الدخول تحت قوله تعالى الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسلنا به رسلا اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحب تبون الوجه الثامن. ان يقال هذا الكلام باطل شرعا وعقلا. اما الشرع فجميع الكتب المنزلة المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله واصحابه ومن تبعهم الى يوم الدين. اما بعد فان الله تعالى بعث رسله مبشرين ومنذرين. وجعلهم الهداة والائمة الى كل علم صحيح نافع ودين صحيح. والى كل صلاح وخير وخص محمدا صلى الله عليه وسلم بان جعله خاتمهم وامامهم. وانزل عليه الكتاب والحكمة فيهما الهدى والحق والنور وفيهما العلوم النافعة والحقائق الصادقة. والاخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة والاداب العالية. اليهما ينتهي كل علم وحق وكمال. وقد وضح الله ورسوله فيهما المسائل والدلائل والحقائق اليقينية والبراهين القطعية فمن تمسك بهما واهتدى بهما سعد في الدنيا والاخرة. ومن اعرض عنهما او عارضهما ضل عن الهدى وشقي ونال الصفقة الخاسرة واعظم الناس انحرافا عنهما ملاحدة الفلاسفة. وزنادقة الدهريين. وهم اكبر اعداء الرسل في كل زمان ومكان وهم شرار الخلق الدعاة الى الضلال والشقاء. فانهم تصدوا لمحاربة الاديان كلها. وزين لهم الشيطان التي فرحوا بها واحتقروا لاجلها ما جاءت به الرسل فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهن ما كانوا به يستهزؤون. وقد اصلوا لباطل بهم اصولا يقلد فيها بعضهم بعضا. وهي في غاية الفساد. يكفي اللبيب مجرد تصورها عن اقامة البراهين على فنقضها لكونها مناقضة للعقل والنقل. ولكنهم زخرفوها وروجوها فانخدع بها اكثر الخلق. اعظمها عندهم اصل خبيث منقول عن معلمهم الاول ارسطو اليوناني المعروف بالالحاد والجحد لرب العالمين والكفر به وبكتبه ورسله. هذا الاصل الذي تفرع عنهم ضلالهم. انه من اراد الشروع في المعارف الالهية يمحو من قلبه جميع العلوم والاعتقادات. وليسعى في ازالتها من قلبه بحسب مقدوره. وليشك في الاشياء ثم اكتفي بعقله وخياله ورأيه. وكملوا هذا الاصل الخبيث بحصرهم للمعلومات بالمحسوسات. وما سوى ما ادركوه بحواسهم نفوه. وهذا اصل افسد عليهم علومهم وعقولهم واديانهم. وقد بين الناس على اختلاف نحلهم بطلان اصولهم وان اهلها قد خالفوا جميع الرسل وجميع العقلاء. ومن ابلغ من تكلم عليها وابطلها شرعا وعقلا شيخ الاسلام ابن تيمية انه بين عدة وجوه في فسادها وبطلانها. كل وجه منها كاف في ابطالها. فكيف اذا اجتمعت فننقل سلامه عليها ثم نتمم ذلك بما ييسره الله. قال رحمه الله في نقض التأسيس لما ذكر عن هذا المعلم الملحد في هذا الاصل الخبيث. والكلام على هذا من وجوه. احدها ان هذا الكلام هو وما ذكر معه من الحجة اشبه بكلام اهل للجهل والضلال. ومن لا يدري ما يخرج منه من المقال. من كلام اهل العلم والعقل والبيان. وهو اشبه بكلام الجهال والمغالطين من كلام العلماء والمجادلين بالحق. وما احسن ما قال الامام احمد في بشر المريسي كان صاحب خطب ولم يكن صاحب حجج. بل هذا الكلام دون كلام اهل الخطب والحجج. الوجه الثاني ان يقال الم يكن في اثار الانبياء والمرسلين ما يستغنى به في اعظم المطالب واشرف المعارف عما يروون عن معلم المبدلة الذين انتقلوا عن الحنيفية الثابتة بالعقل والدين. وهو رأس هؤلاء الدهرية. الوجه الثالث ان جميع العقلاء الذين خبروا كلام ارسطو وذويه في العلم الالهي. قد علموا انهم اقل الناس نصيبا في معرفة العلم الالهي واكثر اضطرابا وضلالا. فان كلامه وكلام ذويه في الحساب والعدد ونحوه من الرياضيات. مثل كلام بقية الناس والغلط في ذلك قليل النادر. وكلامهم في الطبيعيات دون ذلك. وكلامهم في ذلك غالبه حق وفيه باطل اما كلامهم في الالهيات ففيه غاية الاضطراب ومع قلته كثير الضلال عظيم المشقة. وهذا امر يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الالهية فلا يستدل بكلام هؤلاء في العلم الالهي. وحالهم هذه الحال. وقد اعترف اساطير الفلسفة بان العلم الالهي لا سبيل لهم الى العلم واليقين فيه. وانما يؤخذ فيه بالاولى والاخلق والاحرى فيه فاذا كانوا معترفين بانهم ليس عندهم علم ولا يقين في العلم الالهي. كيف يستدل بكلامهم فيه؟ الوجه الرابع ما معنى قوله فليستحدث لنفسه فطرة اخرى. والفطرة هي الخلقة التي فطر الله عباده عليها. اتريد ان تبدل فخلقته وما فيها من قوى الادراك والحركة فهذا غير مقدور للبشر. فان الله فطر عباده عليها ام تريد ان يترك ما خطر عليه من المعارف والعلم. ويستحدث لنفسه معارف تخالف ذلك. وهذا الذي يصلح ان تريده. فهذا امر بتبديل الله التي فطر عباده عليها وهي طريقة المبتدعين المبدلة لفطرة الله وشرعته. كما قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة الحديث. فاهل الكتاب المنزل بدلوا وحرفوا من كتاب الله ما بدلوه وحرفوه. وهم مع الصابئة والمشركين القائمين بالنظر العقلي. بدلوا من فطرة الله التي فطر العباد عليها. وغيروا منها ما غيروا لهذا قيل ان ارسطو هذا بدل طريقة الصابئة. الذين كانوا قبله مؤمنين بالله واليوم الاخر. الذين اثنى القرآن. الله سبحانه خلق عباده على الفطرة التي فطرهم عليها. وبعث اليهم رسله وانزل عليهم كتبه فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكملة بالشرعة المنزلة. وهؤلاء بدلوا وغيروا فطرة الله وشرعته. خلقه وامره وافسدوا اعتقادات الناس واراداتهم. ادراكهم وحركاتهم. قولهم وعملهم. من هذا وهذا كما بدل بنو اسرائيل القول الذي امروا به والعمل الذي امروا به. الوجه الخامس ان الرسول اذا اخبرنا بشيء من صفات الله وجب اين التصديق به؟ وان لم نعلم ثبوته بعقولنا. ومن لم يقر بما جاء به الرسول. حتى يعلمه بعقله. فقد اشبه الذي حين قال الله فيهم قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله. الله اعلم حيث يجعل رسالتي ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة غير مؤمن بالرسول. ولا متلق عنه الاخبار بشأن الربوبية. ولا فرق له ان يخبر الرسول بشيء من ذلك او لم يخبر به. انما اخبر به اذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به. انتهى كلام رحمه الله الوجه السادس ان يقال هذه الوصية مخالفة لما بعث الله به رسله وانزل كتبه فانه رسله مذكرين للعباد ما فطروا عليه. من الاقرار بوحدانية الله. ووجوب شكر نعمه. وافتراض الحب الكامل والتعظيم التام لله المتفضل بالنعم الظاهرة والباطنة ومذكرين لهم بالامر بما فطرت العقول على استحسانه كالصبر الصدق والبر والاحسان والاخلاق الجميلة. وبالنهي عما فطرت العقول على استقباحه. من الكذب والظلم والعدوان وجميع لا قرذيلة فكيف يؤمر الناس ان يمحو من قلوبهم وفطرهم هذه الامور؟ وهل هذا الا نهي عن جميع مواد السعادة والفلاح والصلاح وامر بكل منكر وفحشاء وسوء وشر وفساد. وفي هذا من تقويض دعائم الخير والصلاح والاستبداد بها اصول الشر والفساد والفوضى في العلوم والعقائد والاخلاق. ما لا منتهى لشره وضرره. الوجه السابع يقال هذه الوصية تتضمن محو العلوم الصحيحة. والمعارف النافعة والايمان الصحيح والاستبدال عن ذلك بانواع يا هلالاتي والضلالات والغي ورفض الايمان بالكلية. فان الانسان في الاصل خلق ظلوما جهولا. ليس فيه هدى ولا علم صحيح ولا برهان ويقين في المطالب العالية المقصودة. الا من جهة الطرق التي بعث الله به رسله. وانزل بها كتبه. ولهذا كانت النبوة والرسالة اضطر اليها المكلفون. اعظم من ضرورتهم الى الطعام والشراب. وما به قوام حياتهم المادية. العلم والهدى الاجمالي والتفصيلي. هو هدى الله. فلا يليق برحمة الله وحكمته ان يترك العباد مهملين سدى بلا رسالة وتعريف لهم ما يصلحهم حالا ومالا. فانزل الرسل وانزل الكتب حكمة منه ورحمة لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير. فجميع الهدى والعلوم النافعة الموجودة في الارض والمعارف النافعة والايمان الصحيح. وتوابع ذلك من اثار النبوة والرسالة. لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب حكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين فمن تمسك بوصية هذا الملحد الضال. فقد امر بمحو ما جاءت به الكتب. ارسلت به الرسل. وان يستبدل بذلك وساوس النفوس ووحي الشيطان. فهذه الوصية الباطلة مقصودها الاعظم جحد ما جاءت به الرسل. واهلها احق من السماء وجميع الرسل جاءت بتقرير ما وضع الله في فطر الخلق. من الاعتراف بوحدانية الله وكماله المتنوع وصدقه وصدق رسله. وتقرير الحق والحقائق النافعة في القلوب. اعتقادا وتخلفا وتصديقا دعوة اليها وهداية لها من جميع الوجوه. ومن المعلوم ان هذه الوصية الباطلة منافية لذلك غاية المنافسة مادة للجهالات البسيطة والمركبة وانواع الضلالات. وداعية الى الشقاء في الدنيا والاخرة. ودلالة الشرائع على هذا الامر اعظم واوضح من ان تفصل. بل هذا روح الشرائع السماوية والشرائع النبوية. واما العقل فان اهل العقول الصحيحة متفقون على ان افضل المغانم والمكاسب ما كسبته القلوب وحصلته من العلوم الصحيحة والمعارف النافعة. والايمان الصادق والاخلاق العالية. التي من اتصف بها صار من علية الخلق واكملهم وارفعهم وجتوا ومقاما. فمن اوصى بترك ذلك ومحوه من القلوب والحث على الشك والتشكيك. فقد جاء لاهل العقول بما لا بل ينكرونه اشد الانكار. ويرونه من فظائع المنكرات. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ وماذا بعد العقائد في الصحيحة ان العقائد الباطلة. وماذا بعد الاخلاق الفاضلة الا الاخلاق الرذيلة السافلة؟ وماذا بعد الرشد الا الغي والضلال. الوجه التاسع ان يقال هذا الاصل الخبيث يعود الى تسلسل محو ما يقع في القلوب من كل علم صحيح وفاسد ومن كل معرفة حاصلة في القلب. فهو اعظم معول لهدم العلوم كلها. لان لازم ذلك يوجب الا يثبت في القلوب شيء من العلوم الصحيحة. بل لا تزال الشكوك والمكابرات تنفي ما يقع في القلوب. حتى تنحل العلوم وتنحل الاخلاق ويتدرج بذلك الى مذهب الاباحية والانطلاق في الفوضى. واغراض النفوس الخبيثة الضارة ولا يبقى دون ذلك مانع علمي ولا مانع خلقي. وهذا اعظم معول للشيوعية المفسدة للدين والدنيا هذه الطريقة فشل الحاد. الوجه العاشر ان يقال على وجه التنزل ايهما اولى؟ محو ما يقارب في القلوب وصفت به من الاعتقادات الصحيحة الناشئة عما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. ثم بعد ذلك يوجهه صاحبه بزعم الى طلب الحقائق من غير اساس صحيح يبنى عليه. ولا معارف نافعة يعتمد عليها. وقد علم ما يرد على القلوب الفارغة الساذجة. الخالية من كل شيء من انواع الوساوس والخيالات الفاسدة. والضلالات المتنوعة. وانها عند من الحق الصحيح اعتقادا وتخلفا. تأتي بالغرائب المزعجة والخيالات المضحكة. اي هذه الحالة التي لا يرتضيها من له مسكت من عقل وحالة قلب ملآن من العلوم الصحيحة والمعارف النافعة والايمان الصادق القوي. المستمد من معين الرسالة ومن هدى الله الذي هدى به الخلق وفيه من الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال ما يميز به الحقائق اذا وجهت صاحبه الى طلب الحقائق والحق من ابوابها. واستخراج المعارف من طرقها. فهذا القلب السليم عنده من والنور ما يهتدي به الى المطالب العالية. فمن سوى بين الحالتين والقلبين فليبكي على ذهاب عقله بعد ذهاب دينه فالعلوم التي لها اساس قوي تعتمد عليه. ولها براهين قطعية تستمد منها وتهتدي بها. صاحبها عنده من من اصول ما يفرق به بين الحق والباطل هي التي يعتبرها اولو الالباب وينافسون في تحصيلها ويرون ادراكها كل نعمة انعم الله بها عليهم. وهؤلاء الملحدون يوصون بتركها ومحوها من القلوب التي يلج الباطل فيها من غير معارض يعارضه من العلم واليقين والايمان. فالعلوم والمعارف والادلة والبراهين. محال ان تكون صحيحة نافعة حتى تستنير بنور الوحي وبرهان الحقيقة. وتبني علومها واعمالها على الايمان. الوجه الحادي عشر ان هؤلاء يعانون دون الله ورسوله اعظم معاندة. فالله يقول قولوا امنا بالله انزل الينا وما الى يا ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. والاسباط موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم تفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. وقال تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون سنوون. وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال لمن قال له قل لي في الاسلام قولا لا اسأل احدا بعدك؟ قال قل امنت بالله ثم استقم. اي على الايمان وهؤلاء الملحدون يقولون امحوا هذه الاصول والعقائد التي لا اصح منها ولا انفع. ولا يسعد العبد غيرها من قلوبكم. وشكوا لتستحدثوا علوما وعقائد جديدة تجيش بها القلوب المنحرفة. والاراء الفاسدة والضمائر التي اعرضت عن الحق وعارضته توجهت الى الباطل. وهذا لا ريب انه مشاقة ومحاربة لله ورسله. الوجه الثاني عشر ان محو العلوم الصحيحة والعقائد الحقة من القلوب. وطلب الشك فيها محال غير ممكن. ومن حاول ذلك فهو مكابر. فالحقائق الصحيحة النية على البراهين الحقة الواضحة لا يمكن ازالتها من القلوب بوجه. لان الحق اذا تمت معرفته احتل القلوب وثبت في فيها واستقر وصارت له السيطرة على كل باطل. وزهق الباطل عند مقابلته. ولهذا قال تعالى عن فرعون وقومه اتحدوا بها واستيقنتها انفسهم. وقال لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر طائر وقال عن اليهود الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم. وقال عن كفار المشركين انهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. فهؤلاء الملحدون انما غرضهم الوحيد الناس عما جاءت به الرسل. ومقاومة ذلك بكل طريق. فرأوا هذا طريقا راجع على الاغمار وضعفاء البصائر. وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم. وان كان مكرهم لتزول منه الجبال. اما اولو البصائر والالباب انهم يسعون لازالة ما وقع ويقع في القلوب من الشبهات والشهوات المعارضة للحق. فان الشبهات والشهوات الواردة على القلوب تضعف علمها ويقينها وايمانها. ودواء ذلك ان يقابل بالعلم الصحيح والبراهين الصادقة. فان الشكوك لا ثبوت لها عند ذلك. قال تعالى فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض وكذلك ازالة ما يقع في القلوب من الشهوات والاغراض الفاسدة. التي يقدمها صاحبها على الحق والتعصب للمقالات غير مستند صحيح. فدواء ذلك بتوجيه القلب لقصد الحق الصرف. والاخلاص لله وقوة الرغبة فيما عند الله وتقديمه على هوى النفوس. فهذا هو المطلب الصحيح لكل موفق. ان يكون فطنا في ادراك الحق. وفي نفي شبهات المنافية له. وان يكون حسن القصد في ترجيح ما يرجحه الدليل الصحيح من المقالات الوجه الثالث عشر ان المقصود الاعظم من تأصيل هذا الاصل الخبيث. الكفر بما جاءت به الرسل والانحلال عنه والا فاهله من اكذب الناس. فانهم متمسكون غاية التمسك بما عليه ائمتهم الملحدون. واقوالهم وعقائدهم مقدمة عندهم على ما جاءت به الرسل. ويتعصبون لها غاية التعصب. فلو كانوا صادقين محقين لوجد عليهم ان يمحوا من قلوبهم اقوال ائمتهم وعقائدهم. التي ما زالوا مستمسكين بها ومقلدين لها تقليدا اعمى فالغرض من كلامهم معروف وهو قصدهم الانحلال من الدين الصحيح والتمسك باقوال هؤلاء الضالين الوجه الرابع عشر. قال الشيخ ومن المعلوم ان الله لا يحب الجهل ولا الشك ولا الحيرة ولا الضلال. وانما يحب الدين والعلم واليقين. وقد ذم الحيرة بقوله قل انا ادعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله. كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران. له اصحاب يدعونه الى هدى ائتنا. قل ان هدى الله هو الهدى. وامرنا لنسلم لرب العالمين. وقد امرنا ان نستهديه المستقيم. المتضمن للعلم بالحق والعمل به. والقرآن هو الشفاء والهدى والنور. والشك والحيرة ليست محمودة باتفاق المسلمين. وغاية ما يكون ان من لم يكن عنده علم بالشيء. الواجب عليه ان يسكت ويطلب العلم من طرقه وهؤلاء الملحدون الشاكون المشككون. الذين يأمرون الناس بمحو الحق