المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في الحج وتوابعه قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين وقال واتموا الحج والعمرة لله الى اخر الايات المتعلقة بالحج لما قال الله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ايات بينات مقام ابراهيم. ومن دخله كان امنا وكان في ذلك تنبيه على الحكم والاسرار والمصالح والبركات المتنوعة المحتوي هذا البيت العظيم عليها وكان ذلك داعيا الى تعظيمه بغاية ما يمكن من التعظيم. اوجب الله على العباد حجه وقصده لاداء المناسك. التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها امته وامرهم ان يأخذوا عنه مناسكهم فاوجبه على من استطاع اليه سبيلا بان قدر بان قادر على الوصول اليه باي مركوب متيسر. وبزاد يتزوده ويتم به السبيل. وهذا هو الشرط الاعظم لوجوب حج وهذه الاية صريحة في فرضية الحج. وانه لا يتم للعبد اسلام ولا ايمان وهو مستطيع الا بحجه وان الله انما امر به العباد رحمة منه بهم. وايصالا لهم الى اجل مصالحهم واعلى مطالبهم والا فالله غني عن العالمين وطاعتهم. فمن كفر فلم يلتزم لشرع الله فهو كافر. ولن يضر الا نفسه. واما اية البقرة فان الله امر فيها باتمام الحج والعمرة باركانهما وشروطهما وجميع متمماتهما ولا فرق في ذلك بين الفرض والنفل. وبهذا تميز الحج وبهذا تميز الحج والعمرة عن غيرهما من العبادات. وان من شرع فيهما وجب عليه اتمامهما لله مخلصا. ويدخل في باتمامهما انه ينبغي للعبد ان يجتهد غاية الاجتهاد في فعل كل قول وفعل ووصف وحالة بها تمام الحج والعمرة فذلك شيء كثير مفصل في كتب اهل العلم وان من دخل فيهما فلا يخرج منهما الا باتمامهما. والتحلل منهما الا بما استثناه الله وهو الحصر. ولهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الوصول الى البيت ومن تتميم المناسك بمرض او عدو او ذهاب نفقة او ضللتم الطريق او غير ذلك من انواع الحصر الداخلة في عموم قوله احصرتم فمن فرض فيهن الحج اي عقده واحرم به. لان الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان قبل ذلك نفلا واستدل بهذه الاية الشافعي ومن قال بقوله انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره تذبح ما تيسر من الهدي وهو شاة او سبع بدنة او سبع بقرة يذبحها المحصر ويحلق رأسه ويحل من احرامه سبب الحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لما صدهم المشركون عن البيت وهم محرمون عام الحديبية لم يتيسر الهدي على المحصر. فهل يكفيه الحلق وحده ويحل كما فعله الصحابة الذين لم يكن معهم هدي وهو الصحيح او ينوب عن الهدي صيام او ينوب عن الهدي صيام عشرة ايام قياسا على هدي التمتع كما قاله اخرون ثم يحل ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وفي هذا ان المحرم يحرم عليه ازالة شيء من شعر بدنه تعظيما لهذا النسك فقاس عليه اهل العلم ازالة الاظفار بجامع الترفه. ويستمر المنع من ذلك حتى يبلغ الهدي محله. وهو وقت ذبحه يوم نحر. والافضل ان يكون الحلق بعد النحر. ويجوز ان يقدم الحلق على النحر كما رخص في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عمن قدم الحلق او الرمي او الذبح او الطواف بعضها على بعض. فقال افعل ولا حرج ويستدل بالاية الكريمة على ان المتمتع كالقارن والمفرد لا يحل من عمرته اذا كان سائقا للهدي حتى يبلغ الهدي ذو محله فقيل انه اذا حل من عمرته بان فرغ من الطواف والسعي بادر بالدخول بالحج بالنية. وقيل انه بسوقه للهدي صار قارنا. وان الهدي الذي استصحبه حيث انه كان للنسكين كليهما. مزج بين النسكين وصار صاحبه قارنا وهذا هو القول الصواب وانما منع تعالى من الحل لمن ساق الهدي قبل محله لما في سوق الهدي وما يتبعه من كشف الرأس وترك اخذ الشعور ونحوها من الذل والخضوع لله والانكسار له التواضع الذي هو روح هذا النسك وعين صلاح العبد وكماله وليس عليه في ذلك ضرر. فاذا حصل الضرر بان كان به اذى من رأسه من مرض ينتفع بحلق رأسه او قروح او قمل او نحو لذلك فانه يحل له ان يحلق رأسه ولكن يكون عليه فدية تخيير. يخير بين صيام ثلاثة ايام. او اطعام ستة في مساكين او ذبح شاة. هذه تسمى فدية الاذى. والحق بذلك اذا قلم اظفاره او لبس الذكر المخيط او غطى رأسه او تطيب المحرم من ذكر او انثى فكل هذا فديته فدية تخيير بين الصيام او الاطعام او النسك. واما فدية قتل الصيد فقد ذكر الله التخيير فيها بين ذبح المثل من النعم او تقويمه بطعام في طعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غيره او يصوم عن اطعام كل مسكين