لقدرته وبديع صنعته جعل في الارض قطع متجاورات وجنات فيها انواع الاشجار من اعناب وزرع ونخيل وغير ذلك والنخيل التي بعضها صنوان اي عدة اشجار في اصل واحد وغير صنوان بان كان كل شجرة على حدة الحكيم في كل شيء المحمود على ما خلقه وامر به تبارك وتعالى وجنات من اعناق وزرع ونقيل. وزرع ونخيل يسقى بما يسقى واحد ونفضل بعضها على بعض ومن الايات على كمال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لا يؤمنون. يخبر تعالى ان هذا القرآن هو ايات الكتاب الدالة على كل ما يحتاج اليه العباد من اصول الدين وفروعه. وان الذي انزل الى الرسول من ربه هو الحق المبين. لان اخباره صدق واوامره ونواهيه عدل. مؤيدة بالادلة والبراهين القاطعة. فمن اقبل عليه وعلى علمه كان من اهل العلم بالحق يوجب لهم علمهم به العمل بما اوجب الله. ولكن اكثر الناس لا يؤمنون بهذا القرآن. اما جهلا واعراضا عنه وعدم اهتمام به. واما عنادا وظلما. فلذلك اكثر الناس غير منتفعين به. لعدم السبب الموجب للانتفاع الله الذي رفع السماوات بغير عمل ترونها ثم استوى على العرش ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كله يجري لاجل مسمى يدبر يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة والسلطان. الدال على انه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. فقال الله الذي رفع السماوات على عظمها واتساعها بقدرته العظيمة بغير عمد ترونها. اي ليس لها عمد من تحتها فانه لو كان لها عمد لرأيتموها. ثم بعدما خلق السماوات والارض استوى على العرش العظيم. الذي هو اعلى المخلوقات استواء يليق بجلاله ويناسب كماله. وسخر الشمس والقمر لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم. كل من الشمس والقمر يجري بتدبير العزيز العليم. لاجل مسمى بسير منتظم لا يفتران ولا ينيان. حتى يجيء الاجل المسمى وهو طي الله هذا العالم. ونقلهم الى الدار الاخرة. التي هي دار القرار. فعند ذلك يطوي الله السماوات ويبدلها ويغير الارض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر ويجمع بينهما فيلقيان في النار. ليرى من عبدهما انهما غير اهل للعبادة. فيتحسر بذلك اشد الحسرة. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. يدبر الامر يفصل الايات. هذا جمع بين الخلق والامر. اي قد استوى الله العظيم على سرير الملك. يدبر الامور في العالم العلوي والسفلي سيخلق ويرزق ويغني ويفقر ويرفع اقواما ويضع اخرين. ويعز ويذل ويخفض ويرفع ويقيل العثرات ويفرج الكربات وينفذ الاقدار في اوقاتها. التي سبق بها علمه. وجرى بها قلمه. ويرسل ملائكته الكرام ما جعلهم على تدبيره. وينزل الكتب الالهية على رسله. ويبين ما يحتاج اليه العباد من الشرائع. والاوامر والنواهي ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وايضاحها وتمييزها لعلكم بسبب ما اخرج لكم من الايات الافقية والايات القرآنية بلقاء ربكم توقنون ان كثرة الادلة وبيانها ووضوحها من اسباب حصول اليقين في جميع الامور الالهية خصوصا في العقائد الكبار كالبعث والنشور والاخراج من القبور. وايضا فقد علم ان الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى ولا يتركهم عبثا انه ارسل رسله وانزل كتبه لامر العباد ونهيهم فلا بد ان ينقلهم الى دار يحل فيها جزاؤه فيجازي باحسن الجزاء ويجازي المسيئين باساءتهم يغش الليل وهو الذي مد الارض اي خلق للعباد ووسعها وبارك فيها. ومن دها للعباد واودع فيها من مصالحهم ما اودع. وجعل فيها رواسي اي جبالا عظاما لان لا تميد بالخلق فانه لولا الجبال لمادت باهلها لانها على تيار ماء لا ثبوت لها ولا الا بالجبال الرواسي التي جعلها الله اوتادا لها. وجعل فيها انهارا تسقي الادميين وبهائمهم وحروثهم. فاخبر خرج بها من الاشجار والزروع والثمار خيرا كثيرا. ولهذا قال اي صنفين مما يحتاج اليه العباد. يغشي الليل النهار فتظلم الافاق فيسكن كل حيوان الى مأوى ويستريحون من التعب والنصب في النهار. ثم اذا قضوا مأربهم من النوم عشيا نهار الليل. فاذا هم مصبحون ينتشرون في مصالحهم واعمالهم في النهار. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه. ولتبتغوا من فضله. ولعلكم تشكرون ان في ذلك لايات على المطالع الالهية لقوم يتفكرون فيها. وينظرون فيها نظرة اعتبار دالة على ان الذي خلقها ودبرها وصرفها والله الذي لا اله الا هو ولا معبود سواه وانه عالم الغيب والشهادة. الرحمن الرحيم. وانه القادر على كل شيء فيها والجميع يسقى بماء واحد وارضه واحدة. ونفضل بعضها على بعض في الاكل. لونا وطعما ونفعا ولذة فهذه ارض طيبة تنبت الكلأ والعشب الكثير والاشجار والزروع. وهذه ارض تلاصقها لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء وهذه تمسك الماء ولا تنبت الكلأ. وهذه تنبت الزرع والاشجار. ولا تنبت الكلأ. وهذه الثمرة حلوة وهذه مرة وهذه بين ذلك. فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها؟ ام ذلك تقدير العزيز الرحيم ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون. اي لقوم لهم عقول تهديهم الى ما ينفعهم وتقودهم الى ما يرشدون به ويعقلون عن الله وصاياه واوامره ونواهيه. واما اهل الاعراض واهل البلادة فهم في ظلمات يعمهون وفي غيهم يترددون. لا يهتدون الى ربهم سبيلا. ولا يعون له قيلا اولئك الذين كفروا بربهم واولئك الاغلال في اعناقهم. واولئك يحتمل ان معناه وان تعجب من عظمة الله تعالى وكثرة ادلة التوحيد. فان العجب مع هذا انكار المكذبين وتكذيبهم بالبعث قولهم ائذا كنا ترابا ائنا لفي خلق جديد. اي هذا بعيد في غاية الامتناع بزعمهم. انهم بعدما كانوا ترابا ان الله يعيدهم فانهم من جهلهم قاسوا قدرة الخالق بقدرة المخلوق. فلما رأوا هذا ممتنعا في قدرة المخلوق ظنوا انه مقتنع على قدرة الخالق ونسوا ان الله خلقهم اول مرة ولم يكونوا شيئا. ويحتمل ان معناه وان تعجب من قولهم بهم للبعث فان ذلك من العجائب. فان الذي توضح له الايات ويرى من الادلة القاطعة على البعث ما لا يقبل الشك والريب. ثم ينكر ذلك فان قوله من العجائب. ولكن ذلك لا يستغرب على اولئك الذين كفروا بربهم. وجحدوا وحدانيته وهي اظهر الاشياء واجلاها واولئك الاغلال المانعة لهم من الهدى في اعناقهم. حيث دعوا الى الايمان فلم يؤمنوا. وعرض عليهم الهدى فلم يهتدوا فقلبت قلوبهم وافئدتهم عقوبة على انهم لم يؤمنوا به اول مرة اصحاب النار هم فيها خالدون لا يخرجون منها ابدا وان ربك لشديد العقاب يخبر تعالى عن جهل المكذبين لرسوله المشركين به الذين وعظوا فلم يتعظوا واقيمت عليهم الادلة فلم ينقادوا لها بل جاهروا بالانكار واستدلوا بحلم الله الواحد القهار عنهم. وعدم معادلتهم بذنوبهم انهم على حق وجعلوا يتعجلون الرسول بالعذاب. ويقول قائلهم اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. والحال انه قد خلت من قبلهم المثلات اي وقائع الله وايامه في الامم المكذبين. افلا يتفكرون في حالهم ويتركون جهلهم لشديد العقاب اي لا يزال خيره اليهم واحسانه وبره وعفوه نازلا الى العباد. وهم لا يزال شرهم وعصيانهم اليه صاعدون يعصونه فيدعوهم الى بابه ويجرمون فلا يحرمهم خيره واحسانه. فان تابوا اليه فهو حبيبهم لانه التوابين ويحب المتطهرين. وان لم يتوبوا فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب. قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم على من لم يزل مصرا على الذنوب قد ابى التوبة الاستغفار والالتجاء الى العزيز الغفار. فليحذر العباد عقوباته باهل الجرائم. فان اخذه اليم شديد. ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه انما انت منذر ولكل لقوم هادئ. اي ويقترح الكفار عليك من الايات التي يعينون ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه ويجعلون هذا القول منهم عذرا لهم في عدم الاجابة الى الرسول. والحال انه منذر. ليس له من الامر شيء. والله هو الذي ينزل الايات. وقد ايده بالادلة البينات التي لا تخفى على اولي الالباب. وبها يهتدي من قصده الحق. واما الكافر الذي من ظلمه وجهله يقترح على الله الايات هذا اقتراح منه باطل وكذب وافتراء. فانه لو جاءته اي اية كانت لم يؤمن ولم ينقد لانه لم يمتنع من الايمان لعدم ما يدله على صحته. وانما ذلك لهوى نفسه واتباع شهوته اي داع يدعوهم الى الهدى من الرسل اتباعهم ومعهم من الادلة والبراهين ما يدل على صحة ما معهم من الهدى وكل شيء عنده بمقدار يخبر تعالى بعموم علمه وسعة الطلاب واحاطته بكل شيء فقال الله يعلم ما تحمل كل انثى. من بني ادم وغيرهم وما تغيض الارحام. اي تنقص مما فيها اما ان يهلك الحمل او يتضائل او يضمحل. وما تزداد الارحام وتكبر الاجنة التي فيها كل شيء عنده بمقدار لا يتقدم عليه ولا يتأخر. ولا يزيد ولا ينقص الا بما تقتضيه حكمته وعلمه عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. فانه عالم الغيب والشهادة الكبير في ذاته. واسمى وصفاته المتعالي على جميع خلقه. بذاته وقدرته وقهره القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. سواء منكم في علمه وسمعه وبصره من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل اي مستقر بمكان خفي فيه وسار من نهار اي داخل سربه في النهار. والسرب هو ما يستخفي فيه الانسان. اما جوف بيته او غار او مغارة او نحو ذلك ذلك له معقبات ان بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. واذا اراد الله بقوم سوء له اي للانسان معقبات من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار. من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله. اي بدنه وروحه من كل ما يريده بسوء. ويحفظون عليه اعماله. وهم ملازمون له دائما. فكما ان علم الله محيط به فالله قد ارسل هؤلاء الحفظة على العباد بحيث لا تخفى احوالهم ولا اعمالهم ولا ينسى منها شيء يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. ان الله لا يغير ما بقوم من النعمة والاحسان ورغد العيش حتى يغيروا ما بانفسهم بان ينتقلوا من الايمان الى الكفر ومن الطاعة الى المعصية او من شكر نعم الله الى قريبها فيسلبهم الله اياها عند ذلك. وكذلك اذا غير العباد ما بانفسهم من المعصية. فانتقلوا الى طاعة الله الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء الى الخير والسرور والغبطة والرحمة. واذا اراد الله بقوم سوءا اي عذابا وشدة امرا يكرهونه فان ارادته لا بد ان تنفذ فيهم. فانه لا مرد له ولا احد يمنعهم منه وما لهم من دونه من وال يتولى امورهم. فيجلب لهم المحبوب ويدفع عنهم المكروه فليحذروا من الاقامة على ما يكره الله خشية ان يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين يقول تعالى هو الذي يريكم البرق خوف خوفا وطمعا اي يخاف منه الصواعق والهدم وانواع الضرر على بعض الثمار ونحوها. ويطمع في خيره ونفعه وينشئ والسحاب الثقال بالمطر الغزير الذي به نفع العباد والبلاد وهم يجادلون في الله ويسبح الرعد بحمده وهو الصوت الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد فهو خاضع لربه مسبح بحمده وتسبح الملائكة من خيفته. اي خشعا لربهم خائفين من سطوته. ويرسل الصواعق وهي هذه النار التي تخرج من السحاب. فيصيب بها من يشاء من عباده. بحسب ما شاءه واراده. وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال. اي شديد الحول والقوة. فلا يريد شيئا الا فعله. ولا يتعصى عليه شيء. ولا يفوته هارب وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال. فاذا كان هو وحده الذي يسوق للعباد الامطار والسحب التي فيها مادة ارزاقهم وهو الذي يدبر الامور وتخضع له المخلوقات العظام التي يخاف منها وتزعج العباد وهو شديد القوة فهو الذي يستحق ان يعبد وحده لا شريك له. ولهذا قال له دعوة الحق الى الا في ضلال. له اي لله وحده دعوة الحق. وهي قيادة وحده لا شريك له. واخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى. اي هو الذي ينبغي ان يصرف له الدعاء. والخوف والرجاء والحب والرغبة والرهبة والانابة. لان الوهيته هي الحق والوهية غيره باطلة. والذين يدعون من دونه من الاوثان والانداد التي جعلوها شركاء لله لا يستجيبون لهم. اي لمن يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير. لا من امور الدنيا ولا من امور الاخرة الا كباسط كفيه الى الماء الذي لا تناله كفاه لبعده ليبلغ ببسط كفيه الى الماء فانه عطشان. ومن شدة عطشه يتناول بيده ويبسطها الى الماء الممتنع وصولها اليه. فلا يصل اليه. كذلك كالكفار الذين يدعون مع الله الهة لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في اشد الاوقات اليهم حاجة لانهم فقراء كما ان من دعوهم فقراء لا يملكون مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير وما دعاء الكافرين الا في ضلال. ببطلان ما يدعون من دون الله. وبطلت قيادتهم ودعاؤهم لان الوسيلة تبطل ببطلان غايتها. ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين. كانت عبادته حق متصلة النفع بصاحبها في الدنيا والاخرة. وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه من الامثلة فان ذلك تشبيه بامر محال. فكما ان هذا محال فالمشبه به محال. والتعليق على المحال من ابلغ ما يكون في نفي شيء كما قال تعالى ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط اي جميع ما احتوت عليه السماوات والارض كلها خاضعة لربها تسجد له طوعا وكرها. فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين والكره لمن يستكبر عن عبادة ربه وحاله وفطرته تكذبه في ذلك وظلاله قم بالغدو والاصال. اي وتسجد له ظلال المخلوقات اول النهار واخره. وسجود كل شيء بحسب حاله كما قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. فاذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها كان هو الاله حقا المعبود المحمود حقا والاهية غيره باطلة. ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله قل من رب السماوات والارض قل الله. قل افتخذتم من دونه اولياء له لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. قل هل يستوي الاعمى والبصير ام هل تستوي الظلم ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم خالق كل شيء وهو الواحد القهار. قل من رب السماوات والارض اي قل لهؤلاء المشركين به اوثانا واندادا يحبونها كما يحبون الله. ويبذلون لها انواع التقربات والعبادات فتاهت عقولكم حتى اتخذتم من دونه اولياء. تتولونهم بالعبادة وليسوا باهل لذلك. فانهم لا يملكون انفسهم نفعا ولا ضرا. وتتركون ولاية من هو كامل الاسماء والصفات. المالك للاحياء والاموات. الذي بيده الخلق والتدبير والضر فما تستوي عبادة الله وحده وعبادة المشركين به فان كان عندهم شك واشتباه وجعلوا له شركاء زعموا انهم خلقوا كخلقه وفعلوا فازل عنهم هذا الاشتباه واللبس. بالبرهان الدال على تفرد الاله بالوحدانية. فقل لهم الله خالق كل شيء. فانه ومن المحال ان يخلق شيء من الاشياء نفسه. ومن المحال ايضا ان يوجد من دون خالق. فتعين ان لها الها خالقا لا شريك له في خلقه لانه الواحد القهار. فانه لا توجد الوحدة والقهر الا لله وحده. فالمخلوقات وكل مخلوق فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر قاهر اعلى منه. حتى ينتهي القهر للواحد القهار. فالقهر والتوحيد متلازمان متعينان لله وحده. فتبين بالدليل العقلي القاهر ان ما يدعى من دون الله ليس له شيء من خلق المخلوقات. وبذلك كانت عبادته باطلة كذلك يضرب الله الحق والباطل. فاما الزبد فيذهب واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامسال. شبه تعالى الهدى الذي انزله على رسوله لحياة القلوب والارواح بالماء الذي انزله لحياة الاشباح. وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير. الذي يضطر اليه العباد بما في المطر من النفع العام ضروري وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالاودية التي تسير فيها السيول. فواد كبير يسع ماء كثيرا كقلب كبير يسع علما كثيرا. وواد صغير يأخذ ماء قليلا كقلب صغير. يسع علما قليلا وهكذا وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات عند وصول الحق اليها بالزبد الذي يعلو الماء. ويعلو ما يوقد عليه النار من التي يراد تخليصها وسبكها وانها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة. كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها. ويجاهدها بالبراهين الصادقة والايرادات الجازمة حتى تذهب وتضمحل. ويبقى القلب خالصا صافيا. ليس فيه الا ما ينفع الناس من العلم بالحق. وايثار والرغبة فيه فالباطل يذهب ويمحقه الحق. ان الباطل كان زهوقا. وقال هنا ليتضح الحق من الباطل والهدى من الضلال والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثل الحساب ومأواهم ومأواهم جهنم وبئس المهاد. لما بين تعالى الحق من الباطل ذكر ان الناس على قسمين مستجيب لربه فذكر ثوابه وغير مستجيب فذكر عقابه فقال اي انقادت قلوبهم للعلم والايمان وجوارحهم للامر والنهي. وصاروا موافقين لربهم فيما منهم فلهم الحسنى. اي الحالة الحسنة والثواب الحسن. فله من الصفات اجلها ومن المناقب افضلها ومن العاجل والاجل ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. والذين لم يستجيبوا له بعدما ضرب لهم وبين لهم الحق لهم الحالة غير الحسنة. ولو ان لهم ما في الارض جميعا من ذهب وفضة وغيرها ومثله معه نفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم وانى لهم ذلك؟ اولئك لهم سوء الحساب وهو الحساب الذي يأتي على فكل ما اسلفوه من عمل سيء وما ضيعوه من حقوق عباده. قد كتب ذلك وسطر عليهم وقالوا يا ويلتنا لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا مأواهم جهنم وبئس المهاد. وبعد هذا الحساب السيء مأواهم جهنم. الجامعة لكل عذاب من الجوع الشديد والعطش الوجيع والنار الحامية. والزقوم والزمهرير والضريع. وجميع ما ذكره الله من اصناف في العذاب اي المقر والمسكن مسكنهم انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى يقول تعالى مفرقا بين اهل العلم والعمل وبين ضدهم. افمن يعلم ان ما انزل اليك من ربك الحق ففهم ذلك وعمل به كمن هو اعمى لا يعلم الحق ولا يعمل به. فبينهما من الفرق كما بين السماء والارض. فحقيق بالعبد ان يتذكر ويتفكر اي الفريقين احسن حالا وخير مآلا فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها ولكن ما كل احد تذكروا ما ينفعه ويضره. اي اولو العقول والاراء الكاملة الذين هم لب العالم. وصفوة بني ادم. فان سألت عن وصفهم فلا تجد احسن من وصف الله لهم بقول ايه؟ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. الذين يوفون عهد الله الذي عهده اليهم. والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة. فالوفاء بها توفيتها حقها من التنمية والنصح فيها وتمام الوفاء بها. انهم لا ينقضون الميثاق. اي العهد الذي عاهدوا الله عليه. فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والايمان والنذور التي يعقدها العباد. فلا يكون العبد من اولي الالباب الذين لهم الثواب العظيم الادب تائهة كاملة وعدم نقصها وبخسها والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل وهذا عام في كل ما امر الله بوصله. من الايمان به وبرسوله ومحبته ومحبة رسوله. والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ولطاعة رسوله ويصلون ابائهم وامهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم ويصلون الاقارب والارحام بالاحسان اليهم قولا وفعلا. ويصلون ما بينهم وبين الازواج والاصحاب والمماليك. لاداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما امر الله به ان يوصل خشية الله وخوف يوم الحساب لهذا قال ويخشون ربهم ان يخافونه فيمنعهم خوفهم منه ومن القدوم عليه يوم الحساب ان يتجرأوا على معاصي الله او يقصروا في شيء مما امر الله به خوفا من العقاب ورجاء للثواب لهم جنة عدلي يدخلونها ومن صلح من ابائه من ازواجهم ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. والملائكة يدخلون عليهم من كل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى والذين صبروا على المأمورات بامتثالها وعن المنهيات بالاكفاف عنها والبعد منها وعلى اقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها لكن بشرط ان يكون ذلك الصبر ابتغاء وجه ربهم. لا لغير ذلك من المقاصد والاغراض الفاسدة. فان هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه طلبا لمرضاة ربه ورجاء للقرب منه. والحظوة بثوابه هو الصبر الذي من خصائص اهل الايمان واما الصبر المشترك الذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر فهذا يصدر من البر والفاجر والمؤمن والكافر فليس هو الممدوح على حقيقة واقاموا الصلاة باركانها وشروطها ومكملاتها ظاهرا وباطنا. وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية قال في ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقات المستحبة. وانهم ينفقون حيث دعت الحاجة الى النفقة سر وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة اي من اساء اليهم بقول او فعل لم يقابلوه بفعله بل قابلوه بالاحسان اليه يعطون من حرمهم ويعفون عن من ظلمهم ويصلون من قطعهم ويحسنون الى من اساء اليهم. واذا كانوا يقابلون المسيء بالاحسان فما ظنك بغير المسيء؟ لهم عقبى الدار. اولئك وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة لهم عقبى الدار. فسرها بقوله يقولونها ومن صلح من اذائهم وازواجهم. جنات عدن اي اقامة لا يزولون منها ولا يبغون عنها حولا لانهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور الذي تنتهي اليه المطالب والغايات ومن تمام نعيمهم وقرة اعينهم انهم يدخلونها ومن صلح من ابائهم من الذكور والاناث وازواجهم اي الزوج او الزوجة وكذلك النظراء والاشباه والاصحاب والاحباب. فانهم من ازواجهم وذرياتهم يدخلون عليهم من كل باب سلام يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون. بما صبرتم فنعم عقبى الدار اي حلت عليكم السلامة. والتحية من الله حصلت لكم. وذلك متضمن لزوال كل مكروه ومستلزم لحصول كل محبوب بما صبرتم اي بسبب صبركم وهو الذي اوصلكم الى هذه المنازل العالية والجنان الغالية فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة ان يجاهدها لعلها تأخذ من اوصاف اولي الالباب بنصيب. ولعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس وسرور الارواح. الجامعة جميع اللذات والافراح فلمثلها فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون. والذين ينقضون لهم اللعنة اولئك لهم اللعنة ولهم سوء لما ذكر حال اهل الجنة ذكر ان اهل النار بعكس ما وصفهم به قال عنهم والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. اي من بعد ما اكده عليهم على ايدي رسله. وغلظ عليهم فلم يقابلوه والتسليم بل قابلوه بالاعراض والنقد. ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالايمان والعمل الصالح ولا وصلوا الارحام ولا ادوا الحقوق. بل افسدوا في الارض بالكفر والمعاصي. والصد عن سبيل الله وابتغائها عوجا. اولئك لهم اللعنة اي البعد والذم من الله وملائكته وعباده المؤمنين وهي الجحيم بما فيها من العذاب الاليم اي هو وحده يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء. ويقدره ويضيقه على من يشاء. وفرحوا اي الكفار بالحياة الدنيا. فرح من اوجب لهم ان يطمئنوا بها ويغفلوا عن الاخرة. وذلك لنقصان عقولهم متاع. اي شيء حقير يتمتع به قليلا. ويفارق اهله واصحابه. ويعقبهم ويلا طويلا ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه قل ان الله يضيع كل من يشاء ويهدي اليه من انا ويهدي الى يخبر تعالى ان الذين كفروا بايات الله يتعنتون على رسول الله ويقترحون ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه وبزعمهم انها لو جاءت لامنوا فاجابهم الله بقوله ويهدي اليه من انا اي طلب رضوانه فليست الهداية والضلالة بايديهم حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الايات. ومع ذلك فهم كاذبون فلو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا انت يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ولا يلزم ان يأتي الرسول بالاية التي يعينونها ويقترحونها. بل اذا جاءهم باية وتبين ما جاء به من الحق كفى ذلك. وحصل المقصود وكان انفع لهم من طلبهم الايات التي يعينونها. فانها مفجاءة طبق ما اقترحوا فلم يؤمنوا بها لعاجلهم العذاب. ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال وتطمئن قلوبهم بذكر الله. اي يزول قلقها واضطرابها افراحها ولذاتها. الا بذكر الله تطمئن القلوب اي حقيق بها وحري الا تطمئن لشيء سوى ذكره. فانه لا شيء الذ للقلوب ولا احلى. من محبة خالقها. والانس به ومعرفته وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له. هذا على القول بان ذكر الله هو ذكر العبد لربه من تسبيح وتهليل تكبير وغير ذلك. وقيل ان المراد بذكر الله كتابه الذي انزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر الله انها حين تعرف معاني القرآن واحكامه تطمئن لها. فانها تدل على الحق المبين. المؤيد بالادلة والبراهين. وبذلك تطمئن القلوب فانها لا تطمئن الا باليقين والعلم. وذلك في كتاب الله مضمون على اتم الوجوه واكملها. واما ما سواه ومن الكتب التي لا ترجع اليه فلا تطمئن بها. بل لا تزال قلقة من تعارض الادلة وتضاد الاحكام. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا انما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره وتدبر غيره من انواع علوم فانه يجد بينها وبينه فرقا عظيما. ثم قال تعالى الذين امنوا وعملوا طوبا لهم. الذين امنوا وعملوا الصالحات اي امنوا بقلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. صدقوا هذا الايمان بالاعمال الصالحة. اعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه. واعمال الجوارح. كالصلاة ونحوها. اي لهم حالة طيبة ومرجع حسن. وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته. في الدنيا والاخرة. وان لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة من جملة ذلك شجرة طوبا التي في الجنة التي يسير الراكب في ظلها مئة عام ما يقطعها كما وردت بها الاحاديث الصحيحة قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاع يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. كذلك ارسلناك الى قومك تدعوهم الى الهدى في امة قد من قبلها امم ارسلنا فيهم رسلنا. فلست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك. ولست تقول من تلقاء نفسك بل تتلو عليهم من ايات الله التي اوحاها الله اليك. التي تطهر القلوب وتزكي النفوس. والحال ان قومك يكفرون بالرحمن. فلم يقابلوا فهو احسانه التي اعظمها ان ارسلناك اليهم رسولا. وانزلنا عليك الكتاب بالقبول والشكر. بل قابلوها بالانكار والرد. فلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم من القرون المكذبة. كيف اخذهم الله بذنوبهم؟ قل هو ربي لا اله الا هو. وهذا متضمن التوحيدين توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية. فهو ربي الذي رباني بنعمه منذ اوجدني. وهو الهي الذي عليه توكلت في جميع اموري. اي ارجع في جميع عباداتي وتوبتي وفي حاجاتي ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلن به الموتى. بل ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى لا يأتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد. يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة. ولو ان قرآنا من الكتب الالهية سيرت به الجبال عن اماكنها. او قطعت به الارض جنانا وانهارا او كلم به الموتى لكان هذا القرآن. بل لله الامر جميعا. فيأتي بالايات التي تقتضيها حكمته. فما بال المكذبين يقترحون من الايات ما يقترحون. فهل لهم ولغيرهم من الامر شيء فليعلموا