحفظه من اذى يريده. فاجاب بقوله اني ليحزنني ان تذهبوا به. اي مجرد ذهابكم به يحزنني ويشق علي. لانني لا اقدر على فراق ولو مدة يسيرة فهذا مانع من ارساله. ومانع ثان وهو اني اخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون. اي في لغفلتكم عنه لانه صغير لا يمتنع من الذئب قالوا لان اكله الذئب ونحن عصبة. اي جماعة حريصون على حفظه. انا اذا لخاسرون. اي لا خير فينا يرجى منا ان اكله الذئب وغلبنا عليه. فلما مهدوا لابيهم الاسباب الداعية لارساله وعدم الموانع. سمح حينئذ بارساله معهم لاجل انسه اي لما ذهب اخوة يوسف بيوسف بعد ما اذن له ابوه وعزموا على ان يجعلوه في غيابة الجب. كما قال قائلهم السابق ذكره. وكانوا قادرين على ما اجمعوا عليه فنفذوا فيه قدرتهم والقوه في الجب. ثم ان الله لطف به بان اوحى اليه وهو في تلك الحال الحرجة. لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون اي سيكون منك معاتبة لهم واخبار عن امرهم هذا وهم لا يشعرون بذلك الامر. ففيه بشارة له بانه سينجو مما وقع فيه وان الله سيجمعه باهله واخوته على وجه العز والتمكين له في الارض. وجاءوا اباهم عشاء وجاءوا اباهم عشاء يبكون ليكون اتيانهم متأخرا عن وبكاؤهم دليلا لهم وقرينة على صدقهم. فقالوا متعذرين بعذر كاذب وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب. وما انت بمؤمن اننا ولو كنا صادقين. يا ابانا انا ذهبنا نستبق. اما على الاقدام او بالرمي والنضال وتركنا يوسف عند متاعنا توفيرا له وراحة فاكله الذئب في حال غيبتنا عنه في استباقنا. وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. اي تعذرنا بهذا العذر. والظاهر انك لا تصدقنا لما في قلبك من الحزن على يوسف. والرقة الشديدة عليه ولكن عدم تصديقك ايانا. لا يمنعنا ان نعتذر بالعذر الحقيقي. وكل هذا تأكيد لعذرهم. ومما اكدوا به قولهم انهم جاؤوا على قميصه بدم كذب بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على اما تصفون زعموا انه دم يوسف حين اكله الذئب. فلم يصدقهم ابوهم بذلك. وقال بل سولت لكم انفسكم امرا. اي زينت لكم انفسكم امرا قبيحا في التفريق بيني وبينه. لانه رأى من القرائن والاحوال. ومن رؤيا يوسف التي عليه ما دله على ما قال. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. اي اما انا فوظيفتي ساحرص على القيام بها وهي اني اصبر على هذه المحنة صبرا جميلا. سالما من السخط والتشكي الى الخلق. واستعين الله على ذلك لا على حولي وقوتك فوعد من نفسه هذا الامر وشكى الى خالقه في قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله لان الشكوى الى الخالق لا تنافي الصبر لان النبي اذا وعد وفى يا بشرى هذا غلام واسروه بضاعة والله عليم بما يعملون اي مكث يوسف في الجب ما مكث حتى جاءت سيارة اي قافلة تريد مصر فارسلوا واردهم اي فرطهم ومقدمهم الذي يعس لهم المياه ويصبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك. فادلى ذلك الوارد دلوة. فتعلق فيه يوسف عليه السلام وخرج. قال يا بشرى هذا اي استبشر وقال هذا غلام نفيس. واسروه بضاعة وكان اخوته قريبا منه. فاشتراه السيارة منهم بثمن بخس اي قليل جدا فسره بقوله دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين. لانه لم يكن لهم الا تغييبه وابعاده عن ابيه. ولم يكن لهم قصد في اخذ ثمنه. والمعنى في هذا ان السيارة لما وجدوه عزموا ان يسروا امره ويجعلوه من جملة بضائعهم التي معهم. حتى جاءهم اخوته فزعموا انه عبد ابق منهم. فاشتروه منهم بذلك الثمن. واستوثقوا منهم فيه لان لا يهرب والله اعلم. وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته يكرم مثواه عسى ان ينفع والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون. اي لما ذهب السيارة الى مصر وباعوه بها. فاشتراه عزيز مصر. فلما اشتراه اعجب به ووصى عليه امرأته وقال اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. اي اما ينفعنا كنفع العبيد بانواع الخدم. واما ان نستمتع فيه استمتاعنا باولادنا. ولعل ذلك كأنه لم يكن لهما ولد. وكذلك مكنا ليوسف في الارض. اي كما يسرنا ان يشتريه عزيز مصر. ويكرمه هذا الاكرام. جعلنا هذا مقدمة لتمكينه في الارض من هذا الطريق. ولنعلمه من تأويل الاحاديث. اذا بقي لا شغل له ولا هم له سوى العلم. صار ذلك من تعلمه علما كثيرا. من علم الاحكام وعلم التعبير وغير ذلك. والله غالب على امره اي امره تعالى نافذ. لا يبطله ولا يغلبه مغالب ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك يجري منهم ويصدر ما يصدر. في مغالبة احكام الله القدرية. وهم اعجز واضعف من ذلك اي لما بلغ يوسف اشده. اي كمال قوته المعنوية والحسية. وصلح لان يتحمل الاحمال الثقيلة من النبوة والرسالة اتيناه حكما وعلما. اي جعلناه نبيا رسولا وعالما ربانيا. وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الخالق ببذل الجهد فيها والى عباد الله ببذل النفع والاحسان اليهم. نؤتيهم من جملة الجزاء على احسانهم علما نافعا. ودل هذا على ان يوسف مقام الاحسان فاعطاه الله الحكم بين الناس والعلم الكثير والنبوة انه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين انا لنراها في ضلال مبين. يعني ان الخبر اشتهر وشاع في البلد. وتحدث به النسوة فجعلن يلومنها. ويقول امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا. اي هذا امر مستقبح. هي امرأة كبيرة القدر وزوجها كبير هذه المحنة العظيمة اعظم على يوسف من محنة اخوته. وصبره عليها اعظم اجرا. لانه صبر اختيار. لانه صبر اختيار. مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل. فقدم محبة الله عليها. واما محنته باخوته. فصبره صبر اضطرار. بمنزلة الامراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره. وليس له ملجأ الا الصبر عليها. طائعا او كارها. وذلك ان يوسف عليه السلام بقي مكرما في بيت العزيز وكان له من الجمال والكمال والبهائم اوجب ذلك. ان راودته التي هو في بيتها عن نفسه. اي هو غلامها وتحت تدبيرها مسكن واحد يتيسر ايقاع الامر المكروه من غير اشعار احد ولا احساس بشر. وزادت المصيبة بان غلقت الابواب وصار المحل وهما امنان من دخول احد عليهما بسبب تغليق الابواب وقد دعته الى نفسها وقالت هيت لك اي افعل الامر المكروه واقبل الي ومع هذا فهو غريب لا يحتشم مثله ما يحتشمه اذا كان في وطنه وبين معارفه وهو اسير تحت يدها وهي سيدته وفيها من الجمال ما يدعو الى ما هنالك وهو شاب عزب. وقد توعدته ان لم يفعل ما تأمره به بالسجن او العذاب الاليم فصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه. لانه قد هم فيها هما تركه لله. وقدم مراد الله على مراد النفس الامارة بالسوء ورأى من برهان ربه وهو ما معه من العلم والايمان الموجب لترك كل ما حرم الله ما اوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية كبيرة وقال معاذ الله اي اعوذ بالله ان افعل هذا الفعل القبيح لانه مما يسخط الله ويبعد منه ولانه خيانة في حق الذي اكرم مثواي فلا يليق بي ان اقابله في اهله باقبح مقابلة. وهذا من اعظم الظلم والظالم لا يفلح. والحاصل انه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله. ومراعاة حق سيده الذي اكرمه وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه. وكذلك ما من الله وعليه من برهان الايمان الذي في قلبه يقتضي منه امتثال الاوامر واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله ان الله صرف عنه السوء والفحشاء لانه من عباده المخلصين له في عبادتهم الذين اخلصهم الله واختارهم واختصهم لنفسه واسدى عليهم من النعم وصرف عنه من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه والف يا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوء ولما امتنع من اجابة طلبها بعد المراودة الشديدة ذهب اليهرب عنها بادرة الى الخروج من الباب ليتخلص ويهرب من الفتنة فبادرته اليه وتعلقت بثوبه فشقت قميصه فلما وصل الى الباب في تلك الحال الف يا سيدها اي زوجها لدى الباب فرأى امرا شق عليه فبادرت الى الكذب ان المراودة قد كانت من يوسف وقالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا؟ ولم تقل من فعل باهلك سوءا تبرئة لها وتبرئة له ايضا من الفعل. وانما النزاع عند الارادة والمراودة الا ان يسجن او عذاب اليم. اي او يعذب عذابا اليما. فبرأ نفسه مما رمته به وقال قال هي راودتني عن نفسي فحين اذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما لم يعلم ايهما ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وامارات تدل عليه. قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها. فمن الله عليه في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما. تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام. فانبعث شاهد من اهل بيتها. يشهد من وجدت معه فهو الصادق. فقال ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. لان ذلك يدل على انه هو مقبل عليها المراود لها المعالج وانها ارادت ان تدفعه عنها فشقت قميصه من هذا الجانب وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصالحين لان ذلك يدل على هروبه منها. وانها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب فلما رأى قد من دبر عرف بذلك صدق يوسف وبرائته. وانها هي الكاذبة. فقال لها سيدها انه من كيدكن ان كيدكن عظيم. وهل اعظم من هذا الكيد الذي برأت به نفسها مما ارادت وفعلت؟ ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام. ثم سيدها لما تحقق الامر قال ليوسف يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك يوسف اعرض عن هذا اي اترك الكلام فيه وتناسه ولا تذكره لاحد طلبا للستر على اهله واستغفري ايتها المرأة لذنبك انك كنت من الخاطئين. فامر يوسف بالاعراض وهي بالاستغفار والتوبة قدر ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه. ومع هذا فان حبه قد بلغ من قلبها مبلغا عظيما. قد شغفها حبا اي وصل حبه الى شغاف قلبها وهو باطنه وسويداؤه. وهذا اعظم ما يكون من الحب. انا لنراها في ضلال مبين حيث وجدت منها هذه الحالة التي لا تنبغي منها. وهي حالة تحط قدرها وتضعه عند الناس. وكان هذا القول منهن مكرا ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها. وانما اردنا ان يتوصلن بهذا الكلام الى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز. لتحنق امرأة العزيز وتريهن اياه ليعذرنها. ولهذا سماه مكرا فقال وقالت اخوتي اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاشا لله ما هذا باب فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن تدعوهن الى منزلها للضيافة واعتدت لهن متكئا اي محلا مهيئا بانواع الفرش والوسائد. وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة. وكان في جملة ما اتت به احضرته في تلك الضيافة طعام يحتاج الى سكين اما اترج او غيره واتت كل واحدة منهن سكينا ليقطعن في هذا ذلك الطعام وقالت ليوسف اخرج عليهن في حالة جماله وبهائه. فلما رأيناه اكبرنه اي اعظمنه في صدورهن ورأينا منظرا فائقا لم يشاهدن مثله. وقطعن من الدهش ايديهن بتلك السكاكين اللاتي معهن. وقلن حاشا لله اي تنزيها لله ما هذا بشرا؟ ان هذا الا ملك كريم. وذلك ان يوسف اعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء. ما كان به اية للناظرين وعبرة للمتأملين فلما تقرر عند هن جمال يوسف الظاهر. واعجبهن غاية وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز شيء كثير. ارادت ان تريهن جماله الباطن بالعفة التام اما فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية. ولان اللوم انقطع عنها من النسوة. ولقد راودته عن فاستعصم اي امتنع وهي مقيمة على مراودته. لم تزدها مرور الاوقات الا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقى ولهذا قالت له بحضرتهن ولئن لم يفعل ما امره ليسجنن وليكونن من الصاغرين. لتلجأه بهذا الوعيد الى حصول مقصودها فعند ذلك اعتصم يوسف بربه واستعان به على كيدهن وقال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن وهذا يدل على ان النسوة جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيده. وجعلنا يكدنه في ذلك. فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد. والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن. اي امل اليهن. فاني كن عاجز ان لم تدفع عني السوء واكن ان صبوت اليهن من الجاهلين فان هذا جهل لانه اثر لذة قليلة منظمة قصة على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم. ومن اثر هذا على هذا فمن اجهل منه؟ فان العلم والعقل يدعو الى تقديم اعظم المصلحتين واعظم اللذتين. ويؤثر ما كان محمود العاقبة فاستجاب له ربه حين دعاه فصرف عنه كيدهن فلم تزل تراوده استعينوا عليه بما تقدر عليه من الوسائل. حتى ايسها وصرف الله عنه كيدها. انه هو السميع لدعاء الداعي. العليم بنيتها الصالحة وبنيته الضعيفة المقتضية لامداده بمعونته ولطفه. فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة واما اسياده فانه لما اشتهر الخبر وبان. وصار الناس فيها بين عازل ولائم وقادح رأوا الايات ليسجننه حتى لهم اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات الدالة على برائته ليسجننه حتى حين. اي لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس. فان الشيء اذا شاع فان الشيء اذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود اسبابه. فاذا عدمت اسبابه نسي. فرأوا ان هذا مصلحة لهم فادخلوه في السجن اني اراني احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله انا نراك من المحسنين اي ولما دخل يوسف السجن كان في جملة من دخل معه السجن فتيان اي شابان فرأى كل واحد منهما رؤيا فقصها على يوسف ليعبرها. فقال احدهما اني اراني اعصر خمرا. وقال الاخر اني اراني احمل فوق رأسي خبز وذلك الخبز تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله اي بتفسيره. وما يؤول اليه امرهما وقولهما. انا من المحسنين اي من اهل الاحسان الى الخلق فاحسن الينا في تعبيرك لرؤيانا كما احسنت الى غيرنا فتوسلا ليوسف باحسان قال لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ذلكما مما علمني ربي اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم فقال لهما مجيبا لطلبتهما لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما اي فلتطمئن قلوبكما فاني سابادر الى تعبير رؤياكما. فلا يأتيكما غداؤكما او عشاؤكما. اول ما يجيء اليكما الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما. ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد ان يدعوهما الى الايمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما اليه ليكون انجع لدعوته واقبل لهما. ثم قال ذلكما التعبير الذي ساعبره لك ما علمني ربي اي هذا من علم الله علمني واحسن الي به. وذلك اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه. يكون لمن لم يدخل فيه اصلا. فلا يقال ان يوسف كان من قبل على غير ملة ابراهيم واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب ما كان لنا ان ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب ثم فسر تلك الملة بقوله ما كان لنا اي ما ولا يليق بنا ان نشرك بالله من شيء. بل نفرد الله بالتوحيد ونخلص له الدين والعبادة. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس اي هذا من افضل مننه واحسانه وفضله علينا. وعلى من هداه الله كما هدانا. فانه لا افضل من منة الله على العباد بالاسلام والدين القوي فمن قبله وانقاد له فهو حظه. وقد حصل له اكبر النعم واجل الفضائل. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك تأتيهم والاحسان فلا يقبلونها ولا يقومون لله بحقه. وفي هذا من الترغيب للطريق التي هو عليها ما لا يخفى. فان الفتيين لما تقررا عند انهما رأياه بعين التعظيم والاجلال. وانه محسن معلم ذكر لهما ان هذه الحالة التي انا عليها كلها من فضل الله واحسانه حيث من علي بترك الشرك وباتباع ملة ابائه. فبهذا وصلت الى ما رأيتما. فينبغي لك ما ان تسلكا ما سلكت. ثم صرح لهما بالدعوة دعوة فقال يا صاحبي السجن اارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ اي ارباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر ولا تعطي ولا تمنع وهي متفرقة ما بين اشجار واحجار وملائكة واموات. وغير ذلك من انواع المعبودات التي يتخذها المشركون. اتلك خير ام الله الذي له صفات الكمال؟ الواحد في ذاته وصفاته وافعاله. فلا شريك له في شيء من ذلك. القهار الذي انقاد الاشياء لقهره وسلطانه. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ومن المعلوم ان من هذا شأنه وصفه خير من الالهة المتفرقة التي هي مجرد اسماء. لا كمال لها ولا افعال لديها. ولهذا قال ما تعبدون من من دونه الا اسماء سميتموها انتم اباؤكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ما تعبدون من دونه الا ان سميتموها انتم واباؤكم اي كسوتموها اسماء وسميتموها الهة وهي لا شيء. ولا فيها من صفات الالوهية شيء. ما انزل الله بها من سلطان. بل انزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها. واذا لم ينزل الله بها سلطانا لم يكن طريق ولا وسيلة ولا دليل لها. لان الحكم لله وحده. فهو الذي يأمر وينهى ويشرع الشرائع ويسن الاحكام. وهو الذي امركم الا الا اياه. ذلك الدين القيم. اي المستقيم الموصل الى كل خير. وما سواه من الاديان. فانها غير مستقيمة. بل معوجة يعرض له ما يكره قال لهم يعقوب عليه السلام هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل اي تقدم منكم التزام اكثر من هذا في حفظ يوسف. ومع هذا لم تفوا بما عقدتم من التأكيد توصل الى كل شر. ولكن اكثر الناس لا يعلمون حقائق الاشياء. والا فان الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له. وبين الشرك به الاشياء وابينها ولكن لعدم العلم من اكثر الناس بذلك حصل منهم ما حصل من الشرك. فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن الله وحده واخلاص الدين له. فيحتمل انه ما استجاب وانقاد. فتمت عليهما النعمة. ويحتمل انهما لم يزالا على شركهما. فقام عليهما بذلك الحجة ثم انه عليه السلام شرعا يعبر رؤياهما بعدما وعدهما ذلك فقال يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا. واما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه الامر الذي فيه تستفتيان. يا صاحبي السجن اما احدكما وهو الذي رأى انه يعصر حمرا فانه يخرج من السجن فيسقي ربه خمرا ان يسقي سيده الذي كان يخدمه خمرا. وذلك مستلزم لخروجه من السجن. واما الاخر وهو الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه. فيصلب فتأكل الطير من رأسه. فانه عبر عن الخبز الذي تأكله الطير. بلحم رأسه وشحمه وما فيه من المخ. وانه لا يقبر ويستر عن الطيور. بل يصلب ويجعل في محل تتمكن الطيور من اكله. ثم اخبرهما بان هذا التأويل الذي تأوله لهما انه لابد من وقوعه فقال قضي الامر الذي فيه تستفتيان اي تسألان عن تعبيره وتفسيره قال للذي ظن انه ناج منه مذكرني عند ربك. فانساه الشيطان ذكر ربه اي وقال يوسف عليه السلام للذي ظن انه ناج منهما وهو الذي رأى انه خمرا اذكرني عند ربك. اي اذكر له شأني وقصتي. لعله يرق لي. فيخرجني مما انا فيه. فانساه الشيطان ذكر به اي فانسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى وذكر ما يقرب اليه. ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق ان كاز باتم الاحسان. وذلك ليتم الله امره وقضاءه. فلبث في السجن بضع سنين. والبضع من الثلاث الى التسع. ولهذا قيل سبع سنين ولما اراد الله ان يتم امره ويأذن باخراج يوسف من السجن قدر لذلك سببا كان سببا لاخراج يوسف شأنه واعلاء قدره وهو رؤيا الملك يا ايها لما اراد الله تعالى ان يخرج يوسف من السجن الله الملك هذه الرؤية العجيبة. الذي تأويلها يتناول جميع الامة. ليكون تأويلها على يد يوسف. في ظهر من فضله ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين. ومن التقادير المناسبة ان الملك الذي ترجع اليه امور الرعية هو الذي رآها لارتباط مصالحها به وذلك انه رأى رؤيا هالته. فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي منهم. وقال اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع اي سبع من البقرات عجاف وهذا من العجب ان السبع العجاف الهزيلات اللاتي سقطت قوتهن يأكلن السبع السمان التي كنا نهاية في القوة ورأيت سبع سنبلات خضر. يأكلهن سبع سنبلات يابسات. يا ايها الملأ افتوني في رؤياي لان تعبير الجميع واحد وتأويله شيء واحد ان كنتم للرؤيا تعبرون فتحيروا ولم يعرفوا لها وجها وقالوا اضغاث احلام اي احلام لا حاصل لها ولا لها تأويل وهذا جزم منهم بما لا يعلمون. وتعذر منهم بما ليس بعذر. ثم قالوا وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين كي لا نعبر الا الرؤيا واما الاحلام التي هي من الشيطان او من حديث النفس فانا لا نعبرها فجمعوا بين الجهل والجزم بانها اضغاث والاعجاب بالنفس بحيث انهم لم يقولوا لا نعلم تأويلها. وهذا من الامور التي لا تنبغي لاهل الدين والحجاء. وهذا ايضا من الله بيوسف عليه السلام فانه لو عبرها ابتداء قبل ان يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم. فيعجزوا عنها لم يكن لها ذلك الموقع ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب. وكان الملك مهتما لها غاية. فعبرها يوسف وقعت عنده موقعا عظيما نظير امهار الله فضل ادم على الملائكة بالعلم. بعد ان سألهم فلم يعلموا. ثم سأل ادم فعلمهم اسماء كل شيء فحصل بذلك زيادة فضله. وكما يظهر فضل افضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة. ان يلهم الله الخلق ان يتشفعوا بادم ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام فيعتذرون عنها ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول انا لها انا لها فيشفع في جميع الخلق وينال ذلك المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون. فسبحان من خفيت الطافه ودقت في ايصاله البر والاحسان الى خواص اصفيائه واوليائه وقال الذي نجا منهما اي من الفتيين وهو الذي رأى انه يعصر خمرا وهو الذي اوصاه يوسف ان يذكره عند ربه وادكر بعد امه. اي وتذكر يوسف وما جرى له في تعبيره لرؤياهما. وما وصاه به وعلم انه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين. فقال انا انبئكم بتأويله فارسلوني الى يوسف لاسأله فارسلوه فجاء اليه ولم يعنفه يوسف على نسيانه بل استمع ما يسأله عنه واجابه عن ذلك فقال يأكلهن سبع عجاف انظرات خضر واخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلهم يعلمون. يوسف ايها الصديق اي كثير الصدق في اقواله وافعاله. افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف. وسبع سنبلات خضر واخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلهم يعلمون. فانهم متشوقون لتعبيرها وقد اهمتهم. قال تزرعون فعبر يوسف سبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر بانهن سبع سنين محصبات والسبع البقرات العجاف والسبع السنبلات اليابسات انهن سنين مجدبات. ولعل وجه ذلك والله اعلم ان الخصب والجدب لما كان الحرث مبنيا عليه. وانه اذا حصل الخصب قويت الزروع وحسن منظرها وكثرت غلالها. والجدب بالعكس من ذلك. وكانت البقر هي التي تحرث عليها الارض. وتسقى عليها الحروف في الغالب والسنبلات هي اعظم الاقوات وافضلها. عبرها بذلك لوجود المناسبة. فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والاشارة لما يفعلونه يستعدون به من التدبير في صيني الخصب الى سني الجدب. فقال تزرعون سبع سنين دأبا اي متتابعات. فما حصدتم من تلك فذروه اي اتركوه في سنبله. لانه ابقى له وابعد عن الالتفات اليه. الا قليلا مما تأكلون. اي دبروا ايضا اكلتكم في هذه السنين الخصبة وليكن قليلا ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد تلك السنين السبع المخصبات سبع شداد اي مجذبات جدا. يأكلن ما قدمتم لهن اي يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان الا قليلا مما تحصنون اي تمنعونه من التقديم لهن ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد السبع الشداد عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون اي فيه تكثر الامطار والسيول وتكثر الغلات وتزيد على اقواتهم حتى انهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على اكلهم ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصم. مع انه غير مصرح به في رؤيا الملك. لانه فهم من التقدير بالسبع الشداد ان العام الذي يليه سيزول به شدتها. ومن المعلوم انه لا يزول الجذب المستمر سبع سنين متواليات. الا بعام مخصب جدا. والا لما كان للتقدير ايه ده؟ فلما رجع الرسول الى الملك والناس واخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا عجبوا من ذلك وفرحوا بها اشد الفرح. وقال قال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع الى ربك فاسألهما بالنسوة اللاتي قطعن ايديهن عليم يقول تعالى وقال الملك لمن عند ائتوني به اي بيوسف عليه السلام بان يخرجوهم من السجن ويحضروه اليه. فلما جاء يوسف الرسول وامرهم بالحضور عند ملك امتنع عن المبادرة الى الخروج حتى تتبين براءته التامة وهذا من صبره وعقله ورأيه التام. فقال للرسول ارجع الى ربك يعني به الملك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ايسألهما شأنهن وقصتهن فان امرهن ظاهر المتضح ان ربي بكيدهن عليم فاحضرهن الملك وقال عن نفسي قلنا حاش عن الله ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز الان ما خطبكن اي شأنكن اذ راودتن يوسف عن نفسه فهل رأيتن منه ما يريب؟ فبرأنه وقلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. اي لا قليل ولا يا كثير فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة ولم يبقى الا ما عند امرأة العزيز فقالت امرأة العزيز الان حصحص الحق اي تمحض وتبين بعدما كنا ندخل معه من السوء والتهمة ما اوجب له السجن. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين في اقواله وبرائته ذلك الاقرار الذي اقررت اني راودت يوسف ليعلم اني لم اخنه بالغيب. يحتمل ان ارادها بذلك زوجها اي ليعلم اني حين اقررت اني راودت يوسف اني لم اخنه بالغيب اي لم يجري مني الا مجرد مراودة ولم افسد عليه فراشه ويحتمل ان المراد بذلك ليعلم يوسف حين اقررت اني انا الذي راودته وانه صادق اني لم اخنه في حال غيبته عني وان الله لا يهدي كيد الخائنين. فان كل خائن لا بد ان تعود خيانته ومكرهه على نفسه. ولابد ان يتبين امره. ثم ما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها. وانه لم يجري منها ذنب في شأن يوسف. فاستدركت فقالت الا ما رحم ربي ان ربي وما ابرئ نفسي اي من المراودة والهم والحرص الشديد والكيد في ذلك. ان النفس امارة بالسوء. اين كثيرة الامر لصاحبها بالسوء؟ اي الفاحشة وسائر الذنوب. فانها مركب الشيطان. ومنها يدخل على الانسان الا ما رحم ربي فنجاه من نفسه الامارة. حتى صارت نفسه مطمئنة الى ربها. منقادة لداعي الهدى متعاصية عن داعي الرد فذلك ليس من النفس. بل من فضل الله ورحمته بعبده. ان ربي غفور رحيم. اي هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي اذا تاب واناب رحيم بقبول توبته وتوفيقه للاعمال الصالحة. وهذا هو الصواب ان هذا من قول امرأة العزيز لا من قول يوسف فان السياق في كلامها ويوسف اذ ذاك في السجن لم يحضر. فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة ارسل اليه الملك وقال امين على الاسرار. فقال يوسف طلبا للمصلحة العامة اجعلني على خزائن الارض. اي على خزائن جبايات الارض وغلالها وكيلا حافظا مدبرا. اني حفيظ عليم حفيظ للذي اتولاه فلا يضيع منه شيء في غير محله. وضابط للداخل والخارج. عليم بكيفية التدبير والاعطاء والمنع. والتصرف في جميع انواع التصرفات. وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية. وانما هو رغبة منه في النفع العام. وقد عرف من نفسه من الكفاءة والامان الامانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه. فلذلك طلب من الملك ان يجعله على خزائن الارض. فجعله الملك على خزائن الارض وولاه اياها قال تعالى وكذلك اي بهذه الاسباب والمقدمات المذكورة مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء. في عيش رغد ونعمة واسعة وجاه عريض. نصيب برحمتنا من نشاء اي هذا من رحمة الله بيوسف التي اصابه بها وقدرها له. وليست مقصورة على نعمة الدنيا ولا نضيع اجر المحسنين ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين. فله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. ولهذا قال للذين امنوا وكانوا يتقون. ولاجر الاخرة خير من اجر الدنيا. للذين امنوا وكانوا يتقون. اي من جمع بين التقوى والايمان فبالتقوى تترك الامور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها وبالايمان التام يحصل تصديق القلب بما امر الله بالتصديق به وتتبعه اعمال القلوب واعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. وجاء اخوة يوسف اي لما تولى يوسف عليه السلام الارض دبرها احسن تدبير فزرع في ارض مصر جميعها في السنين المخصبة زروعا هائلة واتخذ لها المحلات الكبار وجبا من الاطعمة شيئا كثيرا وحفظه. وضبطه ضبطا تاما. فلما دخلت السنون المجدبة وسار الجذب حتى وصل الى فلسطين. التي يقيم وفيها يعقوب وبنوه فارسل يعقوب بنيه لاجل الميرة الى مصر. وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكر اي لم يعرفوه. ولما جهزهم بجهازهم قال اترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين. ولما جهزهم بجهازهم اي كان لهم كما كان لغيرهم وكان من تدبيره الحسن انه لا يكيل لكل واحد اكثر من حمل بعير. وكان قد سألهم عن حالهم فاخبروه ان لهم اخا عند ابيه وهو بنيامين فقال لهم ائتوني باخ لكم من ابيكم. ثم رغبهم في الاتيان به فقال الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين في الضيافة والاكرام. ثم رهبهم بعدم الاتيان به فقال ان لكم عندي ولا تقربون. وذلك لعلمه باضطرارهم الى الاتيان اليه. وان ذلك يحملهم على الاتيان به قالوا سنراود عنه اباه وانا لفاعلون. فقالوا سنراود عنه اباه. دل هذا على ان يعقوب عليه السلام كان مولعا به لا يصبر عنه. وكان يتسلى به بعد يوسف. فلذلك احتاج الى مراودة في بعثه معهم. وانا لفاعلون لما امرتنا وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها اذا لعلهم يرجعون. وقال يوسف لفتيانه الذين في خدمته اجعلوا بضاعتهم اي الثمن الذي اشتروا به من في رحالهم لعلهم يعرفونها. اي بضاعتهم اذا رأوها بعد ذلك في رحالهم. لعلهم يرجعون. لاجل من اخذها على ما قيل. والظاهر انه اراد ان يرغبهم في احسانه اليهم بالكيل لهم كيلا وافيا. ثم اعادة بضاعتهم اليهم على لا يحسون بها ولا يشعرون لما يأتي فان الاحسان يوجب للانسان تمام الوفاء للمحسن فلما رجعوا الى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل. اي ان لم ترسل معنا اخانا فارسل معنا اخانا نكتل اي ليكون ذلك سببا لكي لنا. ثم التزموا له بحفظه فقالوا وانا له لحافظون. وانا له لحافظون من فلا اثق بالتزامكم وحفظكم. وانما اثق بالله تعالى فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين. اي يعلم حالي وارجو ان يرحمني في حفظه ويرده علي. وكأنه في هذا الكلام قد لان لارساله معهم. ثم انهم لما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم قالوا يا ابانا ما نبغى هذا دليل على انه قد كان معلوما عندهم ان يوسف قد ردها عليهم بالقصد. وان انه اراد ان يملكهم اياها. فقالوا لابيهم ترغيبا في ارسال اخيهم معهم. يا ابانا ما نبغي. اي شيء نطلب بعد هذا الجميل. حيث وفى لنا الكيل ورد علينا بضاعتنا على الوجه الحسن. المتضمن للاخلاص ومكارم الاخلاق. هذه طاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا. اي اذا ذهبنا باخينا صار سببا لكيله لنا. فمرنا اهلنا واتينا لهم بما هم مضطرون اليه من القوت ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير بارساله معنا. فانه يكيل لكل واحد حمل بعير. ذلك كيل يسير اي سهم لا ينالك ضرر. لان المدة لا تطول. والمصلحة قد تبينت. فقال لهم يعقوب قال الله على ما نقول وكيل. لن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله اي عهدا ثقيلا. وتحلفون بالله لتأتنني به الا ان يحاط بكم اي الا ان يأتيكم امر لا قبل لكم به. ولا تقدرون دفعه. فلما اتوه موثقهم على ما قال واراد قال الله على ما نقول وكيل. اي تكفينا شهادته علينا وحفظه وكفاءته. ثم لما معهم وصاهم اذا هم قدموا مصر. وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب ان الحكم الا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. الا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة. وذلك انه خاف العين لكثرتهم وبهاء منظرهم. لكونهم ابناء رجل واحد. وهذا سبب. والا فما اغني عنكم من الله من شيء قدروا لابد ان يكون ان الحكم الا لله اي القضاء قضاؤه. والامر امره فما قضاه وحكم به لابد ان يقع. عليه توكلت اي اعتمدت على الله لا على ما وصيتكم به من السبب. وعليه فليتوكل المتوكلون. فان بالتوكل يحصل كل مطلوب ويندفع كل مرهوب وانه لذو علم لما علمناه ولكن ان اكثر الناس لا يعلمون. ولما ذهبوا ودخلوا من حيث امرهم ابوهم ما كان ذلك الفعل يغني عنه من الله من شيء. الا حاجة في نفس يعقوب قضاها. وهو موجب الشفقة والمحبة للاولاد. فحصل لهم في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره. وليس هذا قصورا في علمه فانه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين. ولهذا قال وانه لذو علم. اي لصاحب علم عظيم لما علمناه. اي لتعليمنا اياه. لا بحوله وقوته ادركه. بل بفضل الله وتعليمه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون عواقب الامور ودقائق الاشياء. وكذلك اهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم احكامه ولوازمه شيء كثير لا تبتأس بما كانوا يعملون. اي لما دخل اخوة يوسف على يوسف اوى اليه اخاه اي شقيقه وهو امين الذي امرهم بالاتيان به وضمه اليه واختصه من بين اخوته. واخبره بحقيقة الحال. وقال اني انا اخوك فلا اي لا تحزن بما كانوا يعملون. فان العاقبة خير لنا ثم خبره بما يريد ان يصنع ويتحيل لبقائه عنده الى ان ينتهي هي الامر فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحم اخيه ثم اذن مؤذن فلما جهزهم بجهازهم اي كان لكل واحد من اخوته ومن جملتهم اخوه هذا جعل السقاية وهو الاناء الذي يشرب به. ويكال فيه في رحل اخيه. ثم اوعوا متاعهم. فلما انطلقوا اذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون. ولعل هذا المؤذن لم يعلم بحقيقة الحال ماذا تفقدون؟ قالوا اي اخوة يوسف واقبلوا عليهم لابعاد التهمة. فان السارق ليس له هم الا البعد والانطلاق عمن سرق منه لتسلم لهم سرقته. وهؤلاء جاءوا مقبلين اليهم. ليس لهم هم الا ازالة التهمة التي رموا بها عنهم فقالوا في هذه الحال ماذا تفقدون؟ ولم يقولوا ما الذي سرقنا لجزمهم بانهم براء من السرقة؟ قالوا نفقد قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير اي اجرة له على وجدانه وانا به زعيم اي كفيل. وهذا يقوله المؤذن المتفقد والله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض بجميع انواع المعاصي وما كنا سارقين فان السرقة من اكبر انواع الفساد في الارض وانما اقسموا على علمهم ام انهم ليسوا مفسدين ولا سارقين. لانهم عرفوا انهم سبروا من احوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم. وان هذا الامر لا يقع منهم بعلم من قالوا جزاؤه من وجد في رحمه فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو اي الموجود في رحله. جزاؤه بان يتملكه صاحب السرقة. وكان هذا في دينهم ان السارق اذا ثبتت عليه السرقة كان ملكا لصاحب المال المسروق. ولهذا قالوا كذلك نجزي الظالمين ثم استخرجها من وعاء اخاه اه فبدأ المفتش فبدأ المفتش باوعيتهم قبل وعاء اخيه. وذلك لتزول الريبة التي يظن انها فعلت بالقصد. فلما لم يجد في اوعيتهم استخرجها من وعاء اخيه. ولم يقل وجدها او سرقها اخوه مراعاة للحقيقة الواقعة. فحين اذ تم يوسف ما اراد من بقاء اخيه عنده على وجه لا يشعر به اخوته. قال تعالى كذلك كدنا ليوسف ان يسرنا له هذا الكيد الذي توصل به الى امر غير مذموم ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك. لانه ليس من دينه ان يتملك السارق. وانما له عندهم جزاء اخر فلو ردت الحكومة الى دين الملك لم يتمكن يوسف من ابقاء اخيه عنده. ولكنه جعل الحكم منهم ليتم له ما اراد قال تعالى نرفع درجات من نشاء بالعلم النافع ومعرفة الطرق الموصلة الى مقصدها كما رفعنا درجات يوسف وفوق كل ذي علم عليم فكل عالم فوقه من هو اعلم منه. حتى ينتهي العلم الى عالم الغيب والشهادة. فلما رأى اخوة يوسف ما رأوا قالوا ان يسرق هذا الاخ ليس غريبا منه فقد سرق اخ له من قبل يعنون يوسف عليه السلام. ومقصودهم تبرئة انفسهم. وان هذا واخاه قد يصدر منه ما يصدر من السرقة وهما ليسا شقيقين لنا. وفي هذا من الغض عليهما ما فيه. ولهذا اسرها يوسف في نفسه ولم لهم اي لم يقابلهم على ما قالوه بما يكرهون. بل كظم الغيظ. واسر الامر في نفسه. وقال في نفسه انتم شر مكانا حيث ذممتمونا بما انتم على اشر منه. والله اعلم بما تصفون منا. من وصفنا بالسرقة. يعلم الله انا براء منها ثم سلكوا