المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة الثامنة والثلاثون والمئة محاورة بين مؤمن وملحد جرت صورة محاورة بين مؤمن وملحد فقال المؤمن للملحد يجب علينا ان نتفاهم ويخبر كل منا عن عقيدته وغايتها والسبب الذي اداه اليها والادلة التي تؤيدها والاشكالات التي ترد عليها فقال الاخر لا بأس هذا هو اللازم على من يريد الوقوف على الحقائق واتباعها ويريد الانصاف وهذه الطريقة العلمية التي اتفق عليها جميع العقلاء ودعني ابين لك معتقدي والاسباب التي ادتني اليه والغايات التي اريدها باعمالي فقال هات ما عندك فقال الملحد اما معتقدي فاني اعتقد بوجود جميع المحسوسات التي ينالها الحس وتدرك بالحواس واعترف بها واتبع النافع منها وما سوى ذلك فاني لا اعترف به بل انكره غاية الانكار فلا اعترف بالخالق ووحدانيته فضلا عن اعترافي بالوحي والرسل والمعاد فكلها حيث لم يدركها حسي ولم تدخل تحت معلوماتي كيف اعترف بها وقد اقتديت في هذا السبيل بكثير من فلاسفة العلم الموجودين والمفقودين فلي فيهم اسوة وهم عندي نعم القدوة لشهرتهم وذكائهم وكمال معلوماتهم ومعقولاتهم واما غايتي في هذا فاريد الراحة التامة في هذه الحياة التي لا حياة بعدها والانطلاق وراء مختارات النفوس واغراضها وعدم التقيد الذي هو غل للقلب وللجوارح فقصدي ان تكون اعمالي كلها حرة وشهواتي كلها حاصلة والاديان تمنع من هذا وتجعل الانسان في حبس وتغل اعماله وتشل حركاته كما ذكره علماؤنا وقدوتنا في هذا السبيل واما برهاني على ذلك فكما ذكرت لك ان هذا الرأي عليه من اكابر فلاسفة العالم واساطين العلماء ما هم نعم القدوة لي ولامثالي وبرهان ذلك ما تشاهده من مخترعاتهم وابداعهم في الحياة وسيطرتهم على العالم بفضل علمهم ونتائج افكارهم وترى اهل الدين بعكس هذه الحال ليس لهم تقدم في هذه الحياة ولا رقي وانتاج لهذه المخترعات فهذه عقيدتي القيتها اليك صريحة موضحة بحقيقتها وبراهينها فهاتي ما عندك فقال الموحد المؤمن اما عقيدتي فاني اذا شرحتها وابديتها عرفت وعرف غيرك ان الحق والمنافع التي ذكرتها انت في عقيدتك تدخل في ضمنها وتحتضن جميع الحقائق الصادقة وتنبذ ما في عقيدتك من الشر والضرر الاجل بل والعاجل اما انا فأؤمن بالرب العظيم الذي تضاءلت عظمة الموجودات كلها عند عظمته وصغرت العوالم كلها عند كبريائه وقدرته وواسع علمه وحكمته وعميم رحمته اشهد انه الرب الذي اوجد العالم العلوي والسفلي وابدعه على غير مثال سبق بل في غاية الاحكام والانتظام الذي عجزت مدارك العلماء الاولين منهم والاخرين عن ادراك بعض حكم مخلوقاته ومعقولاته الذي له التصرف المطلق والحكم المطلق حكم بتدبيره فدبر المخلوقات واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به وهداها الى مصالحها المتنوعة ولم يخلقها سدى وعبثا بل خلقها بالحق وللحق فحكم على المكلفين بشرعه فارسل اليهم الرسل الذين هم اجمع الناس لكل خلق جميل ووصف حميد واعلاهم علوما وعقولا واكملهم في جميع صفات الكمال وانزل عليهم الكتب المحكمة الممتعة محتوية على شرائعه الكاملة وضح الله فيها لعباده اصدق الاخبار واصدق العقائد وانفع الاحكام وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا وفيها تبيان لكل شيء يحتاجه العباد في معاشهم ومعادهم في دينهم ودنياهم لم يبقي خيرا الا امر به وبين طرقه ولا شرا الا حذر عنه وعن سلوك سبيله بكل طريق فجميع المنافع الدينية والدنيوية قد اشتمل عليها دين الاسلام الذي هو دين جميع الرسل واتباعهم فخلق الله الخلق لعبادته ومعرفته وسلوك كل طريق فيه مرضات الله وفيه سعادة العبد ونجاته وادر عليهم الارزاق ليستعينوا بها على هذا المقصد الاعظم ليتوسلوا بذلك الى تمام نعمته ونيل كرامته في دار الخلود فالدنيا كلها من اولها الى اخرها بالنسبة الى تلك الدار لا نسبة لها بوجه من الوجوه فلهذا انست بهذا الرب العظيم المدبر للعوالم كلها الذي وسعت رحمته كل شيء وشمل بجوده البر والفاجر ولم يخلو مخلوق من احسانه طرفة عين وتيقنت ان للعباد دارا غير هذه الدار يجازون فيها باعمالهم التي عملوها في هذه الدار كغايتي من عقيدة السعادة العاجلة والسعادة الاجلة والفوز الابدي والنعيم السرمدي عكس غايتك الحقيرة الدنية الساقطة التافهة وبرهاني على ذلك اعظم البراهين واوضحها واصدقها واكبرها برهاني على ذلك اكبر الشهادات كلها وهي شهادة الله التي اودعها كتبه السماوية وفطر الخليقة عليها الا من فسدت فطرته بما طرأ عليها من العقائد الفاسدة والاراء الساقطة وبرهاني على ذلك شهادة الكتب التي انزلها