يوما. فهذه فديتها تخيير. واما المتمتع والقارن فان هديهما هدي نسك غير هدي جبران. وهو على هذا الترتيب ان تيسر والهدي وجب الهدي فان لم يتيسر فعليه صيام عشرة ايام ثلاثة في الحج ولا يؤخرها عن ايام التشريق تبعة اذا رجع اي فرغ من جميع شؤون النسك ودل اطلاق ايجاب الصيام على انه يجوز فيها التتابع والتفريق ذلك ايجوب الهدي على المتمتع والقارن او بدله لمن لم يجد من الصيام لمن لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام وهم الافقية لان من الحكمة في ايجاد الهدي على الافقي انه لما حصل نسكين في سفرة واحدة كان هذا من اعظم نعم الله. فكان عليه ان يشكر الله على هذه النعمة ليلة ومن جملة الشكر ايجاب الهدي عليه واما المقيمون في مكة او كانوا في قربها بحيث لا يقال لهم مسافرون. فليس عليهم هدي ولا بدله لما ذكرنا من الحكمة واتقوا الله في جميع اموركم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات في هذه العبادة الجليلة واجتنابكم لمحظوراتها واعلموا ان الله شديد العقاب. اي لمن عصاه فذلك موجب للتقوى. فان من خاف عقاب الله ان كف عن السيئات كما ان من رجا ثواب الله عمل لما يوصله الى الثواب واما من لم يخف الله فانه لابد ان يتجرأ على المحارم ويتهاون بالفرائض. ثم اخبر تعالى ان الحاج واقع في اشهر معلومات عند المخاطبين. بحيث لا تحتاج الى تعيين كما احتاج الصيام لتعيين شهره كما بين تعالى اوقات الصلوات الخمس واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم والمراد بالاشهر المعلومات عند الجمهور شوال وذو القعدة وعشر او ثلاثة عشر من ذي الحجة. فهي التي يقع فيها بالحج غالبا. وهي التي تقع فيها افعال الحج. اركانه وواجباته ومكملاته اما كان البيت اي هيئناه له وانزلناه اياه بحيث جعل قسما من ذريته هم سكانه وامره الله ببنيانه فبناه واسسه على تقوى الله ورضوانه هو وابنه اسماعيل بنية صادقة وخضوع لله واخلاص ولو قيل ان الاية فيها دلالة لقول الجمهور بصحة الاحرام بالحج قبل اشهره لكان قريبا. لان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على انه يقع الفرض فيهن وفي غيرهن والا لما كان في القيد فائدة فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اي يجب عليكم ان تعظموا حرمة الاحرام بالحج وخصوصا الواقع في اشهره وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية خصوصا التكلم في امور النكاح بحضرة النساء ولا فسوق وهو جميع المعاصي. ومنها محظورات الاحرام ولا جدال. الجدال هو المماراة والمنازعة والمخاصمة. لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج الذل والانكسار لله التقرب اليه بما امكن من القربات والتنزه عن مقارفة السيئات فانه يكون بذلك مبرورا. والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذه الاشياء وان كانت ممنوعة في كل زمان مكان فانه يتأكد المنع منها في الحج واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر فلهذا اتبعه بقوله وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن المفيدة لتنصيص العموم. فكل عبادة وقرب فانها تدخل في هذا. والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة فانه ينبغي اغتنام الخيرات والمنافسة فيها من صلاة وصيام وصدقة وقراءة وطواف واحسان قولي وفعلي وتزودوا لهذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن الخلق وعدم التشوف لما عندهم واعانة المسافرين والتوسعة على الرفقة والانبساط والسرور في هذا السفر. وزيادة التقرب الى الله تعالى. وهذا الزاد المراد به اقامة البنية بلغة ومتاع. واما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار القرار. وهو الموصل لاكمل لذة واجل نعيم دائما ابدا. ومن ترك هذا زاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر وممنوع من الوصول الى دار المتقين وقد يتمكن الموفق من جعل الزاد الحسي بجمع الزادين. بان يقصد به وجه الله القيام بواجب النفس والرفقة ومن اتصل به والقيام بالاحسان المستحب. وقصد امتثال امر الله النية هي الاساس لكل خير وهي التي تجعل الناقص كاملا. والعادة عبادة ثم قال واتقوني يا اولي الالباب. هي اهل العقول الرزينة اتقوا ربكم الذي تقواه اعلى ما تأمر به العقول. وتركها دليل على فساد العقل والرأي ولما امر بتقواه اخبر ان ابتغاء فضله بالاشتغال بالتكسب في التجارة في مواسم الحج وغيرها ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج. وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل الله. معترفا فيه بنعمة الله لا