المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي الصالحين اي ومن هؤلاء المنافقين من اعطى الله عهده وميثاقه. لان اتانا من فضله من الدنيا فبسطها لنا ووسعها لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فنصل الرحم ونقري الضيف ونعين على نوائب الحق. ونفعل الافعال الحسنة الصالحة فلما اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فلما اتاهم من فضله لم يفوا بما قالوا بل بخلوا به وتولوا عن الطاعة والانقياد. وهم معرضون اي غير ملتفتين الى الخير. فلما لم بما عاهدوا الله عليه عاقبهم فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه الله ما وعدوه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. فاعقبهم نفاقا في مستمرا الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ان يعاهد ربه ان حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا. ثم لا يفي بذلك فانه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا وعد اخلف فهذا المنافق الذي وعد الله وعاهده لان اعطاه الله من فضله ليتصدقن وليكونن من الصالحين. حدث فكذب وعاهد غدا ووعد فاخلف. ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله نجواهم وان الله علام الغيوب. الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب. وسيجازيهم على ما عملوا من الاعمال التي يعلمها الله تعالى. وهذه الايات نزلت في رجل من المنافقين يقال له وثعلبة جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله ان يدعو الله له ان يعطيه الله من فضله وانه ان اعطاه ليتصدقن ويصل الرحم ويعين على النوائب. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فكان له غنم فلم تزل تتنامى حتى خرج بها عن المدينة فكان لا يحضر الا بعض الصلوات الخمس. ثم ابعد فكان لا يحضر الا صلاة الجمعة. ثم كثرت فابعد بها فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فاخبر بحاله. فبعث من يأخذ الصدقات من اهلها فمروا على ثعلبة. فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية؟ فلما لم يعطهم جاؤوا فاخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثلاثا. فلما نزلت هذه الاية فيه وفي امثاله ذهب بها بعض اهله فبلغه اياها. فجاء بزكاته فلم بلها النبي صلى الله عليه وسلم. ثم جاء بها لابي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها. ثم جاء بها بعد ابي بكر لعمر لم يقبلها فيقال انه هلك في زمن عثمان والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم. والذين لا يجدون الا جهدهم في وهذا ايضا من مخازن المنافقين. فكانوا قبحهم الله ليدعون شيئا من امور الاسلام والمسلمين يرون لهم مقالا الا قالوا وطعنوا بغيا وعدوانا. فلما حث الله ورسوله على الصدقة غادر المسلمون الى ذلك. وبذلوا من اموالهم كل على حسب حاله. منهم المكثر ومنهم المقل. فيلمزون المكثر منهم. بان بنفقته الرياء والسمعة. وقالوا للمقل الفقير ان الله غني عن صدقة هذا. فانزل الله تعالى الذين يلمزون يعيبون ويطعنون المطوعين من المؤمنين في الصدقات. فيقولون مراؤون قصدهم الفخر والرياء. ويلمزون الذين لا يجدون الا جهدهم فيخرجون ما استطاعوا ويقولون الله غني عن صدقاتهم فيسخرون منهم. فقابلهم الله على صنيعهم بان سخر الله منهم ولهم عذاب اليم. فانهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير. منها تتبعهم لاحوال المؤمنين وحرصهم على ان يجدوا مقالا يقولونه فيهم. والله يقول ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم ومنها طعنهم بالمؤمنين لاجل ايمانهم كفر بالله تعالى وبغض للدين. ومنها ان اللمز محرم بل هو من كبائر الذنوب في امور الدنيا واما اللمز في امر الطاعة فاقبح واقبح. ومنها ان من اطاع الله تعالى وتطوع بخصلة من خصال الخير. فان الذي ينبغي هو اعانته وتنشيطه على عمله. وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم وعابوهم عليه. ومنها ان حكمهم على من انفق ما اهلا كثيرا بانه مراء غلط فاحش. وحكم على الغيب ورجم بالظن. واي شر اكبر من هذا ومنها ان قوله لصاحب الصدقة القليلة الله غني عن صدقة هذا كلام مقصوده باطل. فان الله غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير. بل غني عن اهل السماوات والارض. ولكنه تعالى امر العباد بما هم مفتقرون اليه. فالله وان كان غني عنهم فهم فقراء اليه. فمن يعمل ما المثقال ذرة خيرا يره. وفي هذا القول من التثبيت عن الخير ما هو ظاهر بين. ولهذا كان جزاؤهم ان سخر الله منهم. ولهم عذاب اليم استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلين استغفر لهم او لا تستغفر لهم. ان تستغفر لهم سبعين مرة على وجه المبالغة والا فلا مفهوم له. فلن الله لهم كما قال في الاية الاخرى سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. ثم ذكر السبب المانع مغفرة الله لهم فقال ذلك بانهم كفروا بالله ورسوله. والكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرا. والله لا يهدي القوم الفاسقين اي الذين صار الفسق لهم وصفا بحيث لا يختارون عليه سواه ولا يبغون به بدلا. يأتيهم الحق الواضح فيروح فيعاقبهم الله تعالى بالا يوفقهم له بعد ذلك فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في الحل قلنا يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك. الدال على عدم الايمان واختيار الكفر على الايمان. فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله. وهذا قدر زائد على مجرد التخلف فان هذا تخلف محرم. وزيادة رضا بفعل المعصية. وتبجح به. وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله وهذا بخلاف المؤمنين والذين اذا تخلفوا ولو لعذر حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الاسف ويحبون ان يجاهدوا باموالهم انفسهم في سبيل الله لما في قلوبهم من الايمان. ولما يرجون من فضل الله واحسانه وبره وامتنانه. وقالوا اي المنافقون لا تنفروا في الحر اي قالوا ان النفير مشقة علينا بسبب الحر. فقدموا راحة قصيرة منقضية على راحة الابدية التامة وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال ويذهبه البكر والاصال. على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره. وهو النار الحامية في هذا قال نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون. لما اثروا ما يفنى على ما يبقى. ولما فروا من المشقة الخفيفة في المنقضية الى المشقة الشديدة الدائمة. قال الله تعالى بما كانوا يكسبون. فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا اي فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية ويفرحوا بلذاتها ويلهوا بلعبها. فسيبكون كثيرا في عذاب اليم. جزاء بما كانوا ويكسبون من الكفر والنفاق. وعدم الانقياد لاوامر ربهم. فان رجعك الله الى طائفة منهم قم فاستأذنوا للخروج فقل لن تخرجوا معي ابدا. فقل لن تخرجوا معي ابدا ولن قاتلوا معي عدوا انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالق فان رجعك الله الى طائفة منهم وهم الذين تخلفوا من غير عذر ولم يحزنوا على تخلفهم فاستأذنوك في الخروج لغير هذه الغزوة اذا رأوا السهولة فقل لهم عقوبة لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا. فسيغني الله انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالفين. وهذا كما قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كمالا يؤمنوا به اول مرة. فان المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك. ويحال بينه وبينه وفيه ايضا تعذير لهم. فانه اذا تقرر عند المسلمين ان هؤلاء من الممنوعين من الخروج الى الجهاد لمعصيتهم. كان ذلك لهم وعارا عليهم ونكالا ان يفعل احد كفعلهم