ووكيل عليها وانما الذي يحفظها الله تعالى. واما انا فابلغكم ما ارسلت به انك لانت الحليم الرشيد. قالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا؟ اي قالوا ذلك على ان الله وعده بنجاة اهله ظن ان الوعد لعمومهم من امن ومن لم يؤمن فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء ومع هذا ففوض الامر لحكمة الله البالغة. فقال الله له اني اعظك ان تكون من الجاهلين في شرعه وامره وفي جزائه وثوابه وعقابه. لا تخرج افعاله عن الصراط المستقيم. التي يحمد ويثنى عليه بها لو فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا اليه لاتبعوه وهم كذبة في ذلك. ولهذا بين كذبهم في قوله قال يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي اي برهان ويقين مني واتاني منه رحمة. اي من علي برسالته المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب اي جميع ما دب على وجه الارض من ادمي او حيوان بري او بحري. فالله تعالى قد تكفل بارزاقهم واقواتهم فرزقها على الله ويعلم مستقرها ومستودعها. اي يعلم مستقر هذه الدواب وهو المكان الذي تقيم فيه وتستقر فيه وتأوي اليه ومستودعها المكان الذي تنتقل اليه في ذهابها ومجيئها وعوارض احوالها. كل من تفاصيل احوالها في كتاب مبين اي في اللوح المحفوظ المحتوي على جميع الحوادث الواقعة والتي تقع في السماوات والارض. الجميع قد احاط بها علم الله وجرى بها قلمه ونفذت فيها مشيئته ووسعها رزقه. فلتطمئن القلوب الى كفاية من تكفل بارزاقها. واحاط علما بذواتها وصفاتها وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ليقولن ان الذين كفروا ان هدى الا سحر مبين. يخبر تعالى انه خلق السماوات والارض في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة وحين خلق السماوات والارض كان عرشه على الماء فوق السماء السابعة. فبعد ان خلق السماوات والارض استوى عليه يدبر الامور ويصرفها كيف شاء من الاحكام القدرية والاحكام الشرعية. ولهذا قال ليبلوكم ايكم احسن عملا اي ليمتحنكم اذ خلق لكم ما في السماوات والارض بامره ونهيه فينظر ايكم احسن عملا. قال الفضيل بن عياض رحمه الله الله اخلصه واصوبه. قيل يا ابا علي ما اخلصه واصوبه؟ فقال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص ان يكون لوجه الله والصواب. ان يكون متبعا فيه الشرع والسنة وهذا كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وقال الله تعالى الله الذي خلق سبع سموات من الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن. لتعلموا ان الله على كل شيء قدير. وان الله قد احاط بكل شيء علما. فالله تعالى سقى الخلق لعبادته ومعرفته باسمائه وصفاته. وامرهم بذلك. فمن انقاد وادى ما امر به فهو من المفلحين. ومن اعرض عن ذلك فاولئك هم الخاسرون. ولا بد ان يجمعهم في دار يجازيهم فيها على ما امرهم به ونهاهم. ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء قرية مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد مسومة عند ربها اي معلمة عليها علامة العذاب والغضب. وما هي من الظالمين الذين يشابهون لفعل قوم لوط ببعيد. فليحذر العباد ان فقال ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. اي ولئن قلت لهؤلاء واخبرتهم البعث بعد الموت لم يصدقوك بل كذبوك اشد التكذيب. وقدحوا فيما جئت به وقالوا ان هذا الا سحر مبين. الا وهو الحق المبين الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم محاق بهم ما كانوا به يستهزؤون لئن اخرنا عنهم العذاب الى امة معدودة اي الى وقت مقدر فتباطؤوه. لقالوا من جهلهم وظلمهم ما يحبسه. ومضمونه هذا تكذيبهم به فانهم يستدلون بعدم وقوعه بهم عاجلا على كذب الرسول المخبر بوقوع العذاب. فما ابعد هذا الاستدلال! الا ثم يأتيهم العذاب ليس مصروفا عنهم فيتمكنون من النظر في امرهم. وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون من عذاب حيث تهاونوا به حتى جزموا بكذب من جاء به ولئن اذقن الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤوس ولئن ادغناه نعمان بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات يخبر تعالى عن طبيعة الانسان انه جاهل ظالم بان الله اذا ساقه منه رحمة كالصحة والرزق والاولاد ونحو ذلك. ثم نزعها منه. فانه يستسلم لليأس. وينقاد للقنوط. فلا يرجو ثواب الله ولا يخطر بباله ان الله سيردها او مثلها او خيرا منها عليه. وانه اذا اذاقه رحمة من بعد ضراء مسته انه يفرح ويبطر ويظن انه سيدوم له ذلك الخير. ويقول ذهب السيئات عني انه لفرح فخور. اي فرح بما اوتي مما يوافق هوى نفسه فخور بنعم الله على عباد الله وذلك يحمله على الاشهر والبطر والاعجاب بالنفس والتكبر على الخلق واحتقارهم وازدراءهم واي عيب اشد من هذا؟ وهذه طبيعة الانسان من حيث هو الا من وفقه الله واخرجه من هذا الخلق الذميم الى ضده. وهم الذين صبروا انفسهم عند الضراء فلم ييأسوا. وعند السراء فلم يبطروا. وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. اولئك لهم مغفرة لذنوبهم وبهم يزول بها عنهم كل محظور واجر كبير وهو الفوز بجنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين كنز او جاء معه ملك. انما انت نذير والله على كل شيء يقول تعالى مصليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المكذبين. فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز. اي لا ينبغي هذا لمثلك. ان قولهم يؤثر فيك ويصدك عن ما انت عليه. فتترك بعض ما يوحى اليك ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك فان هذا القول ناشئ من تعنت وظلم وعناد وضلال وجهل من مواقع الحجج والادلة. فامض على امرك ولا تصدك هذه الاقوال الركيكة التي لا تصدر الا من سفيه. ولا يضق لذلك صدرك فهل اوردوا عليك حجة لا تستطيع حلها؟ ام قدحوا ببعض ما جئت به قدحا يؤثر فيه وينقص قدره فيضيق صدرك لذلك ام عليك حسابهم ومطالب بهدايتهم جبرا؟ انما انت نذير. والله على كل شيء وكيل. فهو الوكيل عليهم يحفظ اعمالهم ويجازيهم بها اتم الجزاء ام يقولون افتراه اي افترى هذا القرآن فاجابهم بقوله قل لهم فاتوا بعشر سور مثله مفتريات. وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين انه اذ تراه فانه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة. وانتم الاعداء حقا الحريصون بغاية ما يمكنكم على ابطال دعوته. فان صادقين فاتوا بعشر سور مثله مفتريات فهل انتم فان لم يستجيبوا لكم على شيء من ذلك بكم فاعلموا ان ما انزل بعلم الله من عند الله لقيام الدليل والمقتضي وانتفاء المعارض. وان لا اله الا هو اي وانه لا اله الا هو اي هو وحده المستحق للالوهية والعبادة. فهل انتم مسلمون؟ اي منقادون لالوهيته؟ مستسلمون وفي هذه الايات ارشاد الى انه لا ينبغي للداعي الى الله ان يصده اعتراض المعترضين. ولقدح القادحين. خصوصا اذا كان القدح مستند له ولا يقدح فيما دعا اليه وانه لا يضيق صدره. بل يطمئن بذلك ماضيا على امره. مقبلا على شأنه. وانه لا يجب اجابة اقتراحات المقترحين للادلة التي يختارونها. بل يكفي اقامة الدليل السالم عن المعارض على جميع المسائل والمطالب. وفيها ان هذا القرآن معجز بنفسه لا يقدر احد من البشر ان يأتي بمثله ولا بعشر سور من مثله. بل ولا بسورة من مثله. لان الاعداء البلغاء تحداهم الله بذلك فلم يعارضوه. لعلمهم انهم لا قدرة فيهم على ذلك. وفيها ان مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة علم القرآن وعلم التوحيد لقوله تعالى فاعلموا ان ما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو ايريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. يقول قول تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها اي كل ايراداته مقصورة على الحياة الدنيا وعلى زينتها من النساء والبنين والقناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث. قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الاشياء. ولم يجعل لدار القرار من ارادته فيه شيئا فهذا لا يكون الا كافرا. لانه لو كان مؤمنا لكان ما معه من الايمان يمنعه ان تكون جميع اراداته للدار الدنيا بل نفس ايمانه وما تيسر له من الاعمال. اثر من اثار ارادته الدار الاخرة. ولكن هذا الشقي الذي كانه خلق للدنيا وحدها نوفي اليهم اعمالهم فيها. اي نعطيهم ما قسم لهم في ام الكتاب من ثواب الدنيا. وهم فيها لا يبخسون. اي لا ينقصون شيئا مما قدر لهم ولكن هذا منتهى نعيمهم. اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيه اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار خالدين فيها ابدا لا يفتر منهم العذاب وقد حرموا جزيل الثواب. وحبط ما صنعوا فيها اي في الدنيا اي بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحق واهله وما عملوه من اعمال الخير التي لا اساس لها. ولا وجود لشرطها وهو الايمان. افمن كان على بينة من ربه ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده. فلا تكفي مرية منه انه الحق يذكر تعالى حال رسوله محمد صلى الله عليه سلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه وحججه الموقنين بذلك. وانهم لا يوصف بهم غيرهم. ولا يكون احد مثلهم فقال افمن كان على بينة من ربه بالوحي الذي انزل الله فيه المسائل المهمة ودلائلها الظاهرة فتيقن تلك البينة شاهد من ان يتلو هذه البينة والبرهان برهان اخر. شاهد منه وهو شاهد الفطرة المستقيمة. والعقل الصحيح حين شهد احقية ما اوحاه الله وشرعه. وعلم بعقله حسنه. فازداد بذلك ايمانا الى ايمانه. وثم شاهد ثالث وهو كتاب التوراة التي جعلها الله اماما للناس ورحمة لهم. يشهد لهذا القرآن بالصدق ويوافقه فيما جاء به من الحق. اي افمن كان بهذا وصفي قد تواردت عليه شواهد الايمان. وقامت لديه ادلة اليقين كمن هو في الظلمات والجهالات ليس بخارج منها. لا يستوون عند الله ولا عند عباد الله اولئك الذين وفقوا لقيام الادلة عندهم يؤمنون بالقرآن حقيقة. فيثمر لهم ايمانهم كل خير في الدنيا والاخرة ومن يكفر به من الاحزاب ومن يكفر به اي القرآن من الاحزاب اي سائر الطوائف اهل الارض المتحزبة على رد الحق فالنار موعده. لا بد من وروده اليها فلا تكن في مرية منه اي في ادنى شك انه الحق من ربك. ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. اما جهلا منهم وضلالا واما ظلما وعنادا وبغيا الا فمن كان قصده حسنا وفهمه مستقيما فلا بد ان يؤمن به. لانه يرى ما يدعوه الى الايمان من كل وجه ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين. يخبر تعالى لانه لا احد اظلم ممن افترى على الله كذبا. ويدخل في هذا كل من كذب على الله بنسبة الشريك له او وصفه بما لا يليق بجلاله او الاخبار عنه بما لم يقل او ادعاء النبوة او غير ذلك من الكذب على الله. فهؤلاء اعظم الناس ظلما. اولئك يعرضون على بهم ليجازيهم بظلمهم. فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد. يقول الاشهاد اي الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم. هؤلاء الذين الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين. اي لعنة لا تنقطع لان ظلمهم صار وصفا لهم ملازما. لا يقبل التخفيف ثم وصف ظلمهم فقال الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاخرة الذين يصدون عن سبيل الله فصدوا بانفسهم عن سبيل الله وهي سبيل الرسل التي دعوا الناس اليها وصدوا عنها فصاروا ائمة يدعون الى النار ويبغونها اي سبيل الله عوجا اي يجتهدون في ميلها وتشيينها لتصير عند الناس غير مستقيمة. فيحسنون الباطل ويقبحون الحق. قبحهم الله وهم بالاخرة هم كافرون اولئك لم يكونوا معجزين في الارض وما كان لهم من دون الله من اولياء ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون. اولئك لم يكونوا معجزين في الارض. اي ليسوا فائتين الله لانهم تحت قبضته وفي سلطانه. وما كان لهم من دون الله من اولياء فيدفعون عنهم المكروه. او يحصلون لهم ما ينفعهم بل تقطعت بهم الاسباب. يضاعف لهم العذاب يغلظ ويزاد لانهم ظلوا بانفسهم واضلوا غيرهم. ما كانوا يستطيعون السمع اي من بغضهم للحق ونفورهم عنه. ما كانوا يستطيعون ان يسمعوا ايات الله سماعا ينتفعون به. فما لهم عن التذكرة معرضين؟ كانهم حمر مستنفرة فرت من قسورة وما كانوا يبصرون. اي ينظرون نظر عبرة وتفكر فيما ينفعهم. وانما هم كالصم البكم الذين لا يعقلون الذين خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. اولئك الذين خسروا انفسهم حيث فوتوها اعظم الثواب. واستحقوا اشد العذاب. وضل عنهم ما كانوا يفترون. اي اظمح الذين هم الذي يدعون اليه ويحسنونه ولم تغن عنهم الهتهم التي يعبدون من دون الله لما جاء امر ربك. لا جرم انهم في الاخرة لا جرم اي حقا وصدقا انهم في الاخرة هم الاخسرون. حصل الخسارة فيهم بل جعل لهم منه اشده لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة من العذاب. نستجير بالله من حالهم. ولما ذكر حال الاشقياء ذكر اوصاف السعداء وما لهم عند الله من الثواب. فقال الى ربهم اولئك اصحاب الجنة. واخبتوا الى ربهم اولئك يقول تعالى ان الذين امنوا بقلوبهم اي صدقوا واعترفوا لما امر الله بالايمان به من اصول الدين وقواعده. وعملوا الصالحات المشتملة على اعمال القلوب والجوارح واقوال اللسان واخبتوا الى ربهم اي خضعوا له واستكانوا لعظمته وذلوا لسلطانه. وانابوا اليه بمحبته وخوفه ورجائه والتضرع اليه اولئك الذين جمعوا تلك الصفات اصحاب الجنة هم فيها خالدون. لانهم لم يتركوا من الخير مطلبا الا ادركوه. ولا خيرا الا سبقوا اليه مستويات مثلا افلا تذكرون مثل الفريقين اي فريق الاشقياء وفريق السعداء كالاعمى والاصم هؤلاء الاشقياء والبصير والسميع مثل السعداء. هل يستويان مثلا؟ لا يستوون مثلا بل بينهما من الفرق ما لا يأتي عليه الوصف. افلا تذكرون الاعمال التي تنفعكم يفعلونها والاعمال التي تضركم فتتركونها. ولقد ارسلنا نوحا الى قومه اي ولقد ارسلنا رسولنا نوحا اول المرسلين الى قومه. يدعوهم الى الله وينهاهم عن الشرك. فقال لهم اني لكم نذير مبين اي بينت لكم ما انذرتكم به بيانا زال به الاشكال. الا تعبدوا ان الله اني اخاف عليكم عذاب يوم الا تعبدوا الا الله. اي اخلصوا العبادة لله وحده. واتركوا كل ما يعبد من دون الله. اني اخاف عليكم عذاب يوم اليم ان لم تقوموا بتوحيد الله وتطيعوني. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك الا بشرا مثلنا اه فقال الملأ الذين كفروا من قومه اي الاشراف والرؤساء رادين لدعوة نوح عليه السلام كما جرت السعادة لامثالهم انهم اول من رد دعوة المرسلين. ما نراك الا بشرا مثلنا وهذا مانع بزعمهم عن اتباعه. مع انه في نفس هو الصواب الذي لا ينبغي غيره. لان البشر يتمكن البشر ان يتلقوا عنه. ويراجعوه في كل امر. بخلاف الملائكة. ما نراك اتبعك الا للذين هم اراذلنا اي ما نرى اتبعك منا الا الاراذل والسفلة بزعمهم. وهم في الحقيقة الاشراف اهل العقول الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالاراضي للذين يقال لهم الملأ. الذين اتبعوا كل شيطان مريد واتخذوا الهة من الحجر والشجر. يتقربون اليها ويسجدون لها فهل ترى ارذل من هؤلاء واخس؟ وقولهم بادي الرأي اي انما اتبعوك من غير تفكر وروية بل بمجرد ما اتبعوك يعنون بذلك انهم ليسوا على بصيرة من امرهم. ولم يعلموا ان الحق المبين تدعو اليه بداهة العقول. وبمجرد ما يصل الى اولي الالباب احبابي يعرفونه ويتحققونه. لا كالامور الخفية التي تحتاج الى تأمل وفكر طويل. وما نرى لكم علينا من فضل. اي لستم افضل من فننقاد لكم بل نظنكم كاذبين وكذبوا في قولهم هذا فانهم رأوا من الايات التي جعلها الله مؤيدة لنوح ما يوجب الجزمة التامة على صدقه. ولهذا قال لهم نوح مجاوبا وانتم لها كارهون يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي؟ اي على يقين وجزم يعني وهو الرسول الكامل القدوة. الذي ينقاد له اولو الالباب. ويظمح في جنب عقله عقول الفحول من الرجال. وهو الصادق حقا. فاذا قال اني على بينة من ربي فحسبك بهذا القول شهادة له وتصدير واتاني رحمة من عنده اي اوحى الي وارسلني ومن علي بالهداية فعميت عليكم اي خفيت عليكم وبها تثاقلتم انلزمكموها؟ اي انكرهكم على ما تحققناه؟ وشككتم انتم فيه؟ وانتم لها كارهون حتى حرصتم على رد ما جئتم به ليس ذلك ضارنا وليس بقادح من يقيننا فيه. ولقولكم وافتراؤكم علينا صادا لنا عما كنا عليه. وانما غايته ان يكون صادا لكم انتم وموجبا لعدم انقيادكم للحق. الذي تزعمون انه باطل. فاذا وصلت الحال الى هذه الغاية فلا نقدر على اكراهكم على ما امر الله ولا الزامكم ما نفرتم عنه. ولهذا قال انلزمكموها وانتم لها كارهون تجهلون. ويا قومي لا اسألكم عليه اي على دعوتي اياكم ما لا. فتستثقلون المغرم. ان اجري الا على الله وكأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء. فقال لهم وما انا بطارد الذين امنوا. اي ما ينبغي لي ولا يليق بي ذلك بل اتلقاهم بالرحب والاكرام والاعزاز والاعظام. انهم ملاقوا ربهم فمثيبهم على ايمانهم وتقواهم بجنات النعيم. ولكني معكم قوما تجهلون حيث تأمرونني بطرد اولياء الله وابعادهم عني. وحيث رددتم الحق لانهم اتباعه. وحيث استدلتم على بطلان الحق بقولكم اني بشر مثلكم وانه ليس لنا عليكم من فضل. ويا قوم من ينصرني من الله ان طردته ثم فلا تذكرون. ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم. اي من يمنعني من عذابه. فان طردهم موجب للعذاب والنكال الذي الذي لا يمنعه من دون الله مانع. افلا تذكرون ما هو الانفع لكم والاصلح؟ وتدبرون الامور. ولا اقول لكم عندي ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. ولا اقول للذين تزدري اعينكم ان يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين. ولا اقول قلت لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. اي غاية اني رسول الله اليكم. ابشركم وانذركم. واما ما عدا ذلك فليس من الامر شيء فليست خزائن الله عندي ادبرها انا. واعطي من اشاء واحرم من اشاء. ولا اعلم الغيب فاخبركم بسرائركم ولا اقول اني ملك. والمعنى اني لا ادعي رتبة فوق رتبتي. ولا منزلة سوى المنزلة التي انزلني الله بها. ولا احكم على الناس ظني ولا اقول للذين تزدري اعينكم اي ضعفاء مؤمنين الذين يحتقرهم الملأ الذين كفروا لن يؤتيهم الله خيرا. الله الله اعلم بما في انفسهم. فان كانوا صادقين في ايمانهم فلهم الخير الكثير. وان كانوا غير ذلك فحسابهم على الله. اني اذا اي ان قلت لكم شيئا مما تقدم لمن الظالمين. وهذا تأييس منه عليه الصلاة والسلام لقومه. ان ينبذ فقراء المؤمنين او يمقتهم. وتقنيع لقول بالطرق المقنعة للمنصف. فلما رأوه لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم. ولم يدركوا منه مطلوبهم. قالوا يا نوح قد جادلت قالوا يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدا انا فاتنا بما تعدنا من العذاب ان كنت من الصادقين. فما اجهلهم واضلهم حيث قالوا هذه المقالة لنبيهم الناصح. فهلا قالوا ان كانوا صادقين يا نوح قد نصحتنا واشفقت علينا ودعوتنا الى امر لم يتبين لنا فنريد منك ان تبينه لنا لمن قاد لك والا انت مشكور في نصحك. لكان هذا الجواب منصف الذي قد دعي الى امن خفي عليه. ولكنهم في قولهم كاذبون. وعلى نبيهم متجرؤون ولم يردوا ما قاله بادنى شبهة. فضلا عن ان يردوه بحجة. ولهذا عدلوا من جهلهم وظلمهم الى الاستعجال بالعذاب. وتعجيز الله. ولهذا فاجابهم نوح عليه السلام بقوله انما يأتيكم به الله ان شاء. اي ان اقتضت مشيئته وحكمته ان ينزله بكم فعل ذلك وما انتم بمعجزين لله وانا ليس بيدي من الامر شيء. ولا ينفعكم نصحي ان اردت انه لكم ان كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون. ولا ينفعكم نصحي اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم. اي ان ارادة الله غالبة فانه اذا اراد ان يغويكم لردكم الحق. فلو حرصت غاية يهودي ونصحت لكم اتم النصح وهو قد فعل عليه السلام فليس ذلك بنافع لكم شيئا هو ربكم يفعل بكم ما يشاء ويحكم بما يريد واليه ترجعون فيجازيكم باعمالكم ام يقولون افتراه هذا الضمير يحتمل ان يعود الى نوح كما كان السياق في قصته مع قومه وان المعنى ان قومه يقولون افترى على الله كذبا وكذب بالوحي الذي يزعم انه من الله وان الله امر او ان يقول قل ان افتريته فعلي اجرامي. وانا بريء مما تجرمون. اي كل عليه وزره. ولا تزر وازرة وزر اخرى تقل من فعل باهلك سوء تبرئة لها وتبرئة له ايضا من الفعل. وانما النزاع عند الارادة والمراودة الا ان يسجن او عذاب اليم اي او يعذب عذابا اليما. فبرأ نفسه مما رمته به وقال ان يكون عائدا الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتكون هذه الاية معترضة في اثناء قصة نوح وقومه. لانها من الامور التي لا يعلمها الا الانبياء فلما شرع الله في قصها على رسوله وكانت من جملة الايات الدالة على صدقه ورسالته. ذكر تكذيب قومه له مع البيان التام فقال ام يقولون افتراه؟ اي هذا القرآن اختلقه محمد من تلقاء نفسه؟ اي فهذا من اعجب الاقوال وابطلها فانهم يعلمون انه لم يقرأ ولم يكتب ولم يرحل عنهم لدراسة على اهل الكتب. فجاء بهذا الكتاب الذي تحداهم ان يأتوا بسورة مثله. فاذا زعموا مع هذا انه افتراه علم انهم معاندون ولم يبق فائدة في حجاجهم. بل اللائق في هذه الحال الاعراض عنهم. ولهذا قال قل ان افتريته علي اجرامي. اي ذنبي وكذبي وانا بريء مما تجرمون. اي فلم تستلجون في تكذيب؟ وقوله واوحي الى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد امن. اي قد قسوا فلا تبتأس بما كانوا يفعلون. اي فلا تحزن ولا تبالي بهم وبافعالهم فان الله قد مقتهم واحق عليهم عذابه الذي لا يرد. واصنع الفلك باعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذي واصنع الفلك باعيننا ووحينا اي بحفظنا ومرأى منا وعلى مرضاتنا ولا تخاطبني في الذين ظلموا. اي لا تراجعني في اهلاكهم. اي قد حق عليهم القول ونفذ فيهم قدر فامتثل امر ربه وجعل يصنع الفلك وكل كما مر عليه ملأ من قومه ورأوا ما يصنع سخروا منه قال ان تسخروا منا الان فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من فيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. نحن ام انتم؟ وقد علموا ذلك حين حل بهم العقاب آآ نحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن امن ومن امن وما امن معه الا قليل. حتى اذا جاء امرنا اي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم وصار التنور اي انزل الله السماء بالماء المنهمر وفجر الارض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة وابعد ما يكون عن الماء تفجرت فالتقى الماء على امر قد قدر. قلنا لنوح احمل فيها من كل زوجين اثنين اي من كل صنف من اصناف المخلوقات ذكر وانثى لتبقى مادة سائر الاجناس. واما بقية الاصناف الزائدة عن الزوجين. فلان السفينة لا تطيق حملها. واهلك الا من سبق عليه القول ممن كان كافرا. كابنه الذي غرق. ومن امن والحال انه ما امن معه الا قليل قال ركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها ان ربي لغفور رحيم. وقال نوح لمن امر الله ان يحملهم. يركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها. اي تجري على اسم الله وترسو على اسم الله. وتجري بتسخيره وامره ان ربي لغفور رحيم. حيث غفر لنا ورحمنا ونجانا من القوم الظالمين. ثم وصف جريانها كاننا نشاهدها فقال قال يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. وهي تجري بهم اي بنوح ومن ركب معه في موج كالجبال. والله حافظها وحافظ اهلها. ونادى نوح ابنه لما ركب ليركب معه وكان ابنه في معزل عنهم حين ركبوا اي مبتعدا واراد منه ان يقرب ليركب فقال له يا بني اركب معنا ولا مع الكافرين فيصيبك ما يصيبهم. فقال ابنه مكذبا لابيه انه لا ينجو الا من ركب معه السفينة. قال سآوي الى قال لا عاصم اليوم من امر الله الا سآوي الى جبل يعصمني من الماء اي سارتقي جبلا امتنع به من الماء. فقال نوح لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم. فلا احدا جبل ولا غيره. ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الاسباب لما نجى ان لم ينجه الله. وحال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين فلما اغرقهم الله ونجى نوحا ومن معه. وقيل يا ارض بالعيمان واقلعي وغيض الماء وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجدي وقيل بعدا للقوم الظالمين وقيل يا ارض ابلعي ماءك الذي خرج منك. والذي نزل اليك اي ابلعي الماء الذي على وجهك. ويا سماء اقلعي فامتثلتا لامر الله فابتلعت الارض ماءها واقلعت السماء فنضم الماء من الارض وقضي الامر بهلاك المكذبين ونجاة المؤمنين. واستوت السفينة على الجودي اي ارست على ذلك الجبل المعروف في ارض الموصل. وقيل بعدا للقوم الظالمين اي اتبعوا بعد هلاكهم لعنة وبعدا وسحقا ان لا يزال معهم ونادى نوح ربه فقال ربي ان ابني من اهلي وان وعدك الحق اي وقد قلت لي فاحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك. ولن تخلف ما وعدتني به. لعله عليه الصلاة والسلام حملته الشفقة انه ليس من اهلك الذين وعدتك بانجائهم انه عمل غير صالح. اي هذا الدعاء الذي دعوت به لنجاة كافر لا امنوا بالله ولا رسوله. فلا تسألني ما ليس لك به علم اي ما لا تعلم عاقبته ومآله. وهل يكون خيرا او غير خير؟ اني اعظك ان تكون من الجاهلين اي اني اعظك وعظا تكون به من الكاملين. وتنجو به من صفات الجاهلين. فحين اذ ندم نوح عليه السلام ندامة شديدة على ما صدر منه وترحمني اكن من الخاسرين. وقال ربي اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من ان يكون من الخاسرين. ودل هذا على ان نوحا عليه السلام لم يكن عنده علم بان سؤاله لربه في نجاة ابنه محرم. داخل في قوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا. انهم مغرقون بل تعارض عنده الامران وظن دخوله في قوله واهلك. وبعد ذلك تبين له انه داخل في المنهي عن الدعاء لهم والمراجعة فيهم قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وامم قيل يا نوح اهبط بالسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك من الادميين وغيرهم من الازواج التي حملها معه. فبارك الله في الجميع حتى ملأوا اقطار الارض ونواحيها. وامم نمتعهم في الدنيا ثم يمسهم منا عذاب اليم. اي هذا الانجاء ليس بمانع لنا من ان من كفر بعد ذلك احللنا به العقاب. وان مت قليلا فسيؤخذون بعد ذلك. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما قص عليه هذه القصة المبسوطة. التي لا الا من من عليه برسالته تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين تلك من انباء الغيب نوحيها اليك. ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا. فيقول انه كان يعلمها فاحمد الله واشكره واصبر على ما انت عليه من الدين القويم والصراط المستقيم والدعوة الى الله. ان العاقبة للمتقين الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي فستكون لك العاقبة على قومك. كما كانت لنوح على قومه والى عاد اخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ايوة ارسلنا الى عاد وهم القبيلة المعروفة في الاحقاف من ارض اليمن اخاهم في النسب هودا ليتمكنوا من الاخذ عنه والعلم فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ان انتم الا مفترون. اي امرهم بعبادة الله وحده ونهاهم عما هم عليه من عبادة غير الله واخبرهم انهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره. وتجويزهم لذلك. ووضح لهم وجوب عبادة الله. وفساد ابادة ما سواه ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال يا قومي لا اسألكم عليه اجرا اي غرامة من اموالكم على ما دعوتكم اليه فتقولوا هذا يريد ان يأخذ اموالنا وانما ادعوكم واعلمكم مجانا. ان اجري الا على الذي فطرني. افلا تعقلون ما ادعوكم اليه؟ وانه موجب لقبوله منتف المانع عن رده. ويا قومي استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء آآ عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ويا قومي استغفروا ربكم عما مضى منكم. ثم توبوا اليه فيما تستقبلونه بالتوبة النصوح. والانابة الى الله تعالى. فانكم اذا فعلتم ذلك يرسل السماء عليكم مدرارا بكثرة الامطار التي تخصب بها الارض ويكثر خيرها. ويزدكم قوة الى قوتكم فانهم كانوا من اقوى الناس. ولهذا قالوا من اشد منا قوة؟ فوعدهم انهم ان امنوا زادهم قوة الى قوتهم تتولوا مجرمين. ولا تتولوا عنه اي عن ربكم مجرمين. اي مستكبرين عن عبادته. متجرئين على محارمه فقالوا رادين لقوله يهود ما جئتنا ببينة ان كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها فهذه غير لازمة للحق بل اللازم ان يأتي النبي باية تدل على صحة ما جاء به. وان كان قصدهم انه لم يأتهم ببينة تشهد لما قاله بالصحة فقد كذبوا في ذلك فانه ما جاء نبي لقومه الا وبعث الله على يديه من الايات. ما يؤمن على مثله البشر. ولو لم يكن له اية الا دعوته اياهم لاخلاص الدين لله وحده لا شريك له. والامر بكل عمل صالح وخلق جميل. والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله والفواحش والظلم وانواع المنكرات. مع ما هو مشتمل عليه هود عليه السلام من الصفات التي لا تكون الا لخيار الخلق واصدقهم. لكفى فكما انه لا شريك له في جميع ذلك فلا تشركوا به في عبادته. فاستغفروه مما صدر منكم من الكفر والشرك والمعاصي. واقلعوا عنها ثم توبوا اليه اي ارجعوا اليه بالتوبة النصوح والانابة. اي قريب ممن دعاه دعاء فيها ايات وادلة على صدقه. بل اهل العقول واولو الالباب يرون ان هذه الاية اكبر من مجرد الخوارق التي يراها بعض الناس. هي المعجزات فقط ومن اياته وبيناته الدالة على صدقه انه شخص واحد ليس له انصار ولا اعوان وهو يصرخ في قومه ويناديهم ويعجزهم ويقول لهم اني توكلت على الله ربي وربكم اني اشهد الله واشهد اني بريء مما تشركون من دونه. فكيدوني ثم لا تنظرون. وهم الاعداء الذين لهم السطوة والغلبة. ويريدون اطفاء ما معه من النور. باي طريق كان. وهو غير مكترث بهم ولا مبال بهم وهم عاجزون لا يقدرون ان ينالوهم بشيء من السوء. ان في ذلك لايات لقوم يعقلون. وقولهم وما نحن بتارك الهتنا عن قولك اي لا نترك عبادة الهتنا لمجرد قولك الذي ما اقمت عليه بينة بزعمهم. وما نحن لك بمؤمنين وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليه السلام في ايمانهم. وانهم لا يزالون في كفرهم يعمهون قال اني اشهد الله واشهد اني بريء ما تشركون من دونه. ان نقول فيك الا حكم عن الهتنا بسوء. اي اصابتك بخبال وجنون فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين. كيف جعلوا اصدق الخلق الذي جاء باحق الحق بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم. لولا ان الله حكاها عنهم. ولهذا بين هود عليه الصلاة والسلام انه واثق غاية الوثوق انه لا يصيبه منهم. ولا من الهتهم اذى. فقال اني اشهد الله واشهد اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا اي اطلبوا لي الضرر كلكم بكل طريق تتمكنون بها مني ثم لا تنظرون اي لا تهملوني الا واخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم. اني توكلت على الله اي اعتمدت في امري كله على الله ربي وربكم اي هو خالق الجميع ومدبرنا واياكم وهو الذي ربانا. ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. فلا تتحرك ولا تسكن الا باذنه. فلو اجتمعتم جميعا على الايقاع بي. والله لم يسلطكم علي لم تقدروا على ذلك فان سلطكم فلحكمة ارادها فان ربي على صراط مستقيم. اي على عدل وقسط وحكمة وحمد في قضائه وقدره ان ربي على كل شيء حفيظ. فان تولوا عن ما دعوتكم اليه فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم فلم يبقى علي تبعة من شأنكم. ويستخلف ربي قوما غيركم. يقومون بعبادته ولا يشركون به شيئا. ولا تضرونه شيئا فان ضرركم انما يعود عليكم فالله لا تضره معصية العاصين. ولا تنفعه طاعة المطيعين. من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها ان ربي على كل شيء حفيظ ولما جاء امرنا اي عذابنا بارسال الريح العقيم التي ما تذر من شيء اتت عليه الا جعلته كالرميم. نجينا هودا والذين امنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ اي عظيم شديد احله الله بعاد. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم وتلك عاد الذين اوقع الله بهم ما اوقع بظلم منهم لانهم جحدوا بايات ربهم. ولهذا قالوا ليهود ما جئتنا ببينة. فتبين بهذا انه متيقنون لدعوته. وانما عاندوا وجحدوا وعصوا ورسله لان من عصى رسولا فقد عصى جميع المرسلين. لان دعوتهم واحدة. واتبعوا امر كل جبار اي متسلط على عباد الله بالجبر عنيد اي معاند لايات الله. فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم واتبعوا كل غاش لهم يريد اهلاكهم. لا جرم اهلكهم الله واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة الا ان عادا كفروا ربهم واتبعوا في هذه الدنيا لعنة. فكل وقت وجيل الا ولأنبائهم القبيحة واخبارهم الشنيعة ذكر يذكرون به. وذم يلحقهم ويوم القيامة لهم ايضا لعنة. الا ان ادم كفروا ربهم اي احد من خلقهم ورزقهم ورباهم. الا بعدا لعاد قوم هود. اي ابعدهم الله عن كل خير. وقربهم من كل شر والى ثمود اخاهم صالحا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. وانشأكم من في الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربي قريب مجيب. اي وارسلنا الى ثمود وهم عادوا للثانية المعروفون الذين يسكنون الحجر ووادي القرى اخاهم في النسب صالحا عبد الله ورسوله صلى الله الله عليه وسلم يدعوهم الى عبادة الله وحده. فقال يا قومي اعبدوا الله اي وحدوه واخلصوا له الدين. ما لكم من اله غيره. لا من من اهل السماء ولا من اهل الارض. هو انشأكم من الارض اي خلقكم فيها واستعمركم فيها. اي استخلفكم فيها وانعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ومكنكم في الارض تبنون وتغرسون وتزرعون. وتحرثون ما شئتم وتنتفعون بمنافعها. وتستغلون مصالحها او دعاء عبادة يجيبه باعطائه سؤله وقبول دعوته واثابته عليها اجل الثواب. واعلم ان قربه تعالى نوعان عام وخاص. فالقرب العام قرب بعلمه من جميع الخلق. وهو المذكور في قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد. والقرب قربه من عباده وسائليه ومحبيه. وهو المذكور في قوله تعالى واسجد واقترب. وفي هذه الاية وفي قوله تعالى واذا فسألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع. وهذا النوع قرب يقتضي الطافه تعالى واجابته لدعواتهم. وتحقيقه مراداتهم. ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه المجيب. فلما امره نبيهم صالح عليه السلام. ورغبهم في الاخلاص لله وحده. ردوا عليه دعوته وقابلوه اشناع المقابلة قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجو قبل هذا. اي قد كنا نرجو ونأمل فيك العقل والنفع. وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح. انه ما زال معروفا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. وانه من خيار قومه. ولكنه لما جاءهم بهذا الامر الذي لا يوافق اهواءهم الفاسدة. قالوا هذه مقالة التي مضمونها انك قد كنت كاملا. والان اخلفت ظننا فيك. وصرت بحالة لا يرجى منك خير. وذنبه ما قالوه عنه هو قولهم اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا؟ وبزعمهم ان هذا من اعظم القدح في صالح كيف قدح في عقولهم وعقول ابائهم الضالين وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر ولا يغني شيئا من الاحجار والاشجار ونحوها. وامرهم باخلاص الدين لله ربهم الذي لم تزل نعمه عليهم تترى. واحسانه عليهم دائما ينزل. الذي ما بهم من نعمة الا منه. ولا يدفع عنهم السيئات الا هو اننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب. اي ما زلنا شاكين فيما دعوتنا اليه شكا مؤثرا في قلوبنا الريب. وبزعمهم انهم لو علموا صحة ما دعاهم ووحيه اي افأبكم على ما انتم عليه وما تدعونني اليه. فمن ينصرني من الله ان عصيته فما تزيدونني غير تقصير بغير خسار وتباب وضرر تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب. ويا قومي هذه ناقة الله لكم اية لها شرب من البئر يوما ثم يشربون كلهم من ضرعها ولهم شرب يوم معلوم. فذروها تأكل في ارض الله اي ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء ولا تمسوها بسوء. اي بعقر فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك غير مكذوب بل لا بد من وقوعه ان ربك هو القوي العزيز. فلما جاء امرنا بوقوع العذاب نجينا صالحا والذين امنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ. اي نجيناه من العذاب والخزي والفضيحة ان ربك هو القوي العزيز. ومن قوته وعزته ان اهلك الامم الطاغية ونجى الرسل واتباعهم واخذ الذين ظلموا الصيحة العظيمة فقطعت قلوبهم فاصبحوا في ديارهم جاثمين اي خامدين لا حراك لهم كأن لم يغنوا فيها اي كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم ولا انسوا بها. ولا تنعموا بها يوما من الدهر قد فارقهم النعيم وتناولهم العذاب السرمدي الذي لا ينقطع الذي كانه لم يزل الا ان ثمود كفروا ربهم اي جحدوه بعد ان جاءتهم الاية المبصرة. الا بعدا لثمود. فما اشقاهم واذلهم. نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال ايوه لقد جاءت رسلنا من الملائكة الكرام رسولنا ابراهيم الخليل بالبشرى اي بالبشارة بالولد حين ارسلهم الله لاهلاك وامرهم ان يمروا على ابراهيم فيبشروه باسحاق. فلما دخلوا عليه قالوا سلاما قال سلام. اي سلموا عليه عليهم السلام. ففي هذا مشروعية السلام وانه لم يزل من ملة ابراهيم عليه السلام. وان السلام قبل الكلام وانه ينبغي ان يكون الرد ابلغ ومن الابتداء لان سلامهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد. ورده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار. وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية فما لبث ابراهيم لما دخلوا عليه ان جاء بعجل حنيذ اي بادر لبيته فاستحمر لاطياف فيه عجلا مشويا على الردف سمينا. فقربه اليهم. فقال الا تأكلون قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط. فلما رأى ايديهم تصل اليه اي الى تلك الضيافة نكرهم واوجس منهم خيفة. وظن انهم اتوه بشر ومكروه. وذلك قبل ان يعرف امرهم فقالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط اي انا رسل الله ارسلنا الله الى اهلاك قوم لوط. وامرأته قائمة العجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشيء عجيب. وامرأة ابراهيم قائمة تخدم اضيافه ضحكت حين سمعت بحالهم وما ارسلوا به تعجبا. فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. فتعجبت من ذلك وقالت يا ويلتاه ااالد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا؟ فهذان مانعان من وجود الولد. ان هذا لشيء عجيب امر الله رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت. انه حميد مجيد قالوا اتعجبين من امر الله؟ فان امره لا عجب فيه لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء. فلا يستغرب على قدرته شيء. وخصوصا فيما يدبره وهو يمضيه لاهل هذا البيت المبارك رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت. اي لا تزال رحمته واحسانه وبركاته. وهي الزيادة من خيره واحسانه وحلول الخير الالهي على العبد عليكم اهل البيت. انه حميد مجيد. اي حميد الصفات لان صفاته صفات كمال حميد الافعال لان افعاله احسان وجود وبر وحكمة. وعدل وقسط. مجيد والمجد هو عظمة الصفات وسعتها فله صفات الكمال وله من كل صفة كمال اكملها واتمها واعمها يجادلنا في قوم لوط. فلما ذهب عن ابراهيم الروع الذي اصابه من خيفة اضيافه جاءته البشرى بالولد التفت حينئذ الى مجادلة الرسل في اهلاك قوم لوط وقال لهم ان فيها لوط قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله الا امرأته. ان ابراهيم لحليب اي ذو خلق حسن. وسعة صدر وعدم غضب عند جهل الجاهلين. اواه اي متضرع الى الله في جميع الاوقات. منيب اي رجاع الى الله بمعرفته ومحبته. والاقبال عليه والاعراض عمن سواه. فلذلك كان يجادل عمن حتم الله بهلاكهم قيل له يا ابراهيم اعنض عن هذا انه قد جاء امر ربك يا ابراهيم اعرض عن هذا الجدال انه قد جاء امر ربك بهلاكهم وانهم اتيهم عذاب غير مردود فلا فائدة في جدالك ولما جاءت رسلنا اي الملائكة الذين صدروا من ابراهيم لما اتوا لوطا سيئ بهم اي شق عليه مجيئهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب. اي شديد حرج لانه علم ان قومه لا يتركونهم. لانهم في صور شباب جرد في غاية الكمال والجمال. ولهذا وقع ما خطر بباله. وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات. قال يا قومي هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تقنوا فجاءه قومه يهرعون اليه اي يسرعون ويبادرون يريدون اضيافه بالفاحشة التي كانوا يعملونها. ولهذا قال ومن قبل كانوا يعملون السيئات. اي الفاحشة التي ما سبقهم عليها احد منهم العالمين. قال يا قوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم من اضيافي. وهذا كما عرض لسليمان عليه الصلاة والسلام على المرأتين ان يشق الولد لدى المختصم فيه لاستخراج الحق. ولعلمه ان بناته ممتنع منالهن. ولا حق لهم فيهن. والمقصود الاعظم دفع هذه الفاحشة الكبرى فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي. اي اما ان تراعوا تقوى الله واما ان تراعوني في ضيفي. ولا تخزوني عندهم. اليس منكم رجل رشيد فينهاكم ويزجركم وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم من الخير والمروءة فقالوا له لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد اي لا نريد الا الرجال ولا لنا رغبة في النساء. فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام وقال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد. كقبيلة مانعة لمنعتكم وهذا بحسب الاسباب المحسوسة والا فانه يأوي الى اقوى الاركان وهو الله الذي لا يقوم لقوته احد. ولهذا لما بلغ الامر منتهاه واشتد الكرب قالوا له قطع من الليل ولا يلتفت منكم احد الا امرأتك. انه مصيبها ما اصابهم ان موعدهم الصبح وليس الصبح بقريب. انا رسل ربك اي اخبروه بحالهم ليطمئن قلبه. لن يصلوا اليك ثم قال جبريل بجناحه فطمس اعينهم فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح. وامر الملائكة لوطا ان يسري باهله من الليل اي بجانب منه قبل الفجر بكثير. ليتمكنوا من البعد عن قريتهم. ولا يلتفت منكم احد. اي بادروا بالخروج. وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا الى ما وراءكم. الا امرأتك انه مصيبها من العذاب ما اصابهم. لانها تشارك قومها في الاثم تدلهم على اضياف لوط اذا نزل به اضياف. ان موعدهم الصبح فكأن لوطا استعجل ذلك فقيل له اليس الصبح بقريب فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها. وامطرنا عليها حجارة من سج فلما جاء امرنا بنزول العذاب واحلاله فيهم جعلنا ديارهم عاليها سافلها اي قلبنا عليهم وامطرنا عليها حجارة من سجيل. اي من حجارة النار الشديدة الحرارة منضود اي متتابعة تتبع من شذ عن يفعلوا كفعلهم لان لا يصيبهم ما اصابهم من اله غيره ولا تنقص المكيال والميزان اني اراكم بخير واني اخاف عليكم اي وارسلنا الى مدين القبيلة المعروفة الذين يسكنون مدين في ادنى فلسطين اخاهم نسب شعيب لانهم يعرفونه وليتمكنوا من الاخذ عنه. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. اي اخلصوا له عبادة فانهم كانوا يشركون به. وكانوا مع شركهم يبخسون المكيال والميزان. ولهذا نهاهم عن ذلك فقال ولا تنقصوا المكيال اذا بل اوفوا الكيل والميزان بالقسط. اني اراكم بخير اي بنعمة كثيرة وصحة. وكثرة اموال وبنين. فاشكروا الله على ما معكم ولا تكفروا نعمة الله فيزيلها عنكم. اني اخاف عليكم عذاب يوم محيط. اي عذابا يحيط بكم. ولا يبقي منكم باقي ويا قوم انفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعسوا في الارض مفسدين. ويا قومي اوفوا المكيال والميزان بالقسط. اي بالعدل الذي ترضون ان تعطوه. ولا تبخسوا الناس اشياءهم. اي تنقص من اشياء الناس فتسرقوها باخذها بنقص المكيال والميزان. ولا تعثوا في الارض مفسدين. فان الاستمرار على المعاصي يفسد الاديان والعقائد والدين والدنيا ويهلك الحرث والنسل. بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين وما انا بقية الله خير لكم. اي يكفيكم ما ابقى الله لكم من الخير. وما هو لكم فلا تطمعوا في امر لكم عنه غنية وهو ضار لكم جدا. ان كنتم مؤمنين فاعملوا بمقتضى الايمان. وما انا عليكم بحفيظ. اي لست بحافظ لاعمالكم وجه التهكم بنبيهم والاستبعاد لاجابتهم له. ومعنى كلامهم انه لا موجب لنهيك لنا. الا انك تصلي لله وتتعبد له افا ان كنت كذلك افيوجب لنا ان نترك ما يعبد اباؤنا؟ لقول ليس عليه دليل الا انه موافق لك. فكيف نتبعك ونترك ابائنا الاقدمين اولي العقول والالباب. وكذلك لا يوجب قولك لنا ان تفعل في اموالنا ما قلت لنا من وفاء الكيل والميزان. واداء الحقوق الواجبة فيها. بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا لانها اموالنا. فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا في تهكمهم انك الحليم الرشيد اي انك انت الذي الحلم والوقار لك خلق. والرشد لك سجية فلا يصدر عنك الا رشد. ولا تأمر الا برشد ولا تنهى الا عن غي اي ليس الامر كذلك. وقصدهم انه موصوف بعكس هذين الوصفين. بالسفه والغواية اي ان المعنى كيف تكون وانت الحليم الرشيد. واباؤنا هم السفهاء الغاوون. وهذا القول الذي اخرجوه بصيغة التهكم. وان الامر بعكسه ليس كما ظنوه. بل للامر كما قالوه ان صلاته تأمره ان ينهاهم عما كان يعبد اباؤهم الضالون. وان يفعلوا في اموالهم ما يشاؤون. فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر واي فحشاء ومنكر اكبر من عبادة غير الله. ومن منع حقوق عباد الله او سرقتها بالمكاييل والموازين. وهو عليه الصلاة الصلاة والسلام الحليم الرشيد. قال لهم شعيب ارأيتم ان كنت على بينة من ربي ورزق وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه استطعت وما توفيقي الا لله عليه توكلت واليه ينيب. يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي اي يقين وطمأنينة في صحة ما جئت به. ورزقني منه رزقا حسنا. اي اعطاني الله من اصناف المال ما اعطاني. وانا لا اريد اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. فلست اريد ان انهاكم عن البخس في المكيال والميزان. وافعله انا. وحتى تتطرق الي التهمة في ذلك بل ما انهاكم عن امر الا وانا اول مبتدر لتركه. ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. اي ليس لي من المقاصد الا ان تصلح احوالكم وتستقيم منافعكم وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي. ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس. دفع هذا بقوله وما توفيق الا بالله. اي وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر. الا بالله تعالى لا بحولي ولا بقوة. عليه توكلت اي اعتمدت في اموري ووثقت في كفايته. واليه انيب في اداء ما امرني به من انواع العبادات. وفي هذا التقرب اليه سائر افعال الخيرات. وبهذين الامرين تستقيم احوال العبد وهما الاستعانة بربه والانابة اليه. كما قال تعالى فاعبده وتوكل عليه وقال اياك نعبد واياك نستعين. ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ويا قومي لا يجرمنكم شقاقي. اي لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي. ان يصيبكم من العقوبات مثل ما اصاب قوم نوح. او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد. اي لا في الدار ولا في الزمان. واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود. واستغفروا ربكم عما اقترفتم من الذنوب ثم توبوا اليه فيما يستقبل من اعمالكم بالتوبة النصوح والانابة اليه بطاعته وترك مخالفته. ان ربي رحيم ودود لمن تاب واناب. يرحمه فيغفر له ويتقبل توبته ويحبه. ومعنى الودود من اسمائه تعالى انه يحب عباده المؤمنين ويحبونه. فهو فعول بمعنى فاعل وبمعنى مفعول لولا رهفك لرجمنك وما انت علينا بعزيز. قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول اي تضجروا نصائحه ومواعظه لهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول وذلك لبغضهم لما يقول ونفرتهم عنه وانا لنراك في عيسى اي في نفسك لست من الكبار والرؤساء بل من المستضعفين. ولولا رهقك اي جماعتك وقبيلتك لرجمناك. وما علينا بعزيز. اي ليس لك قدر في صدورنا ولا احترام في انفسنا. وانما احترمنا قبيلتك بتركنا اياك. فقال لهم مترقب قال لهم يا قومي ارهطتي اعز عليكم من الله اي كيف تراعوني لاجل رهطي ولا تراعوني لله. فصار رهطي اعز عليكم من الله. واتخذتموه وراءكم ظهريا. اين بثتم امر الله وراء ظهوركم ولم تبالوا به ولا خفتم منه. ان ربي بما تعملون محيط لا يخفى عليه من اعمالكم مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. فسيجازيكم كما عملتم اتم الجزاء. ولما اعيوه وعجز عنهم قال ويا قوم اعملوا على مكانتكم سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا اني معكم رقيب يا قومي اعملوا على مكانتكم. اي على حالتكم ودينكم. اني عامل. سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. انا ام انتم؟ وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذاب. وارتقبوا ما يحل بي اني معكم ما يحل بكم واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين ولما جاء امرنا باهلاك قوم شعيب نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين. لا تسمع لهم صوتا ولا ترى منهم حركة كأن لم يغنوا فيها. اي كانهم ما اقاموا في ديارهم. ولا تنعموا فيها حين اتاهم العذاب. الا بعدا لمدين اذ اهلكها الله واخزاها كما بعيد الثمود. اي قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الانبياء لحسن مراجعته لقومه وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير. منها ان الكفار كما يعاقبون ويخاطبون باصل الاسلام. فكذلك بشرائعه وفروعه. لان شعيبا دعا قومه الى التوحيد. والى ايفاء المكيال الميزان وجعل الوعيد مرتبا على مجموع ذلك. ومنها ان نقص المكاييل والموازين من كبائر الذنوب. وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ان ذلك من سرقة اموال الناس. واذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين موجبة للوعيد. فسرقتهم على وجه القهر والغلبة من باب اولى واحرى ومنها ان الجزاء من جنس العمل. فمن بخس اموال الناس يريد زيادة ماله عوقب بنقيض ذلك. وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله اني اراكم بخير. اي فلا تسببوا الى زواله بفعلكم. ومنها ان على العبد ان يقنع بما اتاه الله ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة. وان ذلك خير له لقوله. بقية الله خير لكم. ففي ذلك من البركة وزيادة الرزق. ما ليس في التكالب على الاسباب المحرمة من المحق. وضد البركة. ومنها ان ذلك من لوازم الايمان واثاره فانه رتب العمل به على وجود الايمان. فدل على انه اذا لم يوجد العمل فالايمان ناقص او معدوم. ومنها ان الصلاة لم تزل مشروعة للانبياء المتقدمين. وانها من افضل الاعمال حتى انه متقرر عند الكفار فضلها. وتقديمها على سائر الاعمال. وانها تنهى عن الفحشاء ايها المنكر وهي ميزان للايمان وشرائعه. فباقامتها تكمن احوال العبد وبعدم اقامتها تختل احواله الدينية. ومنها ان المال الذي يرزقه الله الانسان وان كان الله قد خوله اياه فليس له ان يصنع فيه ما يشاء فانه امانة عنده. عليه ان يقيم حق الله فيه باداء ما فيه من الحقوق والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله لا كما يزعمه الكفار ومن اشبههم ان اموالهم لهم ان يصنعوا فيها ما يشاؤون سواء وافق حكم الله او خالفه. ومنها ان من تكملة دعوة الداعي وتمامها ان يكون اول مبادر لما يأمر غيره به واول منته عما ينهى غيره عنه. كما قال شعيب عليه السلام وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. ولقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. ومنها ان وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم ارادة الاصلاح بحسب القدرة والامكان. فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها او بتحصيل ما يقدر عليه منها. وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة. وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها احوال العباد. وتستقيم بها امورهم الدينية والدنيوية منها ان من قام بما يقدر عليه من الاصلاح لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه. فعلى العبد ان يقيم من الاصلاح في نفسه وفي غيره فيما يقدر عليه ومنها ان العبد ينبغي له ان لا يتكل على نفسه طرفة عين بل لا يزال مستعينا بربه متوكلا عليه سائلا له واذا حصل له شيء من التوفيق فلينسبه لموليه ومسديه ولا يعجب بنفسه لقوله وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب. ومنها الترهيب باخذات الامم وما جرى عليهم. وانه ينبغي ان تذكر القصص التي فيها ايقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر. كما انه ينبغي ذكر ما اكرم الله به اهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. ومنها ان التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه ويعفى عنه فان الله تعالى يحبه ويوده. ولا عبرة بقول من يقول ان التائب اذا تاب فحسبه ان يغفر له ويعود عليه العفو. واما عود الود والحب فانه لا يعود. فان الله قال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه. ان ربي رحيم ودود ومنها ان الله يدفع عن المؤمنين باسباب كثيرة. قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم او اهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب ردم قومه بسبب رفضه. وان هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الاسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها. ربما تعين ذلك لان الاصلاح مطلوب على حسب القدرة والامكان. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الافراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية. لكان اولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية. وتحرص على ابادتها وجعلهم عملة وخدما لهم. نعم ان امكن ان تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم امكان هذه المرتبة. فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة. والله اعلم. ولقد قد ارسلنا موسى باياتنا وسلطان مبين. يقول تعالى ولقد ارسلنا موسى بن عمران باياتنا الدالة على بما جاء به كالعصا واليد ونحوهما من الايات التي اجراها الله على يدي موسى عليه السلام. وسلطان مبين اي حجة ظاهرة بينة. ظهر ظهور الشمس الى فرعون وملأه لاشراف قومه لانهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم. فلم ينقادوا لما مع موسى من الايات التي اراهم اياها. كما تقدم بسطها في سورة الاعراف ولكنهم فاتبعوا امر فرعون وما امر فرعون برشيد. بل هو ضال غاو لا يأمر الا بما هو ضرر محض. لا جرم لما اتبع معه قومه ارداهم واهلكهم واتبعوا في هذه اي في الدنيا لعنة ويوم القيامة. ان يلعنهم الله وملائكته والناس اجمعون في الدنيا والاخرة. بئس الرفد المرفود اي بئس ما اجتمع وترادف عليهم من عذاب الله ولعنة الدنيا والاخرة. ولما ذكر قصص هؤلاء الامم مع رسولهم قال الله تعالى لرسوله ذلك من انباء القرآن اقصه عليك لتنذر به. ويكون اية على رسالتك. وموعظة وذكرى للمؤمنين. منها قائم لم يتلف. بل بقي من اثار ديارهم ما يدل عليهم ومنها حصيد قد تهدمت مساكنهم واضمحلت منازلهم فلم يبق لها اثر من ظلموا انفسهم فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ما جاء امر ربك وما زادهم غير تتبيل. وما ظلمناهم باخذهم بانواع العقوبات. ولكن ظلموا انفسهم بالشرك والكفر والعناد. فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك. وهكذا كل من التجأ الى لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. وما زادوهم غير تطبيب اي خسار ودمار. بالضد مما خطر ببالهم ايقسمهم بالعذاب ويبيدهم ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. ان في ذلك المذكور من اخذه للظالمين بانواع العقوبات لاية لمن خاف عذاب الاخرة. اي لعبرة ودليلا على ان اهل الظلم والاجرام لهم العقوبة الدنيوية. والعقوبة الاخروية ثم انتقل من هذا الى وصف الاخرة فقال ذلك يوم مجموع له الناس اي جمعوا لاجل ذلك اليوم للمجازة وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم ما به يعرفونه حق المعرفة. وذلك يوم مشهود اي يشهده الله وملائكته وجميع المخلوقين وما نؤخره اي اتيان يوم القيامة الا لاجل معدود. اذا انقضى اجل دنيا وما قدر الله فيها من الخلق. فحينئذ ينقلهم الى الدار الاخرى ويجري عليهم احكامه الجزائية كما اجرى عليهم في الدنيا احكامه الشرعية يوم يأتينا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي سعيد. يوم يأتي ذلك اليوم ويجتمع الخلق لا تكلم نفس الا باذنه حتى الانبياء والملائكة الكرام لا يشفعون الا باذنه. فمنهم اي الخلق شقي وسعيد فالاشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا امره. وسعداؤهم المؤمنون المتقون. واما جزاؤهم ان الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير شهيق. فاما الذين شقوا اي حصلت لهم الشقاوة والفضيحة ففي النار منغمسون في عذابها مشتد عليهم عقابها لهم فيها من شدة ما هم فيه زفير وشهيق وهو اشنع والاصوات واقباحها ان ربك فعال لما يريد. خالدين فيها اي في النار التي هذا عذابها ما دامت السماوات والارض الا يا ما شاء ربك اي خالدين فيها ابدا الا المدة التي شاء الله الا يكونوا فيها. وذلك قبل دخولها كما قاله جمهور المفسرين والاستثناء على هذا راجع الى ما قبل دخولها. فهم خالدون فيها جميع الازمان سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها. ان ربك فعال لما يريد فكل ما اراد فعله واقتضته حكمته فعله تبارك وتعالى لا يرده احد عن مراده خالدين فيها ما ادامت السماوات والارض الا ما شاء ربك واما الذين سعدوا اي حصلت لهم السعادة والفلاح والفوز. ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك. ثم اكد ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ. اي ما اعطاهم الله من النعيم المقيم والذي العالية فانه دائم مستمر. غير منقطع بوقت من الاوقات. نسأل الله الكريم من فضله ما يعبدون الا كما يعبد ابائهم من قبل يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلا تكف في مرية مما يعبد هؤلاء المشركون. اي لا تشك في حالهم وان ما هم عليه باطل. فليس لهم دليل شرعي ولا عقلي. وانما دليل شبهتهم انهم ما يعبدون الا كما يعبد اباؤهم من قبل. ومن المعلوم ان هذا ليس بشبهة. فضلا عن ان يكون دليلا لان اقوال احد الانبياء يحتج لها لا يحتج بها. خصوصا امثال هؤلاء الضالين الذين كثر خطأهم وفساد اقوالهم في اصول الدين. فان قالهم وان اتفقوا عليها فانها خطأ وضلال وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص. اي لابد ان ينالهم نصيبهم من الدنيا. مما كتب لهم. وان كثر ذلك النصيب. او راق في عينك فانه لا يدل على صلاح حالهم. فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الايمان والدين الصحيح الا من يحب. والحاصل انه لا يغتر لاتفاق الضالين على قول الضالين من ابائهم الاقدمين. ولا على ما خولهم الله واتاهم من الدنيا ولقد اتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وانهم يخبر تعالى انه اتى موسى الكتاب الذي هو التوراة الموجبة للاتفاق على اوامره ونواهيه والاجتماع ولكن مع هذا فان المنتسبين اليه اختلفوا فيه اختلافا اضر بعقائدهم وبجامعتهم الدينية. ولولا كلمة سبقت من ربك خيرهم وعدم معاجلتهم بالعذاب لقضي بينهم باحلال العقوبة بالظالم ولكنه تعالى اقتضت حكمته ان اخر القضاء بينهم الى يوم القيامة وبقوا في شك منه مريب. واذا كانت هذه حالهم مع كتابهم. فمع القرآن الذي اوحاه الله اليك غير مستغرب من طائفة اليهود الا يؤمنوا به وان يكونوا في شك منهم مريب انه بما يعملون خبير. وان كلا لم ليوفينهم ربك اعمالهم. اي لابد ان الله يقضي بينهم يوم القيامة بحكمه العدل فيجازي كلا بما يستحقه. انه بما يعملون من خير وشر خبير. فلا يخفى عليه شيء من اعمالهم دقيقها جليلها فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون مصير ثم لما اخبر بعدم استقامتهم التي اوجبت اختلافهم وافتراقهم. امر نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين. ان يستقيموا كما امروا في سلك ما شرعه الله من الشرائع. ويعتقد ما اخبر الله به من العقائد الصحيحة. ولا يزيغ عن ذلك يمنة ولا يسرة. ويدوم على ذلك. ولا ان يتجاوزوا محده الله لهم من الاستقامة. وقوله انه بما تعملون بصير. اي لا يخفى عليه من اعمالكم شيء. وسيجازيكم عليها ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة وترهيب من ضدها. ولهذا حذرهم عن الميل الى من تعدى الاستقامة. فقال حين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم ينصرون. ولا تركنوا اي لا تميلوا الى الذين ظلموا. فانكم اذا ملتم اليهم وافقتموهم على ظلمهم. او رضيتم ما هم عليه من الظلم فتمسكم النار ان فعلتم ذلك. وما لكم من دون الله من اولياء يمنعونكم من عذاب الله. ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله ثم لا تنصرون. اي لا يدفع عنكم العذاب اذا مسكم. ففي هذه الاية التحذير من الركون الى كل ظالم. والمراد بالركون المين والانضمام اليه بظلمه وموافقته على ذلك والرضا بما هو عليه من الظلم. واذا كان هذا الوعيد في الركون الى الظلمة فكيف حال الظلمة بانفسهم نسأل الله العافية من الظلم ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرا للذاكرين. يأمر تعالى باقامة الصلاة كاملة طرفي النهار اي اوله واخره. ويدخل في هذا صلاة الفجر. وصلاتا الظهر والعصر. وزلفا من الليل. ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء ويتناول ذلك قيام الليل فانها مما تزلف العبد وتقربه الى الله تعالى. ان الحسنات يذهبن السيئات اي فهذه الصلوات الخمس. وما بها من التطوعات من اكبر الحسنات. وهي مع انها حسنات تقرب الى الله وتوجب الثواب. فانها تذهب السيئات وتمحوها. والمراد في ذلك الصغائر كما قيدتها الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. بل كما قيدتها الاية التي في سورة النساء. وهي قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما ينهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما. ذلك لعل الاشارة لكل ما تقدم من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم. وعدم من مجاوزته وتعديه وعدم الركون الى الذين ظلموا والامر باقامة الصلاة وبيان ان الحسنات يذهبن السيئات. الجميع ذكرى للذاكرين يفهمون بها ما امرهم الله به ونهاهم. ويمتثلون لتلك الاوامر الحسنة المثمرة للخيرات. الدافعة للشرور والسيئات. ولكن تلك امور تحتاج الى مجاهدة النفس والصبر عليها. ولهذا قال واصبر اي احبس نفسك على طاعة الله وعن معصيته والزامها لذلك واستمر ولا تضجر. فان الله لا يضيع اجر المحسنين. بل يتقبل الله عنهم احسن الذي عملوا. ويجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وفي هذا ترغيب عظيم للزوم الصبر تشويق النفس الضعيفة الى ثواب الله كلما ونت وفترت فلولا كان من القرون من قبلكم اولو بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين. لما ذكرت على اهلاك الامم المكذبة للرسل وان اكثرهم منحرفون حتى اهل الكتب الالهية وذلك كله يقضي على الاديان بالذهاب والاطمحلال. ذكر انه لولا انه قال في القرون الماضية بقايا من اهل الخير يدعون الى الهدى وينهون عن الفساد والردى. فحصل من نفعهم ما بقيت به الاديان. ولكنهم قليلون جدا غاية الامر انهم نجوا باتباعهم المرسلين. وقيامهم بما قاموا به من دينهم. وبكون حجة الله اجراها على ايديهم. ليهلك من هلك عن ويحيى من حي عن بينة. ولكن اتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه. اي اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف. ولم يبغوا به بدلا كانوا مجرمين اي ظالمين باتباعهم ما اترفوا فيه. فلذلك حق عليهم العقاب واستأصلهم العذاب. وفي هذا حث لهذه الامة ان يكون فيهم بقايا مصلحون لما افسد الناس. قائمون بدين الله يدعون من ضل الى الهدى. ويصبرون منهم على الاذى. ويبصرونهم من العمى وهذه الحالة اعلى حالة يرغب فيها الراغبون. وصاحبها يكون اماما في الدين. اذا جعل عمله خالصا لرب العالمين ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون. اي وما كان الله ليهلك اهل القرى بظلم منه لهم الحال انهم مصلحون اي مقيمون على الصلاح مستمرون عليه. فما كان الله ليهلكهم الا اذا ظلموا وقامت عليهم حجة الله. ويحتمل ان المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق. اذا رجعوا واصلحوا عملهم. فان الله يعفو عنهم ويمحوا ما تقدم من ظلمهم. ولو جاء ربك لجعل الناس امة واحدة. ولا يزالون مختلفين الا رحم ربك ولذلك خلقهم. يخبر تعالى انه لو شاء لجعل الناس كلهم امة واحدة على الدين الاسلامي. فان مشيئته غير قادرة ولا يمتنع عليه شيء ولكنه اقتضت حكمته ان لا يزالون مختلفين مخالفين للصراط المستقيم. متبعين للسبل الموصلة الى النار كل يرى الحق في مقاله والضلال في قول غيره الا من رحم ربك فهداهم الى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه. فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الالهي واما من عاداهم فهم مخذولون موكولون الى انفسهم. وقوله ولذلك خلقهم اي اقتضت حكمته انه خلقهم. ليكون منهم السعداء والاشقياء والمتفقون والمختلفون. والفريق الذي هدى الله والفريق الذين حقت عليهم الضلالة. ليتبين للعباد عدله وحكمته وليظهر ما كمل في الطباع البشرية من الخير والشر. وليقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم الا بالامتحان والابتلاء ولانه تمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين. فلا بد ان ييسر للنار اهلا. يعملون باعمالها الموصلة اليها لما ذكر في هذه السورة من اخبار الانبياء ما ذكر ذكر الحكمة في ذكر ذلك فقال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك. اي قلبك ليطمئن ويثبت ويصبر كما صبر اولو العزم من الرسل فان النفوس تأنس بالاقتداء وتنشط على الاعمال. وتريد المنافسة لغيرها. ويتأيد الحق بذكر شواهده وكثرة من قام به. وجاءك في هذه السورة الحق اليقين. فلا شك فيه بوجه من الوجوه. فالعلم بذلك من العلم بالحق الذي هو اكبر فضائل النفوس وموعظة وذكرى للمؤمنين. اي يتعظون به فيرتدعون عن الامور المكروهة ويتذكرون الامور المحبوبة لله فيفعلون يسألونها واما من ليس من اهل الايمان فلا تنفعهم المواعظ وانواع التذكير. ولهذا قال على مكانتكم انا عاملون. وقل للذين لا يؤمنون بعدما قامت عليهم الايات اعملوا على مكانتكم اي حالتكم التي انتم عليها انا عاملون على ما كنا عليه منتظر ما يحل بنا انا منتظرون ما يحل بكم. وقد فصل الله بين الفريقين وارى عباده نصره لعباده المؤمنين. وقمعه معه لاعداء الله المكذبين وتوكل وما ربك بغافل عما تعملون ولله غيب السماوات والارض اي ما غاب فيهما من الخفايا والامور الغيبية. واليه يرجع الامر كله من الاعمال والعمال. فيميز الخبيث من الطيب فاعبده وتوكل عليه. اي قم بعبادته. وهي جميع ما امر الله به مما تقدر عليه. وتوكل على الله في ذلك. وما ربك بغافل عما اتعملون من الخير والشر؟ بل قد احاط علمه بذلك وجرى به قلمه. وسيجري عليه حكمه وجزاؤه بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات الكتاب المبين يخبر تعالى ان ايات القرآن هي ايات الكتاب المبين. اي البين الواضحة الفاظه ومعانيه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. ومن بيانه وايضاحه انه انزله باللسان العربي اشرف السنة وابينها المبين لكل ما يحتاجه الناس من الحقائق النافعة. وكل هذا الايضاح والتبيين لعلكم تعقلون. اي لتعقلون حدوده واصوله وفروعه واوامره ونواهيه. فاذا عقلتم ذلك بايقانكم واتصفت قلوبكم بمعرفتها اثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد اليه. ولعلكم تعقلون. اي تزداد عقولكم بتكرر المعاني الشريفة العالية على اذهانكم. فتنتقلون ما من حال الى احوال اعلى منها واكمل. نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا نحن نقص عليك احسن القصص وذلك لصدقها وسلامها عبارتها ورونق معانيها بما اوحينا اليك هذا القرآن اي بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي اوحيناه اليك وفضلناك به على سائر الانبياء وذلك محض منة من الله واحسان. وان كنت من قبله لمن الغافلين. اي ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان قد قبل ان يوحي الله اليك ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص. وانها القصص على الاطلاق فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن. ذكر قصة يوسف وابيه واخوته القصة العجيبة الحسنة فقال واعلم ان الله ذكر انه يقص على رسوله احسن القصص في هذا الكتاب. ثم ذكر هذه القصة وبسطها وذكر ما جرى فيها فعلم بذلك انها قصة تامة كاملة حسنة. فمن اراد ان يكملها او يحسنها بما يذكر في الاسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل. واغلبها كذب فهو مستدرك على الله. ومكمل لشيء يزعم انه ناقص. وحسبك بامر الى هذا الحد قبحا. فان تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير. من الاكاذيب والامور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى تعالى بشيء كثير. فعلى العبد ان يفهم عن الله ما قصه. ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل. فقوله تعالى اذ قال يوسف لابيه يا ابتي اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي اذ قال يوسف لابيه يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام يا ابتي اني رأيت احد احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم ليساجدين. فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل اليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في والاخرة. وهكذا اذا اراد الله امرا من الامور العظام. قدم بين يديه مقدمة توطئة له وتسهيلا لامره. واستعدادا لما دعاء العبد من المشاق لطفا بعبده واحسانا اليه. فاولها يعقوب بان الشمس امه. والقمر ابوه والكواكب اخوته. وان ستنتقل به الاحوال الى ان يصير الى حال يخضعون له ويسجدون له اكراما واعظاما. وان ذلك لا يكون الا باسباب تتقدمه من اجتبائه بالله له واصطفائه له واتمام نعمته عليه بالعلم والعمل والتمكين في الارض. وان هذه النعمة ستشمل ال يعقوب. الذين له وصاروا تبعا لهم فيها. ولهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل احاديث ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب كما اتمها على ابويه ان ربك عليم حكيم وكذلك يجتبيك ربك ان يصطفيك ويختارك بما يمن به عليك من الاوصاف الجليلة والمناقب الجميلة. ويعلمك من تأويل الاحاديث اي من تعبير الرؤيا وبيان ما تؤول اليه الاحاديث الصادقة كالكتب السماوية ونحوها. ويتم نعمته عليك في الدنيا والاخرة بان يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق. حيث انعم الله عليهما بنعم من عظيمة واسعة دينية ودنيوية. ان ربك عليم حكيم. اي علمه محيط بالاشياء وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره فيعطي كل ما تقتضيه حكمته وحمده فانه حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. ولما بان تعبيرها يوسف قال له ابوه يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. اي حسدا من عند انفسهم ان تكون انت الرئيس الشريف عليهم. ان الشيطان للانسان عدو مبين. لا يفتر عنه ليلا ولا نهارا ولا سرا ولا جهارا فالبعد عن الاسباب التي يتسلط بها على العبد اولى. فامتثل يوسف امر ابيه ولم يخبر اخوته بذلك. بل كتمها عنهم لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين يقول تعالى لقد كان في يوسف اخوته ايات اي عبر وادلة على كثير من المطالب الحسنة. للسائلين اي لكل من سأل عنها بلسان الحال او بلسان المقال ان السائلين هم الذين ينتفعون بالايات والعبر. واما المعرضون فلا ينتفعون بالايات ولا في القصص والبينات اذ قالوا فيما بينهم ليوصف اخوه بنيامين اي شقيقه والا فكلهم اخوة احب الى ابينا منا ونحن عصبة اي فكيف يفضلهما علينا بالمحبة والشفقة؟ ان ابانا لفي ضلال مبين. اي لفي خطأ بين. حيث فضلهما علينا من غير بموجب نراه ولا امر نشاهده اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا. اي غيبوه عن ابيه في ارض بعيدة لا يتمكن من رؤيته فيها فانكم اذا فعلتم احد هذين الامرين يخلو لكم وجه ابيكم اي يتفرع لكم ويقبل عليكم الشفقة والمحبة فانه قد اشتغل قلبه بيوسف شغلا لا يتفرغ لكم وتكونوا من بعده اي من بعد هذا الصنيع قوما صالحين اي تتوبون الى الله وتستغفرون من بعد ذنبكم. فقدموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله. وازالة لشناعته وتنشيطا من بعضهم لبعض. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين اي قال قائل من اخوة يوسف الذين ارادوا قتله او تبعيدة لا تقتلوا يوسف فان قتله اعظم اثما واشنع. والمقصود يحصل بتبعيده عن ابيه من غير قتل. ولكن توصلوا الى تبعيده بان تلقوه في غيابة الجب. وتتوعدوه على انه لا يخبر بشأنكم. بل على انه عبد مملوك ابق منكم. لاجل ان يلتقطه بعض السيارة الذين يريدون مكانا بعيدا فيحتفظون فيه. وهذا القائل احسنهم رأيا في يوسف وابرهم واتقاهم في في هذه القضية فان بعض الشر اهون من بعض. والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل. فلما اتفقوا على هذا الرأي على يوسف وانا له لناصحون. اي قال اخوة يوسف متوصلين الى مقصدهم لابيهم. يا ابانا ما لك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون. اي لاي شيء يدخلك الخوف منا على يوسف من غير سبب ولا موجب. والحال انا له لناصحون. اي مشفقون عليه نود له ما نود لانفسنا. وهذا يدل على ان يعقوب عليه السلام لا يترك يوسف يذهب مع اخوته للبرية ونحوها. فلما نفوا عن انفسهم التهمة المانعة من عدم ارساله معهم ذكروا له من مصلحة يوسف وانسه الذي يحبه ابوه له ما يقتضي ان يسمح بارساله معهم. فقالوا ارسله معنا غدا يرتع ويلعب اي يتنزه في البر ويستأنس وانا له لحافظون. اي سنراعيه ونحفظه من اذى يريده. فاجابهم بقوله ايحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون. اني لا يحزنني ان تذهبوا به اي مجرد ذهابكم به يحزنني ويشق علي. لانني لا اقدر على فراقه ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من ارساله ومانع ثان وهو اني اخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون. اي في حال غفلتكم عنه لانه صغير لا من الذئب. قالوا لان اكله الذئب ونحن عصبة اي جماعة حريصون على حفظه. انا اذا لخاسرون اي لا خير فينا ولا نفع يرجى منا ان اكله الذئب وغلبنا عليه فلما مهدوا لابيهم الاسباب الداعية لارساله وعدم الموانع سمح حينئذ بارساله معهم لاجل انسه ما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوا في غيابة الجب. واوحينا اليه لتنبئنهم اي لما ذهب اخوة يوسف بيوسف بعدما اذن له ابوه وعزموا على ان يجعلوه في غيابة الجب. كما قال قائلهم السابق ذكره وكانوا قادرين على ما اجمعوا عليه. فنفذوا فيه قدرتهم. والقوه في الجب. ثم فان الله لطف به بان اوحى اليه وهو في تلك الحال الحرجة. لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون. اي سيكون منك معاتبة لهم واخبار عن امرهم هذا وهم لا يشعرون بذلك الامر. ففيه بشارة له بانه سينجو مما وقع فيه. وان الله سيجمعه باهله واخوته على وجه العز والتمكين له في الارض وجاؤوا اباهم عشاء يبكون ليكون اتيانهم متأخرا عن عادتهم وبكاؤهم دليلا لهم قرينة على صدقهم. فقالوا متعذرين بعذر كاذب يا ابانا انا ذهبنا نستبق. اما على الاقدام او بالرمي والنضال. وتركنا يوسف عند توفيرا له وراحة فاكله الذئب في حال غيبتنا عنه في استباقنا. وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. اي تعذرنا بهذا العذر والظاهر انك لا تصدقنا لما في قلبك من الحزن على يوسف والرقة الشديدة عليه. ولكن عدم تصديقك ايانا لا يسمعنا ان نعتذر بالعذر الحقيقي. وكل هذا تأكيد لعذرهم. ومما اكدوا به قولهم انهم جاءوا على قميصه بدم الكذب وجاءوا على قميصه بدم كذبه قال بل سولت لكم انفسكم جميل والله المستعان على ما تصفون زعموا انه دم يوسف حين اكله الذئب. فلم يصدقهم ابوهم بذلك. وقال بل سولت لكم انفسكم امرا. اي زينت لكم انفسكم امرا قبيحا في التفريق بيني وبينه. لانه رأى من القرائن والاحوال. ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دله على ما قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. اي اما انا فوظيفتي ساحرص على القيام بها. وهي اني اصبر على هذه المحنة في صبر جميل سالما من السخط والتشكي الى الخلق. واستعين الله على ذلك لا على حولي وقوتي. فوعد من نفسه هذا الامر الى خالقه في قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله. لان الشكوى الى الخالق لا تنافي الصبر الجميل. لان النبي اذا وعد وفى وجاءت سيارة فارسلوا واردهم فادلا دلوه قال يا بشرى هذا غلام واسرى اي مكث يوسف في الجب ما مكث حتى جاءت سيارة اي قافلة تريد مصر فارسلوا واردهم اي فرطهم ومقدمهم الذي يعس لهم المياه ويصبرها ويستعد لهم بتهيئة الحيض ونحو ذلك فادلى ذلك الوالد دلوة. فتعلق فيه يوسف عليه السلام وخرج. قال يا بشرى هذا غلام اي استبشر وقال هذا غلام النفيس واسروه بضاعة. وكان اخوته قريبا منه. فاشتراه السيارة منهم. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهرين. بثمن بخس اي قليل فسره بقوله دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين. لانه لم يكن لهم قصد الا تغييبه وابعاده عن ابيه ولم يكن لهم قصد في اخذ ثمنه. والمعنى في هذا ان السيارة لما وجدوه عزموا ان يصروا امره ويجعلوه من جملة بضائعهم التي معهم حتى جاءهم اخوته فزعموا انه عبد ابق منهم. فاشتروه منهم بذلك الثمن. واستوثقوا منهم فيه لان لا يهرب. والله اعلم وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته يكرم مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا والله غالب اي لما ذهب به السيارة الى مصر وباعوه بها فاشتراه مصر فلما اشتراه اعجب به ووصى عليه امرأته وقال اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا اي اما ينفعنا كنفع العبيد بانواع الخدم. واما ان نستمتع فيه استمتاعنا باولادنا. ولعل ذلك انه لم يكن لهما ولد. وكذلك مكنا يوسف في الارض اي كما يسرنا ان يشتريه عزيز مصر ويكرمه هذا الاكرام. جعلنا هذا مقدمة لتمكينه في الارض من هذا الطريق ولنعلمه من تأويل الاحاديث اذا بقي لا شغل له ولا هم له سوى العلم. صار ذلك من اسباب تعلمه علما كثيرا. من علم الاحكام وعلم التعبير وغير ذلك. والله غالب على امره اي امره تعالى نافذ. لا يبطله مبطل ولا يغلبه مغالب. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك يجري منهم ويصدر ما يصدر. في مغالبة احكام الله القدرية. وهم اعجز واضعف من ذلك اي لما بلغ يوسف اشده اي كمال قوته المعنوية والحسية. وصلح لان يتحمل الاحمال الثقيلة من النبوة والرسالة اتيناه حكما وعلما. اي جعلناه نبيا رسولا وعالما ربانيا. وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الخالق ببذل الجهد والنصح فيها. والى عباد الله ببذل النفع والاحسان اليهم نؤتيهم من جملة الجزاء على احسانهم علما نافعا. ودل هذا على ان يوسف وفى مقام الاحسان فاعطاه الله الحكم بين الناس والعلم كثير والنبوة كذلك لنصرف عنه السوء هذه المحنة العظيمة اعظم على يوسف من محنة اخوته وصبره عليها اعظم اجرا. لانه صبر اختيار. لانه صبر اختيار. مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل. فقدم الله عليها واما محنته باخوته فصبره صبر اضطرار بمنزلة الامراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره. وليس له ملجأ الا الصبر عليها طائعا او كارها. وذلك ان يوسف عليه السلام بقي مكرما في بيت العزيز. وكان له من الجمال والكمال والبهائم ذلك ان راودته التي هو في بيتها عن نفسه. اي هو غلامها وتحت تدبيرها. والمسكن واحد يتيسر ايقاع الامر المكروه من غير في اشعار احد ولا احساس بشر. وزادت المصيبة بان غلقت الابواب. وصار المحل خاليا وهما امنان من دخول احد عليهما بسبب تغليق الابواب وقد دعته الى نفسها وقالت هيت لك. اي افعل الامر المكروه واقبل الي. ومع هذا فهو غريب لا يحتشم مثله ما يحتشمه اذا كان في وطنه وبين معارفه. وهو اسير تحت يدها وهي سيدته. وفيها من الجمال ما يدعو الى ما هنالك وهو شاب عزب وقد توعدته ان لم يفعل ما تأمره به بالسجن او العذاب الاليم فصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه لانه قد هم فيها هما تركه لله وقدم مراد الله على مراد النفس الامارة بالسوء. ورأى من برهان ربه وهو ما معه من والايمان الموجب لترك كل ما حرم الله ما اوجب له البعد والانتفاف عن هذه المعصية الكبيرة. وقال معاذ الله اي اعوذ بالله ان افعل هذا الفعل القبيح. لانه مما يسخط الله ويبعد منه. ولانه خيانة في حق سيدي الذي اكرم مثواي. فلا يليق بي ان اقابله انه في اهله باقبح مقابلة. وهذا من اعظم الظلم والظالم لا يفلح. والحاصل انه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله. ومراعاة بحق سيده الذي اكرمه وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطى. وكذلك ما من الله عليه من برهان الايمان الذي في قلبه. يقتضي من امتثال الاوامر واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله ان الله صرف عنه السوء والفحشاء. لانه من عباده المخلصين له في عبادتهم الذين اخلصهم الله واختارهم واختصهم لنفسه واسدى عليهم من النعم وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه والف يا لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب ولما امتنع من اجابة طلبها بعد المراودة الشديدة. ذهب ليهرب عنها ويبادر الى الخروج من الباب ليتخلص. ويهرب منها الفتنة فبادرته اليه وتعلقت بثوبه فشقت قميصه فلما وصل الى الباب في تلك الحال الفيا سيدها اي زوجها لدى فرأى امرا شق عليه فبادرت الى الكذب ان المراودة قد كانت من يوسف وقالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا؟ ولم وشهد شاهد من اهلها هي راودتني عن نفسي. فحين اذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما. ولم يعلم ايهما. ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وامارات تدل عليه. قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها. فمن الله عليه في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام. فانبعث شاهد من اهل بيتها. يشهد بقرينة من وجدت معه فهو الصادق. فقال ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. لان ذلك يدل على انه هو المقبل عليها. المراود لها المعالج انها ارادت ان تدفعه عنها فشقت قميصه من هذا الجانب وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين. لان ذلك يدل على هروبه منها وانها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب فلما رأى قميصه قد من دبر عرف بذلك صدق يوسف وبراءته وانها هي الكاذبة. فقال لها سيدها انه من كيدكن. ان كيدكن عظيم. وهل اعظم من هذا الكيد الذي برأت به نفسها مما ارادت وفعلت. ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام. ثم ان سيدها لما تحقق الامر قال ليوسف يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين يوسف اعرض عن هذا اي اترك الكلام فيه وتناسه ولا تذكره لاحد. طلبا للستر على اهله واستغفري ايتها المرأة لذنبك انك كنت من الخاطئين. فامر يوسف بالاعراض وهي بالاستغفار والتوبة. وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ضلال مبين يعني ان الخبر اشتهر وشاع في البلد وتحدث به النسوة فجعلن يلومنها ويقلن امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا. اي هذا امر مستقبح هي امرأة كبيرة القدر وزوجها كبير القدر. ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي بيدها وفي خدمتها عن نفسه. ومع هذا فان حبه قد بلغ من قلبها مبلغا عظيما. قد شغفها حبا اي وصل حبه الى شغاف قلبه وهو باطنه وسويدائه. وهذا اعظم ما يكون من الحب. انا لنراها في ضلال مبين. حيث وجدت منها هذه الحالة التي لا ينبغي منها وهي حالة تحط قدرها وتضعه عند الناس. وكان هذا القول منهن مكرا. ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها وانما اردنا ان يتوصلن بهذا الكلام الى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز. لتحنق امرأة العزيز وتريهن اياه ليعذرنها. ولهذا هذا سماه مكرا فقال واتت كل واحدة منهن سكينا وقالت وقالت اخرج عليهن فلما رأينا كريم. فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن تدعوهن الى منزلها للضيافة. واعتدت لهن متكأ اي محلا مهيئا بانواع الفرش والوسائد. وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة. وكان في جملة ما اتت به واحضرته في تلك الضيافة. طعام يحتاج الى اما اترج او غيره واتت كل واحدة منهن سكينا. ليقطعن فيها ذلك الطعام. وقالت ليوسف اخرج عليه في حالة جماله وبهائه. فلما رأيناه اكبرناه اي اعظمنه في صدورهن. ورأينا منظرا فائقا لم يشاهدن مثله. وقد عانى من الدهش ايديهن بتلك السكاكين اللاتي معهن. وقلن حاشا لله اي تنزيها لله. ما هذا بشرا؟ ان هذا الا ملك وذلك ان يوسف اعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء ما كان به اية للناظرين وعبرة للمتأملين ولقد فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر واعجبهن غاية وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز شيء كثير. ارادت ان تريهن جماله الباطن بالعفة التامة. فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية. ولان اللوم انقطع عنها من النسوة. ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. اي امتنع وهي مقيمة على على مراودته لم تزدها مرور الاوقات الا قلقا ومحبة وشوقا لايصاله وتوقى. ولهذا قالت له بحضرتهن ولئن لم يفعلن ما امره ليسجنن وليكونن من الصاغرين. لتلجأه بهذا الوعيد الى حصول مقصودها منه. فعند ذلك اعتصم يوسف بربه اعان به على كيدهن وقال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه. قال اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. وهذا يدل على ان النسوة جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيده. وجعلنا يكدنه في ذلك. فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب عذاب الشديد والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن. اي امل اليهن فاني ضعيف عاجز. ان لم تدفع عني السوء واكن ان صبوت اليهن من الجاهلين فان هذا جهل لانه اثر لذة قليلة منغصة على لذات متتابعات وشهوات في جنات النعيم. ومن اثر هذا على هذا فمن اجهل منه. فان العلم والعقل يدعو الى تقديم اعظم المصلحتين واعظم اللذتين ويؤثر ما كان محمود العاقبة فاستجاب له ربه حين دعاه فصرف عنه كيدهن فلم تزل تراوده وتستعين عليه بما تقدر عليه من الوسائل حتى قيسها وصرف الله عنه كيدها. انه هو السميع لدعاء الداعي. العليم بنيته الصالحة. وبنيته الضعيفة المقتضية لامداده بمعونته ولطفه فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة. واما اسياده فانه لما اشتهر الخبر وبان وصار الناس فيها بين عاذر ولائم وقادح بدا لهم اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات اي ظهر لهم من بعد ما رأوا الايات الدالة على براءة ليسجننه حتى حين. اي لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس. فان الشيء اذا شاع فان الشيء اذا شاع لم يزل يذكر مع وجود اسبابه. فاذا عدمت اسبابه نسي. فرأوا ان هذا مصلحة لهم. فادخلوه في السجن قال احدهما اني اراني اعصر خمرا. وقال الاخر اني اراني احمل فوق رأسي خبزا اي ولما دخل يوسف السجن كان في جملة من دخل معه السجن فتيان اي شابان فرأى كل واحد منهما رؤيا فقصها على يوسف ليعبرها فقال احدهما اني اراني اعصر خمرا. وقال الاخر اني اراني احمل فوق رأسي خبزا. وذلك الخبز تأكل الطير منه نبئنا بتأويله اي بتفسيره. وما يؤول اليه امرهما وقولهما. انا نراك من المحسنين. اي من اهل الاحسان الى الخلق فاحسن الينا في تعبيرك لرؤيانا كما احسنت الى غيرنا فتوسلا ليوسف باحسانه. قال لا يأتيكما طعام ان ترزقانه الا نبأتهما بتأويله قبل ان يأتيكما. ذلكما مما علمني ربي اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون. فقال لهما مجيبا لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان ياتيكما. اي فلتطمئن قلوبكما فاني سابادر الى تعبير رؤياكما فلا يأتيكما غداؤكما او عشاؤكما. اول ما يجيء اليكما الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد ان يدعوهما الى الايمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما اليه. ليكون انجع لدعوته واقبل لهما ثم قال ذلكما التعبير الذي ساعبره لكما مما علمني ربي. اي هذا من علم الله علمني واحسن الي به وذلك اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون. والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه يكون لمن لم يدخل فيه اصلا. فلا يقال ان يوسف كان من قبل على غير ملة ابراهيم. واتبعت ملة اباء ابراهيم واسحاق ويعقوب ما كان لنا ان نشرك بالله من واتبعت ملة ادم ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب. ثم فسر تلك الملة بقوله ما كان لنا اي ما ينبغي ولا يليق بنا ان نشرك بالله من شيء بل نفرد الله بالتوحيد ونخلص له الدين والعبادة. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس. اي هذا من افضل مننه واحسانه وفضله عليه وعلى من هداه الله كما هدانا. فانه لا افضل من منة الله على العباد بالاسلام والدين القويم. فمن قبله وانقاد له فهو حظه. وقد حصل له اكبر النعم واجل الفضائل. ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فلذلك تأتيهم المنة والاحسان. فلا يقبلونها ولا يقومون بحقه وفي هذا من الترغيب للطريق التي هو عليها ما لا يخفى. فان الفتيين لما تقررا عنده انهما رأياه بعين التعظيم والاجلال انه محسن معلم. ذكر لهما ان هذه الحالة التي انا عليها كلها من فضل الله واحسانه. حيث من علي بترك الشرك وباتباع ملة اباه فبهذا وصلت الى ما رأيتما فينبغي لكما ان تسلكا ما سلكت. ثم صرح لهما بالدعوة فقال ارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار. يا صاحبي السجن اأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ اي ارباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر. ولا تعطي ولا تمنع وهي متفرقة ما بين اشجار واحجار وملائكة واموات وغير ذلك من انواع المعبودات التي يتخذها المشركون. اتلك خير ام الله؟ الذي له صفات الكمال الواحد في ذاته وصفاته وافعاله. فلا شريك له في شيء من ذلك. القهار الذي انقادت الاشياء لقهره وسلطانه. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ومن المعلوم ان من هذا شأنه ووصفه خير من الالهة المتفرقة التي هي مجرد اسماء لا كمال لها ولا افعال لديها. ولهذا قال ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم ما انزل الله بها من سلطان الا اياه ذلك الدين القيم ولكن ان اكثر الناس لا يعلمون. ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم. اي اسماء وسميتموها الهة وهي لا شيء. ولا فيها من صفات الالوهية شيء. ما انزل الله بها من سلطان. بل انزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها. واذا لم ينزل الله بها سلطانا لم يكن طريق ولا وسيلة ولا دليل لها. لان الحكم لله وحده فهو الذي يأمر وينهى ويشرع الشرائع ويسن الاحكام. وهو الذي امركم الا تعبدوا الا اياه. ذلك الدين القيم المستقيم الموصل الى كل خير. وما سواه من الاديان. فانها غير مستقيمة. فالمعوجة توصل الى كل شر. ولكن اكثر الناس لا يعلمون حقائق الاشياء والا فان الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له وبين الشرك به اظهر الاشياء وابينها. ولكن لعدم العلم من اكثر الناس بذلك حصل منهم ما حصل من الشرك. فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده واخلاص الدين له. فيحتمل ان انه ما استجاب وانقاد فتمت عليهما النعمة. ويحتمل انهما لم يزالا على شركهما. فقامت عليهما بذلك الحجة. ثم انه عليه السلام شرع يعبر رؤياهما بعدما وعدهما ذلك فقال يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا واما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. قضي الامر الذي فيه تستفتيان يا صاحبي السجن اما احدكما وهو الذي رأى انه يعصر حمرا فانه يخرج من السجن فيسقي ربه خمرا اي يسقي سيده الذي كان يخدمه خمرا وذلك مستلزم لخروجه من السجن. واما الاخر وهو الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه يصلب فتأكل الطير من رأسه. فانه عبر عن الخبز الذي تأكله الطير. بلحم رأسه وشحمه. وما فيه من المخ. وانه لا يقبر ويستر الطيور بل يصلب ويجعل في محل تتمكن الطيور من اكله. ثم اخبرهما بان هذا التأويل الذي تأوله لهما انه لابد من وقوعه فقال هل قضي الامر الذي فيه تستفتيان؟ اي تسألان عن تعبيره وتفسيره. وقال للذي ظن انه ناجم فانساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن اي وقال يوسف عليه السلام للذي ظن انه ناج منهما. وهو الذي رأى انه يعصر خمرا اذكرني عند ربك. اي اذكر له شأني وقصتي لعله يرق لي. فيخرجني مما انا فيه. فانساه الشيطان ذكر ربه. اي فأنسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى وذكر ما يقرب اليه ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق ان يجازى باتم الاحسان وذلك ليتم الله امره وقضاءه فلبث في السجن بضع سنين. والبضع من الثلاث الى التسع. ولهذا قيل انه لبث سبع سنين. ولما اراد الله ان يتم ويأذن باخراج يوسف من السجن قدر لذلك سببا كان سببا لاخراج يوسف وارتفاع شأنه واعلاء قدره. وهو رؤيا الملك وقال الملك اني ارى سبع بقرات سماني يا ايها الملأ افتوني في رؤياي ان كنت لما اراد الله تعالى ان يخرج يوسف من السجن ارى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة الذي تأويله ما يتناول جميع الامة ليكون تأويلها على يد يوسف في ظهر من فضله ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين. ومن التقادير المناسبة ان الملك الذي ترجع اليه امور الرعية هو الذي رآها. لارتباط مصالحها به. وذلك انه رأى رؤيا هالته. فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي منهم وقال اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع اي سبع من البقرات عجاف وهذا من العجب ان السبع العجاف الهزيلات اللاتي سقطت قوتهن يأكلن السبع السمان التي كن نهاية في القوة. ورأيت سبع سنبلات خضر يأكلهن سبع سنبلات يابسات. يا ايها الملأ افتوني في رؤياي. لان تعبير الجميع واحد وتأويله شيء واحد ان كنتم للرؤية تعبرون فتحيروا ولم يعرفوا لها وجها. قالوا اضغاس احلام وما نحن بتأويل وقالوا اضغاث احلام اي احلام لا حاصل لها ولا لها تأويل. وهذا جزم منهم بما لا يعلمون وتعذر منهم بما ليس بعذر. ثم قالوا وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين. اي لا نعبر الا الرؤيا. واما الاحلام التي هي من الشيطان او من حديث النفس فانا لا نعبرها. فجمعوا بين الجهل والجزم بانها اضغاث احلام. والاعجاب بالنفس بحيث انهم لم لا نعلم تأويلها وهذا من الامور التي لا تنبغي لاهل الدين والحجاء. وهذا ايضا من لطف الله بيوسف عليه السلام. فانه لو عبرها ابتداء قبل ان يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم فيعجزوا عنها لم يكن لها ذلك الموقع. ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب وكان الملك مهتما لها غاية. فعبرها يوسف وقعت عنده موقعا عظيما. وهذا نظير اظهار الله فضل ادم على الملائكة بالعلم بعد ان سألهم فلم يعلموا. ثم سأل ادم فعلمهم اسماء كل شيء. فحصل بذلك زيادة فضله. وكما يظهر فضل افضل خلقه في محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة ان يلهم الله الخلق ان يتشفعوا بادم ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام فيعتذرون عنها ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول انا لها انا لها فيشفع في جميع الخلق وينال ذلك المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون. فسبحان من خفيت الطافه ودقت في ايصاله البر والاحسان الى خواص اصفيائه واوليائه وقال الذي نجا منهما اي من الفتيين وهو الذي رأى انه يعصر خمرا وهو الذي اوصاه يوسف ان يذكره عند ربه والذكر بعد امه اي وتذكر يوسف وما جرى له في تعبيره لرؤياهما. وما وصاه به وعلم انه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين فقال انا انبئكم بتأويله فارسلوني الى يوسف لاسأله عنها فارسلوه فجاء اليه ولم يوسف على نسيانه بل استمع ما يسأله عنه واجابه عن ذلك فقال يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابس يوسف ايها الصديق اي كثير الصدق في اقواله وافعاله افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلهم يعلمون فانهم متشوقون لتعبيرها وقد اهمتهم. قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فعبر يوسف السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر بانهن سبع سنين محصبات. والسبع البقرات العجاف والسبع السنبلات اليابسات. بانهن سنين مجدبات. ولعل وجه ذلك والله اعلم ان الخصب والجدب لما كان الحرث مبنيا عليه. وانه اذا حصل الخصب قويت الزروع والحروف. وحسن منظرها وكثرت غلالها والجذب بالعكس من ذلك. وكانت البقر هي التي تحرث عليها الارض وتسقى عليها الحروف في الغالب. والسنبلات هي اعظم الاقوات وافضلها. عن بذلك لوجود المناسبة. فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والاشارة لما يفعلونه. ويستعدون به من التدبير في صيني الخصب الى سني فقال تزرعون سبع سنين دأبا اي متتابعات. فما حصدتم من تلك الزروع فذروه اي اتركوه في سنبله لانه ابقى له ابعد عن الالتفات اليه. الا قليلا مما تأكلون. اي دبروا ايضا اكلكم في هذه السنين الخصبة. وليكن قليلا ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد تلك السنين السبع المخصبات سبع شداد اي مجدبات جدا يأكلن ما قدمتم لهن. اي يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيرا. الا قليلا مما تحسنون. اي تمنع من التقديم لهن ثم يأتي من بعد ذلك اي بعد السبع الشداد. عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. اي فيه تكثر الامطار والسيول وتكثر الغلات وتزيد على اقواتهم حتى انهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على اكلهم. ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب. مع ان انه غير مصرح به في رؤيا الملك. لانه فهم من التقدير بالسبع الشداد ان العام الذي يليها يزول به شدتها. ومن المعلوم انه لا يزول الجذب المستمر سبع سنين متواليات الا بعام محصب جدا والا لما كان للتقدير فائدة. فلما رجع الرسول الى الملك والناس واخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا عجبوا من ذلك وفرحوا بها اشد الفرح. وقال الملك ائتوني به فلما جاء آآ ان ربي بكيدهن عليم يقول تعالى وقال الملك لمن عنده ائتوني به اي بيوسف عليه بان يخرجوهم من السجن ويحضروه اليه. فلما جاء يوسف الرسول وامرهم بالحضور عند الملك. امتنع عن المبادرة الى الخروج تتبين براءته التامة وهذا من صبره وعقله ورأيه التام. فقال للرسول ارجع الى ربك يعني به الملك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن؟ ايسألهما شأنهن وقصتهن فان امرهن ظاهر متضح. ان ربي بكيدهن عليم فاحضرهن الملك وقال قالت امرأة العزيز الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. ما خطبكن اي شأنكن؟ اذ راودتن يوسف عن نفسه. فهل رأيتم ليتن منه ما يريب فبرأنه وقلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. اي لا قليل ولا كثير. فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة ولم يبقى الا ما عند امرأة العزيز. فقالت امرأة العزيز الان حصحص الحق. اي تمحض وتبين بعدما كنا ندخل معه من والتهمة ما اوجب له السجن. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين في اقواله وبراءته ذلك الاقرار الذي اقررت اني راودت يوسف ليعلم اني لم اخنه بالغيب. يحتمل ان مرادها بذلك زوجها اي ليعلم اني حين اني راودت يوسف اني لم اخونه بالغيب اي لم يجري مني الا مجرد مراودة. ولم افسد عليه فراشه. ويحتمل ان المراد بذلك ليعلم يوسف حين اقررت اني انا الذي راودته وانه صادق اني لم اخنه في حال غيبته عني. وان الله لا يهدي كيد الخائنين. فان كل خائن لابد ان تعود خيانته ومكرهه على نفسه ولابد ان يتبين امره