منسوبا الى حذق العبد والوقوف مع السبب ونسيان المسبب. فان هذا هو الحرج بعينه في كل وقت. فكيف اذا قارن النسك الفاضل وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام دلالة على امور احدها ان الوقوف بعرفة من المشاعر الجليلة ومن اركان الحج. فان الافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف الذي هو ركن الحج الاعظم بعد الطواف. الثاني الامر بذكر الله عند المشعر الحرام. وهي المزدلفة. وذلك ايضا معروف تكون الحاج ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيا حتى يسفر جدا ويدخل في ذكر الله عند المشعر الحرام ما يقع في المشعر من الصلوات فرضها ونفلها الثالث ان الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة. كما تدل عليه الفاء المفيدة للترتيب الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كليهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالمشعل الحرام والسابع ان عرفة بالحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين اذكروا الله كما من عليكم بالهداية بعد الضلالة. وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون فهذه من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بالاكثار من ذكر المنعم بالقلب واللسان ثم افيضوا اي من مزدلفة من حيث افاض الناس من لدن ابراهيم الى هذا الوقت. والمقصود من هذه الافاضة كان ودعاء منهما ان يتقبل منهما هذا العمل الجليل. فتقبله الله فهذه اثار القبول لهذا البيت في كل وقت وجيل متواصلة. ووصاه بالا يشرك به شيئا بايانفي الشرك عنه وعن ذريته وعن من وصلت اليه دعوته معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي ايام التشريق وتكميل بقية المناسك ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى بعد الفراغ منها باستغفاره خشية الخلل الواقع من العبد في اداء العبادة وتقصيره فيها. وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمه وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمة التوفيق لهذه العبادة العظيمة وتكميلها وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله على التقصير ويشكره على التوفيق فهذا حقيق بان الله يجبر له ما نقص منها ويتقبلها. ويزيده نعما اخرى لان من جهل لحق ربه فرأى نفسه انه قد كمل حقوق العبادة فاعجب بنفسه ومن بعبادته على ربه وتراءى له انها قد جعلت له محلا ومنزلة رفيعة فهذا حقيق بالمقت. ويخشى عليه من رد العمل ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم ويستدفعونه ما يضرهم ولكن هممهم ومقاصدهم متباينة فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا ان يسأل ربه من مطالب دنياه وشهواته فقط وما له في الاخرة من خلاق الى رغبة له فيها ولا حظ له منها. ومنهم عالي الهمة. من يدعو الله لمصلحة الدارين. ويفتقر الى ربه في ذات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء له نصيب من كسبهم وعملهم. وسيجازيهم الله على حسب اعمالهم ونياتهم جزاء دائرا بين الفضل والاحسان والكرم للمقبولين. وبين العدل والحكمة لغيرهم. وفي هذه الاية دليل على ان الله تعالى الا يقبل دعوة كل داع مسلما كان او كافرا برا او فاجرا ولكن ليست اجابته دعاء ولكن ليست اجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته وقربه منه الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين فمن اجيبت دعوته في هذه الامور الدائم نفعها كان من البشرى وكان اكبر دليل على بره وقربه من ربه والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد وما به تكمل حياته من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين ومن راحة وعلم نافع وعمل صالح. وما يتبع ذلك من المطالب نافعة المحبوبة والمباحة. واما حسنة الاخرة فهي السلامة من العقوبات التي يستقبلها العباد. من عذاب القبر والموقف وعذاب نار وحصول رضا الله والفوز بالنعيم المقيم والقرب من الرب الرحيم. فهذا الدعاء اجمع الادعية واكملها واولاها بالايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به. ويحث عليه ولما اكمل الله تعالى احكام النسك امر بالاكثار من ذكره في الايام المعدودات وهي ايام التشريق في قول جمهور المفسرين وذلك لمزيتها وشرفها وكون بقية المناسك تفعل بها ولكون الناس فيها اضيافا لله ولهذا حرم صيامها فلذكر فيها مزية ليست لغيرها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله ويدخل في ذكر الله رمي الجمار والتكبير عند رميها. والدعاء بين الجمرتين والذبح والتسمية فيه