ارسل معنا اخانا نكتل. اي ليكون ذلك سببا لكيلنا ثم التزموا له بحفظه فقالوا وانا له لحافظون وانا له لحافظون من ان يعرض له ما يكره قال لهم يعقوب عليه السلام فان العاقبة خير لنا. ثم خبره بما يريد ان يصنع ويتحيل لبقائه عنده الى ان ينتهي الامر فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحم اخيه. ثم اذن مؤذن ايتها العيد المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها. وانه لم يجري منها ذنب في شأن يوسف. استدركت فقالت لعلهم يرجعون. لاجل التحرج من اخذها على ما قيل. والظاهر انه اراد ان يرغبهم في احسانه اليهم بالكيد لهم كيلا وفي ثم اعادة بضاعتهم اليهم على وجه لا يحسون بها. ولا يشعرون لما يأتي فان الاحسان يوجب للانسان تمام الوفاء للمحسن وما ابرئ نفسي اي من المراودة والهم والحرص الشديد والكيد في ذلك. ان النفس لامارة بالسوء. اي لكثيرة الامر لصاحبها بالسوء. اي الفاحشة وسائر الذنوب. فانها مركب الشيطان ومنها يدخل على الانسان الا ما رحم ربي فنجاه من نفسه الامارة حتى صارت نفسه مطمئنة الى ربها منقادة الهدى متعاصية عن داعي الردى فذلك ليس من النفس بل من فضل الله ورحمته بعبده ان ربي غفور رحيم اي هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي اذا تاب واناب رحيم بقبول توبته وتوفيقه للاعمال الصالحة وهذا هو الصواب ان هذا من امرأة العزيز ما من قول يوسف فان السياق في كلامها ويوسف اذ ذاك في السجن لم يحضر. فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف لما ارسل اليه الملك وقال الملك ائتوني به يستخلص لنفسي انك اليوم نادينا مكين امين. ائتوني به استخلصه لنفسي. اي اجعله خصيصة لي ومقربا لدي. فاتوه مكرما محترما. فلما كلمه اعجبه كلامه وزاد موقعه عنده. فقال له انك اليوم لدينا اي عندنا حكيم امين اي متمكن امين على الاسرار. فقال يوسف طلبا للمصلحة العامة اجعلني على خزائن الارض اي على خزائن جبايات الارض وغلالها وكيلا حافظا مدبرا اني حفيظ عليم. اي حفيظ للذي اتولاه فلا يضيع منه شيء في غير محله. وضابط للداخل والخارج. عليم بكيفية والاعطاء والمنع والتصرف في جميع انواع التصرفات. وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية. وانما هو رغبة منه في النفع العام وقد عرف من نفسه من الكفاءة والامانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه. فلذلك طلب من الملك ان يجعله على خزائن الارض. فجعله الملك على خزائن الارض وولاه اياها. قال تعالى وكذلك بهذه الاسباب والمقدمات المذكورة. مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء. في عيش رغد ونعمة واسعة. وجاه عريض نصيب برحمتنا من نشاء. اي هذا من رحمة الله بيوسف التي اصابه بها وقدرها له. وليست مقصورة على نعمة الدنيا ولا نضيع اجر المحسنين. ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين. فله في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. ولهذا قال ولا اجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ولاجر الاخرة خير من اجر الدنيا. للذين امنوا وكانوا يتقون. اي لمن جمع بين التقوى والايمان. فبالتقوى تترك الامور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها. وبالايمان التام يحصل تصديق القلب بما امر الله بالتصديق به. وتتبعه اعمال القلوب واعمال الجوارح. من الواجبات والمستحبات وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم. فعرفهم وهم لهم منكرون اي لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الارض. دبرها احسن تدبير. فزرع في ارض مصر جميعها في السنين المخصبة زروعا هائلة واتخذ لها المحلات الكبار وجبا من الاطعمة شيئا كثيرا وحفظه. وضبطه ضبطا تاما. فلما دخلت السنون المجدبة والجذب حتى وصل الى فلسطين التي يقيم فيها يعقوب وبنوه. فارسل يعقوب بنيه لاجل الميرة الى مصر. وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون. اي لم يعرفوه. ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني لكم من ابيكم الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين. ولما جهزهم جهازهم اي كان لهم كما كان يكيل لغيرهم. وكان من تدبيره الحسن انه لا يكيل لكل واحد اكثر من حمل بعير. وكان قد سألهم عن حالهم فاخبروه ان لهم اخا عند ابيه. وهو بنيامين. فقال لهم ائتوني باخ لكم من ابيكم. ثم رغبهم في الاتيان به فقال الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين في الضيافة والاكرام. ثم رهبهم بعدم الاتيان به فقال فان لم تأتوني به فلا كين لكم عندي ولا تقربون. وذلك لعلمه باضطرارهم الى الاتيان اليه وان ذلك يحملهم على الاتيان به. فقالوا سنراود عنه دل هذا على ان يعقوب عليه السلام كان مولعا به لا يصبر عنه. وكان يتسلى به بعد يوسف. فلذلك احتاج الى مراودة في بعثه معهم وانا لفاعلون لما امرتنا به. وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفون هنا اذا انقلبوا الى اهلهم لعلهم يرجعون. وقال يوسف لفتيانه الذين في خدمته اجعلوا طاعتهم اي الثمن الذي اشتروا به من الميرة في رحالهم لعلهم يعرفونها. اي بضاعتهم اذا رأوها بعد ذلك في رحالهم فلما رجعوا الى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا نكت فلما رجعوا الى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل. اي ان لم ترسل معنا اخانا هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل؟ اي تقدم منكم التزام اكثر من هذا في حفظ يوسف ومع هذا لم بما عقدتم من التأكيد فلا اثق بالتزامكم وحفظكم. وانما اثق بالله تعالى فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين اي يعلم حالي وارجو ان يرحمني فيحفظه ويرده علي. وكأنه في هذا الكلام قد لان لارساله معهم. ثم انهم لما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم. ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم قالوا يا ابانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونمير اهلنا ونحفظ اخاك هذا دليل على انه قد كان معلوما عندهم ان يوسف قد عليهم بالقصد. وانه اراد ان يملكهم اياها. فقالوا لابيهم ترغيبا في ارسال اخيهم معهم. يا ابانا ما نبغي اي شيء نطلب بعد هذا الاكرام الجميل. حيث وفى لنا الكيل ورد علينا بضاعتنا على الوجه الحسن. المتضمن للاخلاص ومكاره الاخلاق هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا. اي اذا ذهبنا باخينا صار سببا لكيله لنا. فمرنا اهلنا اتينا لهم بما هم مضطرون اليه من القوت. ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير بارساله معنا. فانه يكيل لكل واحد حمل بعير ذلك كيل يسير. اي سهل لا ينالك ضرر لان المدة لا تطول. والمصلحة قد تبينت. فقال لهم يعقوب قال ما اتوه موسقهم قال الله على ما نقول وكيل. لن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله اي عهدا ثقيلا وتحلفون بالله لتأتنني به الا ان يحاط بكم. اي الا ان يأتيكم امر لا قبل لكم به. ولا دفعة فلما اتوه موثقهم على ما قال واراد قال الله على ما نقول وكيل. اي تكفينا شهادته علينا وحفظه كفائته. ثم لما ارسله معهم وصاهم اذا هم قدموا مصر. وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد توكلت عليه فليتوكل المتوكلون. الا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وذلك انه خاف عليهم العين لكثرتهم وبهاء منظرهم لكونهم ابناء رجل واحد وهذا سبب والا فما اغني من الله من شيء. فالمقدر لابد ان يكون ان الحكم الا لله اي القضاء قضاؤه. والامر امره فما قضاه وحكم به لابد ان يقع عليه توكلت اي اعتمدت على الله لا على ما وصيتكم به من السبب. وعليه فليتوكلي المتوكلون ان بالتوكل يحصل كل مطلوب ويندفع كل مرهوب. ولما دخلوا من حيث امرهم ابوهم ما كان يغنيهم ما علمناه ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ولما ذهبوا ودخلوا من حيث امر وهم ابوهم ما كان ذلك الفعل يغني عنه من الله من شيء. الا حاجة في نفس يعقوب قضاها. وهو موجب الشفقة والمحبة الاولاد فحصل لهم في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره. وليس هذا قصورا في علمه فانه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين ولهذا قال عنه وانه لذو علم اي لصاحب علم عظيم لما علمناه اي لتعليمنا اياه لا وقوته ادركه. بل بفضل الله وتعليمه. ولكن اكثر الناس لا يعلمون عواقب الامور ودقائق الاشياء. وكذلك اهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم واحكامه ولوازمه شيء كثير اي لما دخل اخوة يوسف على يوسف اوى اليه اخاه اي شقيقه وهو بنيامين. الذي امرهم بالاتيان به. وضمهم اليه واختصه من بين اخوته. واخبره بحقيقة الحال. وقال اني انا اخوك فلا تبتأس. اي لا تحزن بما كانوا يعملون فلما جهزهم بجهازهم اي كان لكل واحد من اخوته ومن جملتهم اخوه هذا على السقاية وهو الاناء الذي يشرب به ويكال فيه في رحل اخيه. ثم اوعوا متاعهم. فلما انطلقوا ذاهبين اذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون. ولعل هذا المؤذن لم يعلم بحقيقة الحال قالوا اي اخوة يوسف واقبلوا عليهم لابعاد التهمة فان السارق ليس له هم الا البعد والانطلاق عمن سرق منه لتسلم لهم سرقته وهؤلاء جاءوا مقبلين اليهم ليس لهم هم الا ازالة التهمة التي رموا بها عنهم. فقالوا في هذه الحال ماذا تفقدون؟ ولم يقولوا ما الذي سرقنا لجزمهم بانهم براء من السرقة؟ قالوا نفقد صواع الملك ولمن قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير اجرة له على وجدانه وانا به زعيم اي كفيل. وهذا يقوله المؤذن المتفقد مما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض بجميع انواع المعاصي وما كنا سارقين فان السرقة من اكبر انواع الفساد في الارض وانما اقسموا على علمهم انهم ليسوا مفسدين ولا سارقين لانهم عرفوا انهم سبروا من احوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم. وان هذا الامر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم. وهذا ابلغ في نفي التهمة من ان لو قالوا تالله لم نفسد في الارض ولم نسرق قالوا فما جزاؤه؟ اي جزاء هذا الفعل ان كنتم كاذبين بان كان معكم كذلك نجزي الظالمين. قالوا جزاؤهم من وجد في رحله فهو اي الموجود في رحله جزاؤه. بان يتملكه صاحب السرقة. وكان هذا في دينهم ان السارق اذا ثبتت عليه السرقة كان ملكا لصاحب المال المسروق. ولهذا قالوا كذلك نجزي الظالمين كذلك يوسف ما كان ليحصد اخاه في دين الملك الا ان يشاء الله. نرفع فبدأ المفتش فبدأ المفتش قبل وعاء اخيه وذلك لتزول الريبة التي يظن انها فعلت بالقصد. فلما لم يجد في اوعيتهم شيئا استخرجها من وعاء اخيه ولم يقل وجدها او سرقها اخوه مراعاة للحقيقة الواقعة. فحينئذ تم ليوسف ما اراد من بقاءه اخيه عنده على وجه لا يشعر به اخوته. قال تعالى كذلك كدنا ليوسف ان يسرنا له هذا الكيد الذي توصل به الى امر غيره في مذموم ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك لانه ليس من دينه ان يتملك السارق. وانما له عندهم جزاء اخر. فلو ردت الحكومة الى دين الملك لم يتمكن يوسف من ابقاء اخيه عنده. ولكنه جعل الحكم منهم ليتم له ما اراد. قال تعالى ارفع درجات من نشاء بالعلم النافع ومعرفة الطرق الموصلة الى مقصدها. كما رفعنا درجات يوسف وفوق كل ذي علم عليم كل عالم فوقه من هو اعلم منه حتى ينتهي العلم الى عالم الغيب والشهادة. فلما رأى اخوة يوسف ما رأوا هم شر مكانهم والله اعلم بما تصفون. قالوا ان يسرق هذا الاخ فليس غريبا منه فقد سرق اخ له من قبل يعنون يوسف عليه السلام ومقصودهم تبرئة انفسهم وان هذا واخاه قد يصدر منهما ما يصدر من السرقة وهما ليسا شقيقين لنا. وفي هذا من الغض عليهما ما فيه. ولهذا اسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم. اي لم يقابلها على ما قالوه بما يكرهون. بل كظم الغيظ واسر الامر في نفسه. وقال في نفسه انتم شر مكانا حيث ذممتمونا بما انتم على اشر منه والله اعلم بما تصفون منا من وصفنا بالسرقة يعلم الله انا براء منها ثم سلكوا معه مسلك لعله يسمح لهم باخيهم فقل احدنا مكانه انا نراك من المحسنين فقالوا يا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا اي وانه لا يصبر عنه وسيشق عليه فراقه. فخذ احدنا مكانه. انا نراك من المحسنين. فاحسن الينا والى ابينا بذلك فقال يوسف معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. اي هذا ظلم من لو اخذنا البريء بذنب من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق كل هذا تحرز من الكذب. انا اذا اي ان اخذنا غير وجد في رحله لظالمون. حيث وضعنا العقوبة في غير موضعها قال كبيرهم الم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موسقا من الله اي فلما استيأس اخوة يوسف من يوسف ان يسمح لهم باخيهم خلصوا نجيا اي اجتمعوا وحدهم ليس معهم غير وجعلوا يتناجون فيما بينهم. فقال كبيرهم الم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله في حفظه. وانكم تأتون به الا ان يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف فاجتمع عليكم الامران تفريطكم في يوسف السابق وعدم اتيانكم باخيه بالله فليس لي وجه اواجه به ابي فلن ابرح الارض اي ساقيم في هذه الارض ولا ازال بها حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي ان يقدروا لي المجيء وحدي او مع اخي وهو خير الحاكمين. ثم وصاهم بما يقولون لابيهم. فقال وما شهدنا الا بما علمنا ما كنا للغيم حافظين. ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق. اي واخذ طريقته ولم يحصل لنا ان نأتيك به مع ما بذلنا من الجهد في ذلك. والحال ان ما شهدنا بشيء لم نعلمه. وانما شهدنا بما علمنا لاننا رأينا الصواع استخرج من رحله. وما كنا للغيب حافظين. اي لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا. ولم ما اعطيناك عهودنا ومواثيقنا فلم نظن ان الامر سيبلغ ما بلغ التي اقبلنا فيها وانا لصادقون واسأل ان شككت في قولنا القرية التي كنا فيها والعيرة التي اقبلنا فيها فقد اطلعوا على ما اخبرناك به. وانا لصادقون لم نكذب ولم نغير ولم نبدل. بل هذا الواقع فلما رجعوا الى ابيهم واخبروه بهذا الخبر اشتد حزنه وتضاعف كمده. واتهمهم ايضا في هذه القضية. كما اتهمهم في الاولى قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبرا جميل. فصبر بهم جميعا انه هو العليم الحكيم عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم وقال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل. اي الجأ في ذلك الى الصبر الجميل. الذي لا يصحبه تسخط ولا جزع لا شكوى للخلق ثم لجأ الى حصول الفرج لما رأى ان الامر اشتد. والكربة انتهت فقال عسى الله ان يأتيني بهم جميعا اي يوسف وبنيامين واخوهم الكبير الذي اقام في مصر. انه هو العليم الذي يعلم حالي. واحتياجي الى تفريجه ومنته واضطراري الى احسانه. الحكيم الذي جعل لكل شيء قدرا. ولكل امر منتهى بحسب ما اقتضته حكمته الربانية وتولى عنهم وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عيناك اي وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام اولاده بعدما اخبروه هذا الخبر واشتد به الاسى والاسى وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه والكمد الذي اوجب له كثرة البكاء حتى ابيضت عيناه من ذلك. فهو كظيم. اي ممتلئ القلب من الحزن الشديد. وقال يا اسفا على يوسف اي ظهر منهما كمل من الهم القديم والشوق المقيم. وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للاولى المصيبة الاولى. فقال له اولاده متعجبين من قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا حتى تكون حرضا تالله تفتأ تذكر يوسف اي لا تزال تذكر يوسف في جميع احوالك اي تزال تذكر يوسف في جميع احوالك حتى تكون حرضا اي فانيا لا حراك فيك ولا قدرة على الكلام. او تكون من الهالكين اي لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره ابدا. قال يعقوب واعلم من الله ما اتعلمون انما اشكو بثي اي ما ابث من الكلام وحزني الذي في قلبي الى الله وحده لا اليكم ولا الى غيركم من الخلق. فقولوا ما شئتم واعلم من الله ما لا تعلمون. من انه سيردهم علي ويقر عيني بهم تحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا قوم الكافرون اي قال يعقوب عليه السلام لبنيه يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما ولا تيأسوا من روح الله فان الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه والاياس يوجب له التثاقل والتباطؤ واولى ما رجا العباد فضل الله واحسانه ورحمته وروحه. انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون فانهم لكفرهم يستبعدون رحمته. ورحمته بعيدة منهم. فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على انه بحسب ايمان العبد يكون رجل جاءه لرحمة الله وروحه فذهبوا فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز مسنا فلما دخلوا عليه اي على يوسف قالوا متضرعين اليه يا ايها العزيز انا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة. فاوف لنا الكيل وتصدق علينا. اي قد اضطررنا نحن واهلنا. وجئنا ببضاعة فلما دخلوا على يوسف اوى اليه ابويه وقال ادخلوا مصر ان شاء الله امنين اي فلما تجهز يعقوب واولاده واهلهم اجمعون. وارتحلوا من بلادهم قاصدين الوصول الى يوسف في مصر وسكناها. فلما اي مدفوعة مرغوب عنها لقلتها. وعدم وقوعها الموقع. فاوف لنا الكيل اي مع عدم وفاء العرض. وتصدق علينا بالزيادة عن الواجب ان الله يجزي المتصدقين بثواب الدنيا والاخرة. فلما انتهى الامر وبلغ اشده رق لهم يوسف رقة شديدة وعرفهم بنفسه وعاتبهم اما يوسف فظاهر فعلهم فيه. واما اخوه فلعله والله اعلم قولهم ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل او ان الحادث الذي فرق بينه وبين ابيه هم السبب فيه والاصل الموجب له. اذ انتم جاهلون وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم او توبيخ لهم اذ فعلوا فعل الجاهلين. مع انه لا ينبغي ولا يليق منهم. فعرفوا ان الذي خاطبهم هو يوسف فقالوا ان الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجرا ائنك لانت يوسف قال انا يوسف وهذا اخي. قد من الله علينا بالايمان والتقوى والتمكين في الدنيا وذلك بسبب الصبر والتقوى. انه من يتق ويصبر. ان يتقي فعل ما حرم الله ويصبر على الالام والمصائب. وعلى الاوامر امتثالها فان الله لا يضيع اجر المحسنين. فان هذا من الاحسان. والله لا يضيع اجر من احسن عملا والله لقد اثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قالوا تالله لقد اثرك الله علينا. اي فضلك علينا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. واسأنا اليك غاية الاساءة. وحرصنا على ايصال الاذى اليك والتبعيد لك عن ابيك. فاثرك الله تعالى ومكنك مما تريد. وان كنا لخاطئين. وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف. فقال لهم يوسف عليه السلام كرما وجودا. قال لا تثريب عليكم اليوم ثم يغفر الله لكم. قال لا تسريب عليكم اليوم يغفر الله لكم. اليوم يقول الله لكم وهو ارحم الراحمين. قال لا تسريب عليكم اليوم وهو ارحم الراحمين. اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. لا تثريب عليكم اليوم اي لا اثرب عليكم ولا الومكم. يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين. فسمح لهم سماحا تاما من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق. ودعا لهم بالمغفرة والرحمة وهذا نهاية الاحسان الذي لا يتأتى الا من خواص الخلق وخيار المصطفين الا وجه ابي يأتي بصيرا. واتوني باهلكم اجمعين. اي قال يوسف عليه السلام اخوتي اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي يأتي بصيرا. لان كل داء يداوى بضده. فهذا القميص لما كان فيه اثر يوسف الذي اودع قلب ابيه من الحزن والشوق ما الله به عليم. اراد ان يشمه فترجع اليه روحه. وتتراجع اليه نفسه ويرجع اليه بصره. ولله في ذلك حكم واسرار. لا يطلع عليها العباد. وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الامر. واتوني اجمعين اي اولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم. ليحصل تمام اللقاء ويزول عنكم نكد المعيشة وضنك الرزق قال ابوهم اني لاجد ريح يوسف لولا ان تفندوا ولما فصلت العير عن ارض مصر مقبلة الى ارض فلسطين شم يعقوب ريح القميص فقال اني لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون اي تسخرون مني وتزعمون ان هذا الكلام صدر مني من غير شعور. لانه رأى منهم من التعجب من حاله ما اوجب له هذا القول فوقع ما ظنه بهم فقالوا تالله انك تالله انك لفي ضلالك القديم. اي لا تزال تائها في بحر الحب. لا تدري ما تقول البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا. قال الم اقل لكم مني اعلم من الله ما لا تعلمون. فلما ان جاء البشير بقرب الاجتماع بيوسف واخوته وابيهم اي القميص على وجهه فارتد بصيرا. اي رجع على حاله الاولى بصيرا. بعد ان ابيضت عيناه من الحزن. فقال لمن من اولاده واهله الذين كانوا يفندون رأيه ويتعجبون منه. منتصرا عليهم متبجحا بنعمة الله عليهم. الم اقل لكم اني اعلم من الله ما لا تعلمون. حيث كنت مترجيا للقاء يوسف مترقبا لزوال الهم والغم والحزن. فاقروا بذنبهم نجعوا بذلك وقالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين. يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا. انا كنا خاطئين حيث فعلنا معك ما فعلنا فقال مجيبا لطلبتهم وسرعا لاجابتهم انه هو الغفور الرحيم. اي رجاء به ان يغفر لكم ويرحمكم. ويتغمدكم رحمته وقد قيل انه اخر الاستغفار لهم الى وقت السحر الفاضل ليكون اتم للاستغفار واقرب للاجابة اليه ودخلوا على يوسف اوى اليه ابويه اي ضمهما اليه واختصهما بقربه وابدى لهما من البر والاكرام والتبجيل والاعظام شيئا عظيما. وقال لجميع اهله ادخلوا مصر ان شاء الله امنين من جميع المكاره والمخاوف. فدخلوا في هذه الحارس سارة وزال عنهم النصب ونكد المعيشة وحصل السرور والبهجة. ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا اه انه هو ان ربي لطيف لما انه هو العليم الحكيم. ورفع ابويه على العرش اي على سرير الملك ومجلس العزيز. وخروا له يزال شرهم وعصيانهم اليه صاعدا. يعصونه فيدعوهم الى بابه. ويجرمون فلا يحرمهم خيره واحسانه. فان تابوا اليه فهو حبيبهم لانه يحب التوابين ويحب المتطهرين. وان لم يتوبوا فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم سجدا اي ابوه وامه واخوته سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والاكرام. وقال لما رأى هذه الحال ورأى سجودهم له يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل. حين رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين. فهذا وقوعها الذي الت اليه ووصلت قد جعلها ربي حقا. فلم يجعلها اضغاث احلام. وقد احسن بي احسانا جسيما. اذ اخرجني من السجن. وجاء بكم من البدو وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام. حيث ذكر حاله في السجن ولم يذكر حاله في الجب. لتمام عفوه عن اخوته وانه لا يذكر ذلك الذنب. وان اتيانكم من البادية من احسان الله الي. فلم يقل جاء بكم من الجوع والنصب. ولا قال احسن بكم بل قال احسن بي جعل الاحسان عائدا اليه. فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده. ويهب لهم من لدنهم رحمة انه هو الوهاب. من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي فلم يقل نزغ الشيطان اخوتي بل كأن الذنب جهل صدر من الطرفين. فالحمد لله الذي اخز الشيطان ودحره. وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة. ان ربي لطيف لما يشاء يوصل بره واحسانه الى العبد من حيث لا يشعر. ويوصله الى المنازل الرفيعة من امور يكرهها. انه هو العليم الذي يعلم ظواهر الامور وبواطنها وسرائر العباد وضمائرهم. الحكيم في وضعه الاشياء مواضعها. وسوقه الامور الى اوقاتها المقدرة لها مسلما والحقني بالصالحين لما اتم الله ليوسف ما اتم من التمكين في الارض واقر عينه بابويه واخوته. وبعد العلم العظيم الذي اعطاه الله اياه. قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها. داعيا بالثبات على الاسلام رب قد اتيتني من الملك وذلك انه كان على خزائن الارض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك. وعلمتني بتأويل الاحاديث اي من تأويل احاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم. فاطر السماوات والارض. انت وليي في والاخرة توفني مسلما. اي ادم علي الاسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه. ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت الحقني بالصالحين من الانبياء الابرار والاصفياء الاخيار. ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله ذلك الانباء الذي اخبرناك به من انباء الغيب الذي لولا ايحاؤنا اليك لما وصل اليك هذا الخبر الجليل فانك لم تكن حاضرا لديهم. اذ اجمعوا امرهم اي اخوة يوسف وهم يمكرون به حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين ابيه. في حالة لا يطلع عليها الا الله تعالى. ولا يمكن احدا ان يصل الى علمها الا بتعليم الله له اياها. كما قال تعالى لما قص قصة موسى وما جرى له ذكر الحال التي لا سبيل للخلق الى علمها الا بوحيه. وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر. وما كنت من الشاهدين الايات. فهذا ادل دليل على ان ما جاء به رسول الله حقا وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما اكثر الناس ولو حرصت على ايمانهم بمؤمنين. فان مداركهم ومقاصدهم قد اصبحت فاسدة. فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم ولو عدمت الموانع ان كانوا يعلمونهم ويدعونهم الى ما فيه الخير لهم. ودفع الشر عنهم من غير اجر ولا عوض. ولو اقاموا لهم من الشواهد والايات الدالات على صدقهم ما اقاموا. ولهذا قال ان هو الا ذكر للعالمين يتذكرون به ما ينفعهم ليفعلوه. وما يضرهم ليتركوه وهم عنها معرضون. وكأي وكم من اية في السماوات والارض يمرون عليها دالة لهم على توحيد الله وهم عنها معرضون. ومع هذا ان وجد منه بعض الايمان. فلا يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون. فهم وان اقروا بربوبية الله تعالى وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. فانهم يشركون في الوهية الله وتوحيده. فهؤلاء الذين وصلوا الى هذه الحال لم يبقى عليهم الا ان يحل بهم العذاب. ويفجأهم العقاب وهم امنون ولهذا قال افأمنوا اي الفاعلون لتلك الافعال المعرضون عن ايات الله ان تأتيهم غاشية من عذاب الله اي عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم او تأتيهم الساعة بغتة. اي فجأة وهم لا يشعرون. اي فانهم قد استوجبوا لذلك. فليتوبوا الى الله ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل للناس هذه في سبيل اي طريقي التي ادعو اليها وهي السبيل الموصلة الى الله والى دار كرامته. المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وايثاره واخلاص الدين لله وحده لا شريك له. ادعو الى الله اي احث الخلق والعباد الى الوصول الى ربهم. وارغبهم في ذلك مما يبعدهم عنه. ومع هذا فانا على بصيرة من ديني. اي على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية. وكذلك من اتبع يعني يدعو الى الله كما ادعو على بصيرة من امره. وسبحان الله عما نسب اليه مما لا يليق بجلاله. او ينافي جماله وما انا من المشركين في جميع اموري بل اعبد الله مخلصا له الدين. ثم قال تعالى افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف افلا وما ارسلنا من قبلك الا رجالا. اي لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من اصناف الخلق. فلاي شيء يستغرب قومك رسالتك ويزعمون انه ليس لك فضل عليهم فلك في من قبلك من المرسلين اسوة حسنة. نوحي اليهم من اهل القرى اي لا من بل من اهل القرى الذين هم اكمل عقولا واصح اراء وليتبين امرهم ويتضح شأنهم. افلم يسيروا وفي الارض اذا لم يصدقوا لقولك فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟ كيف اهلكهم الله بتكذيبهم؟ فاحذروا ان تقيموا على ما اقاموا وعليه فيصيبكم ما اصابهم. ولدار الاخرة اي الجنة وما فيها من النعيم المقيم. خير للذين اتقوا الله في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. فان نعيم الدنيا منغص منكد منقطع. ونعيم الاخرة تام كامل. لا يفنى ابدا بل هو على الدوام في تزايد وتواصل. عطاء غير مجذوذ افلا تعقلون؟ اي افلا تكون لكم عقول تؤثر الذي هو خير على الادنى جاءهم نصر عن القوم المجرمين. يخبر الا انه يرسل الرسل الكرام فيكذبهم القوم المجرمون اللئام. وان الله تعالى يمهلهم ليرجعوا الى الحق. ولا يزال الله يمهلهم حتى انه تصل الحال الى غاية الشدة منهم على الرسل. حتى ان الرسل على كمال يقينهم وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده. ربما انه يخطر بقلوبهم نوع من الاياس ونوع من ضعف العلم والتصديق. فاذا بلغ الامر هذه الحال جاءهم نصرنا فنجي من نشاء وهم الرسل واتباعهم. ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. اي ولا يرد عذابنا عمن اجترم وتجرأ على الله. فما لهم من من قوة ولا ناصر. لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب وتفصيل كل شيء لقد كان في قصصهم اي قصص الانبياء والرسل مع قومهم عبرة لاولي الالباب. اي يعتبرون بها اهل الخير واهل الشر. وان من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة او اهانة ويعتبرون بها ايضا ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة. وانه الله الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا له وقوله ما كان حديثا يفترى اي ما كان هذا القرآن الذي قص الله به عليكم من انباء الغيب ما قص من الاحاديث المفترات المختلقة ولكن كان تصديق الذي بين يديه من الكتب السابقة يوافقها ويشهد لها بالصحة وتفصيل كل شيء ان يحتاج اليه العباد من اصول الدين وفروعه. ومن الادلة والبراهين. وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. فانهم بسبب ما يحصل لهم به من العلم بالحق وايثاره يحصل لهم الهدى وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والاجل. تحصل لهم الرحمة. فصل في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة. التي قال الله في اولها نحن نقص عليك احسن القصص. وقال لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب. غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد فمن ذلك ان هذه القصة من احسن القصص واوضحها وابينها لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز ومن رق الى ملك ومن فرقة وشتات الى اجتماع وائتلاف. ومن حزن الى ومن رخاء الى جد ومن جذب الى رخاء ومن ضيق الى سعة ومن انكار الى اقرار. فتبارك من قصها فاحسنها ووضحها او بينها ومنها ان فيها اصلا لتعبير الرؤيا. وان علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة. فان رؤيا يوسف التي رأى ان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا له ساجدين. وجه المناسبة في ان هذه الانوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها. فكذلك الانبياء والعلماء زينة للارض وجمال. وبهم يهتدى في الظلمات كما يفتدى بهذه الانوار. ولان الاصل ابوه وامه واخوته هم الفرع. فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما. لما وفرع عنه. فلذلك كانت الشمس امة والقمر اباه. والكواكب اخوته. ومن المناسبة ان الشمس لفظ مؤنث. فلذلك كانت امة والقمر والكواكب مذكرات. فكانت لابيه واخوته. ومن المناسبة ان الساجد معظم محترم للمسجود له. والمسجود له معظم فلذلك دل ذلك على ان يوسف يكون معظما محترما عند ابويه واخوته. ومن لازم ذلك ان يكون مجتبا مفضلا في العلم والفضائل لذلك ولذلك قال ابوه وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ومن المناسبة في رؤيا الفتيين انه اول رؤيا الذي رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعصر في العادة يكون خادما لغيره. والعصر يقصد لغيره. فلذلك اوله بما يؤول اليه انه يسقي ربه وذلك متضمن لخروجه من السجن. واول الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه. بان جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ انه هو الذي يحمله. وانه سيبرز للطيور بمحل تتمكن من الاكل من رأسه. فرأى من حاله انه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه. وذلك لا يكون الا بالصلب بعد القتل. واول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المحصبة والسنين المجذبة ووجه المناسبة ان الملك به ترتبط احوال الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساده وكذلك السنون بها صلاح احوال الرعية. واستقامة امر المعاش او عدمه. واما البقر فانها تحرث الارض عليها. ويستقبل عليها الماء واذا اخصبت السنة سمنت واذا اجدبت صارت عجافا وكذلك السنابل في الخصم. تكثر وتخضر وفي الجذب تقل وتيبس وهي افضل غلال الارض. ومنها ما فيها من الادلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قص على قومه هذه القصة الطويلة وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا. يراه قومه بين اظهرهم صباحا ومساء. وهو امي لا يخط ولا يقرأ وهي موافقة لما في الكتب السابقة وما كان لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي البعد عن اسباب الشر وكتمان ما تخشى مضرته لقول يعقوب ليوسف يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومنها انه يجوز ذكر الانسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به من اهل بيته واقاربه واصحابه. وانه ربما شملتهم وحصل لهم ما حصل له بسببه. كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. ولما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين في الارض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف. ومنها ان العدل مطلوب في كل الامور. لا في معاملة السلطان رعيته فيما دونه حتى في معاملة الوالد لاولاده في المحبة والايثار وغيره. وان في الاخلال بذلك يختل عليه الامر وتفسد الاحوال ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة واثره على اخوته جرى منهم ما جرى على انفسهم وعلى ابيهم واخيهم. ومنها حذروا من شؤم الذنوب وان الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة. ولا يتم لفاعله الا بعدة جرائم. فاخوة يوسف لما ارادوا التفريق بينهم وبين ابيه احتالوا لذلك بانواع من الحيل. وكذبوا عدة مرات وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه. وفي اتيانهم عشاء يبكون ولا تستبعد انه قد كثر البحث فيها في تلك المدة. بل لعل ذلك اتصل الى ان اجتمعوا بيوسف. وكلما صار البحث حصل من الاخبار بالكذب ولهذا سمى الله هذا الحاكم شاهدا. فقال وشهد شاهد من اهلها. ومنها ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن فان جماله الظاهر اوجب للمرأة التي هو في بيتها ما اوجب. وللنساء اللاتي جمعتهن حين لونها على ذلك ان قطعن ايديهن. وقلن لافتراء ما حصل وهذا شؤم الذنب واثاره التابعة والسابقة واللاحقة. ومنها ان العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص في البداية فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر مما هو اكبر اسباب النقص واللوم. ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح اخي التامي من يوسف ومن ابيهم. والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. واذا سمح العبد عن حقه فالله خير الراحمين. ولهذا في اصح الاقوال انهم كانوا انبياء لقوله تعالى واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر ومما يدل على ذلك ان في رؤيا يوسف انه رآهم كواكب نيرة والكواكب فيها النور والهداية. الذي من صفات الانبياء فان لم يكونوا انبياء فانهم علماء هداة. ومنها ما من الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم. ومكارم الاخلاق والدعوة الى الله والى دينه. وعفوه عن اخوانه الخاطئين عفوا بادرهم به. وتمم ذلك بانه لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به ثم بره العظيم بابويه واحسانه لاخوته. بل لعموم الخلق. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض. وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما. فان اخوة يوسف لما اتفقوا على قتل يوسف او القائه ارضا. وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب. كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته الاثم الكبير. ومنها ان الشيء اذا تداولته وصار من جملة الاموال. ولم يعلم انه كان على غير وجه الشرع انه لا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال فان يوسف عليه السلام باعه اخوته بيعا حراما لا يجوز ثم ذهبت به السيارة الى مصر فباعوه بها وبقي عند سيده غلاما الرقيق وسماه الله شراء. وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة والحذر ايضا من المحبة التي يخشى ضررها فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف وحبها الشديد له الذي مات تركها حتى راودته تلك المراودة. ثم كذبت عليه فسجن بسببها مدة طويلة. ومنها ان الهم الذي هم به يوسف بالمرأة. ثم فتركه لله مما يقربه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء. وهو طبيعة لاغلب الخلق. فلما قابل بينه وبين ان محبة الله وخشيته غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن السبعة حين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله. احدهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال اني اخاف الله وانما الهم الذي يلام عليه العبد الهم الذي يساكنه ويصير عزما. ربما اقترن به الفعل. ومنها ان من دخل الايمان قلبه وكان مخلصا لله في جميع اموره فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه وصدق اخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي ما هو جزاء واخلاصه لقوله وهم بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين على قراءة من قرأها بكسر اللام. ومن قرأها بالفتح فانه من اخلاص الله اياه. وهو متضمن لاخلاصه هو بنفسه. فلما اخلص عمله لله اخلصه الله وخلصه من السوء والفحشاء. ومنها انه ينبغي للعبد اذا رأى محلا فيه فتنة واسباب معصية. ان فر منه ويهرب غاية ما يمكنه. ليتمكن من التخلص من المعصية. لان يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربا يطلب الباب ليتخلص من شرها ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه. فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من اواني الدار فما يصلح رجل فانه للرجل وما يصلح للمرأة فهو لها اذا لم يكن بينة. وكذا لو تنازع نجار وحداد في الة حرفتهما من غير بينة والعمل بالقافة في الاشباه والاثر من هذا الباب. فان شاهد يوسف شهد بالقرينة وحكم بها في قد القميص. واستدل بقده من دبره على يوسف وكذبها ومما يدل على هذه القاعدة انه استدل بوجود الصواع في رحل اخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بينة شهادة ولا اقرار فعلى هذا اذا وجد المسروق في يد السارق خصوصا اذا كان معروفا بالسرقة فانه يحكم عليه بالسرقة وهذا ابلغ من الشهادة وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر او وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد حاملا فانه يقام بذلك الحد ما لم يقم مانع منه ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم. واما جماله الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية. مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها شهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته. ولهذا قالت امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. وقالت النسوة حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية فهكذا ينبغي للعبد اذا ابتلي بين امرين اما فعل معصية واما عقوبة دنيوية ويأتيه الموت من كل مكان. ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. ان يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من انواع العذاب. وكل نوع منه من شدته يبلغ الى الموت. ولكن الله ان يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والاخرة. ولهذا من علامات الايمان ان يكره العبد ان عود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلتجأ الى الله ويحتمي بحماه عند لوجود اسباب المعصية ويتبرأ من حوله وقوته. لقول يوسف عليه السلام والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين ومنها ان العلم والعقل يدعوان صاحبهما الى الخير. وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى موافقة هوى النفس. وان كان معصية ضارا لصاحبه. ومنها انه كما على العبد عبودية لله في الرخاء. فعليه عبودية في الشدة. فيوسف عليه السلام ولم يزل يدعو الى الله فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك. ومن فطنته عليه السلام انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حيث ظن فيه الظن الحسن وقال له انا نراك من المحسنين واتياه لان يعبر لهما رؤياهما فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده رأى ذلك فرصة فانتهزها فدعاهما الى الله تعالى قبل ان يعبر رؤياهما ليكون انجح لمقصوده لحصول مطلوبه. وبين لهما اولا ان الذي اوصله الى الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم. ايمانه وتوحيده وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الاخر. وهذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال وبين فساد الشرك وبرهن عليه. وحقيقة التوحيد وبرهن عليه ومنها انه يبدأ بالاهم فالاهم وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله. فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته. وحسن ارشاده وتعليمه. فان يوسف لما سأله الفتيان عن قدم لهما قبل تعبيرهما دعوتهما الى الله وحده لا شريك له. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة لا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه او الاخبار بحاله وان هذا لا يكون شكوى للمخلوق فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض. ولهذا قال قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين اذكرني عند ربك. ومنها انه ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الاخلاص التام في تعليمه والا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة احد في مال او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم او لا ينصح فيه اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم فان يوسف عليه السلام قد قال ووصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنكه يوسف ولا وبخه لتركه ذكره بل اجابه عن سؤاله بوابا تاما من كل وجه. ومنها انه ينبغي للمسؤول ان يدل السائل على امر ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها ما في دينه ودنياه فان هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن ارشاده. فان يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك. بل دلهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع وكثرة جبايته. ومنها انه لا يلام الانسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه وطلب البراءة لها بل يحمد على ذلك كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم برائته بحال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ومنها فضيلة العلم علم الاحكام والشرع وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية وانه افضل من الصورة الظاهرة ولو بلغت في الحسن مال يوسف فان يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن. وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الارض. فان كل خير عرض عليهم الهدى فلم يهتدوا. فقلبت قلوبهم وافئدتهم عقوبة على انهم لم يؤمنوا به اول مرة لا يخرجون منه ابدا يخبر تعالى عن جهل المكذبين لرسوله المشركين به الذين وعظوا فلم في الدنيا والاخرة من اثار العلم وموجباته. ومنها ان علم التعبير من العلوم الشرعية وانه يثاب الانسان على تعلمه وتعليمه وان تعبير المرائي داخل في الفتوى لقوله للفتيين قضي الامر الذي فيه تستفتيان. وقال الملك افتوني في رؤياي. وقال ليوسف افتنا في سبع بقرات فلا يجوز الاقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم او عمل اذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء وسلم من الكذب لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني عليم وكذلك لا تذم الولاية. اذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده. وانه لا بأس بطلبها اذا كان اعظم كفاءة من غيره. وانما الذي يذم اذا لم يكن فيه كفاية او كان موجودا غيره مثله او اعلى منه او لم يرد بها اقامة امر الله فبهذه الامور ينهى عن طلبها والتعرض لها. ومنها ان الله واسع الجود والكرم يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة وان خير الاخرة له سببان. الايمان والتقوى وانه خير من ثواب الدنيا وملكها. وان العبد ينبغي له ان يدعو نفسه ويشوقها ثواب الله ولا يدعها تحزن اذا رأت اهل الدنيا ولذاتها. وهي غير قادرة عليها بل يسليها بثواب الله الاخروي وفضله العظيم قوله تعالى ولاجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير قرار يلحقهم لا بأس بها. لان يوسف امرهم بجباية الارزاق والاطعمة في السنين المخصبات. للاستعداد للسنين المجدبة. وان هذا غير مناقض للتوكل على الله بل يتوكل العبد على الله ويعمل بالاسباب التي تنفعه في دينه ودنياه. ومنها حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الارض حتى كثرت عندهم الغلات جدا حتى صار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها لعلمهم بوفورها فيها وحتى فانه كان لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل. لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله. ومنها مشروعية الضيافة انها من سنن المرسلين واكرام الضيف لقول يوسف لاخوته الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين؟ ومنها ان سوء الظن وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان يعقوب قال لاولاده بعد ما امتنع من ارسال يوسف معهم. حتى عالجوه اشد ثم قال لهم بعد ما اتوه وزعموا ان الذئب اكله. بل سولت لكم انفسكم امرا. وقال لهم في الاخ الاخر هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل. ثم لما احتبسه يوسف عنده وجاء اخوته لابيهم قال لهم بل سولت لكم انفسكم امرا فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين. فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان قال ما قال. من غير اثم عليه ولا حرج. ومنها استعمال الاسباب الدافعة للعين او غيرها من المكاره. او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع. بل جائز وان كان لا يقع شيء الا بقضاء وقدر فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لامر يعقوب حيث قال لبنيه يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة ومنها جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصدها. مما يحمد عليه العبد وانما الممنوع التحايل على اسقاط واجب او فعل محرم. ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب ان يطلع ان يستعمل المعارض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حيث القى الصواع في رحل اخيه ثم استخرجها منه. موهم من انه سارق وليس فيه الا القرينة المهمة لاخوته. وقال بعد ذلك معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا وكذلك لم يقل انا وجدنا متاعنا عنده. بل اتى بكلام عام يصلح له ولغيره. وليس في ذلك محذور. وانما فيه سهام انه سارق ليحصل المقصود الحاضر. وانه يبقى عند اخيه. وقد زال عن الاخ هذا الايهام بعدما تبينت الحال. ومنها انه لا يجوز للانسان ان يشهد الا بما علمه وتحققه اما بمشاهدة او خبر من يثق به وتطمئن اليه النفس لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة ويحزنه ذلك اشد الحزن. فحصل التفريق بينه وبينهم مدة طويلة لا تقصر عن خمسة عشر سنة ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة. وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر شدة. حين صار الفراق بينه وبين بين ابنه الثاني شقيق يوسف هذا وهو صابر لامر الله محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل. ولا شك انه وفى بما وعد به ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين ومنها ان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا فانه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به الى انهى ما يكون ثم حصل اضطرار لال يعقوب ومسهم الضر اذن الله حينئذ بالفرج. فحصل التلاقي في اشد الاوقات اليه حاجة واضطرارا. فتم بذلك الاجر وحصل السرور وعلم من ذلك ان الله يبتلي اولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم ويزداد بذلك ايمانهم ويقينهم وعرفانهم. ومنها جواز اخبار الانسان بما يجد. وما هو فيه من مرض او فقر ونحوهما. على غير وجه التسخط. لان يوسف قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر. ولم ينكر عليهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر. وان كل خير في الدنيا الاخرة فمن اثار التقوى والصبر وان عاقبة اهلهما احسن العواقب لقوله قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي لمن انعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال. ان يعترف بنعمة الله عليه والا يزال ذاكرا حاله الاولى ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها لقول يوسف عليه السلام وقد احسن بي اذ اخرجني من السر سجن وجاء بكم من البدو ومنها لطف الله العظيم بيوسف حيث نقله في تلك الاحوال واوصل اليه الشدائد والمحن ليصبح بها الى اعلى الغايات ورفيع الدرجات. ومنها انه ينبغي للعبد ان يتملق الى الله دائما في تثبيت ايمانه. ويعمل الاسباب الموجبة لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة. لقول يوسف عليه الصلاة والسلام رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما والحقني بالصالحين. فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة ولابد ان يظهر لمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى علما نافعا وعملا متقبلا. انه جواد كريم بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس يخبر تعالى ان هذا القرآن هو ايات الكتاب الدالة على كل ما يحتاج اليه العباد من اصول الدين ديني وفروعه وان الذي انزل الى الرسول من ربه هو الحق المبين. لان اخباره صدق واوامره ونواهيه عدل بالادلة والبراهين القاطعة. فمن اقبل عليه وعلى علمه كان من اهل العلم بالحق. الذين يوجب لهم علمهم به العمل به بما اوجب الله ولكن اكثر الناس لا يؤمنون بهذا القرآن. اما جهلا واعراضا عنه وعدم اهتمام به. واما عناد وظلما. فلذلك اكثر الناس غير منتفعين به لعدم السبب الموجب للانتفاع الله الذي رفع السماوات بغير عمل ترونها ثم استوى على العرش ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى. يدبر يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة والسلطان. الدال على انه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. فقال الله الذي رفع السماوات على عظمها واتساعها بقدرته العظيمة بغير عمد ترونها. اي ليس لها عمد من تحتها فانه لو كان لها عمد لرأيتموها. ثم بعدما خلق السماوات والارض استوى على العرش العظيم. الذي هو اعلى المخلوقات استواء يليق بجلاله ويناسب كماله. وسخر الشمس والقمر لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم. كل من الشمس والقمر يجري بتدبير العزيز العليم. لاجل مسمى بسير منتظم. لا يفتران ولا ينيان. حتى يجيء المسمى وهو طي الله هذا العالم. ونقلهم الى الدار الاخرة التي هي دار القرار. فعند ذلك يطوي الله السماوات بدلها ويغير الارض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر ويجمع بينهما فيلقيان في النار. ليرى من عبدهما انهما غير اهل للعبادة. فيتحسر بذلك اشد الحسرة. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين. يدبر الامرين يفصل الايات هذا جمع بين الخلق والامر. اي قد استوى الله العظيم على سرير الملك. يدبر الامور في العالم العلوي والسفلي. فيقول ويرزق ويغني ويفقر ويرفع اقواما ويضع اخرين ويعز ويذل ويخفض ويرفع ويقيل العثرات يفرج الكربات وينفذ الاقدار في اوقاتها. التي سبق بها علمه وجرى بها قلمه. ويرسل ملائكته الكرام لتدبيره فيما جعلهم على تدبيره. وينزل الكتب الالهية على رسله. ويبين ما يحتاج اليه العباد من الشرائع والاوامر والنواهي ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وايضاحها وتمييزها لعلكم بسبب ما اخرج لكم من الايات الافقية والايات القرآنية بلقاء ربكم توقنون. فان كثرة الادلة وبيانها ووضوحها من اسباب حصول اليقين في جميع الامور الالهية خصوصا في العقائد الكبار كالبعث النشور والاخراج من القبور. وايضا فقد علم ان الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى ولا يتركهم عبثا. فكما انه ارسل رسله وانزل كتبه لامر العباد ونهيهم فلا بد ان ينقلهم الى دار يحل فيها جزاؤه فيجازي المحسنين باحسن الجزاء ويجازي المسيئين باساءتهم وهو الذي مد الارض اي خلقها للعباد ووسعها وبارك فيها. ومدها للعباد واودع فيها من مصالحهم ما اودع وجعل فيها رواسي اي جبالا عظاما لئلا تميد بالخلق فانه لولا الجبال لمادت باهلها لانها على تيار لا ثبوت لها ولا استقرار الا بالجبال الرواسي التي جعلها الله اوتادا لها. وجعل فيها انهارا تسقي الادميين بهائمهم وحروثهم. فاخرج بها من الاشجار والزروع والثمار. خيرا كثيرا. ولهذا قال اي صنفين مما يحتاج اليه العباد. يغشي الليل النهار فتظلم الافاق فيسكن كل حيوان الى مأواه. ويستريحون من التعب والنصب في النهار. ثم اذا قضوا مأربهم من النوم غشي النهار الليل فاذا هم مصبحون ينتشرون في مصالحهم واعمالهم في النهار. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ابتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ان في ذلك لايات على المطالب الالهية لقوم يتفكرون فيها. وينظرون فيها نظرة اعتبار دالة على ان الذي خلقها ودبرها وصرفها هو الله الذي لا اله الا هو ولا معبود سواه وانه عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم وانه القادر على كل شيء الحكيم في كل شيء. المحمود على ما خلقه وامر به. تبارك وتعالى يسقى بعضها على بعض في الاكل ان في ذلك لايات لقوم يعقلون ومن الايات على كمال قدرته وبديع صنعته. جعل في الارض قطع متجاورات وجنات. فيها انواع الاشجار من اعناب وزرع ونخيل وغير ذلك. والنخيل التي بعضها صنوان اي عدة اشجار في اصل واحد صنوان بان كان كل شجرة على حدتها. والجميع يسقى بماء واحد وارضه واحدة. ونفضل بعضها على بعض في الاكل لونا وطعما ونفعا ولذة. فهذه ارض طيبة تنبت الكلأ والعشب الكثير والاشجار والزروع. وهذه في ارض تلاصقها لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء وهذه تمسك الماء ولا تنبت الكلأ. وهذه تنبت الزرع والاشجار ولا تنبت الكلى وهذه الثمرة حلوة وهذه مرة وهذه بين ذلك. فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها ذلك تقدير العزيز الرحيم اي لقوم لهم عقول تهديهم الى ما ينفعهم. وتقودهم الى ما يرشدون به ويعقلون عن الله وصاياه واوامره ونواهيه. واما اهل الاعراض واهل البلادة فهم في ظلماتهم يعمهون وفي غيهم يترددون لا يهتدون الى ربهم سبيلا ولا يعون لهم قيل اولئك الذين كفروا بربهم واولئك الاغلال في اعناقهم واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون يحتمل ان معناه وان تعجب من عظمة الله تعالى وكثرة ادلة التوحيد فان العجب مع هذا انكار المكذبين بالبعث وقولهم ائذا كنا ترابا ائنا لفي خلق جديد. اي هذا بعيد في غاية الامتناع بزعمهم. انهم بعدما كانوا تراب اراد ان الله يعيدهم فانهم من جهلهم قاسوا قدرة الخالق بقدرة المخلوق. فلما رأوا هذا ممتنعا في قدرة المخلوق ظنوا انه ممتنع على قدرة الخالق. ونسوا ان الله خلقهم اول مرة ولم يكونوا شيئا. ويحتمل ان معناه وان اعجب من قولهم وتكذيبهم للبعث فان ذلك من العجائب. فان الذي توضح له الايات ويرى من الادلة القاطعة على البعث ما لا يقبل الشك ثم ينكر ذلك فان قوله من العجائب. ولكن ذلك لا يستغرب على اولئك الذين كفروا بربهم. وجحدوا وحدانيتهم وهي اظهر الاشياء واجلاها. واولئك الاغلال المانعة لهم من الهدى. في اعناقهم حيث دعوا الى الايمان فلم يؤمنوا اتعظوا واقيمت عليهم الادلة فلم ينقادوا لها. بل جاهروا بالانكار واستدلوا بحلم الله الواحد القهار عنهم. وعدم معادلة بذنوبهم انهم على حق. وجعلوا يتعجلون الرسول بالعذاب. ويقول قائلهم اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك امطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم قالوا انه قد خلت من قبلهم المثلات. اي وقائع الله وايامه في الامم المكذبين. افلا يتفكرون في حالهم ويتركون جهلهم اي لا يزال خيره اليهم واحسانه وبره وعفوه نازلا الى العباد وهم لا من المعايب. قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم على من لم يزل مصرا على الذنوب قد ابتوبة والاستغفار والالتجاء الى العزيز الغفار. فليحذر العباد عقوباته باهل الجرائم ان اخذه اليم شديد يقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه انما ولكل قوم هادئ. اي ويقترح الكفار عليك من الايات التي يعينون ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه ويجعلون هذا القول منهم عذرا لهم في عدم الاجابة الى الرسول. والحال انه منذر ليس له من الامر شيء. والله هو والذي ينزل الايات وقد ايده بالادلة البينات التي لا تخفى على اولي الالباب وبها يهتدي من قصده الحق. واما الكافر الذي من ظلمه وجهله يقترح على الله الايات. هذا اقتراح منه باطل وكذب وافتراء. فانه لو جاءته اي اية كانت لم يؤمن ولم ينقد لانه لم يمتنع من الايمان لعدم ما يدله على صحته وانما ذلك لهوى نفسه واتباع شهوته اي داع يدعوهم الى الهدى من الرسل يا اتباعهم ومعهم من الادلة والبراهين ما يدل على صحة ما معهم من الهدى الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيظ الارحام وما تزداد. وكل شيء يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه واحاطته بكل شيء فقال الله يعلم ما تحمل كل انثى من بني ادم وغيرهم وما تغيض الارحام اي تنقص مما فيها اما ان يهلك الحمل او يتضائل او يضمحل. وما تزداد الارحام وتكبر الاجنة التي فيها. وكل شيء عنده بمقدار. لا يتقدم عليه ولا يتأخر. ولا يزيد ولا ينقص الا بما تقتضيه حكمته وعلمه عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. فانه عالم الغيب والشهادة الكبير في ذاته. واسمى وصفاته المتعالي على جميع خلقه. بذاته وقدرته وقهره سواء منكم في علمه وسمعه وبصره من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل اي مستقر بمكان خفي فيه وسارب من نهار اي داخل سربه في النهار. والسربه وما يستخفي فيه الانسان. اما جوف بيته او غار او مغارة او نحو ذلك له معقدات الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. واذا اراد الله بقوم سوء له اي للانسان معقبات من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار. من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله. اي بدنه وروحه من كل ما يريده بسوء. ويحفظون عليه اعماله. وهم ملازمون له دائما. فكما ان علم الله محيط به فالله قد ارسل هؤلاء الحفظة على العباد بحيث لا تخفى احوالهم ولا اعمالهم ولا ينسى منها شيء ان الله لا يغير ما بقوم من النعمة والاحسان رغد العيش حتى يغيروا ما بانفسهم بان ينتقلوا من الايمان الى الكفر ومن الطاعة الى المعصية او من شكر نعم الله الى البطر بها فيسلبهم الله اياها عند ذلك. وكذلك اذا غير العباد ما بانفسهم من المعصية. فانتقلوا الى طاعة الله. غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء الى الخير والسرور والغبطة والرحمة. واذا اراد الله بقوم سوءا اي عذابا وشدة يكرهونه فان ارادته لا بد ان تنفذ فيهم. فانه لا مرد له ولا احد يمنعهم منه وما لهم من دونه من وال يتولى امورهم. فيجلب لهم المحبوب ويدفع عنهم المكروه فليحذروا من الاقامة على ما يكره الله خشية ان يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين يقول تعالى هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا اي يخاف منه الصواعق والهدم وانواع الضرر على بعض الثمار ونحوها. ويطمع في خيره ونفعه وينشئ سحاب الثقال في المطر الغزير الذي به نفع العباد والبلاد ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء آآ وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال. ويسبح الرعد بحمده والصوت الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد فهو خاضع لربه مسبح بحمده وتسبح الملائكة من خيفته اي خش لربهم خائفين من سطوته. ويرسل الصواعق وهي هذه النار التي تخرج من السحاب. فيصيب بها من يشاء من عباده بحسب ما شاءه واراده وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال. اي شديد الحول والقوة فلا يريد شيئا الا فعله ولا يتعصى عليه شيء ولا يفوته هارب بشيء الا كباسق كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال. فاذا كان هو وحده الذي يسوق للعباد والسحب التي فيها مادة ارزاقهم. وهو الذي يدبر الامور. وتخضع له المخلوقات العظام. التي يخاف منها. وتزعج العباد وهو شديد القوة. فهو الذي يستحق ان يعبد وحده لا شريك له. ولهذا قال له دعوة الحق الى الا في ضلال له اي لله وحده دعوة الحق. وهي عبادته وحده لا شريك له. واخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى اي هو الذي ينبغي ان يصرف له الدعاء. والخوف والرجاء والحب والرغبة والرهبة والانابة. لان الوهيته هي الحق غيره باطلة. والذين يدعون من دونه من الاوثان والانداد التي جعلوها شركاء لله. لا يستجيبون لهم. اي يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير. لا من امور الدنيا ولا من امور الاخرة. الا كباسط كفيه الى الماء الذي لا تناله كفاه لبعده. ليبلغ ببسط كفيه الى الماء فاه فانه عطشان. ومن شدة عطشه يتناول بيده ويبسطها الى الماء الممتنع وصولها اليه فلا يصل اليه. كذلك الكفار الذين يدعون مع الله الهة لا يستجيبون لهم بشيء اينفعونهم في اشد الاوقات اليهم حاجة لانهم فقراء. كما ان من دعوهم فقراء لا يملكون مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير. الكافرين الا في ضلال ببطلان ما يدعون من دون الله. بطلت عبادتهم ودعاؤهم. لان الوسيلة تبطل ببطلان غايتها. ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين. كانت عبادته حقا. متصلة النفع بصاحبها في الدنيا والاخرة. وتشبيه دعاء الكافرين لغيره لله بالذي يبسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه من احسن الامثلة. فان ذلك تشبيه بامر محال. فكما ان هذا محال تشبهوا به محال. والتعليق على المحال من ابلغ ما يكون في نفي الشيء. كما قال تعالى ان الذين كذبوا باياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط في السماوات والارض طوعا وكرها طوعا وكرها وضلالهم اي جميع ما احتوت عليه السماوات والارض كلها خاضعة لربها له طوعا وكرها. فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين. والكره لمن يستكبر عن عبادة ربه وحاله وفطرته تكذبه في ذلك. وظلالهم بالغدو والاصال. اي وتسجد له ظلال المخلوقات اول النهار واخره وسجود كل شيء بحسب حاله كما قال تعالى. وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فاذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها. كان هو الاله حقا. المعبود المحمود حقا. والاهية غيره باطلة ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله دخلتم من دونه اولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الاعمى والبصير امهل تستوي الظلمات والنور. ام جعلوا لله شركاء قل من رب السماوات والارض اي قل لهؤلاء المشركين به اوثانا واندادا يحبونها كما يحبون الله ويبذلون لها انواع الرباة والعبادات افتاهت عقولكم حتى اتخذتم من دونه اولياء؟ تتولونهم بالعبادة وليسوا باهل لذلك انهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. وتتركون ولاية من هو كامل الاسماء والصفات. المالك للاحياء والاموات الذي بيده الخلق والتدبير والنفع والضر. فما تستوي عبادة الله وحده وعبادة المشركين به قل هل يستوي الاعمى والبصير ام هل تستوي الظلمات والنور؟ فان كان عندهم شك واشتباه له شركاء زعموا انهم خلقوا كخلقه وفعلوا كفعله. فازل عنهم هذا الاشتباه واللبس بالبرهان الدال على تفرد الاله بالوحدانية فقل لهم الله خالق كل شيء. فانه من المحال ان يخلق شيء من الاشياء نفسه. ومن المحال ايضا ان يوجد من دونه الخالق فتعين ان لها الها خالقا. لا شريك له في خلقه. لانه الواحد القهار. فانه لا توجد الوحدة والقهر الا لله وحده. فالمخلوقات وكل مخلوق فوقه مخلوق يقهره. ثم فوق ذلك القاهر قاهر اعلى منه. حتى ينتهي القهر الواحد القهار. فالقهر والتوحيد متلازمان. متعينان لله وحده. فتبين بالدليل العقلي القاهر ان ما يدعى من دونه ليس له شيء من خلق المخلوقات. وبذلك كانت عبادته باطلة فاحتمل السيل زبد الضابيا او متاع زبد مثله. كذلك يضرب الله واما ما شبه تعالى الهدى الذي انزله على رسوله لحياة القلوب والارواح. بالماء الذي انزله لحياة الاشباح. وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر اليه العباد بما في المطر من النفع العام الضروري. وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالاودية التي تسير فيها السيول فواد كبير يسع ماء كثيرا كقلب كبير يسع علما كثيرا وواد صغير يأخذ ماء قليلا كقلب صغير يسع علما قليلا وهكذا. وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات. عند وصول الحق اليها زبد الذي يعلو الماء. ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها. وانها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل. ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة. كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها ويجاهدها بالبراهين الصادقة. والارادات الجازمة حتى تذهب وتضمحل. ويبقى القلب خالصا صافيا ليس فيه الا ما ينفع الناس من العلم بالحق. وايثاره والرغبة فيه. فالباطل يذهب ويمحقه الحق. ان الباطل كان وقال هنا ليتضح الحق من الباطل الهدى من الضلال ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به. اولئك لهم سوء لما بين تعالى الحق من الباطل ذكر ان الناس على قسمين مستجيب لربه فذكر ثوابه وغير مستجيب فذكر عقابه فقال اي انقادت قلوبهم للعلم والايمان وجوارحه للامر والنهي وصاروا موافقين لربهم فيما يريده منهم فلهم الحسنى اي الحالة الحسنة والثواب الحسن. فلهم من الصفات اجلها ومن المناقب افضلها ومن الثواب العاجل والاجل. ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والذين لم يستجيبوا له بعدما ضرب لهم الامثال وبين لهم الحق لهم الحالة غير الحسنة. ولو ان لهم ما في الارض جميعا من ذهب وفضة وغيرها. ومثله معه لافتدوا به من عذاب يوم القيامة. ما تقبل منهم وانى لهم ذلك اولئك لهم سوء الحساب وهو الحساب الذي يأتي على كل ما اسلفوه من عمل سيء وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب ذلك وسطر عليهم وقالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا ومأواهم جهنم وبئس المهاد. وبعد هذا الحساب السيء مأواهم جهنم. الجامعة ولكل عذاب من الجوع الشديد والعطش الوجيع والنار الحامية والزقوم والزمهرير والضريع وجميع ما ذكره الله من ما في العذاب. اي المقر والمسكن مسكنهم يقول تعالى مفرقا بين اهل العلم والعمل وبين ضدهم. افمن يعلم ان ما انزل اليك من ربك الحق ففهم ذلك وعمل به كمن هو اعمى. لا يعلم الحق ولا يعمل به. فبينهما من الفرق كما بين السماء الارض فحقيق بالعبد ان يتذكر ويتفكر. اي الفريقين احسن حالا وخير مآلا فيؤثر طريقها. ويسلك خلف فريق ولكن ما كل احد يتذكر ما ينفعه ويضره انما يتذكر اولو الالباب اي اولو العقول الرزينة والاراء الكاملة الذين هم لب العالم وصفوة بني ادم. فان سألت عن وصفهم فلا تجد احسن من وصف الله لهم بقوله عهد الله ولا ينقضون الميثاق. الذين يوفون بعهد الله الذي عهده اليهم. والذي عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة. فالوفاء بها توفيتها حقها من التنمية لها والنصح فيها. وتمام الوفاء بها انهم لا ينقضون الميثاق. اي العهد الذي عاهدوا الله عليه. فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والايمان والنذور التي يعقدها العباد. فلا يكون العبد من اولي الالباب. الذين لهم الثواب العظيم. الا بادائها كاملة. وعدم نقصها وبخسها والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشعون ربهم ويخشون ربهم ما يخافون والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل. وهذا عام في كل ما امر الله بوصله من الايمان به وبرسوله ومحبته ومحبة رسوله. والانقياد لعبادته وحده لا شريك له. ولطاعة رسوله. ويصلون ابائهم وامهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم. ويصلون الاقارب والارحام بالاحسان اليهم قولا وفعلا ما بينهم وبين الازواج والاصحاب والمماليك لاداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما امر الله به ان يوصل خشية الله وخوفه يوم الحساب. ولهذا قال ويخشون ربهم ان يخافونه فيمنعهم خوفهم منه ومن القدوم عليه يوم الحساب ان يتجرأوا على معاصي الله. او يقصروا في شيء مما امر الله به. خوفا من العقاب ورجاء للثواب اتقوا مما رزقناهم وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. ويدرأون ابي الحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار جنة عادلين يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم. ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. والملائكة يدخلون عليك والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام. سلام عليكم والذين صبروا على المأمورات بامتثالها وعن المنهيات بالانتفاف عنها والبعد منها وعلى اقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها. لكن بشرط ان يكون ذلك الصبر ابتغاء وجه ربهم لا لغير ذلك من المقاصد والاغراض الفاسدة. فان هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه طلبا لمرضاة ربه ورجاء للقرب منه. والحظوة بثوابه هو الصبر الذي من خصائص اهل الايمان. واما الصبر المشترك الذي غايته التجلد انتهاه الفخر فهذا يصدر من البر والفاجر والمؤمن والكافر فليس هو الممدوح على حقيقة. واقاموا الصلاة باركانها وشروطها ها هو مكملاتها ظاهرا وباطنا. وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. دخل في ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقات المستحبة. وانهم ينفقون حيث دعت الحاجة الى النفقة سرا وعلانية. ويدرؤون بالحسنة السيئة اي من اساء اليهم بقول او فعل لم يقابلوه بفعله بل قابلوه بالاحسان اليه فيعطون من حرمهم ويعفون عمن ظلمهم من قطعهم ويحسنون الى من اساء اليهم. واذا كانوا يقابلون المسيء بالاحسان. فما ظنك بغير المسيء اولئك الذين وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة لهم عقبى الدار فسرها بقوله جنات عدن اي اقامة لا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولا. لانهم لا يرون غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور. الذي تنتهي اليه المطالب والغايات. ومن تمام نعيمهم وقرة اعينهم. انهم يدخلونها ومن صلح من ابائهم من الذكور والاناث وازواجهم اي الزوج او الزوجة. وكذلك النظراء والاشباه الاصحاب والاحباب فانهم من ازواجهم وذرياتهم. يدخلون عليك من كل باب سلام. يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى اي حلت عليكم السلامة والتحية من الله حصلت لكم. وذلك متضمن لزوال كل مكروه. ومستلزم لحصول كل محبوب. بما صبرتم اي بسبب صبركم وهو الذي اوصلكم الى هذه المنازل العالية والجنان الغالية فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة ان يجاهدها لعلها تأخذ من اوصاف اولي الالباب بنصيب ولعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس وسرور الارواح. الجامعة لجميع اللذات والافراح. فلمثلها فليعمل وفيها فليتنافس المتنافسون والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفصل اولئك لهم اللعنة لما ذكر حال اهل الجنة ذكر ان اهل النار بعكس ما وصفهم به فقال عنهم والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. اي من بعد ما اكده عليهم على ايدي رسله. وغلظ فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم. بل قابلوه بالاعراض والنقد ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بهم بالايمان والعمل الصالح ولا وصلوا الارحام ولا ادوا الحقوق. بل افسدوا في الارض بالكفر والمعاصي. والصد عن سبيل الله وابتغائها لا عوج اولئك لهم اللعنة اي البعد والذم من الله وملائكته. وعباده المؤمنين وهي الجحيم بما فيها من العذاب الاليم من يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع اي هو وحده يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء. ويقدره ويضيقه على من يشاء. وفرحوا اي الكفار في الحياة الدنيا فرحا اوجب لهم ان يطمئنوا بها ويغفلوا عن الاخرة. وذلك لنقصان عقولهم اي شيء حقير يتمتع به قليلا ويفارق اهله واصحابه ويلا طويلا ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه قل ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من انا ويهدي اليهما يخبر تعالى ان الذين كفروا بايات الله يتعنتون على رسول الله يفرحون ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه وبزعمهم انها لو جاءت لامنوا فاجابهم الله بقوله ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من انا اي طلب رضوانه فليست الهداية والضلالة بايديهم حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الايات. ومع ذلك فهم كاذبون فلو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ولا يلزم ان يأتي الرسول بالاية التي يعينونها ويقترحونها. بل اذا جاءهم باية بينما جاء به من الحق كفى ذلك. وحصل المقصود وكان انفع لهم من طلبهم الايات التي يعينونها. فانها لو جاءت ما اقترحوا فلم يؤمنوا بها لعاجلهم العذاب. ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال ان يزول قلقها واضطرابها وتحضرها ولذاتها اي حقيق بها وحري ان لا تطمئن لشيء سوى ذكره. فانه لا شيء الذ للقلوب ولا احلى. من محبة خالقها. والانس به ومعرفته. وعلى قدر لمعرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له. هذا على القول بان ذكر الله هو ذكر العبد لربه من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك. وقيل ان المراد بذكر الله كتابه الذي انزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر الله. انها حين تعرف معاني القرآن واحكامه تطمئن لها فانها تدل على الحق المبين. المؤيد بالادلة والبراهين. وبذلك تطمئن قلوب فانها لا تطمئن الا باليقين والعلم. وذلك في كتاب الله مضمون على اتم الوجوه واكملها. واما ما سواه من الكتب التي لا ترجع اليه فلا تطمئن بها بل لا تزال قلقة من تعارض الادلة وتضاد الاحكام ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا انما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره وتدبر غيره من انواع العلوم فانه يجد بينها وبينه فرقا عظيما. ثم قال تعالى الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم الذين امنوا وعملوا الصالحات اي امنوا بقلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. صدقوا هذا الايمان بالاعمال صالحة اعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه واعمال الجوارح كالصلاة ونحوها اي لهم حالة طيبة ومرجع حسن. وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والاخرة. وان لهم كمال الراحة والطمأنينة ومن جملة ذلك شجرة طوبا التي في الجنة التي يسير الراكب في ظلها مئة عام ما يقطعها كما وردت بها الاحاديث الصحيحة كذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم لتتلو عليهم الذي اوحينا اليك وهم قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كذلك ارسلناك الى قومك تدعوهم الى الهدى في امة قد خلت من قبلها امم ارسلنا فيهم رسلنا فلست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك. ولست تقول من تلقاء نفسك بل تتلو عليهم ايات الله التي اوحاها الله اليك التي تطهر القلوب وتزكي النفوس. والحال ان قومك يكفرون بالرحمن. فلم يقابلوا رحمته واحسانه التي اعظمها ان ارسلناك اليهم رسولا وانزلنا عليك الكتاب بالقبول والشكر. بل قابلوها بالانكار والرد فلا يعتبرون من خلا من قبلهم من القرون المكذبة. كيف اخذهم الله بذنوبهم؟ قل هو ربي لا اله الا هو. وهذا متضمن التوحيد دين توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية. فهو ربي الذي رباني بنعمه منذ اوجدني. وهو الهي الذي عليه توكلت في جميع اموري اي ارجع في جميع عباداتي وتوبتي وفي حاجاتي ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلن به الموتى. بل لله الامر جميعا لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى يأتي ان الله لا يخلف الميعاد. يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة ولو ان قرآنا من الكتب الالهية سيرت به الجبال عن اماكنها او قطعت به الارض جنانا وانهارا او كل به الموتى لكان هذا القرآن بل لله الامر جميعا. فيأتي بالايات التي تقتضيها حكمته. فما بال المكذبين يقترحون ان من الايات ما يقترحون فهل لهم ولغيرهم من الامر شيء افلم ييأس الذين امنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فليعلموا انه قادر على هدايتهم جميعا. ولكن لا يشاء ذلك. بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ولا يزال الذين كفروا على كفرهم لا يعتبرون ولا يتعظون. والله تعالى يوالي عليهم القوارع التي تصيبهم في ديارهم او تحل قريبا منها وهم مصرون على كفرهم حتى يأتي وعد الله الذي وعدهم به. لنزول العذاب المتصل الذي لا يمكن رفعه الله لا يخلف الميعاد. وهذا تهديد وتخويف لهم من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم وعنادهم وظلمهم ولقد استهزأ برسل من قبلك فامليتني الذين كفروا ثم اخذتهم فكيف كان عقاب يقول تعالى لرسوله مثبتا له ومصليا. ولقد استهزأ برسل من قبلك. فلست اول رسول كذب واوذي. فامليت للذين كفروا برسلهم اي امهلتهم مدة حتى ظنوا انهم غير معذبين. ثم اخذتهم بانواع العذاب كان عقابا شديدا وعذابا اليما. فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزأوا بك بامهالنا. فلهم في من قبلهم من الامم. فليحذروا ان يفعل بهم كما فعل باولئك افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت واجعلوا لله شركاء زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له يقول تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ بالجزاء العاجل والاجل بالعدل والقسط. وهو الله تبارك وتعالى كمن ليس كذلك. ولهذا قال وجعلوا لله شركاء. وهو الله الاحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ند ولا نظير قل لهم ان كانوا صادقين سموهم لنعلم حالهم. ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض. فانه اذا كان عالم الغيب الشهادة وهو لا يعلم له شريكا علم بذلك بطلان دعوى الشريك له. وانكم بمنزلة الذي يعلم الله ان له شريكا هو لا يعلمه وهذا ابطل ما يكون ولهذا قال ام بظاهر من القول؟ اي غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى انه بظاهر اقوالكم واما في الحقيقة فلا اله الا الله. وليس احد من الخلق يستحق شيئا من العبادة. بل زين للذين كفروا مكروه الذي مكروه. وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم لايات الله. وصدوا عن السبيل اي عن الطريق المستقيمة. الموصلة الى الله والى دار كرامته لانه ليس لاحد من الامر شيء لهم عذاب في الحياة الدنيا ولا عذاب الاخرة يشق وما لهن من الله من والعذاب الاخرة اشق من عذاب الدنيا لشدته ودوامه يقيهم من عذابه. فعذابه اذا وجهه اليهم لا مانع له مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين يقول تعالى مثل الجنة التي المتقون الذين تركوا ما نهاهم الله عنه ولم يقصروا فيما امرهم به اي صفتها وحقيقتها تجري من تحتها الانهار نار العسل وانهار الخمر وانهار اللبن وانهار الماء الذي تجري في غير اخدود. فتسقي تلك البساتين والاشجار فتحمل مع انواع الثمار. اكلها دائم وظلها. دائم ايضا. تلك عقبى الذين اتقوا. اي مآلهم وعاقبتهم التي اليها يصيرون فكم بين الفريقين من الفرق المبين امرت ان اعبد الله ولا اشرك به اليه ادعو اليه مآب. يقول تعالى والذين اتيناهم الكتاب اي منا عليهم به وبمعرفته يفرحون بما انزل اليك فيؤمنون به ويصدقونه ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض وتصديق بعضها بعضا. وهذه حال من امن من اهل الكتاب. ايوة من طوائف الكفار المنحرفين عن الحق. من ينكر بعض هذا القرآن ولا يصدقه. فمن اهتدى فلنفسه. ومن ضل فانما يضل عليها انما انت يا محمد منذر تدعو الى الله. قل انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به. اي باخلاص الدين لله وحده اي مرجعي الذي ارجع به اليه فيجازيني بما قمت به من الدعوة الى دينه. والقيام بما امرت به وكذلك انزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما اي ولقد انزلنا هذا القرآن القرآن والكتاب حكما عربيا اي محكما متقنا باوضح الالسنة وافصح اللغات. لان لا يقع فيه شك واشتباه. وليوجب ان وحده ولا يداهن فيه ولا يتبع ما يضاده ويناقضه. من اهواء الذين لا يعلمون. ولهذا توعد رسوله مع انه معصوم ليمتن عليه بعصمته وليكون لامته اسوة في الاحكام فقال ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم البين الذي ينهاك عن اتباع اهوائهم ما لك من الله من ولي يتولاك. فيحصل لك الامر المحبوب ولواق يقيك من الامر المكروه ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية وما كان لرسول اي لست اول رسول ارسل الى الناس حتى يستغربوا رسالتك. ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية. فلا يعيبك احد اعدائك بان يكون لك ازواج وذرية كما كان لاخوانك المرسلين. فلاي شيء يقدحون فيك بذلك؟ وهم يعلمون ان الرسل قبلك كذلك الا لاجل اغراضهم الفاسدة واهوائهم. وان طلبوا منك اية اقترحوها فليس لك من الامر شيء. وما كان لرسول والله لا يأذن فيها الا في وقتها الذي قدره وقضاه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه. فليس استعجالهم بالايات او العذاب عجبا لان يقدم الله ما كتب انه يؤخر. مع انه تعالى فعال لما يريد. يمحو الله ما يشاء يمحو الله ما يشاء من الاقدار ويثبت ما يشاء منها وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه. فان هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير. لان ذلك محال على الله ان يقع في علمه نقص او خلل. ولهذا قال اي لوح محفوظ الذي ترجع اليه سائر الاشياء فهو اصلها وهي فروع وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب ما لليوم والليلة التي تكتبها الملائكة ويجعل الله لثبوتها اسبابا ولمحوها اسبابا لا تتعدى تلك الاسباب ما رسم في اللوح المحفوظ كما جعل الله البر والصلة والاحسان من اسباب طول العمر وسعة الرزق. وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر كما جعل اسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة. وجعل التعرض لذلك سببا للعطب. فهو الذي يدبر الامور بحسب وارادته وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ واما نرينك بعض الذين عندهم او نتوفينك فانما عليك البلاغ علينا يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تعجل عليهم باصابة ما يوعدون من العذاب فهم ان استمروا على طغيانهم وكفرهم فلا بد ان يصيبهم ما وعدوا به. اما نريينك اياه في الدنيا فتقر بذلك عينك. او نتوفي انك قبل اصابتهم فليس ذلك شغلا لك فانما عليك البلاغ والتبيين للخلق فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب. فنحاسب الخلق على ما قاموا به بما عليهم او ضيعوه ونثيبهم او نعاقبهم. ثم قال متوعدا للمكذبين لحكمه وهو سريع الحساب. او لم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قيل باهلاك المكذبين واستئصال الظالمين. وقيل بفتح بلدان المشركين ونقصهم في اموالهم وابدانهم. وقيل ذلك من الاقوال والظاهر والله اعلم ان المراد بذلك ان اراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ويحل قوارع باطرافها تنبيها لهم قبل ان يجتاحهم النقص. ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده احد. ولهذا قال والله لا معقب لحكمه ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي. فهذه الاحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والاتقان لا خلل فيها ولا نقص. بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد. فلا يتعقبها احد ولا سبيل الى القدح فيها. بخلاف حكم غيره فانه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه اي فلا يستعجلوا بالعذاب فان كل ما هو ات فهو قريب يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقد تقول تعالى وقد مكر الذين من قبلهم برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل فلم يغني عنهم مكرهم ولم نصنع شيئا فانهم يحاربون الله ويبارزونه. فلله المكر جميعا اي لا يقدر احد ان يمكر مكرا الا باذنه. وتحت قضائه وقدره. فاذا كانوا يمكرون بدينه فان مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم. فان الله يعلم ما تكسب كل نفس. اي هموم واراداتها واعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لابد ان يكون من كسبها. فلا يخفى على الله مكرهم. فيمتنع ان يمكروا مكنا يضر الحق واهله ويفيدهم شيئا. اي الهم ام لرسله؟ ومن المعلوم ان العاقبة للمتقين لا للكفر واهله ويقول الذين كفروا لاست مرسلا بالله شهيدا بيني وبينكم ومن ويقول الذين كفروا لست مرسلا اي يكذبونك ويكذبون ما به قل لهم ان طلبوا على ذلك شهيدا. قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم بقوله وفعله واقراره. اما قوله فيما اوحاه الله الى اصدق خلقه مما يثبت به رسالته. واما فعله فلان الله تعالى الا ايد رسوله ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة اصحابه واتباعه. وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد. واما اقراره فانه اخبر الرسول عنه انه رسول وانه امر الناس باتباعه فمن اتبعه فله رضوان الله وكرامته ومن لم يتبعه فله النار والسخط وحلله ماله ودمه. والله يقره على ذلك. فلو تقول عليه بعض الاقاويل لعاجله بالعقوبة قضى ان لا يموت كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. كذلك نجزي كل كفور وهم يصطلخون فيها ومن ورائه اي الجبار العنيد عذاب غليظ. اي قوي شديد لا يعلم وصفه وشدته الا الله تعالى وهذا شامل لكل علماء اهل الكتابين فانهم يشهد منهم للرسول من امن واتبع الحق فصرح بتلك الشهادة التي عليه. ومن كتم ذلك فاخبار الله عنه ان عنده شهادة ابلغ من خبره ولو لم يكن عنده شهادة لرد استشهاده بالبرهان. فسكوته يدل على ان عنده شهادة مكتومة. وانما امر الله اهل الكتاب لانهم اهل هذا الشأن. وكل امر انما يستشهد فيه اهله. ومن هم اعلم به من غيرهم. بخلاف من هو اجنبي عنه كالاميين من مشركي العرب وغيرهم فلا فائدة في استشهادهم لعدم خبرتهم ومعرفتهم والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب انزلناه اليك والله الذي له ما في السماوات وما في الارض وويل للكافرين من عذاب شديد يخبر تعالى انه انزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق. ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والاخلاق السيئة وانواع المعاصي. الى نور العلم والايمان والاخلاق الحسنة. وقوله باذن ربهم اي لا يحصل منهم المراد المحبوب لله الا بارادة من الله ومعونة. ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم. ثم فسر النور الذي يهديهم اليه هذا الكتاب. فقال اي الموصل اليه والى دار كرامته المشتمل على العلم بالحق والعمل به. وفي ذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط الموصل اليه. اشارة الى ان من سلكه فهو عز عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له انصار الا الله. محمود في اموره حسن العاقبة. وليدل ذلك على ان صراط الله من اكبر الادلة على مال الله من صفات الكمال ونعوت الجلال. وان الذي نصبه لعباده عزيز السلطان. حميد في اقواله افعاله واحكامه وانه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم. وانه كما ان له ملك السماوات والارض خلقا ورزقا رزقا وتدبيرا فله الحكم على عباده باحكامه الدينية. لانهم ملكه ولا يليق به ان يتركهم سدى. فلما بين الدليل برهان توعد من لم ينقد لذلك فقال وويل للكافرين من عذابه شديد لا يقدر قدره ولا يوصف امره ثم وصفهم بانهم ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا. اولئك في ضلال بعيد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة. فرضوا بها واطمأنوا وغفلوا عن الدار الاخرة. ويصدون الناس عن لله التي نصبها لعباده وبينها في كتبه وعلى السنة رسله. فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة اي سبيل الله عوجا اي يحرصون على تهجينها وتقبيحها للتنفير عنها. ولكن يأبى الله الا ان يتم ولو كره الكافرون. اولئك الذين ذكر وصفهم في ضلال بعيده. لانهم ضلوا واضلوا وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما. فاي ضلال ابعد من هذا؟ واما اهل الايمان فبعكس هؤلاء يؤمنون بالله واياته ويستحبون الاخرة على الدنيا ويدعون الى سبيل الله ويحسنونها مهما امكنهم. ويبينون استقامتها ليضل الله من يشاء فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العليم وهذا من لطفه بعباده انه ما ارسل رسولا الا بلسان قومه ليبين لهم ما يحتاجون اليه ويتمكنون من تعلم ما اتى به. بخلاف ما لو كان على غير لسانهم. فانهم يحتاجون الى ان يتعلموا تلك اللغة التي اتكلم بها ثم يفهمون عنه. فاذا بين لهم الرسول ما امروا به ونهوا عنه. وقامت عليهم حجة الله. فيضل الله من يشاء وممن لم ينقد للهدى ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته. الذي من انه انفرد بالهداية والاضلال وتقليب القلوب الى ما شاء. ومن حكمته انه لا يضع هدايته ولا اضلاله الا بالمحل اللائق به ويستدل بهذه الاية الكريمة على ان علوم العربية الموصلة الى تبيين كلامه وكلام رسوله امور مطلوبة محبوبة لله لانه لا يتم معرفة ما انزل على رسوله الا بها. الا اذا كان الناس بحالة لا يحتاجون اليها. وذلك اذا مرنوا على العربية ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم. فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا لان يتلقوا عن الله وعن ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم. ولقد ارسلنا موسى باياتنا ان اخرج قومك منها ان في ذلك لايات لكل صبار يخبر تعالى انه ارسل موسى باياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته. وامره بما امر الله وبه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. بل وبما امر به جميع الرسل قومهم. ان اخرج قومك من الظلمات الى النور ظلمات الجهل والكفر وفروعه الى نور العلم والايمان وتوابعه. وذكرهم بايام الله اي بنعمه عليهم واحسانه اليهم وبايامه في الامم المكذبين. ووقائعه بالكافرين. ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه. ان في ذلك اي في ايام بسم الله على العباد. اي صبار في الضراء والعسر والضيق. شكور على السراء والنعمة. فانه يستدل بايامه على كمال قدرته وعميم احسانه. وتمام عدله وحكمته. ولهذا امتثل موسى عليه سلام امر ربه فذكرهم نعم الله فقال وان قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم اذ يسومونكم سوء العذاب ويذبحون ابنائكم ثم يستحيون نساءكم وفي داركم بناء من ربكم عظيم. اذكروا نعمة الله عليكم اي بقلوبكم والسنتكم. اذ انجاكم من ال فرعون يسومونكم. اي يولونكم سوء العذاب اي اشده فسر ذلك بقوله ويذبحون ابناءكم ويستحيون نسائكم اي يبقونهن فلا يقتلونهن. وفي ذلكم الانجاء اي نعمة عظيمة او وفي ذلكم العذاب الذي ابتليتم به من فرعون وملأه الى امنا الله عظيم لكم لينظر هل تصبرون ام لا؟ وقال لهم حاثا على شكر نعم الله فان شكرتم لازيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد واذ تأذن ربكم اي اعلم ووعد لان شكرتم لازيدنكم من نعمي ومن ذلك انه يزيل عنهم النعمة التي انعم بها عليهم. والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله الثناء على الله بها وصرفها في مرضات الله تعالى وكفر النعمة ضد ذلك. وقال موسى ان تكفروا ومن في الارض جميعا فان الله لغني حميد. وقال موسى ان تكفروا انتم ثم من في الارض جميعا فلن تضروا الله شيئا. فالطاعات لا تزيد في ملكها والمعاصي لا تنقصه وهو كامل الغنى. حميد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. ليس له من الصفات الا كل صفة حمد كمال ولا من الاسماء الا كل اسم حسن. ولا من الافعال الا كل فعل جميل والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله فردوا ايديهم في افواههم وقالوا وقالوا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريح يقول تعالى مخوف عباده ما احله بالامم المكذبة حين جاءتهم الرسل. فكذبوهم فعاقبهم بالعقاب العاجل للذي رآه الناس سمعوه فقال الم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود؟ وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله. من كثرتهم وكون اخبارهم اندرست. فهؤلاء كلهم جاءتهم رسلهم بالبينات اي بالادلة الدالة على صدق ما جاءوا به. فلم يرسل الله رسولا الا اتاه من الايات ما يؤمن على مثله البشر فحين اتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها. فردوا ايديهم في افواههم اي لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الايمان كقوله جعلوا اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت. وقالوا صريحا انا كفرنا بما ارسلتم به اي موقع في الريبة وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا قالت لهم رسلهم في الله شك فاطر السماوات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل افي الله شك؟ اي فانه اظهر الاشياء واجلاها. فمن شك في الله فاطر السماوات والارض. الذي وجود الاشياء مستند الى وجوده لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات. ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه يدعوكم الى منافعكم ومصالحكم اي ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والاجل. فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم بل النفع عائد اليكم. فرد وعلى رسلهم رد السفهاء الجاهلين ان كان يعبد اباؤنا فائتونا بسلطان مبين. وقالوا لهم ان انتم الا بشر مثلنا اي فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة فكيف نترك رأي الاباء وسيرتهم لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وانتم بشر مثلنا اي بحجة وبينة ظاهرة. ومرادهم بينة يقترحونها هم. والا فقد تقدم ان رسلهم جاءتهم بالبينة قالت لهم رسلهم ان نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان الا باذن الله قالت لهم رسلهم مجيبين عن اقتراحهم واعتراضهم نحن الا بشر مثلكم. اي صحيح وحقيقة. انا بشر مثلكم. ولكن ليس في ذلك ما يدفع ما جئنا به من الحق. فان الله يمن من يشاء من عباده. فاذا من الله علينا بوحيه ورسالته فذلك فضله واحسانه. وليس لاحد ان يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله فانظروا ما جئناكم به فان كان حقا فاقبلوه. وان كان غير ذلك فردوه. ولا تجعلوا حالنا حجة لكم على رد ما جئناكم وقولكم فاتونا بسلطان مبين فان هذا ليس بايدينا وليس لنا من الامر شيء فهو الذي ان شاء جاءكم به وان شاء لم يأتكم به وهو لا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته ورحمته. وعلى الله لا على غيره. فليتوكل المؤمنون. فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ودفع مضارهم. لعلمهم بتمام كفايته وكمال قدرته. وعميم احسانه. ويثقون به في تيسير ذلك. وبحسب بما معهم من الايمان يكون توكلهم. فعلم بهذا وجوب التوكل وانه من لوازم الايمان. ومن العبادات الكبار التي يحب الله ويرضاها لتوقف سائر العبادات عليه انا اي شيء يمنعنا من التوكل على الله والحال اننا على الحق والهدى ومن كان على الحق والهدى فان هداه يوجب له تمام التوكل وكذلك ما يعلم من ان الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته. يدعو الى ذلك بخلاف من لم يكن على الحق والهدى. فانه وليس ضامنا على الله. فان حاله مناقضة لحال المتوكل. وفي هذا كالاشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم. باية عظيمة عظيمة وهو ان قومهم في الغالب لهم القهر والغلبة عليهم. فتحدتهم رسلهم بانهم متوكلون على الله في دفع كيدهم ومكرهم وجازمون بكفايته اياهم. وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على اتلافهم واطفاء ما معهم من الحق. فيكون هذا كقول نوح لقومه يا قومي ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله. فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم. ثم لا امركم عليكم امة ثم اقضوا الي ولا تنظرون. وقول هود عليه السلام قال اني اشهد الله واشهد اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون توكل المتوكلون. اي ولنستمرن على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم. ولا نبالي بما يأتينا منكم من الاذى. فان سنوطن انفسنا على ما ينالنا منكم من الاذى احتسابا للاجر ونصحا لكم. لعل الله ان يهديكم مع كثرة التذكير. وعلى الله وحده لا على غيره. فليتوكل المتوكلون. فان التوكل عليه مفتاح لكل خير. واعلم ان الرسل عليهم الصلاة والسلام توكلهم في اعلى المطالب واشرف المراتب. وهي التوكل على الله في اقامة دينه ونصره. وهداية عبيده وازالة الضلال عنهم وهذا اكمل ما يكون من التوكل. وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك. وعدم مللهم ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال قال الذين كفروا لرسلهم متوعدين لهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا. وهذا ابلغ ما يكون من الرد بعد هذا فيهم مطمع. لانه ما كفاهم ان اعرضوا عن الهدى. بل توعدوهم بالاخراج من ديارهم ونسبوها الى انفسهم. وزعموا ان لا حق لهم فيها وهذا من اعظم الظلم. فان الله اخرج عباده الى الارض وامرهم بعبادته. وسخر لهم الارض وما عليها يستعين بها على عبادته. فمن استعان بذلك على عبادة الله حل له ذلك وخرج من التبعة. ومن استعان بذلك على الكفر وانواع معاصي لم يكن ذلك خالصا له ولم يحل له فعلم ان اعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الارض التي توعدوا الرسل باخراج منها وان رجعنا الى مجرد العادة فان الرسل من جملة اهل بلادهم وافراد منهم. فلاي شيء يمنعونهم حقا لهم صريحا واضحا. هل هذا الا من عدم الدين والمروءة بالكلية؟ ولهذا لما انتهى مكروه بالرسل الى هذه الحال. ما بقي حين اذ الا ان يمضي الله امره وينصر اولياءه بانواع العقوبات ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيده. ولنسكننكم الارض من بعدهم اي العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء لمن خاف مقامي عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم انه يراه. اي ما توعدت به من عصاني فاوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة الى ما يحبه الله. واستفتحوا اي الكفار اي هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين اوليائه واعدائه. فجاءهم ما استفتحوا به والا فالله حليم لا يعادل من عصاه بالعقوبة. اي خسر في الدنيا والاخرة من تجبر على والله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الارض وعاند الرسل وشاقهم من ورائه جهنم اي جهنم ولهذا الجبار العنيد بالمرصاد. فلا بد له من ورودها فيذاق حينئذ العذاب الشديد ولا يكاد يسيره. في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة. وهو في غاية الحرارة من العطش الشديد ولا يكاد يصيغه فانه اذا قرب الى وجهه شواه واذا وصل الى بطنه قطع ما اتى عليه من الامعاء مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ذلك هو الضلال البعيد. يخبر تعالى عن اعمال الكفار التي اعملوها اما ان المراد بها الاعمال التي عملوها لله. لانها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد. الذي هو ادق الاشياء واخفها اذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب فانه لا يبقي منه شيئا ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل فكذلك اعمال الكفار لا يقدرون مما كسبوا على شيء. ولا على مثقال ذرة منه لانه مبني على الكفر والتكذيب ذلك هو الضلال البعيد. حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم. واما ان المراد بذلك اعمال الكفار عملوها ليكيدوا بها الحق. فانهم يسعون ويكدحون في ذلك. ومكرهم عائد اليهم. ولن يضروا الله ورسله وجنده وما معهم من الحق شيئا ينبه تعالى عباده بانه خلق السماوات والارض بالحق. اي ليعبده الخلق ويعرفوه ويأمرهم وينهاهم وليستدلوا بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال. وليعلموا ان الذي خلق السماوات والارض على عظمهما وسعت فيهما قادر على ان يعيدهم خلقا جديدا. ليجازيهم باحسانهم واساءتهم. وان قدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك هذا قال يحتمل ان المعنى ان يشأ يذهبكم ويأتي بقوم غيركم يكونون اطوع لله منكم ويحتمل ان المراد انه ان يشأ يفنيكم ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره بعده من احوال القيامة وما ذلك على الله بعزيز. اي بممتنع بل هو سهل عليه جدا. ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا ما لنا من محيص وبرزوا اي الخلائق لله جميعا حين ينفخ في الصور فيخرجون من الاجداث الى ربهم فيقفون في ارض مستوية قاع صفصف لا ترى فيها عوجا ولا امتى. ويبرزون له لا يخفى عليه منهم خافية. فاذا برزوا صاروا يتحاجون. وكل يدفع عن ويدافع ما يقدر عليه. ولكن انى لهم ذلك؟ فيقول الضعفاء اي التابعون والمقلدون للذين استكبروا هم المتبوعون الذين هم قادة في الضلال. انا كنا لكم تبعا اي في الدنيا امرتمونا بالضلال. وزينتموه لنا ولو مثقال ذرة قالوا اي المتبوعون والرؤساء اغويناكم كما غوينا ولو هدانا الله لهديناكم. فلا يغني احد احدا سواء علينا اجزعنا من العذاب. ام صبرنا عليه؟ ما لنا من محيص من ملجأ نلجأ اليه ولا مهرب لنا من عذاب الله ثم بعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم. اي وقال الشيطان الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم. مخاطبا لاهل النار ومتبرئا منهم. لما قضي الامر ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار. ان الله وعدكم وعد الحق على السنة رسله فلم تطيعوه. فلو اطعتموه لادركتم الفوز العظيم. ووعدتكم الخير فاخلفتكم اي لم يحصل ولن يحصل لكم وما منيتكم به من الامان الباطلة دعوتكم فاستجبتم لي. وما كان لي عليكم من سلطان. اي من حجة على تأييد قولي الا ان دعوتكم فاستجبتم لي اي هذا نهاية ما عندي. اني دعوتكم الى مرادي وزينته لكم. فاستجبتم لي اتباعا لاهوائكم وشهواتكم. فاذا كانت الحال بهذه الصورة. فلا تلوموني ولوموا انفسكم. فلا تلوموني ولوموا انفسكم انتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب ما انا بمصرخكم اي بمغيثكم من الشدة التي انتم بها وما انتم بمصرخي. كل له قسط من العذاب اني كفرت بما اشركتموني من قبل. اي تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله. ولا تجب طاعتي. ان الظالمين لانفسهم بطاعة الشيطان لهم عذاب اليم خالدين فيه ابدا. وهذا من لطف الله بعباده ان حذرهم من طاعة الشيطان. واخبر بمداخله التي يدخل منها على الانسان ومقاصده فيها وانه يقصد ان يدخله النيران. وهنا بين لنا انه اذا دخل النار وحزبه انه يتبرأ من منهم هذه البراءة ويكفر بشركهم ولا ينبئك مثل خبير. واعلم ان الله ذكر في هذه الاية انه ليس له سلطان وقال في اية اخرى انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة دليل فليس له حجة اصلا على ما يدعو اليه. وانما نهاية ذلك ان يقيم له من الشبه والتزيينات ما به يتجرأون على المعاصي اما السلطان الذي اثبته فهو التسلط بالاغراء على المعاصي لاوليائه يؤزهم الى المعاصي ازا وهم الذين سلطوه على انفسهم والالتحاق بحزبه. ولهذا ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر عقاب الظالمين ذكر ثواب الطائعين فقال تحتها الانهار جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها باذن ربك وادخل الذين امنوا وعملوا الصالحات. اي قاموا بالدين قولا وعملا واعتقادا. جنات تجري من تحتها الانهار فيها من اللذات والشهوات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. خالدين فيها باذن ربهم. اي لا وقوتهم بل بحول الله وقوته. اي اي بعضهم بعضا بالسلام والتحية والكلام الطيب كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء يقول تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة وهي شهادة ان لا اله الا الله وفروعها كشجرة طيبة وهي النخلة اصلها ثابت في الارض وفرعها منتشر في السماء. وهي كثيرة النفع دائما تؤتي اكلها كل حين باذن ربك تؤتي اكلها اي ثمرتها كل باذن ربها. فكذلك شجرة الايمان اصلها ثابت في قلب المؤمن. علما واعتقادا وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح الصالح والاخلاق المرضية والاداب الحسنة في السماء دائما. يصعد الى الله منه من الاعمال والاقوال التي تخرجها شجرة الايمان ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره. لعلهم يتذكرون ترون ما امرهم به ونهاهم عنه. فان في ضرب الامثال تقريبا للمعاني المعقولة من الامثال المحسوسة. ويتبين المعنى الذي اراده الله غاية بيان ويتضح غاية الوضوح. وهذا من رحمته وحسن تعليمه. فلله اتم الحمد واكمله واعمه. فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب المؤمن. ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها. فقال ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من ومثل كلمة من خبيثة كشجرة خبيثة المأكل والمطعم. وهي شجرة الحنظل ونحوها. اجتثت هذه الشجرة من فوق الارض. ما لها من القرار اي من ثبوت فلا عروق تمسكها ولا ثمرة صالحة تنتجها. بل ان وجد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة ذلك كلمة الكفر والمعاصي. ليس لها ثبوت نافع في القلب. ولا تثمر الاكل قول خبيث. وعمل خبيث. يستضر به صاحبه ولا ينتفع فلا يصعد الى الله منه عمل صالح. ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ويضل الله الظالمين ويفعل الله يخبر تعالى انه يثبت عباده المؤمنين. اي الذين قاموا بما عليهم من ايمان القلب التام الذي يستلزم اعمال الجوارح ويثمرها فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية الى اليقين. وعند للشهوات بالارادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها. وفي الاخرة عند الموت بالثبات على الدين الاسلامي والخاتمة الحسنة وفي القبر عند سؤال الملكين. للجواب الصحيح اذا قيل للميت من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك هداهم للجواب الصحيح بان يقول المؤمن الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي ويضل الله الظالمين عن وابي في الدنيا والاخرة. وما ظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم. وفي هذه الاية دلالة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه. كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة وصفتها ونعيم القدر وعذابه المتر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا. واحلوا قومهم دار البوار جهنم يقول تعالى مبينا حال المكذبين لرسوله من كفار قريش وما ال اليه امرهم المتر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ونعمة الله هي ارسال محمد صلى الله عليه وسلم اليهم. يدعوهم الى ادراك الخيرات في الدنيا والاخرة والى النجاة من شرور الدنيا والاخرة. فبدلوا هذه النعمة بردها والكفر بها والصد عنها بانفسهم وصدهم غيرهم حتى احلوا قومهم دار البوار. وهي النار حيث تسببوا لاضلالهم. فصاروا وبالا على قومهم من حيث يظن ومن ذلك انهم زينوا لهم الخروج يوم بدر. ليحاربوا الله ورسوله. فجرى عليهم ما جرى. وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة جهنم يصلونها اي يحيط بهم حرها من جميع جوانبهم وجعلوا لله اندادا اي نظراء وشركاء ليضيف صلوا عن سبيله اي ليضلوا العباد عن سبيل الله. بسبب ما جعلوا لله من الانداد. ودعوهم الى عبادتها. قل لهم متوعدا تمتعوا بكفركم وضلالكم قليلا. فليس ذلك بنافعكم. اي مآذن ومقركم ومأواكم فيها. وبئس المصير. قل لعبادي الذين امنوا يقيموا الصلاة وينفقوا من انا رزقناهم سرا وعلانية سرا وعلانية من قبل ان يأتي يوم اي قل لعبادي المؤمنين امرا لهم بما فيه غاية صلاحهم. وان انتهز الفرصة قبل الا يمكنهم ذلك يقيموا الصلاة ظاهرا وباطنا. وينفقوا مما رزقناهم اي من النعم التي انعمنا بها عليهم قليلا او كثيرا سرا وعلانية. وهذا يشمل النفقة الواجبة كالزكاة ونفقة من تجب عليه نفقته. والمستحبة كالصدقة ونحوها اي لا فيه شيء ولا سبيل الى استدراك ما فات. لا بمعاوضة بيع وشراء ولا بهبة خليل وصديق. فكل امرئ له شأن يغنيه يقدم العبد لنفسه ولينظر ما قدمه لغد وليتفقد اعماله ويحاسب نفسه قبل الحساب الاكبر خلق السماوات والارض وانزل من السماء ماء فاخرج به من السمرات رزقا لكم يخبر تعالى انه وحده الذي خلق السماوات والارض على اتساعهما وعظمهما. وانزل من السماء ماء وهو المطر الذي ينزله الله من السحاب. فاخرج بذلك الماء من الثمرات المختلفة الانواع. رزقا لكم ورزقا لانعامكم. وسخر لكم الفلك اي السفن والمراكب. لتجد في البحر بامره فهو الذي يسر لكم صنعتها واقدركم عليها وحفظها على تيار الماء لتحملكم وتحمل تجارات وامتعتكم الى بلد تقصدونه. لتسقي حروفكم واشجاركم وتشربوا منها سخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار سخر لكم الشمس والقمر دائبين لا يفتران ولا ينيان يسعيان بمصالحكم من حساب ازمنتكم ومصالح ابدانكم وزروعكم وثماركم. وسخر لكم الليل لتسكنوا فيه. والنهار مبصرا. لتبتغوا من فضله من كل ما سألته وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها واتاكم من كل ما سألتموه اي معكم من كل ما تعلقت به امانيكم وحاجتكم مما تسألونه اياه بلسان الحال او بلسان المقال من انعام والات و قناعات وغير ذلك. وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. فضلا عن قيامكم بشكرها اي هذه طبيعة الانسان من حيث هو ظالم متجرأ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفار لنعم الله. لا يشكرها ولا يعترف بها الا من هداه الله فشكر نعمه. وعرف حق ربه وقام ففي هذه الايات من اصناف نعم الله على العباد شيء عظيم. مجمل ومفصل يدعو الله به العباد الى القيام بشكره وذكره يحثهم على ذلك ويرغبهم في سؤاله ودعائه. اناء الليل والنهار. كما ان نعمه تتكرر عليهم في جميع الاوقات. وان قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام واذكر ابراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة الجميلة. اذ قال رب اجعل هذا البلد اي الحرم امنا. فاستجاب الله دعاءه شرعا وقدرا فحرمه الله في الشرع ويسر من اسباب حرمته قدرا ما هو معلوم. حتى انه لم يرده ظالم بسوء الا قسمه الله كما فعل باصحاب الفيل وغيرهم. ولما دعا له بالامن دعا له ولبنيه بالامن. فقال اي اجعلني واياهم جانبا بعيدا عن عبادتها والالمام بها. ثم ذكر الموجب به عليه وعلى بنيه بكثرة من افتتن وابتلي بعبادتها فقال ومن عصاني فانك غفور رحيم. ربي انهن اضللن فكثيرا من الناس اي ظلوا بسببها فمن تبعني على ما جئت به من التوحيد والاخلاص لله رب العالمين. فانه مني لتمام ومن احب قوما وتبعهم التحق بهم. وهذا من شفقات الخليل عليه الصلاة والسلام حيث دعا للعاصين بالمغفرة والرحمة من الله. والله تبارك وتعالى ارحم منه بعباده. لا يعذب الا من تمرد عليه بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من السمرات لعلهم يشكرون. وذلك انه اتى بهاجر ام اسماعيل وابنها اسماعيل عليه الصلاة والسلام. وهو في الرضاع من الشام حتى وضعهما في مكة. وهي اذ ذاك ليس فيها سكن ولا داع ولا مجيب فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال متضرعا متوكلا على ربه. ربنا اني اسكنت من ذريتي اي لا كل ذريتي لان اسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك. وانما اسكن في مكة اسماعيل وذريته. وقوله بواد غير ذي زرع اي لان ارض مكة لا تصلح للزراعة. ربنا ليقيموا الصلاة اي اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة. لان اقامة الصلاة من اخص وافضل وللعبادات الدينية. فمن اقامها كان مقيما لدينه. فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم اي تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فاجاب الله دعاءه فاخرج من ذرية اسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته الى الدين الاسلامي والى ابيهم ابراهيم فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة. وافترض الله حج هذا البيت الذي اسكن به ذرية ابراهيم. وجعل فيه سرا جاذبا للقلوب فهي تحجه ولا تقضي منه وترا على الدوام. بل كلما اكثر العبد التردد اليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه وهذا سر اضافته تعالى الى نفسه المقدسة. وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون فاجاب الله دعاءه. فصار يجبى اليه ثمرات كل شيء. فانك ترى مكة المشرفة كل وقت. والثمار فيها متوفرة ارزاق تتوالى اليها من كل جانب ربنا انك تعلم ما نخفي وما نعلن. اي انت اعلم بنا منا فنسألك من تدبيرك وتربيتك لنا ان تيسر لنا من الامور التي نعلمها والتي لا نعلمها. ما هو مقتضى علمك ورحمتك ومن ذلك هذا الدعاء الذي لم يقصد به الخليل الا الخير وكثرة الشكر لله رب العالمين. الحمد لله الذي وهبني على الكبر اسماعيل واسحاق فهبتهم من اكبر النعم. وكونهم على الكبر في حال الاياس من الاولاد. نعمة اخرى وكونهم انبياء صالحين اجل وافضل. اي لقريب الاجابة ممن دعاه قد دعوته فلم يخيب رجائي ثم دعا لنفسه ولذريته فقال ربنا اغفر لي ولوالدي المؤمنين يوم يقوم فاستجاب الله له في ذلك كله الا ان دعاء لابيه انما كان عن موعدة وعده اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ثم قال تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل انما يؤخرهم هذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين. يقول تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. حيث امهلهم وادر عليهم الارزاق. وتركهم يتقلبون في البلاد امنين مطمئنين فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم. فان الله يملي للظالم ويمهله ليزداد اثما. حتى اذا اخذه لم يفلته. وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة. ان اخذه اليم شديد. والظلم ها هنا يشمل الظلم فيما بين العبد وربه. وظلمه لعباده يد الله انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار. اي لا تطرف من شدة ما ترى من الاهوال وما ازعجها من القلاقل مهضعين اي مسرعين الى اجابة الداعي حين يدعوهم الى الحضور بين يدي الله للحساب. لا امتناع لهم ولا ولا ملجأ مقنعي رؤوسهم اي رافعيها قد غلت ايديهم الى الاذقان فارتفعت بذلك رؤوسهم اي افئدتهم فارغة من قلوبهم. قد صعدت الى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق. وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله وعليه وسلم وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب اي صف لهم صفة تلك الحال. وحذرهم من الاعمال الموجبة للعذاب. الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله. فيقول الذين ظلموا بالكفر والتكذيب وانواع المعاصي. نادمين على ما فعلوا. سائلين للرجعة في غير وقتها ربنا اخرنا الى اجل قريب. اي ردنا الى الدنيا فانا قد ابصرنا نجيب دعوتك. والله يدعو الى دار السلام اتبع الرسل وهذا كله لاجل التخلص من العذاب. والا فهم كذبة في هذا الوعد. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولهذا يوبخون ويقال لهم اولم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال عن الدنيا وانتقال الى الاخرة. فها قد تبين حنثكم في اقسامكم. وكذبكم فيما تدعون وليس عليكم قاصر في الدنيا من اجل الايات البينات. بل وسكنتم في مساكن الذين ظلموا وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم وتبين لكم كيف فعلنا بهم من انواع العقوبات وكيف احل الله بهم العقوبات؟ حين كذبوا بالايات وضربنا لكم الامثال الواضحة التي لا تدع ادنى شك في القلب الا ازالته. فلم تنفع فيكم تلك الايات بل اعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار ووصلتم الى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل وقد مكروا ومكره الله عند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال وقد مكروا اي المكذبون للرسل مكرهم الذي وصلت اراداتهم. وعند الله مكرهم اي هو محيط به علما وقدرة فانه عاد مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيء الا باهله. وان كان مكرهم لتزول منه الجبال آآ ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق. وبمن جاء به من عظمه لتزول الجبال الراسيات بسببه عن اماكنها اي مكروا مكرا كبارا. لا يقادر قدره. ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا او يبطل حقا. والقصد ان مكرهم لم يغني عنهم شيئا. ولم يضروا الله شيئا. وانما انفسهم يقول تعالى فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله بنجاتهم اتباعهم وسعادتهم واهلاك اعدائهم وخذلانهم في الدنيا وعقابهم في الاخرة. فهذا لا بد من وقوعه. لانه وعد به الصادق قول على السنة اصدق خلقه وهم الرسل وهذا اعلى ما يكون من الاخبار. خصوصا وهو مطابق للحكمة الالهية والسنن الربانية وللعقول الصحيحة. والله تعالى لا يعجزه شيء. فانه عزيز ذو انتقام. اي اذا اراد ان ينتقم من احد انه لا يفوته ولا يعجزه. وذلك في يوم القيامة تبدل غير السماوات وهذا التبديل تبديل صفات لا تبديل ذات. فان الارض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الاديم. ويلقى ما على ظهرها من جبل ومعلم فتصير قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا امتا. وتكون السماء كالمهل من شدة اهوال ذلك اليوم. ثم يطويها الله الله تعالى بيمينه وبرزوا اي الخلائق من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء. وبرزوا لله الواحد القهار. اي المتفرد بعظمته واسمائه وصفاته وافعاله العظيمة وقهره لكل العوالم. فكلها تحت تصرفه وتدبيره. فلا يتحرك منها متحرك. ولا يسكن ساكن الا باذنه المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفار وترى المجرمين اي الذين وصفهم الاجرام وكثرة الذنوب في ذلك اليوم يسلسل كل اهل عمل من المجرمين بالسلاسل من نار. فيقادون الى العذاب في اذل صورة واشنعها وابشعها. سرابيلهم وتغشى وجوههم سرابيلهم اي كتابهم من قطران وذلك لشدة اشتعال النار فيه وحرارتها ونتن ريحها. وتغشى وجوههم التي هي اشرف ما في ابدانهم النار اي تحيط بها وتصلاها من كل جانب. وغير الوجوه من باب اولى واحرى. وليس هذا ظلما من الله لهم. وانما هو وجزاء لما قدموا وكسبوا. ولهذا قال تعالى ليجزي الله كل نفس ما كسبت ان الله سريع الحساب. ليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر. بالعدل والقسط. الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه. كقوله تعالى اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ويحتمل ان معناه سريع المحاسبة فيحاسب الخلق في ساعة واحدة كما يرزقهم ويدبرهم بانواع التدابير في لحظة واحدة لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه. فلما بين البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه بلاغ للناس وليندروا به وليعلموا انما هو اله هو هذا بلاغ للناس اي يتبلغون به ويتزودون الى الوصول الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. لما اشتمل عليه من الاصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد انذروا به لما فيه من الترهيب من اعمال الشر. وما اعد الله لاهلها من العقاب. وليعلموا ان ما هو اله واحد. حيث صرف فيه من والبراهين على الوهيته ووحدانيته. ما صار ذلك حق اليقين اي العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرهم فيتركونه. وبذلك صاروا اولي الالباب والبصائر اذ بالقرآن ازدادت معارفهم واراؤهم. وتنورت افكارهم لما اخذوه غضا طريا. فانه لا يدعو الا الى اعلى الاخلاق والاعمال وافضلها. ولا يستدل على ذلك الا باقوى الادلة وابينها. وهذه القاعدة اذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة والحمدلله رب العالمين