الله على رسله وخصوصا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي اعجز الانس والجن عن ان يأتوا بمثله في البلاغة والفصاحة والاسلوب البديع والاخبار الصادقة النافعة والاحكام المحكمة العامة الشاملة وغير ذلك من وجوه اعجازه وبرهاني على ذلك شهادة اعلى طبقات الخلق وهم الرسل الكرام من اولهم الى خاتمهم كلهم متفقون على هذا الايمان بالرب العظيم واقداره وشرائعه واحكامه القدرية والشرعية والجزائية فهؤلاء الرسل جمع الفلاسفة من اولهم الى اخرهم لم يبلغوا عشر معشار اعطية واحد من هؤلاء الصفوة الذين تضمحل علوم الفلاسفة اذا نسبت الى علومهم ثم بعد ذلك هداة الانام ومصابيح الظلام وائمة الهدى في جميع طبقات القرون الذين هم اعلى الناس واوسعهم علوما واكملهم عقولا وفضائل واجمعهم للمحاسن كلهم على هذا الدين الحق فكيف يفضل ذو عقل على هؤلاء زنادقة الفلاسفة المعروفين بانحراف المعارف والجهل العظيم بالمعارف الالهية وان كان لهم معرفة في بعض امور الطبيعة فهم في الدين والالهيات من اعظم الجهل واسفل الضلال كيف يختار عاقل السير خلف هؤلاء المنحرفين في علومهم ومقاصدهم ان هذا لهو الضلال المبين وبرهاني على ذلك ايضا النظر في الموجودات والتأمل في المخلوقات فانها كلها ادلة وبراهين على مبدعها وخالقها وعلى كمال علمه وقدرته وشمول رحمته وحكمته وعلى تفرده بالوحدانية والكمال المطلق من جميع الوجوه وعلى صدقه وصدق رسوله واما ما ذكرته من غايتك فانها تعبر احسن تعبير عن غايات البهائم التي لا هم لها الا ما وافقها من الاكل والشرب وتوابعه فالغاية التي شرحتها عن نفسك هي الفوضى بعينها وهي اعطاء النفوس مناها ضر او نفع وعدم تقيدها بالاحكام الشرعية فان الاحكام الشرعية في اباحتها وتحريمها وفي اطلاقها ومنعها هي الغاية الكاملة في صلاح الخلق فانها اباحت كل طيب نافع للعباد من مآكل ومشارب وملابس ومناكح وغيرها ووسعت للعباد في ذلك غاية التوسيع ونهت عن كل خبيث ضار للعباد فهي الغذاء للعباد وهي الدواء والشفاء نهتهم عن انطلاق النفوس في اغراضها الخسيسة التي تعود بضررها وضرر ابناء جنسها الضرر العاجل والآجل ومن محاسنها انها ما نهت عن شر تشتهيه النفوس الا جعلت للعباد من المباحات ما يغني عن ذلك وتتبع ذلك في كل الامور فانها اغنت العباد بالحلال عن الحرام وبالنافع عن الضار فهذه القيود التي قيدت المكلفين من اعظم الادلة على حقها وخيرها وانها حوت من المحاسن ما لا يحيط به الوصف واما ما ذكرت من المخترعات والصناعات فليست متأثرة عن الالحاد والزندقة انما تأثرت عن العلوم الصناعية وكون كثير من اهلها عقيدتهم الحادية ليس للعقيدة فيها اثر بوجه من الوجوه بل الدين الاسلامي يأمر ويحث على جميع الصناعات النافعة الكبيرة والصغيرة فاذا فرض تقصير اهله عن مجاراة الامم الاخرى في هذا لم يضر الدين شيء وهذه شبه لا يزال دعاة الالحاد يبدونها ويذكرون تقصير المسلمين عن مجاراة الامم في هذا المضمار وهم لم ينصفوا في هذا فلو انصفوا لعرفوا ان دين الاسلام اعظم ما يحث على كل الامور النافعة الدينية والدنيوية ولكن الاعداء يتشبثون بكل شبهة ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا والواجب ان ينظر الى المسلمين في حال قيامهم بالدين وكيف كانوا هم سادة الامم وقد خضعت لهم اقوى دول الارض حينما كانوا قائمين بدينهم حق القيام فمن استدل بحالة المسلمين الحاضرة على القدح في دينهم فهو ظالم مفتر قصده التلبيس والتغرير وان اردت زيادة البيان لهذا الامر فانظر الى ما دعا اليه الدين في اصوله وفروعه اصلا اصلا وشريعة شريعة تجدها كلها في غاية الاحكام والحسن والحث على كل فعل جميل وكمال انساني ورقي روحي ومادي وجمع بين مصالح الدين والدنيا لا يقوم غيرها مقامها في اصلاح الامور كلها وما سواها من النظم فهي وان نفعت من وجه طرت من وجوه اخر وشرها اكثر من نفعها وان العلماء المحققين العارفين لحقيقة النظم الاسلامية والنظم الاخرى ونتائجها وثمراتها ليتحدون جميع الطوائف المنحرفين عن الدين ويبرهنون على ذلك ببراهين عقلية وواقعية واني بصفتي واعترافي بقصوري اتحداك ايها الرجل الذي فضل الالحاد على دين رب العباد واتحدى غيرك ان يأتوا بمثال واحد فاقت فيه النظم الالحادية على النظام الاسلامي ولن يستطيعوا الا بالمكابرة التي يسقط معها الكلام. فهات ما عندك من الانتقادات فلم يتمكن الملحد من جواب هذا السؤال وبقي اما ان يبقى على الحاده بعدما تبين له الحق ويصير مكابرا ينكر ما لا ينكر او ينقاد للحق ويتبع طريق الانصاف الذي تبين. ووضح كل الوضوح