عالم بظواهركم وبواطنكم. وما يعزب عن ربك اي ما يغيب عن علمه وسمعه وبصره ومشاهدته. من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. اي قد احاط به علمه وجرى به قلمه. وهاتان المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يقول تعالى مرغبا للخلق في الاقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر اوصافه الحسنة الضرورية للعباد. فقال يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم. اي تعظكم وتنذركم عن الاعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه. وتحذركم عنها ببيان اثارها ومفاسدها. وشفاء في الصدور وهو هذا القرآن شفاء لما في الصدور من امراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وامراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني فان ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة واذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة من الشر. ونمتا على تكرار ما يرد اليها من معاني القرآن. اوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس صار ما يرضي الله احب الى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والادلة التي صرفها الله غاية التصريف. وبينها احسن مما يزيل الشبه القادحة في الحق. ويصل به القلب الى اعلى درجات اليقين. واذا صح القلب من مرضه ورفل باثواب العافية تبعته الجوارح كلها فانها تصلح بصلاحه وتفسد بفساده وهدى ورحمة للمؤمنين. فالهدى هو العلم بالحق العمل به والرحمة هي ما يحصل من الخير والاحسان. والثواب العاجل والاجل لمن اهتدى به. فالهدى اجل الوسائل والرحمة اكمل المقاصد والرغائب. ولكن لا يهتدي به ولا يكون رحمة الا في حق المؤمنين. واذا حصل الهدى وحلت الرحمة الناشئة عنه. حصلت السعادة والفلاح والربح والنجاح والفرح والسرور. ولذلك امر تعالى بالفرح بذلك فقال قل بفضل الله الذي هو القرآن الذي هو اعظم نعمة ومنة وفضل تفضل الله به على عباده ورحمته. الدين والايمان وعبادة الله ومحبته ومعرفته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون من متاع الدنيا ولذاتها. فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين. لا نسبة بينها وبين جميع ما في الدنيا مما هو مضمحل زائل عن قريب. وانما امر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته. لان ذلك مما يوجب انبساطه نفسي ونشاطها وشكرها لله تعالى وقوتها وشدة الرغبة في العلم والايمان. الداعية للازدياد منهما. وهذا فرح محمود بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها او الفرح بالباطل. فان هذا مذموم. كما قال تعالى عن قوم قارون له لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل. المناقض لما جاءت به الرسل ما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. قل ارأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعل يقول تعالى منكرا على المشركين الذين ابتدعوا تحريم ما احل الله وتحليل ما حرم قل ارأيتم ما انزل الله لكم من رزق يعني انواع الحيوانات المحللة. التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. قل لهم موبخا على هذا القول الفاسد الله اذن لكم ام على الله تفترون؟ ومن المعلوم ان الله لم يأذن لهم فعلم انهم مفترون ان الله وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة؟ ان يفعل الله بهم من النكال ويحل بهم من العقاب. قال الله تعالى ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. ان الله لذو فضل على الناس كثير. وذو احسان جزيل ولكن اكثر الناس لا يشكرون اما ان لا يقوموا بشكرها واما ان يستعينوا بها على معاصيه. واما ان يحرموا منها. ويردوا ما الله به على عباده. وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة. ويثني بها على الله ويستعين بها على طاعته. ويستدل بهذه اية على ان الاصل في جميع الاطعمة الحل الا ما ورد الشرع بتحريمه. لان الله انكر على من حرم الرزق الذي انزله لعباده اذ تفيضون فيه. وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء الا في كتاب مبين. يخبر تعالى عن مشاهدته واطلاعه على جميع احوال العباد. في حركاتهم وسكناتهم وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام. فقال قال وما تكونوا في شأن اي حال من احوالك الدينية والدنيوية وما تتلو منه من قرآن اي وما تتلو من القرآن الذي اوحاه الله ولا تعملون من عمل صغير او كبير الا كنا شهودا اذ تفيضون فيه. اي وقت شروعكم فيه واستمراركم على العمل فراقبوا الله في اعمالكم. وادوها على وجه النصيحة والاجتهاد فيها. واياكم وما يكره الله تعالى. فانه مطلع ثبتان من مراتب القضاء والقدر كثيرا ما يقرن الله بينهما وهما العلم المحيط بجميع الاشياء وكتابته المحيطة بجميع حوادث كقوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يخبر تعالى عن اوليائه واحبائه ويذكر اعمالهم واوصافهم وثوابهم. فقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم فيما يستقبلونه مما امامهم من والاهوال ولا هم يحزنون على ما اسلفوا. لانهم لم يسرفوا الا صالح الاعمال. واذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لهم الامن والسعادة والخير الكثير الذي لا يعلمه الا الله تعالى. ثم ذكر وصفهم فقال الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وبالقدر