معه مسلك التملق. لعله يسمح لهم باخيهم فقالوا يا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا. اي وانه ليصبر عنه. وسيشق عليه فراقه. فخذ احدنا مكانه. انا نراك من المحسنين فاحسن الينا والى ابينا بذلك. فقال يوسف معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده اي هذا ظلم منا لو اخذنا البريء بذنب من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق كل هذا تحرز من الكذب. انا اذا اي ان اخذنا غير من وجد في رحله لظالمون. حيث وضعنا العقوبة في غير موضعها فلن ابرح الارض حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي اي فلما استيأس اخوة يوسف من يوسف ان يسمح لهم باخيهم خلصوا نجيا اي اجتمعوا ليس معهم غيرهم وجعلوا يتناجون فيما بينهم. فقال كبيرهم الم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله في حفظه وانكم تأتون به الا ان يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف فاجتمع عليكم الامران تفريطكم في يوسف السابق وعدم واتيانكم باخيه باللاحق. فليس لي وجه اواجه به ابي. فلن ابرح الارض اي ساقيم في هذه الارض ولا ازال بها حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي ان يقدر لي المجيء وحدي او مع اخي. وهو خير الحاكمين. ثم وصاهم بما يقولون لابيهم فقال ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا الا بما ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق اي واخذ بسرقته ولم يحصل لنا ان نأتيك به. مع ما بذلنا من الجهد في ذلك. والحال انا ما شهدنا بشيء لم نعلمه. وانما شهدنا بما علمنا لاننا رأينا الصواع استخرج من رحله. وما كنا للغيب حافظين. اي لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا ولما اعطيناك عهودنا ومواثيقنا فلم نظن ان الامر سيبلغ ما بلغ والعيرة التي اقبلنا فيها وانا لصادقون. واسأل ان شككت في قولنا القرية التي كنا فيها والعيرة التي اقبلنا فيها. فقد اطلعوا على ما اخبرناك به. وانا لصادقون لم نكذب ولم نغير ولم بدل بل هذا الواقع. فلما رجعوا الى ابيهم واخبروه بهذا الخبر. اشتد حزنه وتضاعف كمده. واتهمهم ايضا في هذه القضية كما اتهمهم في الاولى فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم بهم جميعا انه هو العليم الحكيم وقال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل. اي الجأ في ذلك الى الصبر الجميل. الذي لا يصحبه تسخط ولا جزع ولا شكوى للخلق. ثم لجأ الى حصول الفرج لما رأى ان الامر اشتد. والكربة انتهت. فقال عسى الله ان يأتيني بهم جميعا ان يوسف وبنيامين واخوهم الكبير الذي اقام في مصر. انه هو العليم الذي يعلم حالي. واحتياجي الى تفريجه ومنته واضطراره الى احسانه. الحكيم الذي جعل لكل شيء قدرا. ولكل امر منتهى بحسب ما اقتضته حكمته ربانية وتولى عنهم وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عينا ايه وتولى يعقوب عليه والصلاة والسلام على اولاده بعد ما اخبروه هذا الخبر. واشتد به الاسف والاسى وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه. والكمد الذي اوجب له كثرة البكاء حتى ابيضت عيناه من ذلك. فهو كظيم اي ممتلئ القلب من الحزن الشديد. وقال يا اسفا على يوسف اي ظهر منه ما كمل من الهم القديم والشوق المقيم. وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للاولى المصيبة الاولى. فقال له اولاده متعجبين من حاله تالله تفتأ تذكر يوسف اي لا تزال تذكر يوسف في جميع احواله اي لا تزال تذكر يوسف في جميع احوالك حتى تكون حرضا اي فانيا لا حراك فيك ولا قدرة على الكلام. او تكون من الهالكين اي لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره ابدا. قال يعقوب احزني الى قال انما اشكو بثي وحزني قال انما اشكو بسي وحزني الى الله واعلم من والله ما لا تعلمون انما اشكو بثي اي ما ابث من الكلام وحزني الذي في قلبي الى الله وحده لا اليكم ولا الى غيركم من الخلق. فقولوا ما شئتم واعلم من الله ما لا تعلمون. من انه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم ولا تيأسوا من روح الله ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله اي قال يعقوب عليه السلام لبنيه يا بني اذهبوا فتحسسوا من يسر واخيه اي احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما. ولا تيأسوا من روح الله فان الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه يوجب له التثاقل والتباطؤ واولى ما رجا العباد فضل الله واحسانه ورحمته وروحه. انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون فانهم لكفرهم يستبعدون رحمته. ورحمته بعيدة منهم. فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على انه بحسب ايمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه. فذهبوا فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز ان الله يجزي المتصدقين. فلما دخلوا عليه اي على يوسف قالوا متضرعين اليه ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة. فاوف لنا الكيل وتصدق علينا. اي قد اضطررنا نحن واهلنا ببضاعة مزجاة اي مدفوعة مرغوب عنها لقلتها. وعدم وقوعها الموقع. فاوف لنا الكيل اي مع عدم وفاء العرض وتصدق علينا بالزيادة عن الواجب. ان الله يجزي المتصدقين بثواب الدنيا والاخرة. فلما انتهى الامر وبلغ اشده رق لهم يوسف رقة شديدة وعرفهم بنفسه وعاتبهم اما يوسف فظاهر فعلهم فيه. واما اخوه فلعله والله اعلم قوله ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل. او ان الحادث الذي فرق بينه وبين ابيه هم السبب فيه والاصل الموجب له. اذ انتم وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم. او توبيخ لهم اذ فعلوا فعل الجاهلين. مع انه لا ينبغي ولا يليق منهم. فعرفوا ان الذي حطبهم هو يوسف فقالوا فانك لانت يوسف. قال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا بالايمان والتقوى والتمكين في الدنيا وذلك بسبب الصبر والتقوى. انه من يتق ويصبر اي يتقي فعل ما حرم الله ويصبر على الالام والمصائب وعلى الاوامر بامتثالها فان الله لا يضيع اجر المحسنين. فان هذا من الاحسان والله لا يضيع اجر من احسن عملا قالوا تالله لقد اثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قالوا تالله لقد اثرك الله علينا. اي فضلك علينا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. واسأنا اليك غاية الاساءة وحرصنا على ايصال الاذى اليه والتبعيد لك عن ابيك. فاثرك الله تعالى ومكنك مما تريد. وان كنا لخاطئين هذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف. فقال لهم يوسف عليه السلام كرما وجودا. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. قال لا تثريب عليكم اليوم وهو ارحم الراحمين. اليوم فيغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. لا تثريب عليكم اليوم اي لا اثرب عليكم ولا الوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. فسمح لهم سماحا تاما من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق. ودعا لهم المغفرة والرحمة وهذا نهاية الاحسان الذي لا يتأتى الا من خواص الخلق وخيار المصطفين فالقوه على وجه ابي يأتي بصيرا واتوني باهلكم اجمعين. اي قال يوسف عليه السلام لاخوته اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي ياتي بصيرا. لان كل داء يداوى بضده. فهذا القميص ما كان فيه اثر ريح يوسف الذي اودع قلب ابيه من الحزن والشوق ما الله به عليم. اراد ان يشمه فترجع اليه روحه وتتراجع دعا اليه نفسه ويرجع اليه بصره. ولله في ذلك حكم واسرار. ليطلع عليها العباد. وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الامر واتوني باهلكم اجمعين. اي اولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم. ليحصل تمام اللقاء ويزول عنكم نكد المعيشة وضنك الرزق ولما فصلت العير عن ارض مصر مقبلة الى ارض فلسطين شم يعقوب ريح القميص فقال اني اجد ريح يوسف لولا ان تفندون. اي تسخرون مني وتزعمون ان هذا الكلام صدر مني من غير شعور. لانه رأى منهم من التعجب من ما اوجب له هذا القول فوقع ما ظنه بهم فقالوا تالله انك لفي ضلالك القديم. اي لا تزال تائها في بحر الحب. لا تدري ما تقول البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا. قال الم نقل لكم فلما ان جاء البشير بقرب الاجتماع بيوسف واخوته وابيهم القاه اي القميص على وجهه فارتد بصيرا. اي رجع على حاله الاولى بصيرا. بعد ان ابيضت عيناه من الحزن فقال لمن حضره من اولاده واهله الذين كانوا يفندون رأيه ويتعجبون منه. منتصرا عليهم متبجحا بنعمة الله عليهم الم اقل لكم اني اعلم من الله ما لا تعلمون؟ حيث كنت مترجيا للقاء يوسف مترقبا لزوال الهم والغم والحزن اقروا بذنبهم ونجعوا بذلك. وقالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين حيث فعلنا معك ما فعلنا. فقال مجيبا لطلبتهم وسرعا لاجابتهم اي رجاء به ان يغفر لكم ويرحمكم ويتغمدكم برحمته. وقد قيل انه اخر الاستغفار لهم الى وقت السحر الفاضل. ليكون اتم للاستغفار واقرب للاجابة فلما دخلوا على يوسف اوى اليه ابويه وقال ادخلوا مصر ان شاء الله اي فلما تجهز يعقوب واولاده واهلهم اجمعون. وارتحلوا من بلادهم قاصدين الوصول الى يوسف في مصر وسكناها فلما وصلوا اليه ودخلوا على يوسف اوى اليه ابويه اي ضمهما اليه واختصهما بقربه وابدلهما من البر والاكرام والتبجيل والاعظام شيئا عظيما. وقال لجميع اهله ادخلوا مصر ان شاء الله امنين من جميع المكاره والمخاوف. فدخلوا في في هذه الحالة السارة وزال عنهم النصب ونكد المعيشة وحصل السرور والبهجة. ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء انه ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم. ورفع ابويه على العرش اي على سرير الملك ومجلس العزيز وخروا له سجدا. اي ابوه وامه واخوته سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والاكرام. وقال لما رأى هذه الحال ورأى وجودهم له. يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل. حين رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين. فهذا وقوعها الذي الت اليه ووصلت قد جعلها ربي حقا. فلم يجعلها اضغاث احلام. وقد احسن بي احسانا جسيما. اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام حيث ذكر حاله في السجن ولم يذكر حاله في الجب لتمام عفوه عن اخوته وانه لا يذكر ذلك الذنب. وان اتيانكم من البادية من احسان الله الي. فلم يقل جاء بكم من الجوع والنصب ولا قال احسن بكم بل قال احسن بي جعل الاحسان عائدا اليه. فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده. ويهب لهم من لدنه رحمة انه هو الوهاب. من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي فلم يقل نزغ الشيطان اخوتي بل ان الذنب والجهل صدر من الطرفين. فالحمد لله الذي اخز الشيطان ودحره. وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة. ان ربي لطيف لما يوصل بره واحسانه الى العبد من حيث لا يشعر. ويوصله الى المنازل الرفيعة من امور يكرهها. انه هو العليم الذي يعلم ظواهر الامور وبواطنها. وسرائر العباد وضمائرهم. الحكيم في وضعه الاشياء مواضعها. وسوقه الامور الى المقدرة لها توفني مسلما والحقني بالصالحين لما اتم الله ليوسف ما اتم من التمكين في الارض والملك واقر عينه بابويه واخوته. وبعد العلم العظيم الذي اعطاه الله اياه. قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها اعيا بالثبات على الاسلام. ربي قد اتيتني من الملك وذلك انه كان على خزائن الارض وتدبيرها. ووزيرا كبيرا للملك وعلمتني من تأويل الاحاديث اي من تأويل احاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم. فاطر السماوات والارض انت ولي في الدنيا والاخرة توفني مسلما. اي ادم علي الاسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه. ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت والحقني بالصالحين من الانبياء الابرار والاصفياء الاخيار. ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله له ذلك الانباء الذي اخبرناك به من انباء الغيب الذي لولا ايحاؤنا اليك لما وصل اليك هذا الخبر الجليل فانك لم تكن حاضرا لديهم. اذ اجمعوا امرهم اي اخوة يوسف وهم يمكرون به حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين ابيه في حالة لا يطلع عليها الا الله تعالى. ولا يمكن احدا ان يصل الى علمها الا بتعليم الله له اياها. كما قال تعالى لما قصة موسى وما جرى له ذكر الحال التي لا سبيل للخلق الى علمها الا بوحيه. وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين الايات. فهذا ادل دليل على ان ما جاء به رسول الله حقا. وما اكثر الناس ولو مؤمنين. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما اكثر الناس ولو حرصت على ايمانهم بمؤمنين فان مداركهم ومقاصدهم قد اصبحت فاسدة. فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم ولو عدمت الموانع. بان كانوا يعلمونهم ويدعونهم الى فيه الخير لهم ودفع الشر عنهم من غير اجر ولا عوض. ولو اقاموا لهم من الشواهد والايات الدالات على صدقهم ما اقاموا. ولهذا قال ان هو الا ذكر للعالمين يتذكرون به ما ينفعهم ليفعلوه. وما يضرهم ليتركوه السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون. وكأين اي وكم من اية في السماوات والارض يمرون عليها دالة لهم على توحيد الله. وهم عنها معرضون. ومع هذا ان وجد منهم بعض الايمان. وما يؤمن واكثرهم بالله الا وهم مشركون. فلا يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون. فهم وان اقروا بربوبية الله تعالى وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. فانهم يشركون في الوهية الله وتوحيده. فهؤلاء حين وصلوا الى هذه الحال لم يبقى عليهم الا ان يحل بهم العذاب. ويفجأهم العقاب وهم امنون. ولهذا قال افأمنوا اي الفاعلون لتلك الافعال المعرضون عن ايات الله ان تأتيهم غاشية من عذاب الله اي عذاب يغشاهم امهم ويستأصلهم. او تأتيهم الساعة بغتة اي فجأة وهم لا يشعرون اي فانهم قد استوجبوا لذلك فليتوبوا الى الله ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل للناس هذه سبيلي اي طريقي التي ادعو اليها وهي السبيل الموصلة الى الله والى دار كرامته. المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وايثاره. واخلاص الدين لله وحده لا شريك له. ادعو الى الله اي احث الخلق والعباد الى الوصول الى ربهم. وارغبهم في ذلك وارهبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا فانا على بصيرة من ديني. اي على علم ويقين من غير شك ولا ارتراء ولا مرية. وكذلك من اتبعني يدعو الى الله كما ادعو على بصيرة من امره. وسبحان الله عما نسب اليه مما لا يليق بجلاله. او ينافي كماله. وما انا من المشركين في جميع اموري بل اعبد الله مخلصا له الدين. ثم قال تعالى ولدار الاخرة خير للذين اتقوا. افلا تعقلون ما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من اصناف الخلق. فلاي شيء يستغرب قومك رسالتك؟ ويزعمون انه ليس لك فضل عليهم فلك في من قبلك من المرسلين اسوة حسنة نوحي اليهم من اهل القرى اي لا من البادية بل من اهل القرى الذي هم اكمل عقولا واصح اراء وليتبين امرهم ويتضح شأنهم. افلم يسيروا في الارض اذا لم يصدقوا لقوله فينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟ كيف اهلكهم الله بتكذيبهم؟ فاحذروا ان تقيموا على ما اقاموا عليه. فيصيبكم ما اصابهم ولدار الاخرة خير للذين اتقوا. ولدار الاخرة اي الجنة وما فيها من النعيم المقيم. خير قل للذين اتقوا الله في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان نعيم الدنيا منغص منكد منقطع. ونعيم الاخرة تام كامل. لا ابدا بل هو على الدوام في تزايد وتواصل عطاء غير مجذوذ. افلا تعقلون. افلا تعقلون اي افلا تكون لكم عقول تؤثر الذي هو خير على الادنى انهم قد كذبوا نصرنا جاءهم نصرنا فنجي من ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. يخبر تعالى انه يرسل الرسل الكرام في يعذبهم القوم المجرمون اللئام. وان الله تعالى يمهلهم ليرجعوا الى الحق. ولا يزال الله يمهلهم حتى انه تصل الحال الى غاية الشدة منهم على الرسل حتى ان الرسل على كمال يقينهم وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده. ربما انه يخطر بقلوبهم نوع من الاياس ونوع من ضعف العلم والتصديق. فاذا بلغ الامر هذه الحال جاءهم نصرنا فنجي من نشاء. وهم الرسل واتباعهم. ولا ايرد بأسنا عن القوم المجرمين؟ اي ولا يرد عذابنا عمن اجترم وتجرأ على الله؟ فما لهم من قوة ولا ناصر. لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن وتفصيل كل شيء وهدى لقد كان في قصصهم اي قصص الانبياء والرسل مع قومهم لاولي الالباب ان يعتبرون بها اهل الخير واهل الشر. وان من فعل مثل فعلهم ناله ما ناله من كرامة او اهانة. ويعتبرون ايضا ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة. وانه الله الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له. وقوله ما كان حديثا يفترى اي ما كان هذا القرآن الذي قص الله به عليكم من انباء الغيب ما قص. من الاحاديث المفترات المختلقة. ولكن كان تصديق الذي بين يديه من الكتب السابقة يوافقها ويشهد لها بالصحة وتفصيل كل شيء يحتاج اليه العباد من اصول الدين وفروعه ومن الادلة والبراهين. وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. فانهم بسبب ما يحصل لهم به من العلم بالحق وايثاره. يحصل لهم الهدى وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والاجل. تحصل لهم الرحمة. فصل في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة التي قال الله في اولها نحن نقص عليك احسن القصص وقال لقد كان في يوسف واخوته ايات للسحر سائلين وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب. غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد. فمن ذلك ان هذا القصة من احسن القصص واوضحها وابينها لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز ومن رق الى ملك ومن فرقة وشتات الى اجتماع وائتلاف. ومن حزن الى سرور ومن رخاء الى جدب ومن الى رخاء ومن ضيق الى سعة ومن انكار الى اقرار. فتبارك من قصها فاحسنها ووضحها وبينها. ومنها ان فيها اصلا لتعبير الرؤيا وان علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في والصفة فان رؤيا يوسف التي رأى ان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا له ساجدين. وجه المناسبة فيها ان هذه الانوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها. فكذلك الانبياء والعلماء زينة للارض وجمال. وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الانوار ولان الاصل ابوه وامه واخوته