انه قادر على هدايتهم جميعا. ولكن لا يشاء ذلك فليهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولا يزال الذين كفروا على كفرهم لا يعتبرون ولا يتعظون. والله تعالى يوالي عليهم قوارع التي تصيبهم في ديارهم او تحل قريبا منها وهم مصرون على كفرهم حتى يأتي وعد الله الذي وعدهم به لنزول العذاب المتصل الذي لا يمكن رفعه. وهذا تهديد وتخويف له من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم وعنادهم وظلمهم. ولقد استهزأ برسل من قبلك فامليت يقول تعالى لرسوله مثبتا له ومصليا ولقد استهزأ برسل من قبلك فلست اول رسول كذب واوذي فامليت للذين كفروا برسلهم اي امهلتهم مدة حتى ظنوا انه هم غير معذبين. ثم اخذتهم بانواع العذاب. فكيف كان عقاب؟ كان عقابا شديدا وعذابا اليما فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزأوا بك بامهالنا فلهم اسوة في من قبلهم من الامم. فليحذروا ان يفعل بهم كما فعل اولئك افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت واجعلوا لله شركاء آآ بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فماله يقول تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت بالجزاء العاجل والاجل بالعدل والقسط وهو الله تبارك وتعالى كمن ليس كذلك. ولهذا قال وجعلوا لله شركاء وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ند ولا نظير. قل لهم ان كانوا صادقين سموهم لنعلم حالهم. ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض. فانه واذا كان عالم الغيب والشهادة وهو لا يعلم له شريكا علم بذلك بطلان دعوى الشريك له. وانكم بمنزلة الذي يعلم الله ان له شريكا هو لا يعلمه. وهذا ابطل ما يكون. ولهذا قال ام بظاهر من القول؟ اي غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى انه بظاهر اقوالكم واما في الحقيقة فلا اله الا الله. وليس احد من الخلق يستحق شيئا من العبادة. بل زين للذين كفروا مكروه هم الذي مكروه وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم لايات الله. وصدوا عن السبيل اي عن الطريق المستقيمة الموصلة الى الله والى كرامته لانه ليس لاحد من الامر شيء باب في الحياة الدنيا والعذاب الاخرة يشق وما لهن من الله من ولعذاب الاخرة اشق من عذاب الدنيا لشدته ودوامه يقيهم من عذابه فعذابه اذا وجهه اليهم لا مانع له تجري من تحتها الانهار تجري من تحتها الانهار اكلها اكلها داء دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين يقول تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون الذين تركوا ما نهاهم الله عنه ولم يقصروا فيما امرهم به اي صفتها وحقيقتها تجري من تحتها الانهار. انهار العسل وانهار الخمر وانهار اللبن وانهار الماء الذي تجري في غير اخدود فتسقي تلك البساتين والاشجار فتحمل جميع انواع الثمار. اكلها دائم وظلها دائم ايضا تلك عقبى الذين اتقوا اي مآلهم وعاقبتهم التي اليها يصيرون. وعقبى الكافرين آآ فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟ والذين اتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل اليك يقول تعالى والذين اتيناهم الكتاب اي منا عليهم به وبمعرفته يفرحون بما انزل اليك فيؤمنون به ويصدقونه ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض. وتصديق بعضها بعضا. وهذه حال من امن من اهل كتاب. اي ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحق. من ينكر بعض هذا القرآن ولا يصدقه. فمن اهتدى فلنفسه. ومن ضل فانما يضل عليها. انما انت يا محمد منذر. تدعو الى الله. قل انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به. اي باخلاص الدين لله وحده. اي مرجعي الذي به اليه فيجازيني بما قمت به من الدعوة الى دينه. والقيام بما امرت به اي ولقد انزلنا هذا القرآن والكتاب حكما عربيا اي متقنا باوضح الالسنة وافصح اللغات. لان لا يقع فيه شك واشتباه. وليوجب ان يتبع وحده ولا يداهن فيه ولا يتبع ما يضاده ويناقضه من اهواء الذين لا يعلمون. ولهذا توعد رسوله مع انه معصوم ليمتن عليه بعصمته لامته اسوة في الاحكام فقال ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم البين الذي ينهاك عن اتباع اهوائهم ما ما لك من الله من ولي يتولاك. فيحصل لك الامر المحبوب. ولواق يقيك من الامر المكروه وما كان لرسول ان اي لست اول رسول ارسل الى الناس حتى يستغربوا رسالتك. ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية. فلا يعيبك اعدائك بان يكون لك ازواج وذرية. كما كان لاخوانك المرسلين فلاي شيء يقدحون فيك بذلك؟ وهم يعلمون ان الرسل قبلك كذلك الا لاجل اغراضهم الفاسدة واهوائهم وان طلبوا منك اية اقترحوها فليس لك من الامر شيء والله لا يأذن فيها الا في وقتها الذي قدره وقضاه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه. فليس استعجالهم بالايات او العذاب. موجبا لان يقدم الله ما كتب انه يؤخر مع انه تعالى فعال لما يريد يمحو الله ما يشاء من الاقدار ويثبت ما يشاء منها. وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه. فان هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير. لان ذلك محال على الله ان يقع في علمه نقص او خلل لهذا قال اي اللوح المحفوظ الذي ترجع اليه سائر الاشياء فهو اصلها وهي فروع وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب كاعمال اليوم والليلة. التي تكتبها الملائكة ويجعل الله لثبوتها اسبابا ولمحوها اسبابا لا تتعدى تلك الاسباب ما رسم في اللوح المحفوظ. كما جعل الله البر والصلة والاحسان من اسباب طول العمر وسعة الرزق. وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر. وكما جعل اسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة وجعل التعرض لذلك سببا للعطب. فهو الذي يدبر الامور بحسب قدرته وارادته. وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تعجل عليهم باصابة ما يوعدون من العذاب. فهم من استمروا على طغيانهم وكفرهم فلا بد ان يصيبهم ما وعدوا به. اما نرينا لك اياه في الدنيا فتقر بذلك عينك. او لتوفينك قبل اصابتهم. فليس ذلك شغلا لك فانما عليك البلاغ والتبيين للخلق فنحاسب الخلق على ما قاموا به بما عليهم او ضيعوه ونثيبهم او نعاقبهم. ثم قال متوعدا للمكذبين تنقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها. قيل باهلاك المكذبين واستئصال الظالمين. وقيل بفتح بلدان المشركين ونقصهم في اموالهم ابدانهم وقيل غير ذلك من الاقوال. والظاهر والله اعلم ان المراد بذلك ان اراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها مفتاحها ويحل القوارع باطرافها تنبيها لهم قبل ان يجتاحهم النقص. ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده احد هذا قال والله يحكم لا معقب لحكمه. ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي. فهذه الاحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والاتقان لا خلل فيها ولا نقص. بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد. فلا يتعقبها احد ولا سبيل الى القدح فيها بخلاف حكم غيره فانه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه اي فلا يستعجل بالعذاب فان كل ما هو ات فهو قريب يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم تقول تعالى وقد مكر الذين من قبلهم برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل فلم عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئا. فانهم يحاربون الله ويبارزونه. فلله المكر جميعا. اي لا يقدر احد ان يمكر مكر الا باذنه وتحت قضائه وقدره. فاذا كانوا يمكرون بدينه فان مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم. فان الله يعلم ما تكسبون وكل نفس اي همومها واراداتها واعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لابد ان يكون من كسبها فلا يخفى على الله مكرهم فيمتنع ان يمكروا مكرا يضر الحق واهله. ويفيدهم شيئا اي لهم ام لرسله؟ ومن المعلوم ان العاقبة للمتقين لا للكفر واهله ويقول الذين كفروا لست مرسلا. اي يكذبونك ويكذبون ما ارسلت به. قل لهم ان على ذلك شهيدا. قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم. وشهادته بقوله وفعله واقراره اما قوله فيما اوحاه الله الى اصدق خلقه مما يثبت به رسالته. واما فعله فلان الله تعالى ايد رسوله ونصره قصر خارجا عن قدرته وقدرة اصحابه واتباعه. وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد. واما اقراره فانه اخبر الرسول عنه انه رسول وانه امر الناس باتباعه. فمن اتبعه فله رضوان الله وكرامته. ومن لم يتبعه فله النار والسخط. وحل له ماله ودمه. والله يقره على ذلك. فلو تقول عليه بعض الاقاويل لعاجله بالعقوبة وهذا شامل لكل علماء اهل الكتابين فانهم يشهد منهم للرسول من امن اتبع الحق فصرح بتلك الشهادة التي عليه. ومن كتم ذلك فاخبار الله عنه ان عنده شهادة ابلغ من خبره. ولو لم يكن عنده شهادة نرد استشهاده بالبرهان. فسكوته يدل على ان عنده شهادة مكتومة. وانما امر الله باستشهاد اهل الكتاب. لانهم اهل هذا الشأن وكل امر انما يستشهد فيه اهله ومن هم اعلم به من غيرهم بخلاف من هو اجنبي عنه كالاميين من في العرب وغيرهم فلا فائدة في استشهادهم لعدم خبرتهم ومعرفتهم. والله اعلم