خيره وشره وصدقوا انهم باستعمال التقوى بامتثال الاوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله تعالى وليا. لهم البشرى وفي الحياة الدنيا وفي الاخرة. ذلك هو الفوز العظيم ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. اما البشارة في الدنيا فهي الثناء الحسن. والمودة في قلوب المؤمنين. والرؤيا الصالحة وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لاحسن الاعمال والاخلاق. وصرفه عن مساوئ الاخلاق. واما في الاخرة فاولها البش عند قبض ارواحهم كما قال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم. وفي الاخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الاليم. لا تبديل لكلمات الله. بل ما وعد الله فهو حق. لا يمكن تغييره ولا لانه الصادق في قيله الذي لا يقدر احد ان يخالفه فيما قدره وقضاه. ذلك هو الفوز العظيم لانه اشتمل على يأتي من كل محذور والظفر بكل مطلوب محبوب. وحصر الفوز فيه لانه لا فوز لغير اهل الايمان والتقوى. والحاصل ان بشرى شاملة لكل خير وثواب. رتبه الله في الدنيا والاخرة على الايمان والتقوى. ولهذا اطلق ذلك فلم يقيد كقولهم ان العزة لله جميعا هو السميع العليم. اي ولا يحزنك قول المكذبون فيك من الاقوال التي يتوصلون بها الى القدح فيك وفي دينك. فان اقوالهم لا تعزهم ولا تضرك شيئا. ان العزة لله في جميع يؤتيها من يشاء ويمنعها ممن يشاء. قال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. اي فليطلبها طاعته بدليل قوله بعده اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ومن المعلوم انك على طاعة الله وان العزة لك ولاتباعك من الله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وقوله هو السميع العليم. اي سمعه قد احاط بجميع الاصوات فلا يخفى عليه شيء منها. وعلمه قد احاط بجميع الظواهر والبواطن. فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا من ذلك ولا اكبر وهو تعالى يسمع قولك وقول اعدائك فيك ويعلم ذلك تفصيلا فاكتف بعلم الله وكفايته فمن اتق الله فهو حسبه. الا ان لله من في السماوات ومن في الارض ان يتبعون الا الظن وانهم يخبر تعالى ان له ما في السماء السماوات والارض خلقا وملكا وعبيدا. يتصرف فيهم بما شاء من احكامه. فالجميع مماليك لله مسخرون مدبرون. لا يستحقون شيئا من العبادة وليسوا شركاء لله بوجه من الوجوه. ولهذا قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء يتبعون الا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. وان هم الا يخرصون في ذلك. خرص كذب وافك وبهتان. فاذا كانوا صادقين في انها شركاء لله. فليظهروا من اوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة. فلن يستطيعوا فهل منهم احد يخلق شيئا او يرزق او يملك شيئا من المخلوقات. او يدبر الليل والنهار. الذي جعله الله قياما للناس الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا. ان في ذلك لايات لقوم يسمعون هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه في النوم والراحة بسبب الظلمة التي تغشى وجه الارض. فلو استمر الضياء لما قروا ولما سكتوا وجعل الله النهار مبصرا اي مضيئا يبصر به الخلق فيتصرفون في معايشهم ومصالح دينهم ودنياهم ان في ذلك لايات لقوم يسمعون عن الله سمع فهم وقبول واسترشاد. لا سمعت تعنت وعناد. فان في ذلك لايات لقوم من يسمعون يستدلون بها على انه وحده المعبود. وانه الاله الحق وان الهية ما سواه باطلة. وانه الرؤوف الرحيم العليم الحكيم هو الغني لهما في السماوات وما في الارض ان عندكم من سلطان بهذا اتقولون على الله ما لا تعلمون. يقول تعالى مخبرا عن بهت المشركين لرب العالمين. قالوا اتخذ الله لدى فنزه نفسه عن ذلك بقوله سبحانه اي تنزه عما يقول الظالمون في نسبة النقائص اليه علوا كبيرا. ثم رهان على ذلك بعدة براهين احدها قوله هو الغني اي الغنى منحصر فيه وانواع الغنى مستغرقة فيه فهو اي الذي له الغنى التام بكل وجه واعتبار من جميع الوجوه. فاذا كان غنيا من كل وجه فلاي شيء يتخذ الولد؟ الحاجه منه الى الولد فهذا مناف لغناه. فلا يتخذ احد ولدا الا لنقص في غناه. البرهان الثاني قوله له ما في السماوات وما في الارض وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من اهل السماوات والارض. الجميع مخلوقون عبيد مماليك. ومن المعلوم ان هذا الوصف العام ينافي ان يكون له منهم ولد فان الولد من جنس والده لا يكون مخلوقا ولا مملوكا. فملكيته لما في السماوات والارض الارض عموما تنافي الولادة. البرهان الثالث قوله ان عندكم من سلطان بهذا. اي هل عندكم من حجة وبرهان يدل على ان لله ولدا. فلو كان لهم دليل لابدوه. فلما تحداهم وعجزهم عن اقامة الدليل. علم بطلان ما قالوه. وان ذلك قوله بلا علم ولهذا قال اتقولون على الله ما لا تعلمون؟ فان هذا من اعظم المحرمات يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم الينا مرجع قل ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. اي لا ينالون مطلوبهم ولا يحصل لهم مقصودهم. وانما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلة ثم ينتقلون الى الله ويرجعون اليه. فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون. وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون