المسجد وليحلفن ان اردنا في بنائنا اياه الا الحسنى. اي الاحسان الى الضعيف والعاجز والضرير. والله يشهد انهم لك فشهادة الله عليهم اصدق من حلفهم فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله العمل المؤسس على شفا جرف انهار فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة. يقاتلون في سبيل وعدا عليه حقا في التوراة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى وقل لهؤلاء المنافقين اعملوا ما ترون من الاعمال واستمروا على باطلكم فلا تحسبوا ان سيخفى فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. اي لابد ان يتبين عملكم ويتضح. وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه وغيه وعصيانه ويحتمل ان المعنى انكم مهما عملتم من خير او شر فان الله مطلع عليكم. وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين على اعمالكم ولو كانت باطلة والله عليم حكيم اي واخرون من المخلفين مؤخرون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم. ففي هذا التخويف الشديد للمتخلفين. والحث لهم على التوبة والندم. والله عليم في احوال العباد ونياتهم حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. فان اقتضت حكمته ان يغفر لهم ويتوب عليهم. غفر لهم اللهم تاب عليهم وان اقتضت حكمته ان يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة. فعل ذلك والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله كان اناس من المنافقين من اهل قباء اتخذوا مسجدا الى جنب مسجد قباء يريدون به المضارة والمشاقة بين من المؤمنين ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين لله ورسوله. يكون لهم حصنا عند الاحتياج اليه. فبين تعالى خزيهم واظهر سرهم فقال والذين اتخذوا مسجدا ضرارا اي مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه وكفرا اي قصدهم فيه الكفر اذا قصد غيرهم الايمان وتفريقا بين المؤمنين اي ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا وارصادا اي اعداد لمن حرم الله ورسوله من قبل. اي اعانة للمحاربين لله ورسوله. الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم. وذلك كابي عامر الراهب الذي كان من اهل المدينة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة. كفر به وكان متعمدا في الجاهلية. فذهب الى يستعين بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب الى قيصر. بزعمه انه ينصره. فهلك اللعين في الطريق وكان على وعد وممالأة هو والمنافقون. فكان مما اعدوا له مسجد الضرار. فنزل الوحي بذلك فبعث اليه النبي النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه ويحرقه فهدم وحرق وصار بعد ذلك مزبلة. قال تعالى بعدما بين من مقاصدهم الفاسدة في لا تقم فيه ابدا اي لا تصلي في ذلك المسجد الذي بني ضرارا ابدا. فالله يغنيك عنه ولست بمضطر اليه. لمسجد اسس على التقوى من اول يوم ظهر فيه الاسلام في قباء. وهو مسجد قباء اسس على اخلاص الدين لله واقامة ذكره وشعائر دينه. وكان قديما في هذا عريقا فيه. فهذا المسجد الفاضل احق ان تقوم فيه وتتعبد. وتذكر الله وتعالى فهو فاضل واهله فضلاء. ولهذا مدحهم الله بقوله فيه رجال يحبون ان يتطهروا من الذنوب ويتطهروا من من الاوساخ والنجاسات والاحداث. ومن المعلوم ان من احب شيئا لابد ان يسعى له ويجتهد فيما يحب. فلا بد انهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والاحداث ولهذا كانوا ممن سبق اسلامه وكانوا مقيمين للصلاة محافظين على الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. واقامة الدين وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله. وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الاية في مدحهم عن طهارتهم فاخبروه انهم يتبعون الحجارة الماء فحمدهم على صنيعهم. والله يحب المطهرين الطهارة المعنوية كالتنزه من الشرك والاخلاق الرذيلة والطهارة الحسية كازالة الانجاس ورفع الاحداث. ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد اهلها وموافقتها لرضاه فقال اسس بنيانه على شفا جرف هار. اسس بنيانه على شفا جرف نار فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين. افمن اسس بنيانه على تقوى من الله. اي على نية صالحة واخلاص. ورضوان بان كان موافقا لامره. فجمع في عمله بين الاخلاص متابعة خير امن اسس بنيانه على شفا. اي على طرف جرف هار. اي بال قد تداعى للانهدام. فانهارت به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لما فيه مصالح دينهم ودنياهم. لا يزال بنيانهم الذي بنوا والله عليم حكيم لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم اي شكا وريبا ماكثا في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم بان يندموا غاية ندم ويتوب الى ربهم ويخافوه غاية الخوف. فبذلك يعفو الله عنهم والا فبنيانهم لا يزيدهم الا ريبا الى ريبهم. ونفاقا الى نفاقهم والله عليم بجميع الاشياء ظاهرها وباطنها خفيها وجليها وبما اسره العباد واعلنوه حكيم لا يفعل ولا يخلق ولا يأمر ولا ينهى الا ما اقتضته الحكمة وامر به فلله الحمد. وفي هذه الايات عدة فوائد من ان اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار لمسجد اخر بقربه انه محرم. وانه يجب هدم مسجد الضرار. الذي اطلع على مقصود اصحابه ومنها ان العمل وان كان فاضلا تغيره النية فينقلب منهيا عنه كما قلبت نية اصحاب مسجد الضرار عملهم الى ما ومنها ان كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين. فانها من المعاصي التي يتعين تركها وازالتها. كما ان كل حالة بها جمع المؤمنين وائتلافهم. يتعين اتباعها والامر بها والحث عليها. لان الله علل اتخاذهم لمسجد الضرار بهذا المقصد الموجب للنهي كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة لله ورسوله. ومنها النهي عن الصلاة في اماكن المعصية والبعد عنها وعن قربها ومنها ان المعصية تؤثر في البقاع كما اثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار ونهي عن القيام فيه وكذلك الطاعة تؤثر في كما اثرت في مسجد قباء حتى قال الله فيه لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه. ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره. حتى كان صلى الله عليه وسلم يزور قباء كل سبت يصلي فيه. وحث على الصلاة فيه. ومنها انه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الاية اربع قواعد مهمة. وهي كل عمل فيه مضارة لمسلم او فيه معصية لله فان المعاصي من فروع الكفر او فيه تفريق بين المؤمنين او فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله. فانه محرم ممنوع منه وعكسه بعكسه منها ان الاعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعيلها عن الله بمنزلة الاصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة بحيث يتقطع قلبه من الندم والحسرات. ومنها انه اذا كان مسجد قباء مسجدا اسس على التقوى. فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي اسسه بيده المباركة وعمل فيه واختاره الله له. من باب اولى واحرى. ومنها ان العمل المبني على الاخلاص والمتابعة هو العمل المؤسس على التقوى. الموصل لعامله الى جنات النعيم. والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال ومن اوفى بعهده من يخبر تعالى خبرا صادقا ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة ومعاوضة جسيمة. وهو انه اشترى بنفسه الكريمة من المؤمنين انفسهم واموالهم. فهي المثمن والسلعة المبيعة بان لهم الجنة التي فيها ما تشتهيه الانفس. وتلذ الاعين من انواع والافراح والمسرات والحور الحسان والمنازل الانيقات. وصفة العقد والمبايعة بان يبذلوا لله نفوسهم واموالهم في جهاد اعدائه لاعلاء كلمته واظهار دينه. فيقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون. فهذا العقد والمبايعة قد صدرت من الله مؤكدة بانواع التأكيدات وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن التي هي اشرف الكتب التي طرقت العالم واعلاها واكملها وجاء بها اكمل الرسل اولوا العزم. وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق. ومن اوفى بعهده من الله. فاستبشروا ايها المؤمنون القائمون بما وعدكم الله ببيعكم الذي بايعتم به. اي لتفرحوا بذلك. وليبشر بعضكم بعضا. ويحث بعضكم بعضا وذلك هو الفوز العظيم. الذي لا فوز اكبر منه ولا اجل. لانه يتضمن السعادة الابدية والنعيم المقيم. والرضا من الله الذي هو اكبر من نعيم الجنات. واذا اردت ان تعرف مقدار الصفقة فانظر الى المشتري من هو وهو الله جل جلاله. والى العوظ. وهو اكبر الاعوام واجلها جنات النعيم. والى الثمن المبذول فيها وهو النفس والمال الذي هو احب الاشياء للانسان. والى من جرى على يد فيه عقد هذا التبايع وهو اشرف الرسل. وباي كتاب رقم؟ وهي كتب الله الكبار المنزلة على افضل الخلق العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون وبشر المؤمنين كأنه قيل من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات. فقال هم التائبون اي الملازمون للتوبة في جميع الاوقات من جميع السيئات العابدون اي المتصفون بالعبودية لله. والاستمرار على طاعته من اداء الواجبات والمستحبات في كل وقت. فبذلك يكون العبد من العابدين. الحامدون لله في السراء والضراء واليسر والعسر. المعترفون بمال الله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة المثنون على الله بذكرها وبذكره في اناء الليل واناء النهار. السائحون فسرت السياحة بالصيام او السياحة في طلب العلم وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته. والانابة اليه على الدوام. والصحيح ان المراد بالسياحة السفر في القروبات كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الاقارب ونحو ذلك. الراكعون الساجدون اي المكثرون من الصلاة المشتملة على الركوع والسجود الامرون بالمعروف ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات. والناهون عن المنكر وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه حافظون لحدود الله بتعلمهم حدود ما انزل الله على رسوله. وما يدخل في الاوامر والنواهي والاحكام وما لا يدخل. الملازمون لها فعلا وترك وبشر المؤمنين لم يذكر ما يبشرهم به ليعم جميع ما رتب على الايمان من ثواب الدنيا والدين والاخرة. فالبشارة ناولة لكل مؤمن واما مقدارها وصفتها فانها بحسب حال المؤمنين وايمانهم قوة وضعفا وعملا بمقتضاه اكان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما بين لهم انهم اصحاب الجحيم. يعني ما يليق ولا يحسن للنبي والمؤمنين به ان يستغفروا للمشركين اي لمن كفر به وعبد معه غيره. ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم. فان الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد. فلا يليق بالنبي والمؤمنين. لانهم اذا ماتوا على الشرك او علم انهم يموتون عليه. فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار. ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين. وايضا فان النبي والذين امنوا معه عليهم ان يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه. ويوالوا من والاه ويعادوا من عاداه الله. والاستغفار منهم لمن تبين انه من اصحاب النار مناف لذلك مناقب له فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لاواهم حليم. ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام لابيه فانه عن موعدة وعدها اياه في قوله ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. وذلك قبل ان يعلم عاقبة ابيه فلما تبين لابراهيم ان اباه عدو لله سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير تبرأ منه موافقة لربه تأدبا معه ان ابراهيم لاواه اي رجاع الى الله في جميع الامور. كثير الذكر والدعاء والاستغفار والانابة الى ربه. حليم ايظ رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم اليه من الزلات. لا يستفزه جهل الجاهلين. ولا يقابل الجاني عليه بجرمه. فابوه قال له لارجمنك وهو يقول له سلام عليك ساستغفر لك ربي. فعليكم ان تقتدوا وتتبعوا ملة ابراهيم في كل شيء الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. كما نبهكم الله عليها وعلى غيرها. ولهذا قال الله ليضل قوما بعد ان هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ان الله يعني ان الله تعالى اذا من على قوم بالهداية وامرهم بسلوك الصراط المستقيم فانه تعالى يتمم عليهم احسانه. ويبين لهم جميع ما يحتاجون اليه وتدعو اليه ضرورتهم. فلا يتركهم ضالين جاهلين بامور دينهم ففي هذا دليل على كمال رحمته. وان شريعته وافية بجميع ما يحتاجه العباد في اصول الدين وفروعه. ويحتمل ان المراد بذلك وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. فاذا بين لهم ما يتقون فلم ينقادوا له عاقبهم بالاضلال جزاء لهم على ردهم الحق المبين والاول اولى. ان الله بكل شيء عليم. فلكمال علمه وعمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون بين لكم ما به تنتفعون ان الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وما لكم من دون ان الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت اي هو المالك ولذلك المدبر لعباده بالاحياء والاماتة وانواع التدابير الالهية. فاذا كان لا يخل بتدبيره القدري. فكيف يخل بتدبيره المتعلق بالهيته. ويترك عباده سدى مهملين. او يدعهم ضالين جاهلين. وهو اعظم توليه لعباده. فلهذا هذا قال وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. اي ولي يتولاكم يجلب المنافع لكم. او نصير يدفع عنكم المضار