المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثاني عشر في الحث على المشاورة في كل الامور. قال تعالى مخبرا عن المؤمنين مثنيا عليهم وامرهم شورى بينهم. وهذا تشمل جميع امورهم الدينية والدنيوية الداخلية والخارجية العامة والخاصة. وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله وسداده رأيه وعلو مكانته فقال وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله وسداد رأيه وعلو مكانته فقال وشاورهم في الامر. وقال صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يشاور اصحابه في كل ما يحتاج الى المشاورة من دقيق وجليل اخذوا برأيهم المصيب وربما ابتدأه بالرأي الذي يرونه فيرجع اليه اذا اتضح له صوابه. وانما كانت المشاورة لها هذا المقام الجليل بما يترتب عليها من المصالح الكلية العامة في الشئون الدينية والشؤون الدنيوية وامور السياسة وتوابعها. فمن فوائد المشاورة امتثال امر الله ورسوله فان طاعة الله ورسوله خير وسعادة ولو فرض اننا لا نشعر بفائدتها. بل هذه الفائدة اعظم الفوائد واساسها. ومن فوائدها انها تقوي الالفة بين المسلمين. وتوثق الروابط بين المتشاورين. جماعات او افرادا. فان المتشاورين يشعرون ان مصلحتهم واحدة وطريقهم الى تحصيلها واحد فيفكرون في هذا الطريق وعلى اي وجه يسلكونه لتحقيق مصلحتهم ومتى شعروا بارتباط المصالح قويت المحبة وتوثقت الصداقة وهذا من الفوائد المحسوسة. فكم كان اناس متباينين متباعدين. فلما جمعتهم بعض الشؤون وشعروا بوحدة لمصلحتهم تقاربوا بعد التباعد وتصادقوا بعد التعادي. ومن فوائدها ان مصلحة المشاورة محسوسة في العلوم والاراء والاعمال واصابة الصواب فالرأي الواحد والعمل الواحد يعتريه النقص كثيرا. فاذا كثرت الاراء واتفقت وحصل التعاون على الاعمال النافعة اصابوا الصواب وادركوا النجاح ومنها ان الاراء والافكار تحتاج الى رياضة وتمرين فان تمرين الذهن على التدبر والتفكر وتقليب الامور على كل وجه ممكن مما يرقي الذهن وينميه ويوسع دائرة المعارف. وعدم ذلك او قلته مما يضعف القريحة ويخمد الفكر ويحدث البلادة. فكثرة المشاورات هي التمرير الوحيد والرياضة للافكار فان تبادل المناظرات واحتكاك الافكار بعضها ببعض واستعانة بعضها ببعض وتعديل بعضها بعضا له فائدة العظيمة الملموسة فكما ان الاعمال العظيمة لا تدرك الا باجتماع قوى متعددة بحسب تلك الاعمال. فكذلك الامور المشكلة والاحوال مشتبهة لا يقوم بها فكر واحد ونظر واحد بل لابد من عدة افكار تتراود عليها فان العمل تابع للعلم والله اعلم. ومنها ان الاعمال المشتركة التي لا يمكن قيام واحد بها من المشتركين فيها سواء كانت امورا دينية او دنيوية اذا بنيت على المشاورة ثم وزعت بينهم بما يناسب احوالهم كان ارجى لحصول النجاح فان كلا منهم يمد الاخر برأيه ومساعدته وعمله ونفع هذا معروف. ومنها ان الانسان اذا شاور في اموره وتأنى فوقعت على خلاف مراده لم يندم لانه ابدى المجهود ولم يدخر من اسباب النجاح شيئا يقدر عليه توجب له الطمأنينة والسكون والرضا والتسليم. ويستدرك ما يمكن استدراكه ويعرف الاسباب الناجحة والمحققة. واذا لم يشاور فوقعت على خلاف ما تحب ندم ندامة شديدة وجعل يقول لولا ولو ما ومنها ان المشاورة تنفي عن العبد العجب والغرور بالنفس. ان المعظم لنفسه اجب برأيه لا يكاد يشاور احدا ولا يلين لمن ينصحه. وهذا الخلق رذيل جدا وضرره كبير. فالمعجب برأيه لابد ان يضل. ويظنه هدى بان خيالات الغرور لا تدع الانسان ينظر الى عيوبه فيصلحها ولا الى نقصه فيكمله. فعنوان العقل والتواضع فعنوان العقل تضع كثرة المشاورة وقبول قول الناصحين وعنوان الجهل والغرور الاستبداد ورفض نصح الناصحين. واعلم ان المشاورة تختلف باختلاف فامور السياسة يشاور فيها اهل الحل والعقد والرجال المتميزون في عقولهم وارائهم وكمال نصحهم. وامور العلم والدين يشاور فيها اهل العلم والدين الجامعون بين العلم والحلم والعقل والدين والامور الدنيوية يشاور فيها اهل الخبرة فيها والرأي بحسب احوالها ولابد في ذلك كله من قصد النصح ومن الطف انواع المشاورات الخاصة وانفعها للانسان. الامور المتعلقة بالعائلة وامور البيت ينبغي للوالد ان يشاور اولاده في الامور المتعلقة بهم ويستخرج ارائهم ويعودهم على تربية افكارهم وتنمية عقولهم فان هذا في فيه نفع وتعليم وتوسيع لدائرة معارفهم وحمل لهم على النصيحة لوالدهم. وكذلك يشاور زوجته في احوال البيت وكيفية تدبيره اذا رأى منها الامانة والاهلية جعل لها الاستقلال في تدبير مصارف البيت لتهتم وتشعر بمسئوليتها وتجتهد في الاعمال الاقتصادية ويستفيد رب البيت الراحة والطمأنينة. فمتى كانت الانثى اصيلة امينة ورأت من زوجها هذه الثقة بذلت النصح التام وعز عليها ان يذهب شيء في غير محله ومتى اخذ على يدها وحفظ عليها وقد تركوتها وحوائجها الاصلية والعالية لم يستفد بهذا العمل الا العناء والتعب وكثرة كثرة النزاع وتكدر العيش. وكم رأينا ورأى غيرنا من هذا شيئا كثيرا؟ فالهناء والسعادة والخير العاجل والاجل تبع للدين واخلاقه الشقاء والشر حيث فقد الدين وفقدت ادابه. المشاورة تنور الافكار وتحل الاشتباه والاشكال. وتبلغ العبد الامال. المشاورة عنوان العقل والاستبداد من نتائج الجهل ما ندم من استعان بالله واستخاره وشاور الناصحين