هم الفرع. فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما لما هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس امة والقمر اباه والكواكب اخوته. ومن المناسبة ان الشمس لفظ مؤنث. فلذلك كانت امة والقمر والكواكب مذكرات فكانت لابيه واخوته ومن المناسبة ان الساجد معظم محترم للمسجود له. والمسجود له معظم محترم. فلذلك دل ذلك على ان يوسف يكون معظما محترما عند ابويه واخوته. ومن لازم ذلك ان يكون مجتبا مفضلا في العلم والفضائل الموجبة لذلك. ولذلك قال ابوه وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ومن المناسبة في رؤيا الفتيين انه اول رؤيا الذي رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعصر في العادة يكون خادما لغيره. والعصر يقصد لغيره. فلذلك اوله بما يؤول اليه انه يسقي ربه وذلك متضمن لخروجه من السجن واول الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه بان جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ انه هو الذي يحمله وانه سيبرز للطيور بمحل تتمكن من الاكل من رأسه فرأى من حاله انه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز الطيور فتأكل من رأسه وذلك لا يكون الا بالصلب بعد القتل. واول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المخصبة. والسنين المجذبة ووجه المناسبة ان الملك به ترتبط احوال الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساده تفسد. وكذلك السنون بها صلاح واحوال الرعية واستقامة امر المعاش او عدمه. واما البقر فانها تحرث الارض عليها ويستقى عليها الماء. واذا اخصبت السنة واذا اجدبت صارت عجافا وكذلك السنابل في الخصم. تكثر وتخضر وفي الجذب تقل وتيبس. وهي افضل غلال الارض. ومن منها ما فيها من الادلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قص على قومه هذه القصة الطويلة. وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا يراه قومه بين اظهرهم صباحا ومساء وهو امي لا يخط ولا يقرأ وهي موافقة لما في الكتب السابقة وما كان لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي البعد عن اسباب الشر وكتمان ما تخشى مضرته. لقول يعقوب ليوسف يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومنها انه يجوز ذكر الانسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره قوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به من اهل بيته واقاربه واصحابه. وانه كما شملتهم وحصل لهم ما حصل له بسببه. كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث حديث ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. ولما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين في الارض والسرور والغبط ما حصل بسبب يوسف ومنها ان العدل مطلوب في كل الامور لا في معاملة السلطان رعيته ولا فيما دونه حتى في معاملة الوالد لاولاده في المحبة والايثار وغيره. وان في الاخلال بذلك يختل عليه الامر وتفسد الاحوال. ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في محبة واثره على اخوته جرى منهم ما جرى على انفسهم وعلى ابيهم واخيهم. ومنها الحذر من شؤم الذنوب وان الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة ولا يتم لفاعله الا بعدة جرائم. فاخوة يوسف لما ارادوا التفريق بينه وبين ابيه. احتالوا لذلك انواع من الحيل وكذبوا عدة مرات وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه. وفي اتيانهم عشاء يبكون. ولا تستبعد انه قد كثر البحث فيها في تلك المدة بل لعل ذلك اتصل الى ان اجتمعوا بيوسف. وكلما صار البحث حصل من الاخبار بالكذب والافتراء ما حصل. وهذا شؤم الذنب واثاره التابعة والسابقة واللاحقة. ومنها ان العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية. فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر. مما هو اكبر اسباب النقص واللوم. ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح. والسماح التام من يوسف ومن ابيهم الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. واذا سمح العبد عن حقه فالله خير الراحمين. ولهذا في اصح الاقوال انهم كانوا انبياء لقوله تعالى واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر وذريتهم. ومما يدل على ذلك ان في رؤيا يوسف انه رآهم كواكب نيرة. والكواكب فيها النور والهداية. الذي من صفات الانبياء. فان لم يكونوا انبياء فانهم هداه ومنها ما من الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم ومكارم الاخلاق والدعوة الى الله والى دينه عفوه عن اخوانه الخاطئين عفوا بادرهم به. وتمم ذلك بانه لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به. ثم بره العظيم بابويه لاخوته بل لعموم الخلق. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما ان اخوة يوسف لما اتفقوا على قتل يوسف او القائه ارضا. وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب. كان فقوله احسن منهم واخف وبسببه خف عن اخوته الاثم الكبير. ومنها ان الشيء اذا تداولته الايدي وصار من جملة الاموال. ولم اعلم انه كان على غير وجه الشرع انه لا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال فان يوسف عليه السلام معه اخوته بيعا حراما لا يجوز. ثم ذهبت به السيارة الى مسك فباعوه بها وبقي عند سيده غلاما رقيقا. وسماه الله شراء وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة. والحذر ايضا من المحبة التي يخشى فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة ثم كذبت عليه فسجن بسببها مدة طويلة. ومنها ان الهم الذي هم به يوسف بالمرأة ثم تركه لله مما يقربه الى والله زلفى لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء. وهو طبيعة لاغلب الخلق. فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته. غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله. احدهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال اني اخاف الله وانما الهم الذي يلام عليه العبد. الهم الذي ساكنه ويصير عزما ربما اقترن به الفعل. ومنها ان من دخل الايمان قلبه وكان مخلصا لله في جميع اموره. فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه وصدق اخلاصه من انواع السوء والفحشاء. واسباب المعاصي. ما هو جزاء لايمانه واخلاصه؟ لقوله هم بها لولا ان رأى برهان ربه. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين. على قراءة من قرأها بكسر الله ومن قرأها بالفتح فانه من اخلاص الله اياه. وهو متضمن لاخلاصه هو بنفسه. فلما اخلص عمله لله اخلصه الله خلصه من السوء والفحشاء. ومنها انه ينبغي للعبد اذا رأى محلا فيه فتنة واسباب معصية. ان يفر منه ويهرب غاية ما يمكنه ليتمكن من التخلص من المعصية. لان يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربا يطلب الباب ليتخلص من شرها ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من اواني الدار فما يصلح للرجل فانه للرجل وما يصلح للمرأة فهو لها اذا لم يكن بينة. وكذا لو تنازع نجار وحداد في الة حرفتهما من غير بينة. والعمل بالقافة في الاشباه والاثر من هذا الباب فان شاهد يوسف شهد بالقرينة وحكم بها في قد القميص. واستدل بقده من دبره على صدق يوسف وكذبها. ومما يدل على هذه القاعدة انه استدل بوجود الصواع في رحل اخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بينة شهادة ولا اقرار. فعلى هذا اذا وجد المسروق في يد السارق خصوصا اذا كان معروفا بالسرقة فانه يحكم عليه بالسرقة. وهذا ابلغ من الشهادة. وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر او وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد حاملا فانه يقام بذلك الحد ما لم يقم مانع منه. ولهذا سمى الله هذا الحاكم شهد فقال وشهد شاهد من اهلها ومنها ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن فان جماله الظاهر اوجب للمرأة التي هو في بيتها ما اوجب. وللنساء اللاتي جمعتهن حين لونها على ذلك ان قطعن ايديهن. وقلن ما هذا بشرا؟ ان هذا الا اخو كريم واما جماله الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ذلك ببراءته. ولهذا قالت امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. وقالت النسوة حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار على المعصية فهكذا ينبغي للعبد اذا ابتلي بين امرين اما فعل معصية واما عقوبة دنيوية ان يختار العقوبة الدنيوية على الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والاخرة. ولهذا من علامات الايمان ان يكره العبد ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلتجأ الى الله ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية. ويتبرأ من حوله وقوته لقول يوسف عليه السلام والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. ومنها ان العلم والعقل يدعوان صاحبهما الى الخير وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى موافقة هوى النفس. وان كان معصية ضارا لصاحبه ومنها انه كما على العبد عبودية لله في الرخاء. فعليه عبودية في الشدة. فيوسف عليه السلام لم يزل يدعو الى الله. فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك. ومن فطنته عليه السلام انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حيث ظن فيه الظن الحسن وقال له انا نراك من المحسنين. واتياه لان يعبر لهما رؤياهما. فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده كذلك فرصة فانتهزها. فدعاهما الى الله تعالى قبل ان يعبر رؤياهما. ليكون انجح لمقصوده واقرب لحصول مطلوبه. وبين لهما في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين. فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة. ولابد ان يظهر لمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى علما نافعا وعملا متقبلا. انه جواد كريم اولا ان الذي اوصله الى الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم ايمانه وتوحيده وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الاخر هذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال وبينا فساد الشرك وبرهن عليه. وحقيقة التوحيد وبرهن عليه. ومنها انه يبدأ بالاهم الاهم وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن ارشاده وتعليمه. فان يوسف لما سأله الفتيان عن الرؤيا قدم لهما قبل تعبيرهما دعوتهما الى الله وحده لا شريك له. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة لا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه. او الاخبار بحاله وان هذا لا يكون شكوى للمخلوق. فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض. ولهذا قال يوسف للذي ظن انه ناج من اذكرني عند ربك. ومنها انه ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الاخلاص التام في تعليمه. والا يجعل تعليمه وسيلة مفاوضة احد في مال او جاه او نفع والا يمتنع من التعليم او لا ينصح فيه اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم فان يوسف عليه السلام قد قال ووصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلة مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنقه يوسف ولا وبخه لتركه ذكره. بل اجابه عن سؤاله جوابا تاما من كل وجه. ومنها انه ينبغي للمسئول ان يدل السائل على امر ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه. فان هذا من كمال لنصحه وفطنته وحسن ارشاده. فان يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك. بل دلهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبة يأتي من كثرة الزرع وكثرة جبايته. ومنها انه لا يلام الانسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه. وطلب البراءة لها بل يحمد على ذلك كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن ايديهن. ومنها فضيلة العلم علم الاحكام والشرع وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية. وانه افضل من الصورة الظاهرة ولو بلغت في الحسن جمال يوسف. فان يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن. وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الارض. فان كل خير في الدنيا والاخرة من اثار العلم وموجباته ومنها ان علم التعبير من العلوم الشرعية وانه يثاب الانسان على تعلمه وتعليمه. وان تعبير المرائي داخل في الفتوى لقوله للفتيين قضي الامر الذي فيه تستفتيان. وقال الملك افتوني في رؤياي. وقال الفتى ليوسف افتنا في سبع بقرات فلا يجوز الاقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم او عمل. اذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء وسلم من الكذب لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم وكذلك لا تذم الولاية اذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده. وانه لا بأس بطلبها اذا كان اعظم كفاءة من غيره انما الذي يذم اذا لم يكن فيه كفاية او كان موجودا غيره مثله او اعلى منه او لم يرد بها اقامة امر الله فبهذه الامور ينهى عن طلبها والتعرض لها. ومنها ان الله واسع الجود والكرم. يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة. وان خير الاخرة له سببان الايمان والتقوى وانه خير من ثواب الدنيا وملكها. وان العبد ينبغي له ان يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله ولا يدعها تحزن اذا رأت اهل الدنيا ولذاتها وهي غير قادرة عليها. بل يسليها بثواب الله الاخروي وفضله العظيم. لقوله تعالى ولأجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم. لا بأس بها لان يوسف امرهم بجباية الارزاق والاطعمة في السنين المخصبات. للاستعداد للسنين المجذبة وان هذا غير مناقض للتوكل على الله. بل العبد على الله ويعمل بالاسباب التي تنفعه في دينه ودنياه. ومنها حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الارض حتى كثرت عنده مظلات جدا حتى صار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها لعلمهم بوفورها فيها وحتى انه كان لا يكيل لاحد الا مقدارها والحاجة الخاصة او اقل لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله. ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن المرسلين. واكرام طيب لقول يوسف لاخوته الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين؟ ومنها ان سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير نوع ولا محرم فان يعقوب قال لاولاده بعد ما امتنع من ارسال يوسف معهم حتى عالجوه اشد المعالجة. ثم قال لهم بعد ما اتوه وزعموا ان الذئب اكله. بل سولت لكم انفسكم امرا. وقال لهم في الاخ الاخر هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل ثم لما احتبسه يوسف عنده وجاء اخوته لابيهم قال لهم بل سولت لكم انفسكم امرا فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان قال ما قال من غير اثم عليه ولا حرج. ومنها ان استعمال الاسباب الدافعة للعين او غيرها من المكاره او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع. بل جائز وان كان لا يقع شيء الا بقضاء وقدر. فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لامر يعقوب حيث قال لبنيه يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة ومنها جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصدها. مما يحمد عليه العبد. وانما الممنوع التحيل على اسقاط واجب او فعل محرم. ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب ان يطلع عليه. ان يستعمل المعارض القولية فعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حيث القى الصواع في رحل اخيه. ثم استخرجها منه. موهما انه سارق. وليس فيه الا المهمة لاخوته. وقال بعد ذلك معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا وكذلك لم يقل انا وجدنا متاعنا عنده. بل اتى بكلام عام يصلح له ولغيره. وليس في ذلك محذور. وانما فيه ايهام انه سارق. ليحصل المقصود الحاضر وانه يبقى عند اخيه. وقد زال عن الاخ هذا الايهام بعدما تبينت الحال. ومنها انه لا يجوز للانسان ان يشهد الا بما علم وتحقق اما بمشاهدة او خبر من يثق به. وتطمئن اليه النفس لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا. ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام. حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف. الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة ويحزنه ذلك اشد الحزن. فحصل التفريق بينه وبينهم مدة طويلة. لا تقصر عن خمسة عشر سنة. ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر شدة. حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني. شقيق يوسف هذا وهو صابر لامر الله. محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل. ولا شك انه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله. فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر. وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين. ومنها ان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. فانه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به الى انهى ما يكون. ثم حصل الاضطرار لال يعقوب ومسهم الضر اذن الله حينئذ بالفرج فحصل التلاقي في اشد الاوقات اليه حاجة واضطرارا. فتم بذلك الاجر وحصل السرور. وعلم من ذلك ان الله يبتلي اولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم. ويزداد بذلك ايمانهم ويقينهم وعرفانهم. ومنها جواز اخبار الانسان بما يجد وما هو فيه من مرض او فقر ونحوهما على غير وجه التسخط لان اخوة يوسف قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر. ولم ينكر عليهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر. وان كل خير في الدنيا والاخرة. فمن اثار التقوى والصبر وان عاقبة اهلهما احسن العواقب لقوله قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين ومنها انه ينبغي لمن انعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال ان يعترف بنعمة الله عليه. والا يزال ذاكرا حاله الاولى ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها لقول يوسف عليه السلام وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ومنها لطف الله العظيم بيوسف حيث نقله في تلك الاحوال واوصل اليه الشدائد والمحن ليوصله بها الى اعلى الغايات ورفيع الدرب ومنها انه ينبغي للعبد ان يتملق الى الله دائما في تثبيت ايمانه. ويعمل الاسباب الموجبة لذلك. ويسأل الله حسن الخاتمة تمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسلام رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث. فاطر السماوات والارض انت وليي