الصلوات التي تفعل فيها من فرائض ونوافل والذكر المقيد بعد الفرائض فيها وعند كثير من اهل العلم انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر فجميع ما يقرب الى الله داخل بذكره. فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب الشمس فلا اثم عليه ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث من ايام التشريق ليرمي من غده فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله على عباده حين اباح الامرين مع ان التأخر ارجح لموافقته فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزيادة العبادات وقوله لمن اتقى هذا من الاحتراز العالي لان نفي الحرج يوهم العموم وقيل ذلك بهذا الشرط الذي هو شرط لنفي الحرج في كل شيء فاتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه واعلموا انكم اليه تحشرون فمجازيكم باعمالكم فمن اتقاه وجد عنده جزاء المتقين. ومن لم يتقه عاقبه عقوبة تارك التقوى فان التقوى هي ميزان الثواب والعقاب في القائم بها والمضيع لها. العلم بالجزاء والايمان به هو اعظم الدواعي قيامي بالتقوى واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت الا تشرك بي شيئا. الا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائف في نوى القائمين والركع السجود. الاية وما تلاها يذكر الله تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظم تبانيه وهو خليل الرحمن فقال واذ بوأنا لابراهيم وطهر بيتي اي من الشرك والمعاصي ومن الانجاس والادناس واضافه الى نفسه ليكتسب شرفا الى شرفه ولتعظم محبته في القلوب لكونه بيت محبوبها الاعظم وتنصب وتهوي اليه الافئدة من كل جانب وليكون اعظم لتطهيره وتعظيمه للطائفين به والقائمين عنده للعبادات المتنوعة من ركع السجود اي المصلين اي طهره لهؤلاء الفضلاء الذين ليس لهم هم الا طاعة مولاهم وما يقربهم اليه فهؤلاء لهم الحق ومن اكرامهم تطهير هذا البيت لهم وتهيئته لما يريدونه عنده فيدخل في تطهيره تطهيره من الاصوات اللاغية المرتفعة. التي تشوش على المتعبدين بالصلاة والطواف والقراءة وغيرها وقدمت طواف لاختصاصه بهذا البيت ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد واذن في الناس بالحج اي اعلمهم به وادعهم اليه وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته فانك اذا دعوتهم عن امر الله اتوك حجاجا وعمارا رجالا اي مشاة على ارجلهم من الشوق وعلى كل ضامر اي ناقة ضامر تقطع المهام والمفاوز وتواصل السير حتى تأتي الى اشرف الاماكن من كل فج عميق اي مكان وبلد بعيد. وقد فعل الخليل صلى الله عليه وسلم ذلك. ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم فدعوا الناس الى حج هذا البيت وبداية واعاد فيه فحصل ما وعد الله به. اتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الارض ومغاربها. ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام مراغبا فيه فقال ليشهدوا منافع لهم اي لينالوا بوصولهم لبيت الله في الانساك منافع متنوعة دينية ومنافع دنيوية كالتكسب وحصول الارباح وهذا امر مشاهد يعرفه كل احد فجميع العلوم والعبادات الدينية التي تفعل في تلك البقاع الفاضلة. وما جعل الله لها من التضعيف داخل في هذه المنافع وجميع المنافع الدنيوية التي لا تعد ولا تحصى داخلة في ذلك فصدق الله وعده وانجز ما قاله. وكان ذلك اية وبرهانا على توحيده وصدق رسله. وقوله ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام وهذه تجمع الامرين الدينية والدنيوية اي ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا. شكرا لله على ما رزقهم منها ويسرها لهم فاذا ذبحتموها فكلوا منها واطعموا البائس الفقير اي شديد الفقر والاية الاخرى واطعموا القانع والمعتر اي القانع وهو الفقير الذي لا يسأل الناس والمعتر الفقير السائل في هذا الامر بالاكل والاهداء والصدقة فان الامر يشمل اكل اهلها منها واهداءهم للاغنياء. ثم ليقضوا تفثهم ان يستكملوا بقية انساكهم ويزيلوا عنهم محظورات الاحرام. وما ترتب عليها من الشعث ونحوه وليوفوا نذورهم التي اوجبوها على انفسهم من الحج والعمرة والهدايا فنفس عقد العبد للاحرام ايجاب منه على نفسه. وليطواف بالبيت العتيق اي القديم اقدم المساجد على الاطلاق المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وتخصيص الطواف به دون غيره من المناسك. لفضله وشرفه. ولكونه المقصود وما قبل له وما بعده وسائل وتوابع ولانه يتعبد به لله مع الانساك ووحده واما بقية الانساك فلا تكون عبادة الا اذا كانت تابعة لنسك