الذي في القلوب. لتتوجه القلوب الى غيره مخالفون للكتاب والسنة ولاجماع العقلاء المعتبرين. متابعون لائمتهم الضالين. انتهى الوجه الخامس عشر انه لو فرض وقدر ان الانسان يمحو من قلبه كل عقيدة. ويصير القلب خاليا من الحق والباطل ثم يزن بعقله المستقيم العقائد الصحيحة النافعة. التي جاءت بها الرسل بما يضادها من العقائد الاخر ويزنها بحق وعدل وانصاف وفهم صحيح. فانه يظهر له الفرق العظيم. ويتضح له ان من سوى بين ما جاءت به الرسل وبين غيره كالمسوي بين الليل والنهار والضياء والظلمة. فكيف بمن فضل الالحاد على دينه رب العباد فان الحق بطبيعته وبراهينه يمحق الباطل. ولا يبقى له معه قرار. الوجه السادس عشر ان الامور اليقينية والحقائق الصادقة يستحيل ان تقدح فيها الشبهات والتشكيكات بوجه من الوجوه. وقد علم بالادلة والبراءة المتنوعة نقلا وعقلا وفترة ان ما جاءت به الرسل هو الحق واليقين والدين الحق. وبراهين ذلك لا تحصى وقوة ووضوحا. وقد صنفت الكتب الكبار والصغار من اصناف الطوائف في تحقيق صدق الرسل. وصحة ما جاءوا به انه الحق والهدى. وان كل ما نفاه وخالفه. اذا قيس به وقرن معه اضمحل وبطل. ولم يكن له اليه نسبة وجه من الوجوه. فمتى علم المنصف ذلك عرف انه ليس بعد الحق الا الضلال والمحال. وان تأصيل هؤلاء الملحدين هذا الاصل الفاسد من اكبر ما يدل على فساد اديانهم. وسفاهة عقولهم وسوء مقاصدهم. الوجه السابع عشر ان العلوم النافعة التي اتفق عليها اتباع الرسل واهل الهدى. مدارها على امرين. احدهما ان يعرف ما اخبر به الكتب السماوية والرسل عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر وسائر الغيوب. وما اخبرت به وحكمت به من الاحكام التي يتعبد بها المكلفون بها ويتعاملون. ويعتقد ذلك ويعمل به. الثاني معرفة براهين ذلك العقلية والسمعية والنظرية. والوقوف على اسرارها وحكمها. فهذه العلوم النافعة التي الله لها الخلق وارسلت بها الرسل وتتوقف السعادة والفوز والفلاح عليها. فالسعي في ازالتها من القلوب اعظم معاندة ومشاقة ومحاربة لله ورسله. وانما المطلوب الاعلى حصولها في القلوب وثبوتها. فتبا طائفة زائغة قدمت مقالات الملاحدة على كلام الله ورسوله. الوجه الثامن عشر ان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بمحق ما يقع في القلوب مما ينافي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. واليوم الاخر وتوابع ذلك وازالة كل شبهة تعرض للقلوب تقدح في هذا الاصل او تخل به بالبراهين القاطعة الواضحة ليكون الايمان صحيحا. والقلب سليما من الشبهات والشكوك والايرادات الفاسدة. القرآن والسنة مملوءان من ذلك وهؤلاء الملحدون يريدون نقيض ذلك. فهم ائمة الكفر والجحود. حادوا الله ورسله اعظم محادة الوجه التاسع عشر ان من اعظم الاصول التي جاءت بها جميع الرسل. خصوصا خاتمهم وامامهم محمدا صلى الله عليه وسلم الايمان بالقضاء والقدر مع الحث على فعل جميع الاسباب النافعة في الدين والدنيا. والكتاب والسنة مملوءان من ذلك. وان جميع الحوادث مربوطة بقضاء الله وقدره. ونواصي العباد بيده وانه لا حول للعباد ولا قوة لهم الا بالله. وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وانه لا يأتي بالحسنات الا الله. ولا يدفع السيئات الا هو. وان جميع النعم الباطنة والظاهرة كلها من الله. فهذا الاصل الكبير قرره الكتاب والسنة في مواضع كثيرة. وهو اصل توحيد الربوبية. وقصد تقريره في القلوب. واعتقاده الكامل المثمر لكل خير وهؤلاء الملحدون يريدون ويحاولون من الخلق ان يجحدوا قضاء الله وقدره. ويعتقدوا انه لا حاجة الى الاستعانة برب العالمين رأسا. لانهم جحدوه وعطلوا افعاله بالكلية. واعتقدوا ان الافعال كلها للطبيعة. وكفى بقول جهلا وضلالا ان يصل الى هذا الحد الفظيع. الوجه العشرون ان هؤلاء الملحدين حصروا العلوم المدركة في دائرة ضيقة. فما ادركوه بحواسهم وتجاربهم اثبتوه. وما لم يدركوه بذلك نفوه وانكروه. فانكروا من اجل ذلك علوم الغيب كلها. وجحدوا ربوبية الله وافعاله. وعطلوه من صفاته وافعاله. اذ لم يدخل ذلك مداركهم القاصرة. وهذا باطل شرعا وعقلا. اما الشرع فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل تبطل قوله وحصرهم العلوم بمدركات الحس الظاهرة. ونفيهم لما عداها وتثبت بالبراهين اليقينية من علوم الغيب ومن العلوم التي لا تدرك الا بالوحي من الحقائق النافعة الصحيحة والمعارف الصادقة ما لا نسبة لعلومهم كلها اليها من اولها الى اخرها. قال الشيخ وهم يعترفون ان علوم الانبياء لا يمكن ان توزن بميزان صناعتهم. فاكثر الحقائق حقائق نافعة يعترفون انه لا سبيل الى وزنه بها. فهي يوزن بها المتاع الخسيس. دون الحقائق النافعة والامر النفي الذي ليس للنفوس عنه عوض وليس سعادتها الا فيه. فهم لم يزنوا بالقسطاس المستقيم. ولم يستدلوا بالايات جاءت البينات التي هي العلوم الحقيقية والحكمة اليقينية التي فاز بالسعادة عالمها وخاب بالشقاوة جاهلها واهل المنطق متفقون على انه لا يفيد الا امورا كلية. مقدرة في الذهن لا في الخارج. والعلوم الموروثة عن الانبياء اجل واعظم من ان يكون لها التفات او حاجة الى علمهم. بل ادخال علمهم في العلوم الصحيحة. يطول العبارة ويبعد الاشارة ويجعل القريب من العلم بعيدا. واليسير منه عسيرا. ولا يفيد الا كثرة الكلام والتشقيق مع قلة العلم والتحقيق. والامور الموجودة المحققة تعلم بالحس الباطن والظاهر. وتعلم بالقياس التمثيلي تعلم بالقياس الذي ليس فيه قضية كلية ولا شمول ولا عموم. انتهى. واما العقل فجميع العقول المعتبرين يثبتون للعلوم مدارك غير مدارك الحس. ان مدارك العلوم الحس والعقل والاخبار الصادقة الاخبار الصادقة اعلاها واصدقها واحقها بالحق. خبر الله وخبر رسله. وفي ذلك تبيان لكل شيء وهدى الخلائق وتوضيح للحقائق وتنبيه للعقول على توجيهها لكل علم نافع. ويلزم على قول هؤلاء ابطال ذلك كله حتى يدركوه بحواسهم. وهذا ميراث محقق من مكذبي الرسل. الذين ردوا ما جاء به الرسل بمجرد استبعادات. وانكار ما لم يحيطوا به علما. وهم لا يزالون ينقضون دليلهم الذي تمسكوا به فيثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل تجارب ونظريات اخرى لهم ولقومهم تنفي ما اثبتوه وتثبت ما نفوه ولا يزالون هكذا في امر مريج حتى كذبوا بالحق. فقد ذكر الله الاسباب التي دعت امثال هؤلاء الى تكذيب حق وهو الجهل بما لم يحيطوا بعلمه. والتبجح بما عندهم من العلوم المخالفة لعلوم الرسل. والكبر الذي في بهم ما هم ببالغيه. وتقليد ائمتهم الضالين. فضعف التمييز. وتقليد ائمة الملاحدة. والاعراض عما جاءت به الرسل من اكبر الاسباب التي مكنت هؤلاء الى لزوم الباطل. الوجه الحادي والعشرون. ان هؤلاء الماديين الملحدين. لما سدوا على انفسهم بهذا الاصل الخبيث. اكمل الطرق الموصلة للعلوم النافعة. واصح واهداها واقومها واوضحها. وهي العلوم التي جاءت بها الرسل. ونزلت بها الكتب السماوية. وفطر الله عليها وفطر الله عليها عقول العباد الا من فسدت فطرته بالعقائد الفاسدة. فسد هؤلاء هذا الباب النافع العظيم على انفسهم واتباعهم. وحصروا علومهم ومعارفهم في الاسباب المادية فقط. وتوسعوا فيها ومهروا واخترعوا حيث انتهت اليه معارفهم وافهامهم. وانقطعت بذلك صلتهم بالله ورسله وكتبه. وبعلوم الرسل وبالهداية صحيحة المثمرة لصلاح الظاهر والباطن. وسعادة الدنيا والاخرة. فوقعوا في امر مريج وتخبطت نظريات وكلما اتفقوا او اكثرهم على نظرية عن اسباب انتظام الاسباب بعضها ببعض. وارتباطها الوثيق. حاروا في المواد الاولية وفي سبب الاسباب فينقضون ما اتفقوا عليه ويبطلون ما كانوا اسسوه ولا يزالون كذلك ما داموا لم ينفذوا من الاسباب الى مسببها. ومن المخلوقات الى خالقها. فما دام كذلك فانهم لا يستطيعون الاستقرار على رأي جامع لجماعتهم ومسعد لهم في الدنيا والاخرة. ونهاية ما يصلون اليه يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون. نسوا الله فنسيهم وتركهم في طغيانهم وغيهم وضلالهم يعمهون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون الوجه الثاني والعشرون انهم حين اصلوا هذا الاصل الباطل. الذي جعلوه ميزان العلوم كلها. تجرأوا جراءة فظيلة على تحليل حياة الرسل بناء على هذا الاصل وتجرهموا بعقولهم الفاسدة وعلومهم القاصرة. الى القدح الرسل واسقاط منزلتهم من قلوب السماعين لهم المستجيبين لدعوتهم. حتى ابطالوا بذلك الوحي والرسالة والمعاد انكروا الرب تصريحا وتعريضا. وتدرجوا بذلك الى القدح في جميع الاديان. ولم يجعلوا للرسل ميزة على غيرهم. بل طواغيهم وفلاسفتهم عليهم. فاصل هذه اثاره الخبيثة. وهذه ثمراته السمية المنتنة الحنظلية كيف يليق بمن له ادنى معقول ان يصغى اليه او يبني عليه شيئا من علومه ومعارفه. فانه مفسد للاديان ومخبط للاذهان. فهو اعظم اصول الغي والضلال. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم الوجه الثالث والعشرون ان العلوم المدركة بالحس اذا نسبت الى علوم الرسل كالعلوم المتعلقة واسمائه وصفاته وافعاله واحكامه. واحوال الاخرة والجزاء على الخير والشر وامور الغيب. والاخبار بما كان وما سيكون وما يسعد النفوس ويشقيها كانت كقطرة في بحر لجي. فامور الغيب التي تتوقف على اخبار الرسل ووحي الله وهدايته العامة والخاصة. ابطالها هؤلاء الملاحدة. اذ ضيقوا دائرة المعلومات جدا في مدركات حواس فلهذا حاروا واضطربوا ولم يستقر لهم قرار على اقوال تتفق عليها ارائهم. لانهم انكار العلم الحقيقي هي النافع الذي يزكي النفوس ويسعدها ويرقيها في مدارج الكمال. ومن المنكر والزور تخصيصهم علومهم القاسية باسم العلم فحيث اطلقوا العلم ارادوا به علوم الفلسفة. وما نتج عنها ونفوا العلم عما سواها. وهذا من المكابرات وقلب الحقائق. والا فالعلم الحقيقي الذي اثنى الله عليه في كتابه علوم الرسل وهداية الوحي المنزل من عند العليم الخبير. وما سواها فاما علوم ضارة واما قليلة النفع. واما نافعة في امور الدنيا دون امور الدين وقد نفخت رح الكبر في قلوب اصحابها واحتقروا لاجلها العلوم النافعة في الدين والدنيا. فما اضرها واضر قراءتها ونعوذ بالله من علم لا ينفع. الوجه الرابع والعشرون انه على هذا الاصل الخبيث الباطل حكموا حكما فظيعا باطلا. وهو ان الرجوع الى الماضي رجعية فاسدة. وانه يجب اهدار كل قديم. وهجنوا بعباراتهم المتنوعة كل قديم ليتصلوا بذلك للقدح فيما جاءت به الرسل. ونزلت به الكتب. وقالوا ان البشر لم يبلغوا سن الرشد الا في هذا الوقت الذي طغت فيه علوم المادة. وانحلت الاخلاق وشاعت الاباحية فوضوية الضارة المهلكة حتى تفاقم الشر وعم الطغيان واضمحل الخير. وهذا من اعجب العجائب كيف يكون رسل صلوات الله وسلامه عليهم. وخصوصا سيدهم وامامهم محمدا صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين ومن اهتدى بهداهم من ائمة الهدى ومصابيح الدجى وخواص الخلق لم يبلغوا سن الرشد. وهم الذين كانوا على المطلق وبهم هدى الله البشر وارشدهم الى كل علم نافع صحيح. وعمل صالح وخير ورشد وصلاح كيف يكونون هم واتباعهم ومن سلك طريقهم من الهادين المهديين المهتدين. لم يبلغوا سن الرشد وهؤلاء الزنادقة على حدة هم الذين بلغوا سن الرشد. سبحانك هذا بهتان عظيم. ويكفي تصور هذا القول تصور احكامه وازنه معرفة ببطلانه. فان اكبر الدلائل على رشد الرشيد وسفه السفيه. تصرفاته ونتائج اعماله وثمراته انظر الى احوال الرسل واتباعهم كيف هدوا الى كل عقيدة صالحة نافعة. والى كل خلق جميل وعمل صالح وكيف نهوا وحذروا عما يضاد ذلك ويناقضه؟ وكيف نشر الصلاح والرحمة والحكمة على البلاد والعباد؟ وكيف تم تشادهم الصلاح الذي ليس بعده صلاح. والسعادة العاجلة والاجلة والفلاح. فهل تجد علما نافعا او خلقا فاضلا او خيرا ناميا او شرا مدفوعا او ضررا مرفوعا الا بسبب الرسل وارشادهم وهدايتهم وسعيهم. اما هؤلاء الملحدون الماديون فعلى العكس من ذلك. فان اثار علومهم واعمالهم هبطت بالبشر والانسانية الى اسفل سافلين وشقوا في دنياهم كما شقوا في دينهم وعقولهم. وهذه المخترعات التي تكبروا بها وطغوا وبغوا. هل توسلوا بها الى الخير والحياة الطيبة والرحمة ام صارت اكبر نكبة على البشر واعظم مصيبة عليهم وعلى غيرهم. فاين الرشد؟ واين العقول واين الاحلام الصحيحة من قوم هذا وصفهم ووصف اعمالهم المطابق لاحوالهم. الذي لا يمكن احد انكاره ولكن الكبر والاشر والنظر القاصر والبهرجة. روجت باطلهم فجرفت جمهور البشر الذين لا بصيرة لهم ولا عقول صحيحة وانما معهم التقليد الاعمى والزهو والغرور. فيا من عافاه الله من هذه البلية. ومن عليه بهداية الرسل احمد الله حمدا كثيرا. واشكره شكرا متتابعا. ان الله انعم عليك بنعم لا يقادر قدرها. ولا يبلغ كنهها ومودع فيها من بدائع حكمته واسرار حمده وسعة عظمته ورحمته وعموم بره وفضله. وانه لا يخرج موجود ولا حادث عن قدرته ومشيئته. وان رسله صادقون في كل ما اخبروا به وشرعوه. والحمد لله على وسل ربك الثبات على الايمان الصحيح المؤيد بالعقل الصريح. والفطرة السليمة والطرائق المستقيمة. الوجه الخامس عشرون انه لا عاصم من الفوضوية وانطلاق النفوس في اغراضها وشهواتها السبعية البهيمة. الا الاعتصام بالحق الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. من توحيد الله وعبادته والحث على الاخلاق الجميلة. والتحذير من ضدها وهؤلاء الملحدون لما اعرضوا وعارضوا الحق الذي جاءت به الرسل وقاوموه اشد المقاومة بخيلهم ورجلهم وشياطهم وفتحوا باب الاستغناء بما تقذف به القلوب من الافكار التابعة للشهوات النفسية. اندفعت افكارهم واراداتهم شهواتهم الى شهوات الغي واعطاء النفوس مناها. ولم تقف عند حد فاستباحت كل قول وفعل محرم. ووقعوا في تحية المحضة وصارت الحيوانات على نقصها احسن حالا منهم. ثم مع هذا الشر العريض والفساد الكثير بين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فجعلوا يدعون الى هذه الاخلاق السافلة. ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. انظروا الى اعمالهم. ان كنتم وتأملوا اثارهم ان كنتم تعقلون. كم هدموا من محاسن وفضائل؟ وكم اقاموا من شرور ورذائل فلا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. ولا تغتر بما اعطيه هؤلاء الملحدون من ادراكات وقوة ذكاء وفطنة واعمال فان الذكاء وتوابعه اذا لم يصرف فيما خلق له العبد. واذا انكر صاحبه اوضح الاشياء حقها كان ضررا كبيرا على صاحبه مآله الهلاك كما قال تعالى عن امثال هؤلاء وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فذكر ان جحودهم لاياته اوجب لهم الا ينتفعوا بما اوتوا من هذه الادراكات وصارت النعم جالبة للنقم. وقال تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فهم عظموا علومهم التي بها وتكبروا وقاوموا الرسل وسخروا بما جاءتهم من الرسل. فانحرفت علومهم الى الباطل ونزل به ما كانوا به يستهزئون الوجه السادس والعشرون. قال الشيخ ما اخبرت به الرسل من الغيب هي امور موجودة ثابتة بل واعظم مما نشهده نحن في هذه الديار. وتلك امور محسوسة تشاهد وتحسب. ولكن بعد الموت وفي الدار الاخرة ويمكن ان يشهدها في هذه الدار من يختصه الله بذلك. ليست عقلية قائمة بالعقل كما تقوله الفلاسفة ولهذا كان الفرق بينها وبين الحسيات التي نشهدها ان تلك غيب وهاده شهادة. وكون الشيء غائبا او شاهدا امر اضافي بالنسبة الينا. فاذا غاب عنا كان غيبا. واذا شهدناه كان شهادة. وليس هو فرقا الى ان ذاته تعقل ولا تشاهد ولا تحس. بل كل ما يعقل ولا يمكن ان يحس بحال فانما يكون في الذهن والملائكة يمكن ان يشهدوا ويروا. والرب تعالى يمكن رؤيته بالابصار. والمؤمنون يرونه في يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت بذلك النصوص. انتهى. وهذا يبطل اصل الملاحدة. الذين يحشرون المعلومات بمدركاتهم الخاصة القاصرة فانه ثبت بالبراهين القوية صدق الانبياء عليهم السلام. وقد تواترت عنهم هذه الامور وحصل فاليقين التام لجميع من صدقهم. فانكار الملحدين لذلك ابطال لاعظم المعلومات باقوى البراهين واصحها وذلك مكابرة منهم ومباهتة. وقال الشيخ واستدلال الملاحدة على الحادهم قوله تعالى فلن تجد لسنة الله تبديلا. ولن تجد لسنة الله تحويلا. على ان العالم لا يتغير بل لا تزال الشمس تطلع وتغرب لانها عادة الله. فيقال لهم انخراط العادات امر معلوم بالحس والمشاهدة بالجملة. وقد اخبر في غير موضع انه سبحانه لم يخلق العالم عبثا وباطلا. بل لاجل الجزاء فكان هذا من سنته الجميلة. وهو جزاؤه الناس باعمالهم في الدار الاخرة. كما اخبر به من نصر اوليائه وعقوبة اعدائه. فبعث الناس للجزاء هو من هذه السنة. ومن لم يخبر بان كل عادة لا تنتقض بل اخبر عن السنة التي هي عواقب افعال العباد باثابة اوليائه ونصرهم على الاعداء. فهذه التي اخبر انه لن يوجد لها تبديل ولا تحويل. كما قال فهل ينظرون الا سنة الاولين. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا. وذلك لان العادة تتبع ارادة الفاعل. وارادة الفاعل الحكيم هي ارادة حكيمة فتسوي بين المتماثلات. ولا يوجد لهذه السنة تبديل ولا تحويل. وهو اكرام اهل ولايته وطاعته ونصر رسله والذين امنوا على المكذبين. فهذه السنة تقتضيها حكمته سبحانه وتعالى. فلا انتقاض لها بخلاف ما اقتضت حكمته تغييره. فذلك تغييره من الحكمة ايضا. ومن سننه التي لا يوجد لها تبديل ولا تحويل لكن في هذه الايات رد على من يجعله يفعل بمجرد ارادة ترجح احد المتماثلين بلا فان هؤلاء ليس عندهم سنة لا تتبدل ولا حكمة تقصد. وهذا خلاف النصوص والعقول. فان السنة تقتضي تماثل الاحاد. وان حكم الشيء حكم نظيره. فيقتضي التسوية بين المتماثلات. وهذا خلاف قولهم وجه السابع والعشرون. قال الشيخ ما جاءت به الرسل صلوات الله عليهم. لا يعرفه هؤلاء الفلاسفة. وليسوا من بل كفار اليهود والنصارى اعلم منهم بالامور الالهية. فلا فرق بين العلوم النقلية والعقلية الصحيحة التي جاءت بها الرسل هذه العقليات الدينية الشرعية الالهية هي التي لم يشموا رائحتها ولا في علومهم ما يدل عليها. واما ما اختصت الرسل بمعرفته واخبرت به من الغيب. فذاك امر اعظم من ان يذكر ترجيحه على فلسفة فاذا كان اشرف العلوم لا سبيل للفلاسفة الى معرفتها بطريقهم كما تقرر وتقرر واعترفوا به لزم امره عمران احدهما انه لا حجة لهم على ما يكذبون به مما ليس في قياسهم دليل عليه. الثاني ان ما علموه خسيس بالنسبة الى ما جهلوه. فكيف اذا علم انه لا يفيد النجاة ولا السعادة. والرسول اخبر عن امور معينة. مثل نور وخطابه لقومه واحواله المعينة. ومثل ابراهيم واحواله المعينة. ومثل موسى وعيسى واحوالهما المعينة وليس شيء شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم. لا البرهاني ولا غيره. فان اقيستهم لا تفيد الا امورا كلية. وهذه في امور خاصة. وكذلك اخبر عما كان وسيكون بعده من الحوادث المعينة. حتى اخبر عن التتر بما ثبت في الصحيحين من غير وجه انه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك. صغار الاعين دلف الانوف حمر الخدود ينتعلون الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة. فهل يتصور ان قياسهم وبرهانهم يدل على معين او امة معينة فضلا عن ان يوصف بهذه الصفات قبل ظهورهم بنحو سبعمائة سنة. وكذلك اخباره بخروج النار التي خرجت سنة خمس وخمسين من الهجرة. وسائر ما اخبر به من الامور الماضية والمستقبل والامور الحاضرة مما يعلمون انه يمتنع ان يعرف ذلك بالقياس البرهاني وغيره. فان ذاك انما يدل على امر مطلق لا على شيء معين. وليس مع الفلاسفة ما ينفي وجود ما يمكن ان يختص به بعض الناس بالباطن كالملائكة والجن. ولا معهم ما ينفي تمثل الارواح اجساما. حتى ترى بالحس الظاهر وما اشبه ذلك فليس معهم في نفي هذه الامور الثابتة باخبار الانبياء وببراهين اخر الا الجهل المحض. فقد كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله مع ان عامة اساطين الفلاسفة يقرون بذلك وكذلك ائمة اطباء وطريق هؤلاء الملاحدة لا يفرق بين الحق والباطل بخلاف طريق الانبياء. انتهى. وقال في سبب الحاد بعض الملحدين من اضر الامور على العبد ان يكون متميزا عن العامة ببعض العلوم الطبيعية او غيرها اذا جاءته العلوم الدينية النافعة التي لم تدخل في علمه نفاها فخسر دينه وصار علمه الجزئي ببعض المعلومات وبالا عليه. وهكذا تجد من عرف نوعا من العلم وامتاز به على العامة الذين لا يعرفونه يبقى وبجهله نافيا لما لا يعلمه. وبنو ادم ضلالهم فيما جحدوه ونفوه بغير علم. اكثروا من ضلالهم فيما صدقهم به واثبتوه. قال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. ولما يأتيهم تأويله. وهذا لان الغالب على الادميين صحة الحس والعقل. فاذا اثبتوا شيئا وصدقوا به كان حقا بخلاف ما نفوه. فان او كثيرا منهم ينفون ما لا يعلمون ويكذبون بما لم يحيطوا به علما. ويتفرغ عن هذا الاصل الباطل الجهل بالالهيات وبما جاء به الرسل. والجهل بالامور الكلية المحيطة بالموجودات. وبهذا ضل زنادقة الفلاسفة وغيرهم. كما انكروا الجن والملائكة وامور الغيب. اذ لم تدخل تحت علومهم القاصرة. فجعل وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. وجاءتهم الرسل بالبينات والبراهين. ففرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون. انتهى. الوجه الثامن والعشرون ان يقال لهؤلاء المنكرين لامور الغيب التي اخبر الله بها ورسوله لما انكرتموها فيجيبون بانها لم تدخل كعلو من التي بنيناها على ادراكات الحواس والتجارب. فيقال لهم قدروا انها لم تدخل في ذلك. فان فوق العلوم اليقينية كثيرة. واكثرها لا تدخل تحت ادراكاتكم. فان ادراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم فانكم تعترفون ان مدركاتكم خاصة ببعض المواد الارضية واسبابها وعللها. ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافها واعمالكم فانكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة وتخفق مرات. فاذا كانت هذه في حالكم في الاسباب والمواد الارضية التي يشترك بنو ادم في ادراكها ويفترقون في مقدار الادراك. فكيف دون بقية العوالم. عوالم السماوات وعوالم الغيب. وما هو اعظم من ذلك من اوصاف رب العزة وعظمته. وانتم لم يتصل شيء من علومكم بذلك فان هذا النفي باطل باجماع العقلاء. وانما هذا مكابرة. واذا قلتم وانتم تقولون بلسان المقال ولسان الحال. ان ائمتكم ورؤساءكم قالوا ذلك وانكروه. فيقال اولا. رؤساء قد تضاربت اقوالهم وتناقضت مقالاتهم. ولم يثبتوا على مقالة واحدة. ولم يزالوا في خبط واختلاط واحداث نظريات ونقدها واتفاق وافتراق. ولو قدر على وجه الفرض اتفاقهم على الانكار. فكيف تؤخذ باقوال من لم يعرف صدقهم. بل عرف كذبهم وخطأهم في ذلك. ولا يؤخذ باقوال الرسل من اولهم الى اخرهم الذي ثبت صدقهم فكيف يؤخذ باقوال من لم يعرف صدقهم؟ بل عرف كذبهم وخطأهم في ذلك. ولا يؤخذ باقوال الرسل من اولهم الى اخرهم. الذين ثبت صدقهم بالبراهين اليقينية. والايات القواطع. وثبت علمهم الذي تتضاءل معه علوم جميع البشر. ولم يصل احد الى العلم الصحيح والهداية الا من جهتهم. وهم متفقون الى ذلك والكتب السماوية المنزلة عليهم واتباعهم الذين عرفت هدايتهم ودرايتهم. وعرف ان الواحد من ائمة هؤلاء الهداة يقاوم الفلاسفة من اولهم الى اخرهم. فقد اتفقت الرسل والانبياء واتباعهم وادلة العقول الصحيحة والفطر السليمة التي لم تغيرها العقائد الفاسدة على الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر وجميع ما يجب الايمان به من الغيوب. وهؤلاء الملحدون ليس معهم نقل ولا عقل صحيح. انما معهم ظنون كاذبة هبة واراء خاطئة. ونظريات مضطربة وتقليد اعمى للضالين الحائرين. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. ويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه. ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب اليم. وقوله تعالى كان في اذنيه وقرا بشره بعذاب اليم. وقوله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. الوجه التاسع والعشرون ان هؤلاء الملحدين كاذبون في دعواهم اثبات كل ما دخل تحت حواسهم. فانه قد تواترت ايات الرسل وشاهدها الخلق العظيم واعترفوا وخضعوا لها وشاهدوا ما فعله الله في الارض. من نصر الرسل واتباعهم ونجاتهم. واهلاك الامم المكذبة وهذه وقائع كثيرة لا يمكن احصاؤها. ولم يشتهر ويتواتر شيء كاشتهارها وتواترها. ولم يعترف البشر بشيء من الاشياء اعظم من اعترافهم بها. لانهم شاهدوها رأي العين ونقلتها الامم قرنا بعد قرن. وهؤلاء يكابرون ويباهتون ويجحدون ما اعترفت به الامم على اختلاف مللهم ونحلهم. فهم تابعون لائمتهم الذين قال الله عنهم وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. الوجه الثلاثون انك اذا تصورت قول هؤلاء الماديين الذين زعموا ان الحوادث كلها من اولها الى اخرها حوادث الطبيعة. ومع ذلك هذه الطبيعة لا شعور لها بما يصدر منها من افعال. وانما هي الة محضة. ومع ذلك تصدر عنها الافعال العظيمة التي هي في غاية الابداع والاتقان. وفي نهاية الحكمة والرحمة وفي غاية الارتباط الوثيق الذي استقامت به الامور. وصلحت الاحوال من كوني مدبر لها ولا خالق ولا فاعل. فمن تصور هذا القول حق تصوره عرف انه قول يشبه اقوال المجانين الذين سلبت عقولهم وهدوا بما لا شعور لهم فيه. وعرف كل عاقل بصير ان نفس مقالاتهم تدل دلالة على كذبهم وافترائهم. فضلا عن دلالات البراهين النقلية والقواطع العقلية. وما فطر الله عليه الخلق من الاعتراف بوحدانية الله وتفرده بكل كمال. وانه الفاعل لما يريد وانه مبدع السماوات والارض النعم وهو الاعتراف بالحق الذي جاءت به الرسل. والعافية من هذا البلاء الذي هو اكبر المصائب على العبد. وهو اتباع وكل ملحد مارق من العقل والدين. الوجه الحادي والثلاثون ان يقال لرؤساء الملحدين واذكيائهم فضلا عن عوامهم ومقلديهم. انتم لا تزالون في علومكم التي افتخرتم بها. لا تزالون تحدثون نظريات تتفق عليها اراء او اكثرها وتقررونها وتعتقدونها وتجزمون بصدقها. ثم مع تكرار افكاركم وانظاركم عليها تشكون فيها وربما تجزمون ببطلانها وتحدثون ما يضادها من النظريات التي باتفاقكم ان النظرية تقبل التحليل لو الشك والقدح فيها وهي عرضة للضمحلال. وكم قد ابطلتم منها ما كنتم ترونه حقا. وكم كذبت ثم كنتم به مصدقين. فعلومكم العالية عندكم. وهذه حالها ومآلها. كيف يسوغ من له ادنى معقول ان يجعلها معارضة لما جاءت به الرسل من الحقائق الصادقة التي اتفقت عليها الرسل ونزلت بها الكتب بها الائمة الفضلاء والهداة المهتدون. الوجه الثاني والثلاثون قد تقرر عند جميع الامم سوى هذه الطائفة التي كابرت وباهتت صدق الرسل بما كانوا عليه من الاخلاق العلية والاوصاف الرفيعة. وبما جاءوا به من الدين الحق الذي اصلح الله به الدين والدنيا. وهدى به العباد الى كل خير وصلاح وفلاح. خاص وعام عاجل واجل وايدهم بالايات البينات والبراهين القاطعات. التي تواترت تواترا لم يقاربه شيء من المتواترات. حتى تناقلته الامم والقرون وصارت في مقدمة الحقائق وفي اعلى مراتب الصدق. وخصوصا امامهم وسيدهم محمدا صلى الله عليه عليه وسلم. فان جميع الخلق شهدوا بصدق ما جاء به واعترفوا به وخضعوا. اولياؤه واعداؤه. ولم يجيء الا بهذا القرآن الذي تحدى الله به الانس والجن. ان ياتوا بمثله او بعشر سور او بسورة واحدة. لبلاغته العظيمة واسلوبه الجميل الجليل واحكامه التي هي احسن الاحكام. واخباره عن الغيوب الماضية والمستقبلة. المتعلقة بالخلق والمتعلقة الخالق. فمن عرف شيئا من احوال الرسل وصدقهم واخبارهم واحكامهم. عرف ان من انكر ما جاءت به الرسل قد ابار المحسوسات وباهة المعقولات. وعاندوا العلوم الصحيحة. وردوا المعارف اليقينية وانهم بلا شك معاندون للحق او مقلدون للمعاندين تقليدا اعمى. فهم كما قال الله عن ائمتهم وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين. فاذا لم يؤمنوا ويصدقوا بما جاءت به الرسل. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. اما اولو الالباب فقد قال الله عنهم ربنا اننا سمعنا مناديين ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. وقال سبحانه ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. الوجه الثالث والثلاثون. ان يقال لهؤلاء الملاحدة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرع وحي من الله جاء على يد الرسولين جبريل ومحمد صلى الله عليهما وسلم. وهو مؤيد بشهادة الايات والبراهين القاطعة. والعقول نهتدي به وتسترشد الى جميع المطالب العالية. فتشهد بكمال حسنه وتعترف بحاجتها وضرورتها العظيمة الى ارشاده استنيروا به وتعرف انه لا سبيل لها الى الوصول الى تفاصيل ما اخبر به من الغيوب المفصلة. وانه ليس في علومها ما يدل على ذلك ذلك فسلمت لما جاء به الوحي والشرع. ولم تعبأ بعقول بنيت على الشبه والخيالات. فانه لو جمعت حكم الامم ونسبت اليها لم يكن لها اليها نسبة. وهذه الشريعة متضمنة لاعلى المطالب باقرب الطرق واتم البيان. وهي بتعريف الخليقة ربها. وفاطرها المحسن اليها بانواع الاحسان. باسمائه وصفاته وافعاله. وتعريف الطريق الموصل الى رضاه وابطال ما يضاد ذلك وينافيه. فابتداؤها من الله وانتهاؤها اليه. سالمة من هديانات دين وافتراء المفترين. وقد اكمل الله الدين لنبيه وامته. فلم يحوجهه هو ولا امته الى عقل ونقل سواه قال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. ولا يمكن ان يعارضها عقل صحيح ولا علم صادق. ومن تأمل ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة. وجدها شبهات فاسدة يعلم بالعقل وثبوت نقيضها. والرسل صلوات الله وسلامه عليهم تخبر بما تعرفه العقول جملة وتفصيلا. او جملة ولا تهتدي الى تفصيله. او تخبر بامور لا تهتدي اليها العقول. بمجردها لا جملة ولا تفصيلا حال ان تخبر بما تحيله العقول الصحيحة. وهذا يعرفه كل من له خبرة بالشريعة الاسلامية. وخبرة بمقالات الامم وقد تتبع كبار العلماء واساطين الحكماء. وفحول اهل النظر ذلك فوجدوه كذلك في جميع الحقائق. التي جاءت بها الرسل وبرهانوا ان كل ما خالفها وضلالات وجهالات وخيالات. حتى باعتراف من انصف من هؤلاء الملحدين فضلا عن اولي الالباب والبصائر واهل العقول الوافية المغتذية بالوحي والهداية النبوية. فانهم علموا علم اليقين ان جميع ما جاءت به الرسل من امور الغيب ومن الاحكام الشرعية والقدرية والجزائية هو حق اليقين. فتيقنوه بقلوبهم وشهدوا به السنتهم وهدوا به الخليقة. قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا وقوله ومن احسن من الله حكما لقوم يوق وقوله ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك بك هو الحق هو الحق يهدي الى صراط العزيز الحميد قوله اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خرو سجدا وبكيا. ولما ذكر صفات اولي الالباب قال عنهم ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا الوجه الرابع والثلاثون. ان اصل بلاء المشركين والملحدين قياس الرب العظيم بالمخلوق الناقص الحقير. ولم يعترفوا ان الله ليس كمثله شيء. وان له المثل الاعلى في السماوات والارض وان له العظمة كلها والكبرياء كله والمجد والحمد والجلال. وان ما للخلق من اولهم الى اخرهم من قوة عظمة واوصاف فانها تضمحل غاية الاضمحلال. ولا يبقى لها نسبة بوجه من الوجوه. اذا نسبت الى عظمة الله وكماله. والا فلو علموا ان الله تعالى هو الخالق لجميع الموجودات. اعيانها واوصافها وافعالها من سواه مخلوق وانه مالك الملك المطلق. ومن سواه عبد مملوك. وانه العليم الذي احاط علمه بكل شيء الذي وسعت رحمته كل شيء. القدير الذي لا يعجزه شيء. العزيز الذي علا على كل شيء وقهر المخلوقات كلها ودانت لعزته وقدرته. وانه الاول الذي ليس قبله شيء. الاخر الذي ليس بعده شيء. الظاهر الذي ليس فوقه شيء. الباطن الذي ليس دونه شيء. الحكيم في كل ما خلقه وحكم به شرعا وقدرا وجزاء الى اخر ما وصلت اليه معارف الرسل واتباعهم من اوصافه. فلا يحصي احد ثناء عليه. لو علموا شيئا من ذلك عرفوا ان قولهم واعتقادهم ابطل الباطل واشنع الكذب. واعظم الجراءة على الله والمكابرة لاياته وبراهينه التي خضعت لها الخليقة تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده. ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا. وقوله تعالى ان كل من في السماوات لقد احصاهم وعدهم عدا وكلهم يوم القيامة فردا. فهؤلاء الملحدون لما لم تصل معارفهم الضئيلة الى شيء من ذلك وحصروها في بعض الاسباب ولم ترتقي الى مسبب الاسباب. ولم يصلوا من المخلوقات الى خالقها. ظنوا ان ما وصلوا اليه وغاية العلم ونهاية المعرفة جهلا وضلالا. ومنهم من كان كذلك ظلما وعنادا. فيا ايها المؤمن بالله احمد الله على هذه النعمة التي هي اكبر النعم. والسلامة من عقوبة الالحاد التي هي اكبر النقم. الوجه الخامس ثلاثون ان هؤلاء الدهريين لما كانوا يقولون ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر. وما هي الا الطبيعة تتولد عنها الموجودات والحوادث حصروا مداركهم في هذه الحياة الدنيا. فادركوا منها ما ادركوا. وجحدوا ما سوى ذلك من امور الغيب. وما اخبرت به الرسل من الغيوب والاحكام. فضاقت دائرة علوم هؤلاء الملحدين. وامتلأت قلوبهم من من الكفر والكبر والسخرية بعلوم الرسل. وساءت اسودهم. وختم الله على مداركهم القلوب والاسماع والابصار فلم ينتفعوا بها كما قال تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كان كانوا يجحدون بايات الله. وقوله ان الذين يجادلون في ايات لله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم الا كبر. كبر ما هم ببالغين فاستعذ بالله انه هو السميع البصير فنعوذ بالله من هذا الكبر الذي هبط بصاحبه الى هذه الدركات ومنعه من الوصول الى العلوم النافعة والسعادة والفلاح. وحسن له ما هو عليه من العلوم الناقصة والاعمال القباح. ولهذا قال ابن القيم رحمه الله المعلومات المعاينة التي لا تدرك الا بالخبر اضعاف اضعاف المعلومات التي تدرك بالحس والعقل. بل لا نسبة بينها بوجه من الوجوه. ولهذا كان ادراك السمع عم واشمل من ادراك البصر. فانه يدرك الامور المعدومة موجودة والحاضرة والغائبة. والمعلومات التي لا تدرك بالحس والامور الغائبة عن الحس نسبة المحسوس اليها كقطرة من بحر ولا سبيل الى العلم بها الا بالخبر الصادق. وقد اصطفى الله من خلقه انبياء انبأهم من انباء الغيب بما يشاء واطلعهم منها على ما لم يطلع عليه غيرهم. فليس كل ما اخبر به الانبياء يمكن معرفته بدون خبرهم بل ولا اكثره. ولهذا كان اكمل الامم علما. اتباع الرسل. وان كان غيرهم احذق منهم في علم النجوم والهندسة وعلم المتصل والمنفصل ونحوها من العلوم التي لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. واثروها علوم الرسل. وهي كما قال الواقف على نهايتها. ظنون كاذبة وعلوم غير نافعة. فنعوذ بالله من علم لا فينفع وان نفعت فنفعها بالنسبة الى علوم الانبياء كنفع العيش العاجل بالنسبة الى الاخرة ودوامها. فليس في الحقيقة الا ما اخبرت به الرسل عن الله طلبا وخبرا. فهو العلم المزكي للنفوس. المكمل للفطر المصحح العقول الذي خصه الله باسم العلم وسمى ما عارضه ظنا. لا يغني من الحق شيئا وخرسا وكذبا. واذا تأملت ما عند المعارضين لنصوص الانبياء بعقولهم رأيته كله خرسا. علمت انهم هم الخراسون. وان العلم في الحقيقة ما نزل به الوحي على الانبياء والمرسلين. وهو العلم الذي اقام الله به حجته. وهدى به انبياءه واتباعهم. واثنى عليهم به وذكر الايات الدالة على هذا انتهى. الوجه السادس والثلاثون ان ايات الانبياء عليهم الصلاة والسلام ومعجزاتهم التي شاهدها الخلق العظيم. وتناقلتها القرون واجتمعت عليها الدلالات المتنوعة. دلالة العقل ودلالة يحس واضطرار الخلق الذين شاهدوها انها من عند الله ومن اياته وبراهينه تهدم الاصل الذي اصله الملاحدة. حيث لم يثبتوا الا ما دل عليه الحس فان اكثر المحسوسات اذا نسبت لايات الانبياء ومعجزاتهم لم يكن لها اليها نسبة من هذه الجهة فضلا عن بقية الاستدلالات عليها. فهي من اقوى الطرق واوضحها وادلها على الصانع وصفاته وافعاله. قال ابن القيم رحمه الله وارتباط ادلة هذه الطريق بمدلولاتها اقوى من ارتباط الادلة العقلية الصريحة بمدلولاتها انها جمعت بين دلالة الحس ودلالة العقل. ودلالتها ضرورية بنفسها. ولهذا يسميها الله ايات فان انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما. يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت. وكذلك وفلق البحر طرقا. والماء قائم بينهما كالحيطان. ونطق الجبل من موضعه ورفعه على قدر العسكري العظيم فوق رؤوسهم وضرب حجر مربع بعصا فتسيل منه اثنتا عشرة عينا تكفي امة عظيمة اخراج الناقة لصالح وتصوير طائر من طين ثم ينفخ فيه النبي فينقلب طائرا ذا لحم وريش اجنحة يطير بمشهد من الناس. وانزال العقوبات المتنوعة على المكذبين للانبياء. ثم نجاة النبي ومن معه من المؤمنين واماء الرسول الى القمر. فينشق نصفين بحيث رآه الحاضر والغائب. ويخبر به كما يراه الحاضرون وكذا بقية الايات التي شاهدها الناس من النبي صلى الله عليه وسلم. وهي متنوعة جدا. وامثال هذه من الايات من اعظم الادلة على الصانع وصفاته وافعاله وصدق رسله واليوم الاخر. وهذه من طرق القرآن التي ارشد الله اليها عباده ودلهم بها. كما دلهم بما يشاهدون من احوال الحيوانات والنباتات فمن جحد فيه او شك فيه فباي حقيقة يعترف؟ ومن انكره فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون نون ويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمع والمطر والسحاب والحوادث التي في الجو. واحوال العلويات من السماء والشمس والقمر والنجوم واحوال النطفة وتقلبها طبقا بعد طبق. انتهى. وفي هذا ابطال لقول من يستهين بمعجزات الانبياء ويجاري الملحدين في تحليلها تحليلا يعلم بالضرورة بطلانه. وانه قدح في الضروريات والمحسوسات. ولكن التقليد الاعمى والخضوع للملاحدة. وموافقتهم على كثير من اصولهم الباطلة. اوصلهم الى حال الاستهانة بايات بياء وخوارق ما اجرى الله على ايديهم مما هو معلوم بالحس والعقل والخبر والمشاهدة. ومنقول نقلا متواترا لا يشبهه شيء من المتواترات. والله تعالى ينوع اياته ويجعلها في كل فن وتصريف. لتقوم الشواهد على وصدق رسله ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وليعلم العباد ان قدرته تعالى بها الامور باسباب يعرفها العباد. واسباب لا يعرفون وجهها. وانما يعرفون نتيجتها وفائدتها. الدالة على صدق رسله وكذب اعدائه وبطلان قولهم. الذين خالفوا فيه الرسل. والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الوجه السابع والثلاثون. ان يقال لهؤلاء الملحدين الدهرين ما قالته الرسل لاسلافهم. افي الله شك فاطر السماء السماوات والارض والله تعالى وجوده اظهر الموجودات. وهو واجب الوجود وغيره وجد بعد العدم. وهو تعالى فاطر السماوات والارض فكل الموجودات الحاضرة والسابقة واللاحقة. وجميع الحوادث في جميع الاوقات كلها بخلقه وتسخيره وتدبيره وتصريفه. اوجدها بعد العدم. امدها بكل ما تحتاج اليه. وحفظها من الزوال والاضمحلال. وهو يحييها ويميتها ويعدمها ويبقيها. ويتصرف فيها بكمال الحكمة وبديع العناية. قد شهدت بوحدانيته جميع موجودات. وخضعت لعظمته جميع الكائنات. وافتقرت اليه جميع البريات في كل شؤونها. كل يوم هو في شؤون يبديها ولا يبتديها. وقد قامت البراهين القواطع التي لا تعد ولا تحصى على هذا الامر. وشهدت به الكتب والرسل واتباعهم واولو العقول الصحيحة والفطر المستقيمة. لا يمكن احد له مسكت من عقل ان ينكر هذا الا هؤلاء الملحدون الذين فسدت عقولهم ومرجت اخلاقهم واقتدوا بكل شيطان مريد. كفرعون واشباهه الذين قال له موسى لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر واني لاظنك يا فرعون وقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. فانظر كيف كان عاقبك المفسدين. وحيث خاطب موسى عليه السلام حين امره بالايمان. قال فمن ربكما يا موسى؟ قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فاستدل عليه بجميع الكون ناطقه وصامته. وانه انفرد بخلقه لم شاركه في ذلك مشارك. وهدى كل مخلوق الى مصالحه ومنافعه المشاهدة. فهذا البرهان جميع العقلاء يعترفون به ولا ينكره الا كل مكابر مباهت. مثل فرعون وائمة هؤلاء. ولهذا لما جاءه موسى وخاطبه قال فرعون وما رب العالمين انكارا له. قال موسى رب السماوات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين. فكل عاقل لابد ان يعترف به. ومن لم يعترف به فانه اما مجنون او معاند مباهت او ضال مقلد تقليدا اعمى وقال فرعون مموها على اهل مجلسه. الا تسمعون ما يقول موسى؟ فقال موسى ربكم ورب ابائكم الاولين ابتكارا عليهم انهم انكروا امرا لم يزالوا ولا يزالون اليه مضطرين. مفتقرين كل وقت. وهو ربوبية الله لهم ابائهم الاولين التي لا يمكن انكارها. فهو الذي رباهم بخلقه ونعمه صغارا وكبارا. هم واصولهم فروعهم وسائر الخلق ولكنهم باهتوا. ومن مباهتتهم ومكابرتهم. رميه لموسى بالجنون. وهو يعلم انه اكمل الناس عقلا وهو الذي اقامه واقعده واحرجه في احواله كلها. فقال ان رسولكم الذي ارسل اليكم فلما رآه يكابر ويجحد ربوبية الله للخلق التي لا يمكن المكابرة فيها قال له قال او لو جئتك شيء مبين. ظاهر واضح قوي دال على صدق وصحة ما جئت به. وان الجاحدين هم المبطلون فذكر الايات وما جرى له مع فرعون. وكيف اعترف السحرة كلهم انه من عند الله واثر فيهم وامنوا الصحيح الصادر عن قوة وبصيرة وخبرة تامة. ولم يبالوا بالمعاوضات وما اصابهم من فرعون. وظهر الحق اقوى بطل ما كانوا يعملون. فهذه في الحقيقة حالة هؤلاء الملحدين مع جميع الرسل. ولقد قص الله علينا من نبأهم ما فيه عبرة للمعتبرين وحجة على المعاندين. وكم في الكتاب والسنة من الدلالات العقلية والنقلية على ذلك فبشره بعذاب اليم. الوجه الثامن والثلاثون. اي يقال لهؤلاء الملحدين الماديين هاتوا برهانكم وميزانكم الذي تزعمون انه ميزان الحقائق. وقابلوه بميزان الحق اليقين وهو ميزان الدين. زنوا الحقائق منفصلة حقيقة حقيقة. واعرضوها على ذوي العقول الصحيحة والاذهان والمعارف الصادقة فانه يتضح عند ذلك انهم كانوا كاذبين مبطلين. اول ذلك ان يقال قابلوا بين اي موجود من الموجودات التي اختصتم باثباتها. او التي اشترك بنو ادم في اثباتها وبين وجود الخلق فان وجود الخالق جل جلاله وتقدست اسماؤه وجود واجب. مستحيل وممتنع ثبوت نقيضه. فهو اعظم الموجودات واظهرها بل لا وجود لشيء من الاشياء الا بايجاده. ووجود ما سواه من المخلوقات والحوادث مفتقر غاية الافتقار الى ربه. ليس لشيء منها من نفسه وجود. فليس لها الا العدم فهي حادثة بعد العدم ومضطرة اليه كل وقت بعد الوجود. لو قطع عنها الامور التي حفظها بها وابقاها محلت الله تعالى وجوده مركوز في العقول والفطر. معلوم بالضرورة والطرق التي هي اقوى الطرق الدالة على حق ذلك بان الله هو الحق وانما يدعون من دونه الباقين فحصر الحق فيه. اذ هو الحق الواجب في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. ولا حق لشيء من اشياء الا باستناده اليه. فهو واجب الوجود الموجد لكل موجود. فوعجبا كيف يعصى الاله ام كيف كيف يجحده الجاحد؟ وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. الم تر الى الذين يجادلون في ايات الله انا يصرفون. عن الحق الذي هو اظهر الاشياء واوضحها ولكن العلة والسبب الذي حملهم على هذه المجادلة الباطلة قوله عنهم الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسلنا به رسلنا. فتكذيبهم بجميع الكتب المنزلة من عند الله وبجميع الرسل منعهم من قبول الحق الذي لا حق غيره. وتركهم في ضلالهم وطغيانهم يعمهون ثم ذكر وعيده لهم بقوله والسلاسل يسحبون. زنوا ايها العقلاء ما ثبت لربكم العظيم. من الوحدانية في اوصاف الكمال والتفرد بكل جلال وجمال. والتفضل بكل خير ونعم جزال. وما شاهدته الخليقة من عنايته وحكمته واتقانه المخلوقات. في غاية الاحكام والانتظام العجيب الذي حسب العقول والافهام اذ تهتدي الى ما بثه في المخلوقات من حسن الخلق. وبديع الصنع ولطيف الانتظام. وقيام التي لا تحصى المترتبة على ذلك. ثم انظروا الى ما نشره من رحمته. التي وسعت كل شيء. فما من مخلوق ممكن يستغني عن رحمة خالقه طرفة عين. فما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة خفية او جلية الا من الله وهو الذي لا يأتي بالخير والحسنات الا هو. ولا يدفع السوء والسيئات الا هو. وهذا من اكبر الادلة على سعة في علم الله ورحمته وشمول حكمته وعظمة اقتداره. وانظر الى ما في العالم العلوي والسفلي من الحوادث والتدبير المتنوعة والافعال العظيمة. وما تدل عليه من عظمة مدبرها وجلاله وكبريائه ومجده. وانه المتفرد بالوحدانية والكمال الذي لا غاية له. وهذه امور معلومة بالضرورة والمشاهدة. فهل يستوي من اثبت ما دلت عليه من وحدانية الله وثبوت اوصافه واسمائه الحسنى. ومن جحد ذلك وانكره ورد الادلة القواطع. وكابر وعاند بالباطل. وهل يستوي الامر بعبادة الله وحده واخلاص الدين له. والقيام بحمده وذكره وشكره والانابة التي هي افرض الفروض التي جاءت بها الرسل. وافضل ما قام به العباد واكتسبته القلوب. واعظم سبب يوصل الى كل خير خير وسعادة ومطلوب. ام الامر بضد ذلك من الشرك بالله؟ والاستكبار عن عبادته. وتعلق القلب بالخلق والوقوف مع المادة وعبادتها. وهل يستوي ما امرت به الرسل من الصدق في الاقوال والافعال والنصيحة لله ورسوله كتابه ولائمة المسلمين وعامتهم والامر بالبر والصلة والقيام بحقوق الجيران والاصحاب والمعاملين ومن يتصل بهم العبد على اختلاف طبقاتهم؟ ام الامر بضد ذلك؟ وهل يستوي الامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم. والتعاون على البر والتقوى الامر بضد ذلك؟ وهل تستقيم الامور كلها وتصلح الاحوال الا بالتزام ذلك والعمل به؟ وهل يمكن القيام باصول الايمان وشرائع الاسلام. والوفاء بالحقوق والعقود والعهود. والورع عن المحارم القولية والفعلية. الا مع بالله واليوم الاخر الذي هو اساس الخيرات والصلاح المطلق. وهل هذا اذا اطلق الملحدون الماديون على هذه الاصول العظيمة والشرائع الجميلة النافعة. التي لا ينفع غيرها انها رجعية ترجع بالناس الى الوراء. وان انها قديمة القديم يجب ان يزهد فيه ويحذر عنه. هل هذا القول منهم والدعاية الخبيثة الا من اكبر الادلة على ضعف عقولهم. وسفاهة ارائهم وكذبهم الصريح. وهل يستغني العباد عنها في حالة من احوالهم وهل هي الا اكبر نعمة واجل كرامة اكرم الله بها العباد. لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقوله واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم. فالف بين قلوبكم وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها. كذلك يبين الله لكم اياته وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم اتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. وقوله تعالى ومن من الله حكما لقوم يوقنون. فمن وزن بعقله الصحيح ما جاءت به الرسل وامرت به. وارشدت اليه من معرفة الله وعبادته والانابة اليه. والامر بالقيام بجميع الحقوق كلها على وجه العدل والفضل والاحسان. وما نهت عن ضده ثم نظر الى ما يدعو اليه اهل الالحاد عرف ان الخير والفلاح والصلاح الديني والدنيوي العاجل والاجل. الظاهر والباطن مع ما دعت اليه الرسل ان الملحدين ترمي دعوتهم الى الانحلال من كل خلق جميل. والحث على كل خلق رذيل. ومآلها الفوضوية التامة والانطلاق مع شهوات النفوس. حتى تكون البهائم اشرف منهم وانفع. وهذا هو الواقع بلا ريب ولسان حالهم ومقالهم يصرح بذلك. فنسأل الله ان يتم علينا وعلى المسلمين نعمه. وان يثبتنا على دينه. ويزيد من فضله وكرمه ومن اعجب العجائب ان كثيرا من الكتاب العصريين والسياسيين الذين يسعون في معالجة كثير من مشاكل الحياة. ويطلبون حلها من جميع النواحي. ومشكلة الالحاد. الذي جرف بتياره اكثر الناشئة. لم يسعوا في حلها ومداواتها بالرجوع الى الايمان الصحيح. وليقين النافع والصلاح المطلق من جميع الوجوه بل تركوهم في ضلالهم يعمهون. وفي غيهم يترددون. وازدادت المشكلات التي يريدون حلها مشكلات اخرى تعذر حلها كما هو المأمول. فكل مشكلات الحياة اذا لم تبنى على الايمان والدين الصحيح ازدادت تعقدا ضررها وبعد خيرها. فلو انهم اسسوا معالجاتهم المتنوعة على الدين الصحيح. ووجهوا النشأ الى والتخلق باخلاقه لاثمرت مساعيهم من كل زوج كريم. ولتوجهت الوجوه والاعمال الى الخير والصلاح وانصرفت عن الشر والاضرار والاعمال القباح. فالفساد لا يسود الا اذا عدم الايمان الذي ينافيه ولا يجامعه الوجه التاسع والثلاثون. ان يقال لهؤلاء الملاحدة الماديين. من الذي اوجد هذه المخلوقات اوقات العظيمة والكثيرة. ومن الذي احكمها هذا الاحكام البديع؟ ومن الذي نظم حركاتها العجيبة؟ التي تحار الافكار في حسنها وحسن نظامها. فسيجيبون ان هذا كله اثر المصادفة. واعمال الطبيعة العمياء التي ليس لها علم ولا قدرة ولا ارادة ولا غيرها من الاوصاف. وهذا قولهم الذي صرحوا به واقتدوا فيه بالمتمردين من ائمة امتهم الضالين. فحينئذ يتضح لك ان عقول هؤلاء اقرب الى عقول المجانين منها الى عقول الصبيان. الذين لا يعقلون. فلو تركت هذه العوالم العظيمة ساعة واحدة. بل لحظة واحدة للمصادفة والفوضوية لزالت السماوات والارض واختبطت العوالم. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا آآ ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. واذا اورد عليهم بعض الايرادات الصحيحة المبطلة لقوله اجابوا بانه يحتمل كذا ويحتمل كذا. احتمالات في غاية الضعف والوهن فيا عجبا لمن اغتر باحتمالات عقول قد تبين سفاهة اهلها. وجراءتهم وهجومهم على اشرف العلوم. واعظم حقائق فابطلوها وانكروها. ولا يغرنك كما غرهم مهارتهم في بعض علوم الهندسة والطبيعة والمخترعات الصناعية فانها لا تغني من الحق شيئا. ولا تدل على فضل اهلها الفضل الحقيقي ولا شرفهم. لا يغرك انك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأوى جهنم وبئس المهاد. وقوله تعالى وجعلنا لهم سمعا فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون والله تعالى جعل للعقول حدا لا تتعداه. ولا تتمكن من مجاوزته. وما ادركته وتدركه من المعلومات ومات فهو قليل جدا في جانب ما لا تعلمه من هذه العوالم. فكيف تتجاوز هذه العوالم التي قصرت العقوبة عن ادراكها حتى تجحدوا الرب العظيم. الذي هذه العوالم كلها داخلة في ملكه وتصريفه وتدبيره ثم ترجع الى هذه المخلوقات وما فيها من الحوادث فتدعي انها وليدة المصادفة من غير خالق خلقه ولا محدث احدثها ولا حكيم ابتدعها ونظمها. سبحانك هذا بهتان وجرم عظيم السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا دعوا للرحمن ولدا. فكيف بمن جحده ونفاه بالكلية؟ الوجه الاربعون. اي يقال من اكبر الخيانات للعلم والحقيقة ان تكون بحوث العلماء الطبيعية والمواد والعناصر مبتورة مقطوعة الصلة بالله وبدينه فانهم يبحثون في الموجودات بحوثا ضافية كثيرة. ويستخرجون منها فوائد كثيرة. ولكنهم مع ذلك لا نجدهم يذكرون الله فيها. ولا يقدرون قدر خالقها ومدبرها. ولا يشكرون من انعم بها ولا يذكرن مشيئة الله وارادته وقدرته فيها. حتى يظن الظانون. بل يظن كثير من هؤلاء الباحثين ان الموجودات التي وقع البحث فيها هي حاصل الوجود لا وجود سواها. فيقعون في الجحود والانكار الصريح ويصيرون في خط وخلط من جهة العقيدة الصحيحة. بل كذبوا بالحق لما اهم فهم في امر مريج. فاهمال اصل الاصول من علمهم. وذكرهم وتوجههم اضل خلقا كثيرا. فلو انهم قاموا بما يجب عليهم وعلى الخلق من بناء المعلومات على حقائقها واصولها والموجودات على موجدها والنعم على مسديها والمتفضل بها. لهدوا الى صراط مستقيم. وسلموا من الخيانة وطرق الجحيم الحادي والاربعون ان الله ايد رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بامرين عظيمين قائمين الى يوم القيامة. كل واحد منهما يشتمل على براهين كثيرة قطعية. تدل على وحدانية الله وصدق رسوله. احدهما شهادة الله له. والثانية هذا القرآن. قال الله تعالى قل اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم لانذركم به ومن بلغ فاما شهادته لرسوله ولما جاء به فبقوله الذي انزله في كل كتاب. وعلى كل لسان كل رسول. وشهد وتيقنه اهل البصائر والالباب. وبفعله تعالى بما ايده به من القوة والنصر والتأييد. واظهار دينه على الدين كله وبما انزله في شرعه من الاخبار الصادقة النافعة والحكم والاحكام والهداية والارشاد للصلاح المطلق في جميع الامور فما بقي خير الا امر به. ولا شر الا نهى عنه وحذر. ولا طيب الا احله. ولا خبيث الا وذلك في الاصول والفروع. وبما جبل رسوله عليه من الاخلاق الحميدة. التي هي اعلى الاوصاف واكملها. فجمع الله فيه وله من الخير والاوصاف الجميلة ما كان متفرقا في الكمل من الخلق. وفي جميع الشرائع وهي مشاهدة محسوسة يعترف بها المؤمنون به. ويعرفها غيرهم لا ينتري فيها الا جاهل او مكابر. واما شهادة هذا القرآن فان الله منذ انزله الى ان تقوم الساعة قد تحدى به الانس والجن. وانهم لم يأتوا ولن يستطيعوا ان يأتوا بمثله فيما يقدحون به في هذا الدين. لبلاغاته العظيمة وحسن اسلوبه واخباره بالغيوب. وما حكم هذه من الاحكام الاصولية والفروعية. وما هدى وارشد اليه من الصلاح والفلاح والكمال الديني والدنيوي. وما حذر عنه من الشر والاضرار والعقوبات العاجلة والاجلة. وما كان فيه من الاحكام التي تصلح لكل زمان ومكان. وما شرع من الحقوق العادلة بين الخلق افرادهم وجماعاتهم الى غير ذلك من ايات القرآن التي لا يمكن ان يعارضها علم صحيح ولا عمل نافع. وكل خير لا شر فيه. فانه من احكامه ومما دل عليه. فليأتي المنكر بمثال واحد صحيح خارج عن هذا الاصل. فبمجرد وقوف الناظرين على هاتين الشهادتين العظيمتين. والتأمل بما اشتملتا عليه فيه من البراهين القاطعة على مال الله من الوحدانية وصفات الكمال والجلال كله. وعلى صدق ما جاء به الرسول في وحده في ابطال ما ناقضته من اقوال الملحدين. لانه اذا اتضح الحق علم يقينا ان ما خالفه باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال وقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم يتبين لهم انه الحق اولم يكفي بربك انه على كل شيء فالحمد لله على ما بينه لعباده من الآيات التي لا تزال مشاهدة ولا تزال متصرفة متنوعة. شاهدة بصدقه وصدق رسله. وكذب الكافرين به المكذبين لرسله. الوجه الثاني الثاني والاربعون النظر الصحيح الى ما يأمر به الدين والايمان. من تلقي احوال الحياة والتطورات المتنوعة. وما اهل الالحاد والايمان بالمادة والطبيعة. فانه لابد للافراد والجماعات من حصول نعم ومسار ومحن فالايمان والدين الصحيح يأمر عند النعم والمسار بشكر المنعم والثناء عليه بها. والاستعانة بها على الحياة الدينية والدنيوية واداء حقوق النعم من كل وجه. وعند المكاره يأمر بالصبر والرضا والاحتساب ورجاء الاجر مع السعي في دفعها قبل نزولها وتخفيفها او دفعها بعد نزولها. فيكتسب المؤمن الخير وراحة القلب في كل الحالات وهذه هي الحياة الطيبة. مع ما يرجو ويطمع فيه من الثواب العاجل والاجل. اما الملحدون فلما كانت الدنيا هي غاية لها يعملون ولها يطلبون. ولا غاية لهم سواها ولا ايمان لهم بغيرها. فانهم يتلقون التطورات المختلفة كما تتلقاها البهائم بقلوب جشعة ونهم كنهم الانعام او اعظم لا يشكرون على النعماء بل يكفرون ويبترون ويطغون ولا يصبرون على المحن بل يجزعون ويألمون كما تألم البهائم فتجتمع عليهم الالام الظاهرة والالام القلبية الباطنة. قال تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم. فاثار الايمان الصحيح في العاجل والاجل خير وسعادة وفلاح. واثار الجحود شر وضر وعواقب وخيمة. الوجه الثالث والاربعون يقول الملحدون الترقي شامل لكل شيء. وقصدهم بذلك ابطال الاديان. وان افكارهم المنحرفة عن الحق ما زالت تترقى حتى في نبذهم الدين. واختيارهم للجحود. وهذا تكذبه الاديان كلها. والواقع يشهد بكذب واهل العقول الصحيحة متفقون على ان الترقي المشاهد الان انما هو منحصر في الصناعات والمخترعات وما يحدث عنها من الامور المادية. واما ترقي الارواح والاخلاق فانه بالعكس فان المادة التي يشترك فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر قد ترقى الترقي العظيم وخصوصا في هذا القرن. واما الاديان والاخلاق فانها في هذا الوقت هبطت هبوطا عظيما. ولهذا لما كان النوع الاول خاليا من الدين والايمان صار هذا الترقي الدنيوي الصناعي ضرره كبيرا من وجهين. احدهما انه صار سببا لاغترار كثير من الخلق. وظنوا بجهلهم ان الترقي الدنيوي دليل على ان اهله اولى بكل خير من غيرهم. وجهلوا بل ضلوا ضلالا مبينا. فان انسان قد يكون من امهر الخلق في امور الطبيعة. وهو من اجهل الخلق في الدين والاخلاق والامور النافعة في العاجل والاجل الوجه الثاني ان هذه المخترعات حيث خلعت من رح الدين ورحمته وحكمته حيث قالت من رح الدين ورحمته وحكمته صارت نكبة عظيمة على البشر بما ترتب عليها من الحروب التي لا نظير لها والقتل والتدمير وتوابع ذلك. وعجز ساستها وعلماؤها اينظموا للبشر حياة مستقرة ليلة طيبة بل لا يزالون يتنقلون من شقاء الى شقاء اخر. وهذا امر حتم لابد منه. وجريان الاحوال يدل عليه. فالخير كله في الدين الصحيح. والشر كله في الانكار والجحود. والله اعلم يؤيد هذا ويوضحه توضيحا بينا واقعا. الوجه الرابع والاربعون وهو ان الماديين رؤساءهم وعلمائهم لا زالوا مكرسين علومهم وجهودهم واعمالهم في حل مشكلات الحياة. وقد عجزوا عنها كل العجز. فكلما حلوا مشكلة نتج عنها مشكلات. وكلما وجهوها من جهة تبين فيها النقص والخلل والاضطراب. اما هذا الدين الاسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فانه هو الطريق الوحيد الذي تنحل به جميع مشكلات الحياة. واحدة بعد الاخرى وتزول به الشرور والاضرار وتحصل به الخيرات. ولنذكر نموذجا من المشكلات التي اضطرب فيها الخلق ترابا عظيما ولا سبيل لهم الى الراحة والاستقرار حتى يفيئوا الى الدين. فمن اعظمها مشكلة العلم فانه او اذا صح صحت العقائد والافكار وصلحت الاعمال المبنية عليه. وقد كانت شريعة الاسلام تحض على العلم وترغب فيه وتأمر بل تفرض على العباد ان يتعلموا جميع العلوم النافعة في امور دينهم وفي امور دنياهم. ومع حظها وترغيبها في العلوم فقد تكفلت ببيانها وتفصيلاتها. فقد بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله جميع ما يحتاجه العباد من يوم العقائد والاخلاق والاحكام. والاصول والفروع والعلوم المتعلقة بالافراد والجماعات. اما العلوم الدينية وقد فصلتها تفصيلا بعدما اصلتها تأصيلا. والعلوم الدنيوية اسست لها الاصول والقواعد وهدت اليها وارشدت لها العباد. فما من علم نافع الا بينته. وبهذا يسير العلم الصحيح على الطريق المستقيم. ويتساعد علم ديني وعلم الدنيا وما يتعلق بالروح وما يتعلق بالجسد. ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم الله يقول الحق وهو يهدي السبيل. فجمع في هاتين الايتين بين علم المسائل الصحيحة. وهي الحق نافع وبين علم البراهين والدلائل وهو هداية السبيل الموصلة الى كل علم. المبرهنة على جميع المعارف. واما الماديون فهم يخصون بالعلم علوم الدنيا. التي هي وسائل لغيرها. حتى تستند وتعتمد عليها وبهذا تخبطت علومهم وبقوا في امر مريج متناقضين. متضاربة اراؤهم غير مستقرة افكارهم. فلم يحلوا العلم بوجه من الوجوه. بل علومهم القاصرة اطغتهم واستكبروا بها على علوم الرسل. وعن الحق الصريح المبين ومن المشكلات مشكلة الغنى والفقر وقد تقدم ان هذا الدين حلها حلا تتم به الامور وتحصل الحياة الطيبة وانه كما امر بسلوك الطرق المشروعة في اسباب الرزق المناسبة لكل زمان ومكان وشخص. فقد امر بالاستعانة بالله في تحصيلها وان تجتنب الطرق غير المشروعة. وان نقوم بواجبات الغنى المتنوعة. وكذلك عند حلول الفقر امر الصبر وتلقي ذلك بالتسليم وعدم التسخط. مع السعي في طلب الرزق بانواع المكاسب والاعمال. ونهى عن البطالة والكسل الذي يضر في الدين والدنيا ومع امره بالصبر وفعل الاسباب الدافعة للفقر والمخففة له فقد نهى عن ظلم الخلق بدمائهم واعراضهم واموالهم والتوثب على حقوقهم بغير حق. كما هو دأب الفقراء الذين لا دين لهم. ومن ذلك مشكلات السياسات الكبار والصغار امر بحلها. وذكر الطرق الموصلة الى ذلك بفعل ما توضحت مصلحته. وترك فيما تبينت مفسدته والمشاورة في الامور المشكلة والمشتبهة في كل قليل وكثير. وهذه اصول لا يمكن بسطها في هذا هذه الرسالة المختصرة. ولكن نموذجا منها يكفي اللبيب. ومن ذلك مشكلات الحقوق والمعاملات. فقد اتى الدين فيها بغاية العدل وامر بالقيام بالحقوق على اختلاف انواعها. الحقوق الراتبة والحقوق العارضة. وهي في اكمل ما يكون من الحسن وبها يندفع الضرر والشر والخصام. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وبالجملة فما من مشكلة كبيرة ولا صغيرة الا اذا بنيت على الشريعة الاسلامية المحضة تمت امورها واستقامت احوالها وصلحت من جميع وجوه لا فرق بين مكافأة المحسنين في الدنيا والاخرة. ومعاقبة المجرمين كذلك والله اعلم. الوجه الخامس والاربعون ان هؤلاء الملحدين روجوا الحادهم بتحسين ما هم عليه. باوصاف اذا سمعها الجاهل هالته واغتر بها وظن صدقها. وكل منصف عارف يعرف كذبها وبطلانها. فزعموا تجديدا ورقيا وتقدما الى الامام وما اشبه ذلك من العبارات التي يغتر بها الجاهلون. واما البصير العاقل في علم ان كل تقدم ورقي روحي ومادي. فالدين قد اتى به على اكمل الوجوه واسلمها من الضرر والفساد. فان الدين كما امر باصلاح الدين. فقد امر باصلاح الدنيا الاصلاح الحقيقي النافع عاجلا واجلا. عكس ما كذب عليه اعداؤه بان انه مخدر مفطر. فالدين اعظم قوة تدفع العباد الى التقدم الصحيح. كما قد فصل في موضع اخر. فما محاسن الدين الاسلامي ارسى من الجبال الرواسي واغلى من النجوم الدراري واجلى نورا من الشمس المشرقة. لا ضدها ولا يقاومها الباطل المبهرج وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ولولا ان الباطل قد زخرف وروج بالعبارات والدعايات المتنوعة. ونصرته الدول المنحرفة. لم يقبله عاقل ولا اصغى اليه لبيب ولعرف الناس انه اعظم ظلمة من الليل واضعف من كل ضعيف. واذا اردت ان تعرف فقابل بين اصول الدين ومسائله. وما يرغب فيه وما يحذر عنه. وبينما يناقضها من اقوال اهل الالحاد تجد اقوالهم تضمحل وتتلاشى ويظهر بطلانها بهذه المقابلة. فان الضد يعرف بضده فلولا الليل ما عرف النهار ولولا الباطل لما ظهرت براهين الحق هذا الظهور في قوتها وحقيقتها ووضوحها وصدقها وحسنها وهذا من الحكمة في مقابلة الباطل للحق. كما ان من الحكمة ان يتبين الصادق من الكاذب. والمؤمن من ضده والصحيح من الفاسد لاهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. وبهذه المقابلة وظهور الحق تجد الحق يشبه بعضه بعضا. ويشهد بعضه لبعض في غاية الاحكام والاتقان اختلافا كثيرا. وتجد الباطل يبطل بعضه بعضا اهله في غاية التناقض بل تجد الواحد منهم متناقضا متهافتة اقواله. ثم انظر الى الحق ووضوحه ووضوحه ما دل عليه من الكتاب والسنة. وما يؤيد ذلك من الفطر المستقيمة والعقول الصريحة. قال تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فالحق مسائله هي صادقة نافعة واحسن التفسير تفسيره وحدوده الواضحة. واما ضده فان مسائله باطلة وضلال في غاية القلق والالتواء والصعوبة والهزل الكثير. الذي ليس له حاصل ولا معاني يحصلها القارئ بسهولة ما وصل اليه وجده كسر من بقيعة يحسبه الظمآن والله سريع الحساب او ظلمات في بحر لجي يغشاه منوج. يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات ظلمة الضلال والجهل المركب والبسيط. وظلمة الكبر والغرور. الوجه السادس ان يقال انه ممتنع كل الامتناع. ومستحيل ان تتهذب النفوس. وتكتسب الفضائل بعلوم مادة المحضة واعمالها. والتجارب والمشاهدة اكبر برهان على ذلك. فانها مع تطورها وتبحرها عجزت كل عاجزة عن تهذيب النفوس واصلاحها. الذي يتوقف عليه صلاح البشر. وانما الذي يتكفل بهذا الاصلاح ويتولى هذا التهذيب الصحيح ويوجه الافكار الى العلوم الصادقة. ويوجه الاعمال الى الخير. ويزجرها عن الشر. هو ما جاء به الدين الاسلامي فهو مصلح للعقائد والاخلاق. ومهذب للافكار. وحاث على الفضائل. وزاجر عن الرذائل فروح ما دعا اليه الدين الايمان بالغيب. الذي يدخل فيه الايمان بالله وبما له من الاسماء الحسنى والصفات والافعال ويدخل فيه الايمان بالملائكة وبالجزاء العاجل والاجل. على الاعمال حسنها وسيئها. التي لا الا من جهة الرسل. فعلم بهذا انه يتعذر الاصلاح الحقيقي بغير الايمان الصحيح والدين الاسلامي. فعلوم مادة وان ارتقت فوق ما يعلمه الانسان اضعافا مضاعفة. فانها لا تبلغ قريبا من علوم الانبياء. ولا تصل الى ما وصل اليه ولا تذعن لها النفوس. ولا يكون لها من التأثير على النفوس ما لعلوم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم فان النفوس لا تذعن الا عند ايمانها بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وبدون ذلك الاذعان كما هو معلوم من الطبائع البشرية. الوجه السابع والاربعون القرآن العظيم اكبر البراهين والادلة الدالة على وحدانية الله وكماله وصدق رسله بانواع اعجازه ببلاغته واسلوبه وتأثيره. واخباره غيوب الماضية والحاضرة والمستقبلة. واتفاقه وعدم اختلافه. وتشريعه واصلاحه جميع ما يحتاجه البشر وانه على اتساع علوم الطبيعة والعلوم العصرية. لم يأت علم صحيح ينقض شيئا من اصوله. واخباره بعلوم لم تكن موجودة في وقت تنزيله. وكون الذي اتى به لم يكن يقرأ كتابا ولا يخطه بيمينه. ولا تعلم من احد بل زكى به العباد وكمل به الفضائل وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. وهذه المجملات تحتاج الى تفصيل كثير. فمن نظر الى هذا جزم جزما لا يمترى فيه. بانه تنزيل من حكيم حميد. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبهذه الوجوه وغيرها احدث في الارض انقلابا عظيما. لم يعهد له مثيل وكانت قد ملئت الارض من الشرور المتنوعة فازالها. وتلوثت القلوب بالعقائد الخبيثة والاخلاق الرذيلة ابتلعها واحل محلها الهداية والمعارف والرشد والاصلاح. فهو الدليل والبرهان وهو الحجة على توالي الزمان هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فالقرآن زلزل بتأثيره عقائد الجاحدين. واقض ومضاجعهم وبدل عقائد المؤمنين. واخلاقهم واعمالهم بعقائد هي اصلح العقائد وانفعها. واخلاق هي احسن الاخلاق واحمدها. واعمال هي اكمل الاعمال. الوجه الثامن والاربعون. من عرف حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وما هو عليه من الاخلاق العالية. وما اعطي من العلوم النافعة الشاملة لكل ما يحتاجه الخلق وما ايد به من الايات والبراهين المتنوعة من كل وجه لا تعد ولا تحصى. كل جنس من اياته بل كل فرد منها يدل اكبر دلالة على انه رسول الله حقا. وان ما جاء به حق وما خالفه باطل. فوقوف العاقل البصيري فوقوف العاقل البصير على بعض ايات الرسول في نفسه وفي شرعه. وفيما ايد به يعرف به بطلان اقوال الملحدين. وبطلان مذهب الماديين المنكرين لله ولرسله ودينه. وان هذا الانكار منهم برهان على ضلالهم وجهلهم البليغ بالحق المبين. وتفصيل هذا الوجه يستدعي مجلدات. ولهذا كل نوع من ايات الرسول صنفت فيه المؤلفات على حدته فازداد به المؤمنون ايمانا. وقامت الحجة على المعاندين المنكرين وقد قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي ولكن هؤلاء الماديين يشاهدون من ايات الله ما يضطر كل عاقل الى الايمان واليقين. وهم يتلمسون لها التحريفات والتحليلات الباطلة. ليدخلوها في علمهم القاصر. وينكروا بذلك قدرة الله. خصوصا في هذه الاوقات التي ارتقت فيها علوم المادة ارتقاء هائلا. وهو من اعظم الادلة على وحدانية الله. وكمال قدرته وحكمته ورحمته. ولكن هؤلاء كما قال الله عنهم ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو حتى يروا العذاب الاليم فصارت علوم ضررا عليهم وخطرا عظيما على جميع البشر. ضررا عليهم لانهم تكبروا بها. وفرحوا بها واحتقروا ابدأوا بما جاءت به الرسل. لانهم تكبروا بها. ضررا عليهم لانهم تكبروا بها وفرحوا بها واحتقروا واستهزأوا بما جاءت به الرسل فصارت خطرا على جميع البشر. بما يترتب وسيترتب عليها من الفناء والخراب والتدمير. تدمير النفوس وتدمير الاخلاق. نسأل الله العافية والسلامة بمنه وكرمه. الوجه التاسع والاربعون. اي قال لهؤلاء الملحدين القادحين في الدين قد علم اولو الالباب والنهى واهل البصائر والعقول ان دين الاسلام الذي جاءت به الرسل ثم جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. مكملا متمما معمما هو دين الفطرة سليمة والحكمة العلمية والعملية والعقل والفكر والبرهان والحجة والحرية الصحيحة والاستقلال الصحيح كما وصفه الله ورسوله في ايات كثيرة واخبار صحيحة. وكما هو المعروف المشاهد المحسوس في هذا الدين واشتماله على هذه الاوصاف التي وصف بها الدين. وحققتها المطابقة والمشاهدة. فاضطروا العقلاء الى الجزم والتحقق باخلاقه وادابه. وسلوك جميع ما ارشد اليه من الهدايات المتنوعة. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. الوجه الخمسون ان الاصلاح العلمي الواسع لامور الدين ولامور الدنيا بانواعه من جميع الوجوه التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم. مع تنفيذه عملا من اكبر الادلة على وحدانية الله وانه الحق وقوله الحق ورسله حق ودينه هو الحق. فان البشر الامم السابقين لم يشهدوا لهذا الاصلاح نظيرا ولا مقاربا بوجه من الوجوه. والاستقراء والتتبع اكبر شاهد لهذا الامر وهذا البرهان الواسع الكبير. مما تضمحل معه جميع اصول الملحدين. فكيف اذا انضم الى ما قبله وما بعده وما لم نذكره من البراهين القواطع والايات السواطع. والحمد لله رب العالمين. وجميع علوم البشر على وتفوقها لا تفي بهدايتهم. ان لم تستند الى تعاليم الدين. واذا شككت في هذا فانظر اثارها وما ترتب عليها من الشرور التي تفاقم شرها وتعذر حسمها. وعظمت فجائعها وقلت رحمتها وعدلها وهي كلما اتسعت بوجهها ومخترعاتها ازداد ضررها العظيم. واضمحل ما يرجوه العقلاء من خيرها العميم. لانها بنيت على الكفر والالحاد. والجحد لدين رب العباد. فصارت ملازمة للشرور والفساد. الوجه الحادي والخمسون قال الله تعالى الهكم اله واحد. فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم فذكر وحدانيته التي هي اظهر الاشياء واوضحها. وان الناس انقسموا نحو هذه الحقيقة قسمين. قسم سد على نفسه باب الايمان بالاخرة فانسدت حوله ابواب الهداية. فصارت قلوبهم منكرة لاظهر الامور واعظمها. الذي وجوده وصفاته او واجبة لازمة يستحيل ضدها. وحين انكرت قلوبهم استكبروا عن الانقياد لربهم ظاهرا وباطنا فهم ملحدون متمردون. وصفهم الانكار والاستكبار. ومن كان على هذا الوصف فانه قد برهن على مكابرته مباهتته ولو جاءته كل اية وبرهان لم يؤمن ولم ينقض. واما القسم الثاني فهم المؤمنون بالاخرة الذين يعلمون ان البشر لم يخلقوا سدى مهملين. بل خلقوا بالحق وللحق والجزاء باعمالهم. فهؤلاء قلوبهم معترفة بالله مؤمنة بوحدانيته. وحدانية الذات ووحدانية الصفات. وهم خاضعون لله منقادون له ظاهرا وباطنا. وبهذا الاعتراف والانقياد بلغوا من الفضل والكمال البشري ما شهد لهم به الواقع والتاريخ والمحسوس من الكمال العلمي والعملي. والرشاد والارشاد. فالبصير العاقل بمجرد ما ينظر الى الفرق بين الفريقين في احوالهم واوصافهم واثار اعمالهم. يعترف ويستقين بيقينهم وصدقهم وصدق ما بنوا عليه ايمانهم واعمالهم ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا ففي هذا الجانب الرسل العظام واصحابهم الكرام. وائمة الهدى والاحباب وطبقات العلماء. واكابر العارفين وجميع طبقات المؤمنين. الذين هم نور الوجود وحياة الدنيا والدين بهم قام الدين وبه قاموا. وبهم صلحت الاحوال وهم اهل الهدى والسعادة والخير والفلاح. والخير المتنوع من كل لوجهه. وفي الجانب الاخير كل ملحد زنديق وكل جبار عنيد. الذين قال الله في وصفهم واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة. ويوم القيامة هم من فمن لم يؤمن بالله واياته فبأي حديث بعد الله اياته يؤمنون وويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب اليم واذا علم من اياتنا شيئا اتخذها اولئك لهم عذاب مهين. جزاء لهم على استهانتهم بايات الله واستهزائهم بها. وبهذا الانكار والاستهزاء سلبوا منافع عقولهم ومرجت اخلاقهم وسفهت اراؤهم وصارت البهائم احسن حالة منهم حتى ولو كان لهم اذهان وذكاء وعقول كما قال الله عن امثال هؤلاء وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به الوجه الثاني والخمسون. ثبت في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فلينتهي وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل امنت بالله. وهذا مصداقه ما وقع من ملاحدة الماديين. الذين لا يزالون يخوضون في مادة المخلوقات. ولهم نظريات متنوعة كلها خاطئة. لان مبناها على الخرس والظن. الذي لا يغني من الحق شيئا بل على خلاف المعلوم شرعا وعقلا وفترة. فيتكلمون في علل الموجودات علة بعد اخرى. ولم ينفذوا منها الى موجدها وخالقها. بل اطلق عليه كثير من هؤلاء المتجرئين انه علة العلل. فقطع النبي صلى الله الله عليه وسلم بهذا الكلام الصادق الحكيم. بكذبهم. ونبه على جهلهم وجرائتهم. وارشد المؤمنين الى قطع الشكوك والتشكيكات بالانتهاء والوقوف على ان جميع الموجودات كلها تنتهي الى موجد واحد احد فرد من صمد الاول الذي ليس قبله شيء. الموجد لكل شيء. وامر بالتعوذ من الشيطان الذي يدفع الى القلوب المريضة هذه والاسئلة الفاسدة. وبالايمان بوحدانية الله تعالى. وانه ليس له مثيل ولا نديد ولا مشارك في شيء من كماله. وبما ارشد اليه صلى الله عليه وسلم يندفع ما قاله الملحدون ويبطل ما ذهب اليه الماديون المتخرصون. الذين تنكرون ما لا يعلمون بل يجحدون ما هم به مستيقنون. وما زال الشيطان يزين لهم الشكوك والتشكيكات. حتى غمرهم قال فهم في غيهم يعمهون. الوجه الثالث والخمسون ان هؤلاء الملحدين ما زال بهم الحادهم وغرورهم وضلالهم حتى زعموا ان الانسان سيعلم كل شيء. ويقدر على كل شيء ووصفوه باوصاف الرب. وهذا امر لم يصل اليه احد من بني ادم الا هؤلاء الزنادقة. الذين لم يخجلوا من مكابرة المحسوسات. ومباهتة المشاهدات. فان كل احد اعلم حق العلم ان الانسان ناقص من كل وجه. وان ما به من علم وقدرة فبتعليم الله واقداره. وان الله قد جعل لعلم الانسان وقدرته حدا لا يتجاوزه. ولا يمكن ان يتجاوزه لانه في طور البشر. فكما ان الله هو الذي خلق ولم يكن شيئا مذكورا. فهو الذي اخرجه من بطن امه لا يعلم شيئا. وجعل له السمع والبصر والفؤاد والات العلم واسباب القدرة البشرية. واما القدرة الربانية والعلم الالهي. فمن زعم ان احدا من الخلق يشارك الله في شيء منها فهو مبرسم مجنون. وانما اغتر ضعفاء العقول بما شاهدوه من معلومات البشر. ومقدوراتهم ومخترعاتهم حتى ادهشتهم وجزموا انهم ادركوها بحولهم وقوتهم. وانه ليس لقدرة الله فيها اثر. ولا لتعليمه لهم فيها اثر فالله خلقكم وما تعملون. والله وحده الذي علم الانسان ما لم يعلم. فما حصل من قدرة البشر فباقداره. وما لهم من علم ديني ودنيوي فبتعليمه. ومع ذلك فعلومهم وقدرهم مهما بلغت. وترقت فانها تضمحل اذا نسبت الى علم الله وقدرته. ولهذا قال الرسل والملائكة الذين هم اعلم الخلق لا علم لنا الا ما علمتنا وقال موسى للخضر حين رأى عصفورا نقر بمنقاره من البحر ما نقص علمي وعلمك وعلم سائر الخلق من علم الا كما نقص البحر من نقرة هذا العصفور. وفي الصحيح مرفوعا ان الله يقول يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد. فسألوني فاعطيت كل انسان منكم مسألته ما نقص ذلك مما الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر. فتبا لمن زعم مشاركة المخلوق الضعيف القاصر. من جميع الوجوه الى الرب العظيم المتفرد بالكمال من جميع الوجوه. وما اعظم جهلهم وضلالهم وعنادهم وجراءتهم. والله تعالى الطاغين بالمرصاد. الوجه الرابع والخمسون ان يقال لهؤلاء الملحدين ما قاله الله لاخوانهم المكذبين. الذين هم دونهم بدرجات مبطلة كل احتمال يوجه للقدح. الذين هم الذين هم دونهم بدرجات. مبطلا كل احتمال يوجه للقدح في الرسول وفيما جاء به بقوله تعالى فذكر فما انت بنعمة ربك ولا مجنون ام يقولون شاعر نتربص به ريبا فالمنون الى اخر الايات هل هذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالقرآن العظيم وبالشرع المبين شاعر او كاهن او متقول او ساحر او ما اشبه ذلك. مما تضاربت به اقوالهم. او هو اصدق الخلق وابرهم وانصحهم واعلمهم واخشاهم لله واجمعهم لكل فضيلة وابعدهم من كل رذيلة. كما اجمع على ذلك كل من عرفه من مؤمن وكافر. وهذا هو الواقع. ام الذي اوجب لهم الرد والتكذيب احلامهم وعقولهم؟ فبئست الاحلام والعقول التي تجحد اكبر الاشياء واوضحها. وتكذب بالحق وتنهج المناهج الباطلة. وترضى لانفسها بالشرك والاستكبار. فعقول احلام هذه اثارها مسلوبة النفع. مكفول لها الشر والضرر. ام الذي حملهم على هذا التكذيب؟ لا حد له ولا يتورع صاحبه عن محرم ولا يمتنع عن جريمة. الطغيان مرض لاصحابه مهلك لهم. لا محالة ان يقولون انه صلى الله عليه وسلم تقول هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. فليأتوا في حديث مثله ان كانوا صادقين. وهذا التحدي قائم من حين نزله الرب العظيم الى ان تقوم الساعة. لم يستطع ولن يستطيع كل منكر له مكذب له ان يأتي بمثله من جميع الوجوه اللفظية والوجوه المعنوية. ام الذي حملهم على التكذيب والاستكبار انهم مخلوقون من غير شيء. بل دفعتهم الطبيعة اوجدتهم المصادفة. فهذا قول السخف والجنون والمكابرة. المعلوم بطلان بالضرورة من كل عاقل ام خلق السماوات والارض وما فيها من العوالم التي لا يعلمها الا الله. فانهم مع الناس يعترفون انهم اضعف شيء واعجز شيء؟ ام عندهم خزائن رحمة ربك؟ يعطون من شاؤوا ويمنعون من شاؤوا ويحكمون بما شاءوا فهم مسيطرون على الملك. فهم مسيطرون على الملك والمملكة. كل هذا يعترفون ببطلانه. فهم يعترفون انهم فقراء مماليك لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ولا دفعا للمكاره ولا جلبا للمصالح. ام الذي حمله على هذا البهت والتكذيب الكيد للرسول ولدينه ونصر باطلهم. حتى بالطرق التي يعرف كل عاقل بطلانها. وهذا هو واقع وان الذي ينتصر للباطل وقد صمم على ذلك لو جاءته كل اية لم يؤمن بها ولم يهتدي. لانه وطن نفسه على نصر الباطل ومقاومة الحق؟ ام الذي حملهم على ذلك؟ ان لهم الها غير الله له من اوصاف الربوبية والالهية ما يستحق به ان يعبد مع الله. ويرد الحق لاجله. فسبحان الذي اعترفت المخلوقات بعظمته وسلطانه عما يشركون فهو الاله الحق المبين الذي له جميع اوصاف الكمال. وبيده التدبير للعالم العلوي والسفلي الذي لا يستحق العبادة الا هو. والذي لا يأتي بالحسنات والخيرات الا هو. ولا يدفع السوء والسيئات الا هو. الذي ليس له ند ولا كفؤ بوجه من الوجوه. فذكر تعالى كل احتمال يوجهه اعداء الرسول الى رسالته. ورد ما جاء به وان ذلك باطل قد ابطلته العقول السليمة والفطر المستقيمة. وهذه الاحتمالات التي ذكرها الله عن اولئك قد قالها هؤلاء الملحدون الماديون من غير حياء ولا خجل. تشابهت قلوبهم في الكفر تشابهت اقوالهم فلا دين ولا خلق ولا عقل ولا حياء من الخلق في هذه الجراءات والعظائم والمنكرات التي قالوها فلم يبق الا ان يعذبهم الله. قال الله تعالى في اخر هذه الاحتمالات فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. الوجه الخامس والخمسون. اي يقال لهم من الذي خلق الارض والسماوات والشمس والقمر والكواكب. وجميع ما بث فيهما من دابة. والذي انزل من السماء رزقا فانزل به من كل زوج كريم. متاعا للعباد ولانعامهم. ومن الذي احكمها غاية الاحكام؟ واودع فيها من بدائع ولطيف صنعته وانواع جوده وكرمه ورحمته. وجعلها ادلة وبراهين على وحدانيته وقدرته وعظمته ومن الذي خلق الانسان في احسن تقويم؟ وكمل ظاهره وباطنه بالقوى المتعددة التي يحتاج اليها. وعلمه وكيف يهتدي الى مصالح دينه ودنياه. فعلمه البيان العلمي والبيان اللفظي. والبيان الرسمي تم له من الخير والصلاح والهدى ما لم يتم لغيره. وسخر له ما في السماوات وما في الارض. يستدل باياتها تخرج منافعها ويستدر خيراتها. فان قالوا هذا عمل الطبيعة وهذا فعل المصادفة. فقد يبرهنوا على حماقتهم وجهلهم الذي لم يبلغه ضلال احد. فاي عمل للطبيعة التي توجب هذه الاثار العظيمة؟ واي اثر جعلها تعمل هذه الاعمال واي عقل وفكر هداها الى هذه الامور. اما اهل العلم والبصائر والالباب. بل وجميع من له نوع من العقل فسيقولون هذا تقدير العزيز العليم. وهذا صنع الله الذي اتقن كل شيء واحسن خلقه. بديع السماوات والارض وهو العزيز الحكيم. الوجه السادس والخمسون قد شاهد الخلق من جزاء الله للطائعين. وهم الرسل باعهم وعقابه للعاصين المكذبين له ولرسله. ايات بينات وبراهين قاطعات. شاهدوها رأي العين ومن لم يشاهدها فقد تناقلتها القرون قرنا بعد قرن. وتواترت تواترا لم يتواتر له نظير من كل وجه. فمن الذي ارسل الطوفان العظيم الذي غشي الارض والجبال واهلك الله به المكذبين لنوح اجمعين. ونجاه ومن معه في الفلك المشحون. ومن الذي ارسل على عادل الريح العقيم. ما تذر من شيء اتت عليه الا جعلته كالرميم. ونجى الله من هذا العذاب هودا ومن معه من المؤمنين يمين ومن الذي ارسل الصيحة والرجفة على ثمود فاصبحوا في ديارهم جاثمين ونجى الله صالحا ومن تبعه من المؤمنين ومن الذي جعل النار بردا وسلاما على ابراهيم؟ وقلب على قوم لوط ديارهم واهلك قوم شعيب بعذاب الظلة ومن الذي فلق البحر حتى صار اثني عشر طريقا؟ وعبره موسى وقومه ناجين. واهلك الله فرعون ومن معه اجمعين ومن ايد موسى بالعصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم. وفجر له الحجر اثنتي عشرة عين. قد علم كل اناس مشربهم واعطاه من الايات ما فيه بلاء مبين. ومن الذي اعطى عيسى ايات بينات مشاهدات؟ جعله يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله. ومن الذي ايد محمدا صلى الله عليه وسلم بالايات البينات والنصر العظيم وشق له القمر وسلم عليه الشجر والحجر. وكم اجاب الله دعوته في انزال الغيث وامساكه. وفي شفاء الامراض المتنوعة وان باع الماء من بين اصابعه فروى الخلق الكثير. وبارك في الطعام الذي باشره حتى اشبع الخلق الكثير. وعصمه من الناس وقد تكالبوا عليه من كل جانب وحفظه وحفظ ما جاء به. فبعض هذه الايات توجب لكل منصف ان لوحدانية الله وكماله وصحة ما جاءت به الرسل. وبطلان ما ذهب اليه اعداء الرسل. في كل زمان ومكان. وذلك ان الباطل يعرف تارة بتصويره وتقريره. وببيان ادلته الواهية وشبهه الساقطة. وتارة يعرف ببيان الحق ووضوح براهينه السمعية والعقلية المشاهدات والمحسوسات. والمتواترات. فاذا علم الحق علم. فاذا علم الحق علم ان ما سواه باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فانى يصرف الملحدون؟ والى اي شيء يذهبون؟ والحمد لله على من هذا البلاء العظيم المفضي الى العذاب الاليم. الوجه السابع والخمسون ان الملاحدة يتشبثون لتأييد باطلهم شبه باطلة تروج على من لا بصيرة له ويروجها المأجورون من الزنادقة. المنتسبين للاسلام. يقولون انظروا الى حال المسلمين وما هم عليه من الضعف. وانهم متأخرون في امور الحياة. والذي اخرهم دينهم فيروجون هذا من متنوعة. وهذا مما يعلم ان المستدل به مبطل. وذلك ان الواجب ان تنظر الى الدين الاسلامي في نفسه وما هو عليه من الاحكام والحسن العظيم. وما فيه من الهدايات الى كل خير. والذود عن كل شر وضرر. وتنظر ايضا الى حالة القائمين المنفذين لتعاليمه واحكامه في انفسهم وفي العباد. كما كان عليه المسلمون في الصدر الاول. فانك ترى فيه ما يبهج الناظرين وتقوم به الحجة على المعاندين. واما النظر الى المسلمين التاركين لهدايته وارشاده وتعاليمه العالية منحرفين عنه من وجوه كثيرة. فهذا ظلم ووضع للشيء في غير موضعه. فكما لا يقدح ولا يضر العلوم النافعة. اذا اليها وادعاها من لم يتصف بها. ولا يحتج بحالهم على ذم العلم. فهذا ابلغ واولى. ولهذا كان الوسيلة الوحيدة الى عود المسلمين الى عزهم ومجدهم وكمالهم وعودهم الى دينهم الصحيح وتمسكهم بارشاداته الدينية والدنيوية. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك انت العزيز فحال المسلمين اليوم في تفرقهم وتشتتهم وتركهم جمهور مقومات دينهم حتى انحلوا اوف صار فتنة للكفار والمنافقين. حجابا حائلا وشبهة لمن يريد التلبيس. فلا حول ولا قوة الا بالله العظيم الوجه الثامن والخمسون قال تعالى وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون وهذا امر مشاهد محسوس. اكثر اهل الارض ضلال منحرفون. دعاة الى الضلال بانواع الدعايات التي نهايتها ان تصل الى هذا الذي ذكره الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون. فجميع ما يحتجون به على باطلهم خاطئة وتخرصات ونظريات فاسدة. واعتبر ذلك بنظريات علل. واعتبر ذلك بنظريات علل الوجود التي لا يزالون يحدثون عنها باحاديث متناقضة. ولا يزالون يحدثون نظريات وتجريبات في علة العلل. فيبطل ونهى لانه محال ان يستقر لهم قول صحيح في ذلك. حتى يؤمنوا بخالق الوجود وموجد العلل والمعلولات قادر على كل شيء. الذي جمع الذوات والعناصر والاسباب والمسببات كلها. منقادة لمشيئته وحكمته. ليس لها من الامر شيء. وانما هو حكيم في وضعها مواضعها وتنزيلها منازلها. وكذلك اعتبر هذا بخرصهم الباطل. وقولهم بشمول لكل موجود عموما وللانسان خصوصا في اخلاقه ودينه وادابه واعماله وصناعته. حتى اخذها المغترون عنهم قضية مسلمة وهي لا تحتاج الى نظر كثير. بل يعلم بالبداهة والضرورة ان الترقي انما هو في الاوقات القريبة في علوم الصناعات والمخترعات. وبهذا اغتروا وغروا غيرهم. اما الترقي في الافكار الصحيحة والعلوم الصادقة النافعة والاخلاق الفاضلة فانها هبطت هبوطا لا يمكن التعبير عنه. واذا اردت ان تعرف ذلك يقينا فخذ نموذجا من الامثلة وقس افكارهم وعلومهم واخلاقهم بالافكار الراقية. والعلوم الصادقة والاخلاق الفاضلة. مثال ذلك ان افكار الماديين حصروها في المادة ولم يلتفتوا بالكلية الى غيرها. فادركوا منها ما وصلت اليه افكارهم. فهذه افكارهم في امور ضيقة اوجبت لهم جحد ما سواها وضيقت علومهم واكسبتهم الشقاء العاجل والاجل. واما الافكار الدينية فان اهل الدين الصحيح استعمالوا افكارهم فيما هيأت له وخلقت له. علموا ان الله خلقهم لمعرفته وعبادته وحده لا شريك له. وانهم اذا قاموا بذلك اتم الله عليهم نعمته واسعدهم سعادة ابدية وفلاحا دائما. ومع ذلك فقد سخر لهم ما في السماوات والارض وادر اليهم الارزاق ليتوصلوا بها الى المقصود مما خلقوا له. فيصلح دينهم ودنياهم. وليحيوا في هذه الدار حياة طيبة بالله عليك هل تنسب تلك الافكار الدينية الى هذه الافكار الجليلة العليلة؟ وقد ترتبت علوم الفريقين على هذه الافكار المتباينة. فالماديون قصروها على علوم المادة. فتم لهم منها ما تم. والمؤمنون عرفوا الله باسمائه وصفاته واحكامه ودينه. ظاهرة وباطنة. فعلومهم الجليلة لا يمكن ان يقاس بها او يقاربها شيء من العلوم الاخر. ومع ذلك وقد شاركوا علماء المادة في علمهم الذي يحتاجون اليه وفي اصلاح دينهم ودنياهم. فان دينهم قد جاء بالاصلاحات المتنوعة كما تقدم. واما الاخلاق فاهل الالحاد والمادة انحلت منهم الاخلاق انحلالا ذائبا. حتى صاروا كالبهائم بل اضل منها واخس مرجت اخلاقهم وذهبت عهودهم واستباحت كل محرم. وانطلقوا في شهوات الغي لا يثنيهم عنها دين ولا خلق ولا حياء من الله. ولا من خلقه كما هو معروف من احوالهم. فذهب دينهم ولم تستقم دنياهم عيشوا فيها عيشة طيبة هادئة. خسروا الدنيا والاخرة. واما المؤمنون فان اخلاقهم كل خلق مستحسن عقلا شرعا وعرفا. وهي الاخلاق التي تجعل صاحبها في المراتب العالية. والاوصاف الجميلة الحميدة كما هو معروف منهم مشاهدة الوجه التاسع والخمسون ان الشريعة الاسلامية قد حكمت على الخلق احكاما جميلة لا يمكن اصلاح الامور الا بها انها توجه الظواهر والبواطن الى الخير. وتزودهم عن الشرور. اما باطنها فلان المتصفين بها الملتزمين للدين على وجهه قد توجهت قلوبهم الى القيام بالدين. واعتبروه افرض الفروض واوجب الواجبات. راجين بذلك فضل الله وثوابه محتسبين خيرا. ومن خرج عن هذا منهم فقد جعلت له الشريعة من الحواجز والروادع والحدود. ما يعينه على التزام في عقائده واخلاقه وادابه وحقوقه الجميلة. المعترف بحسنها عند العقلاء. وذلك السبيل الوحيد الى اصلاح واستقامة الاحوال وسلوك الصراط المستقيم. واما القوانين الملحدة فان غايتها اذا قويت ان تسيطر على بعض الظواهر واما الاخلاق والبواطن والايمان والامن على الارواح وعلى الاموال والحقوق. فهيهات ان تقوم بها قوانين الحادية تهدف اقصد ان يكون البشر كالبهائم اباحيين فوضويين في افكارهم وارادتهم ومراداتهم. وتفضي الى الشرور وتنتهي الى الحروب وهذا امر لا يرتاب فيه عاقل. ومما يؤيد هذا ان الاحكام الدينية التي ارشد اليها الشارع باقية ببقاء صالحة لكل زمان ومكان. بل لا تصلح الامور الا بها. واما قوانين البشر وانظمة السياسيين التي لم تبنى الدين فانها مؤقتة بحسب ما يرون من مصالحهم ومضارهم. في الوقت الذي هم فيه. ثم تتغير وتتبدل. وربما غيرها واضعوها لانها من صنيع البشر. وصنعهم كله ناقص. والشريعة الاسلامية من صنع العزيز الحكيم العليم. الذي احاط بكل شيء علما. وعلم مصالح العباد في كل الاوقات والاحوال. فشرعها صالحة لهم موافقة لمصالحهم لمضارهم. وهذا من اعظم البراهين على ابطال جميع الاصول والانظمة والاساسات المناقضة للدين والله اعلم واعلم انه لا يوجد قانون صحيح اخذت به الامم الا وهو في الدين على اكمل ما يكون. واصح ما يكون. واسلم ما يكون من النقص. فليأتي المرتاب بمثال واحد خارج عن هذا الاصل ان كان صادقا. الوجه الستون. قال الله الله تعالى وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله فذكر جل جلاله امرين عظيمين يمتنع ويستحيل وجود الكفر مع معرفتهما الا من معاند ومكابر. فلا عبرة به ولا حيلة في هدايته. احدها ايات الله التي تتلى على العباد وفيها الايات البينات والحجج القاطعات المتنوعة من كل لوجهه. فمن عرف القرآن وتأمله ورأى اتفاقه وعدم اختلافه واحكامه وبلاغته وصدق ما اخبر به من الغيب شهادة وحسن ما شرع وحكم به عرف انه من عند الله وان البشر بل الانس والجن والخلائق لو اجتمعوا على ان يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وكذلك من عرف الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم. وما هو عليه من الكمال متنوع الكامل في روحه وخلقه. الكامل في عقله ومعرفته. والكامل في انسانيته بجميع مظاهرها. الذي اجتمع به كمال الانساني من كل وجه. من عرفه على هذا الوجه عرف وتيقن انه رسول الله حقا ونبيه صدقا. وامتنع مع ذلك ان ينكر رسالته بل تحقق صدقها وبطلان ما ناقضها والله اعلم. وقال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون. وقال فتعجب تعالى ممن يكفر به وهو يشاهد وكل احد له عقل يشاهد. ان الخالق للموجودات وللادمي خصوصا. الموجد له بعد عدم المتصرف به بالاحكام القدرية والاحكام الشرعية واحكام الجزاء فكيف يستسيغ احد بعد هذا البرهان ان يعدل الى الالحاد والكفر والانكار؟ افي الله شك فاطر السماوات والارض وهو الذي يطعم ولا يطعم وهو الغني بذاته. والكون كله فقير اليه بذاته من كل وجه. الوجه الحادي ستون ان هؤلاء الملاحدة الماديين فسدت عقولهم. مداركها واعمالها وسلوكها. وذلك ان صحة العقل ان يدرك واساطينهم اهل الذكاء والفطنة. الذين افنوا اوقاتهم في هذه البحوث. لم يصلوا الى يقين تطمئن له قلوبهم بل اما الى حيرة وارتياب واما الى اختلاف كثير واضطراب. واما الى مكابرة من هؤلاء الاحزاب. كما الحق وان يعمل به ويسلك الطريق النافع. وهؤلاء انكروا وجحدوا الحق. فان الله هو الحق. وقوله الحق دينه حق ووعده ووعيده حق. قامت على ذلك البراهين القاطعة الكثيرة. التي هي اقوى البراهين واصدقها. وشهد بذلك لنفسه وشهد به خيار الخلق من الانبياء والمرسلين واتباعهم. وشهد به جميع العقلاء وعليه فطرت الخليقة فمن انكر هذا فهو اما معاند مكابر. قد فسدت سلوكه وعمله وقصده التي هي ثمرة العقل. واما مشتبه عليه الامر فهذا اعظم الناس على الاطلاق جهلا وضلالا. لانه ضل باوضح الاشياء. واشتبه عليه الليل والنهار والضياء والظلمة وكل من فسد ادراكه او سلوكه او كلاهما فان اقواله لاغية باتفاق العقلاء. ولهذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية وكل من يقبل قول هؤلاء الملحدين فهو احد رجلين اما جاهل بحقيقة امرهم واما ظالم يريد علوا في الارض وفسادا او بين الوصفين وهذه حال اتباع فرعون. الذين قال الله فيهم فاستخف قومه فاطاعوه. وحال القرامطة رؤسائهم وحال الكفار والمنافقين في ائمتهم الذين يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون. الوجه الثاني والستون ان قول هؤلاء الملحدين الماديين اذا تصور على حقيقته جزم العاقل ببطلانه وقال كيف اشتبه هذا على احد؟ ويتعجب من اعتقادهم اياه. قال شيخ الاسلام ولا ينبغي للانسان ان يعجب. فما من شيء يتخيل من انواع الباطل الا وقد ذهب اليه فريق من الناس. ولهذا وصف الله اهل الباطل بانهم اموات صم بكم عمي. فهم لا يفقهون ولا يعقلون. وانهم لفي قول مختلف يؤفق عنه من افك. وانهم في ريبهم يترددون ويعمهون. انتهى كلامه. فصورة قول هؤلاء الملاحدة ان جميع الموجودات وجدت بغير موجد. وجد مصادفة من طبيعة عمياء لا علم لها. ولا قصد لها ولا قصد ولا شيء من الشعور العلمي ولا الشعور الارادي صورت المحالات والممتنعات باوضح من هذا التصوير واشده مكابرة للعقول. لم يهتدي المصور الى تعبير عن شيء ممتنع ابلغ من هذا المنطق الجنوني. وهذا من جزاء من جاءه الحق فرده. ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. الوجه الثالث والستون انهم قد تقرر في الفطر والعقول ان الله له الكمال المطلق والحمد المتنوع. وانه اكبر واعظم واعلى واعلم من جميع الموجودات. ولا تنسب اليه بوجه من الوجوه وهذا متكرر مستقر في قلوب جميع اهل الاديان وغيرهم من جميع العقلاء. المعترفين بوجود الله وانه ليس كمثله فيه شيء في جميع اوصافه وافعاله. ولم ينكر هذا الا فرقة وشرذمة من زنادقة الفلاسفة الدهريين. المارقين من الديانات والمعقولات. فجميع اجناس البشر معترفون لله تعالى بهذه العظمة. وان اختلفت طرائقهم وتباينت دياناتهم وتنازعوا في الاصول او في الفروع فهذا الاصل لا ينكره منهم منكر. ولا يجحده الا المعاندون. الذين خرجوا من الشرع والعقل والفطرة. وان كان لهم عقول وافئدة ادركوا بها ما ادركوا من علوم المادة. ولكنهم لم تغني عنهم هذه العقول شيئا في الاشياء بل كانت حجة عليهم فما علموه من علوم الكون حجة عليهم فيما انكروه مما هو مقصود اصلي وعلوم الكون كلها وسيلة اليه. فانقطعوا في الوسائل عن المقاصد. وبالدليل عن المدلول وبالكون عن المكون وبالصنعة عن صانعها وبقوا في غيهم وضلالهم وطغيانهم يعمهون. والله تعالى له المثل الاعلى وهو معطي الموجودات جميع ما فيها من والادراكات والصفات. وهو احق بالكمال من كل موجود. فالذي علم الانسان ما لم يعلم من العلوم الواسعة المتنوعة واقداره على كثير من مواد الطبيعة وعناصرها. وجعل له السمع والابصار والافئدة. هذه الامور وغيرها لم تحصل للبشر الا بايجاده وامداده وتعليمه وتسخيره. افبهذه النعم الجليلة والفوائد السابغة يكفر به الكافرون. ويجحده الجاحدون فبأي حديث بعد الله واياته يؤمنون. الوجه الرابع والستون ان كل برهان ودليل ابطل الله به الشرك وقرر به التوحيد فهو برهان على بطلان الالحاد والجحود. لان المشركين يعترفون بالله ويعلمون انه الخالق الرازق المدبر. ولكنهم يشركون في عبادتهم فيعبدون الله ويعبدون غيره. فابطل الله شركهم بامور كثيرة منها ان اعترافهم بتوحيد الربوبية يوجب لهم ان يقوموا بتوحيد الالهية والعبادة. ومنها ان الله تعالى كما هو المتفرد نعمي وجلب الخيرات ودفع السوء والسيئات فهو الذي يجب ان يعبد وحده لا شريك له ويحمد ويشكر ويثنى عليه ومنها ان شواهد الفقر والحاجة على جميع المخلوقات ظاهرة من كل وجه. فهم الفقراء الى الله. وهو الغني الحميد فيجب ان ينزلوا فقرهم وفاقتهم وضرورتهم بمن لا يأتي بالايجاد والامداد الا هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته ومنها ان من سواه لا يملكون لانفسهم ولا لغيرهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. لا يدفعون المكارم ولا يجلبون المحاب. ومن كان على هذا الوصف فعبادته باطلة. فاذا بطل الشرك بالله وتقرر وجوب الاخلاص لله ثبتت وحدانية الله وتفرده بكل كمال. اضمحل قول الجاحدين كما اضمحل قول المشركين. الوجه الخامس ستون ان البراهين الدالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ورسالة سائر الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من اكبر البراهين على ابطال قول الملحدين. وايات الرسل عموما ومحمد خصوصا. لا تعد ولا تحصى. متنوعة من كل في وجه توجب العلم الضروري بصدقهم وصحة ما جاءوا به. وهؤلاء الملحدون اكبر اعداء الرسل في كل زمان ومكان فلا يجتمع الايمان بالرسل مع اعتناق مذهب الماديين. المنافي للرسالة والعقول والفطر. والله اعلم. الوجه السادس البراهين الدالة على البعث كلها تبطل اصول الملحدين. وقد استدل تعالى على البعث بقوله لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وبانه كما بدأ الخلق من العدم فانه سيعيدهم للجزاء. وباحياء الله الارض بعد موتها واستدل بكمال قدرته. واستدل بحكمته. وانه لا يليق به ان يترك الخلق سدى. لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون وبغير ذلك من البراهين. وهذه امثلة ونماذج لهذه الاصول الثلاثة. التوحيد والرسالة والبعث. وكل واحد منها قد وصل الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. وهي تهدم اساس التعطيل والالحاد. وتوجب على العباد الاعتراف ما خلقوا له من الايمان بالله وكتبه ورسله وعبادته وحده لا شريك له. ومن المعلوم ان الماديين الملحدين وينكرون ذلك كله. الوجه السابع والستون. قال الله تعالى بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته. يتلو عليهم اية حياته ويزكيه ويعلمه الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل في ضلال مبين. هذه الاية دلت على كمال علم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكمال تعليم للخلق وكمال تنفيذه للهدى والصلاح. الذي جاء به فهل من امكان احد من البشر الاولين والاخرين؟ وجود هذه العلوم العالية النافعة الواسعة في شخص واحد. وحصول التعليم منه لاناس كانوا قبل ذلك في غاية الجهل والضلال المبين حتى انتقلوا من هذا الجهل والضلال الى العلم الواسع والهدى المتنوع. ثم مع هذا العلم والتعليم الممتنع وجوده. ووجوده او ما يقاربه في شخص واحد نفذ صلى الله عليه وسلم في الخلق هذه التعاليم والاصلاحات الدينية والدنيوية. فاستقامت به الامور وصلحت الاحوال ان في ذلك لعبرة للمعتبرين. وايات لاولي الالباب حيث بعث هذا النبي الامي الذي لا يقرأ كتابا ولا يخط بيمينه. ولا جالس احدا من العلماء السابقين فتعلم منهم. فجاء بعلوم الاولين والاخرين وبما فيه صلاح الدنيا والدين. فزالت به الجهالات والضلالات. وتقشعت عن القلوب به الظلمات. وحصل كما الرشد والهدى وزال عن امته اسباب الهلاك والردى. شهد بهذا الاولياء والاعداء. واتفق الخلق على انه لم يوجد احد يقاربه من العظماء. وكيف يقاربه احد او يدانيه وكل خصلة من خصال الكمال له منها اعلاها وارفعها وبه كملت العقول والبصائر. ولا يقدح في هذا الا كل مباهت مكابر اهاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة. حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد الثامن والستون لما علم المستعمرون الملحدون ان الاسلام الحقيقي والدين الاسلامي اقوى حصن واعظم سلاح مقاومتهم وقد عرفوا ذلك من قديم الزمان وحملوا حملات متنوعة فرجعوا على اعقابهم مهزومين. لم ينالوا خيرا وعرفوا حق المعرفة انه من المحال السيطرة على الاسلام وعقائده واخلاقه. فعملوا مؤامرات واسعة متنوعة وساعدوها بالقوة. ودرسوا الالحاد في المدارس التي اغتفلوا اهلها وذهبوا يهجنون جميع تعليمات الاسلام. وما يدعو اليه من الاخلاق وما يحكم به من الاحكام. وقالوا انها رجعية ترجع بالناس الى الوراء عن التقدم المطلوب. واوجدوا له من ارباب المطامع المأجورين ومن البلهاء المغرورين. من يستعينون به على مطلوبهم والتزييد في الدين من كل وجه كل ولله الحمد قد علم اهل البصائر مقاصدهم. وعرفوا الخونة ممن ينتسب الى ملة الاسلام. وهو اعظم عدو في الاسلام في صورة صديق. وبرهن العلماء العارفون ان كل ما قيل في توهين الدين وتقديره فهو باطل. وان القائلين بذلك كزنادقة منافقون يقولون ما يعلمون خلافة وان السبيل الوحيد الى الصلاح والتقدم الصحيح النافع من جميع الجهالات بتعاليم الاسلام بعقائده واخلاقه واعماله واحكامه. وان البشر لا يمكن ان يحيوا حياة طيبة ويعيشوا في الدنيا عيشة هادئة الا بالدين. وان الالحاد اعظم نكبة طرقت البشر. وان اثاره الشر الكبير والفوضوية وتقويد دعائم العمران. والسير الى الهلاك والشقاء. فمتى رأيت من ينعق بذم رجعية وذم كل قديم ويامر بنبذ ذلك فاعلم انه احد رجلين. اما ملحد قصده بذلك التوسل الى جحد اديان الرسل. ونبذ ما واما مغرور مخدوع مقلد لهم. قد غرته هذه المدنية الزائفة. واعجبه رونقها وظن بجهله انها شيء وهؤلاء كاذبون في ذلك. فان اقوال زنادقتهم الاولين عندهم بالمحل الاعلى ولا يكادون يخالفونهم. ويعظمون هم اكبر ما يعظمون الانبياء. بل ليس للانبياء في قلوبهم شيء من التعظيم الصحيح. واذا اردت ان تعرف كذبهم بالبدن فهل العلوم النافعة والاعمال الصالحة والعقائد الصادقة؟ والاخلاق الفاضلة الا وقد جاء بها الدين على اكمل الوجوه واحسنها وانفعها. وتتبع ذلك في اصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه. فهل تجده الا مشتملا على كل خير هاديا الى كل رشد وصلاح حاثا على كل فلاح. الوجه التاسع والستون من محاسن الاسلام وقيامه بكل اصلاح انه ليس عقائد واخلاقا فقط. وانما هو مع ذلك موجه وحاكم وصاحب دولة وجهاد. فالدين الاسلامي بعقائده واخلاقه وادابه وتوجيهاته وحكمه وسلطته وحمايته الحقوق الخاصة والعامة كما هو مشروع مفصل من اكبر الادلة على انه تنزيل من حكيم حميد. عليم بكل شيء. اذ شرع لهم هذا الدين الذي لم يبق خيرا الا دل عليه وحث عليه ولا شرا الا حذر منه. ولا حقا الا اقامه. ولا عادلا الا جعل له مسالك وطرقا يقوم عليها. فهو دين ودولة وجامع بين مصالح الدين والدنيا وبين التسامح والتيسير وبين العزة والقوة والمقاومة لكل معاند محايد معاد للدين واهله عكس ما نبذه الملحدون انه دين بلا دولة واخرة لا دنيا معها. فانهم قالوا ذلك ليتوسلوا الى تثبيط اهله عن مقاومة المعتدين. وبذلك يمهدون الطريق للاعداء المستعمرين الظالمين. فهؤلاء الذين قالوا ذلك وظلموا وكادوا للاسلام واهله. وكانوا اجراء وسماسرة للاعداء. والله اعلم. الوجه السبعون ان من اكبر اسباب الالحاد الاعراض عن علوم الدين. والا فمن عرف ما جاء به الكتاب والسنة. وعلم ما جاء به دين الاسلام ولو معرفة متوسطة استحال ان يقع معه الالحاد جهلا وضلالا. فان الدين بطبيعته وما اشتمل عليه من البراهين صاحبه الى الاقرار والاعتراف بوحدانية الله وصدق رسله. وبطلان ما ناقض ذلك. فلا تجد ملحدا الا معرضا من اعظم الجاهلين او معاندا عارفا من اكبر المباهتين المكابرين. ومن المصائب الكبيرة ان كثيرا من العصريين ليس عنده بصيرة ولا معرفة بالدين. لا قليلة ولا كثيرة. وانما عنده اقبال على الصحف المشتملة على الخير والشر وكثير منها تدعو الى الالحاد باساليب وطرق متنوعة. فتصادف هؤلاء الذين يظنون انفسهم عارفين وهم من الجاهلين وتملأ اذهانهم من الاراء السخيفة. والنظريات المخيفة. وليس عندهم من العلم والدين ما يصدهم ويمنعهم من مع هذا التيار المادي. وما اكثر الهالكين بهذه الطريقة؟ وليس لهؤلاء دواء الا الاقبال على معرفة الدين وعلومه ادابه واخلاقه. فنسأل الله السلامة والعافية. ولا يعرف الدين بتتبع احوال من ينتسب اليه وهو منحرف عنه فان هذا من اعظم الظلم وانكر المنكر. وقد صار هذا المسلك طريقا لاعداء الاسلام الظاهريين والباطنيين. فقد حملوا الاسلام اوزار من ينتسب اليه من ملوك جائرين وامراء مستبدين. وادعياء منحرفين عن عقائده واخلاقه ومنفلتين عن احكامه حتى صاروا اعظم حجاب للمغترين واعظم حجة للمعاندين العارفين. وانما الواجب معرفة الاسلام من منابعه منبوعه الاصلي وهو كتاب الله وسنة رسول الله القولية والفعلية. وعمل الخلفاء الراشدين والصالحين من امة محمد. فان هذا هو الدين وهو الانموذج الصحيح لمن يريد الانصاف. اما من يريد الاعتساف وقصده معروف فانه يزور على ضعفاء العقول والبصائر بهذه التمويهات. وينسب الى الدين ما هو منه بريء. واذا كانت فنون العلم كالطب والحساب والهندسة وما لا يقدح فيها من انتسب اليها وهو جاهل بها. فكيف بهذا الدين الذي تفرعت عنه جميع العلوم النافعة والمعارف الراقية والاخلاق العالية. وقد ثبتت اصوله حتى كانت اثبت من الرواسي. واضاء نوره حتى انار ما بين الخافقين. واتسع افاق اصلاحاته حتى شملت اصلاح الافراد والجماعات والحكام والمحكوم عليهم. والظاهر والباطن والدنيا والاخرة فتبا لمن قدح فيه بحال من ينسب اليه وهو ابعد الناس عنه. سبحانه هذا بهتان عظيم. الوجه الحادي والسبعون ان مدار هؤلاء الملحدين على تحكيم عقولهم وعرض العلوم والحقائق عليها. فما وافقها قبلوه وما ناقضها نفوه انكروه. فعارضوا بها عقول جميع العقلاء. وعلوم الانبياء واتباعهم. وعقولهم قد عرف فسادها وتناقضها وتهافتها فهذا الاصل الذي بنوا عليه كل شيء اصل منهار متهافت في غاية الفساد والاضطراب. وقد فتحوا به للناس المغتربين بهم باب الفوضى في الاراء والنظريات. حتى صار كل طائفة. بل كل شخص منهم يدعي ان الصواب معه والخطأ معه غيره. ولهذا تجرأ كل جاهل على القدح فيما جاءت به الرسل. ونزلت به الكتب السماوية. حتى امتلأت الدنيا من الالحاد والدعوة الى المادية المحضة. واستجاب لدعوتهم رعاة واستجاب لدعوتهم رعاع الخلق الذين لا علم عندهم ولا دين ولا اخلاق وخيف ان يقع ولابد من وقوعه ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. حيث ثبت عنه انه قال لا تقوم الساعة حتى لا قال في الارض الله الله ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق. وصرنا في وقت القابض فيه على دينه كالقابض على جمري من كثرة الالحاد. والدعوة اليه وكثرة المعارضات الباطلة. والميل بالكلية الى الدنيا وزخارفها ورئاستها. حتى صار فكثير من الكتاب العصريين يدعون الى عمارة الدنيا والاقبال بالقلب والقالب عليها ونسيان الاخرة. ويحرفون لذلك كنصوص الكتاب والسنة وانحرفوا بهذا انحرافا عظيما وضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سبيل الله. ولو انهم دعوا الخلق الى ما امر الله به المؤمنين. وما امر به المرسلين بالاكل من الطيبات. والتمتع المباح من الدنيا. وطلب الطلب الجميل والتوسل بذلك الى المقصود الاعظم. وهو اصلاح الدين. القيام بعبودية الله التي خلق الله لها الخلق وان يجعلوا ما متعوا به من النعم معونة لهم على ما خلقوا له. لكان خيرا لهم واقوم واصلح للعاجل والاجل وننال السعادتين. ولسلموا من الفساد وانهيار العقائد والاخلاق. ولكنهم متعوا ونعموا وبطروا حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. انهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون. ولهذا نسأل الله العافية امثال هؤلاء الساقطين يتهكمون بالجزاء الدنيوي والاخروي. ويسخرون من المؤمنين القائمين بواجباتهم الذين هم في اعلى الناس علوما واخلاقا واعمالا ومقامات. وهؤلاء المؤمنون لا يغبطون ما متع به هؤلاء الملحدون من وال واولاد ويتلون عند ذلك قوله تعالى ايحسبون ان ما نمدهم في الخيرات بل لا يشعرون وقوله ولا يحسبن الذين كفروا ان ما نملي لهم خير لان انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب وقوله لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم. وبئس المهان الوجه الثاني والسبعون اذا اردت ان تعلم علم اليقين ان اهل الالحاد ليس عندهم عقل كما لا دين لهم وانهم ليس عندهم الا المكابرة والجحود في قدحهم في القديم او العتيق او ما اشبه ذلك من عباراتهم السخيفة كالرجعية وشبهها فاعرض نموذجا من تفاصيل ما يدعو اليه الدين. ويحث عليه وما يحذر عنه. تعرف بها ان المنكرين له في فساد من عقولهم وانعكاس من ارائهم وسفاهة من علومهم وخسة من اخلاقهم. وان كل قول او عقيدة او خلق او عمل ليس عليه امر الدين. فهو مردود شرعا وعقلا وفترا. ليس هذا مجرد دعوة. وانما هو مما يتفق عليه العقلاء فالدين الاسلامي الذي هو دين محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل يدعو الى الايمان بالله ملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. والاعتراف بوحدانية الله وتفرده بكل كمال. وتفرده بالخلق والرزق والنعم الظاهرة والباطنة والقيام بعبودية الله ظاهرا وباطنا. والتوجه اليه وحده وخوفه ورجائه وحده انابة اليه في جميع النوائب والملمات. والشكوى اليه في جميع المهمات. والقيام بحمده وشكره. واللهج بذكره والتعلق به وحده في كل شيء. وترك التعلق بالمخلوقين فهل هذا خير ام الكفر بالله والجحود والتعطيل اوصافه وكفر نعمه والطغيان والاستكبار عن عبادته. وتعلق القلوب بالمخلوقين رغبة ورهبة ورجاء كما هو حال الملحدين. والدين الاسلامي يدعو الى الصدق في الاقوال والافعال. والى البر والنصح للخلق كلهم. والقيام بحق الوالدين ومن للانسان بهم تعلق وصلة ومن لهم حق عليه ويامر باقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام. والقيام بشرائع الدين. واهل الالحاد يقولون ويفعلون ما يناقض ذلك. والدين الاسلامي يأمر بالعدل في معاملاتي كلها والقيام بالحقوق كلها وينهى عن الظلم في الدماء والاموال والاعراض. ويامر بالوفاء بالعهود والعقود ومراقبة الله في حال قيام العبد بها. ليوفيها حقها. ويبتعد عن شرورها ومفاسدها خوفا من الله ورجاء لثوابه واهل الالحاد يأمرون بضد ذلك. وليس في ضمائرهم خوف ولا مراقبة لله. وانما هي تشبه افئدة البهائم بل اضل فحيثما دفعتهم الى الاغراض الخسيسة والظلم واغتنام الخيانات. وتضييع الامانات اندفعوا اليها. ليس عندهم دين ولا خلق حقوق ولا مراعاة ذمة. انما هي الاباحية المحضة. وليس عندهم خشية الا من مخلوق اقوى منهم. فهؤلاء كالانعام بل هم هم اضل وهؤلاء لم تنفعهم ادراكاتهم ولا مشاعرهم نفعا يجدي. وبالجملة الدين الاسلامي يدعو الى كل خلق من جميل وعمل صالح وهدى مستقيم. وطريق قويم وصلاح متنوع. فكل من خالفه وقع في ضد هذه الامور الجميلة وسقط في مهاوي الهلاك والاخلاق الرذيلة. فلقد تعس وانتكس من عبر عن عقائد الدين واخلاقه واعماله التي لا حياة للوجود الا بها بالرجعية وبالرجوع الى القديم. والعبارات الوسخة التي هي اكبر معبر عن سخافة عقول معبريها. وسقوطهم في كل وخلوهم من كل فضيلة. ولقد قال اخوانهم السابقون عن القرآن ومن جاء به ان هذا الا اساطير الاولين ان هذا الا سحر مبين. واذا رأوك ان يتخذوك الا هزوا. اهذا الذي بعث الله رسولا؟ ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون. الوجه الثالث والسبعون ذكرنا فيما سبق ان اعظم اعظم ما يبطل الالحاد معرفة دين الاسلام والعمل به. وانه بطبيعته وبراهينه واياته يضمحل معه كل باطل من كل وجه خصوصا اقبح الباطل واشنعه واشده منافاة للعقل والدين. وهو الالحاد. وقد عرف اهله هذا منه انه لا له مع الدين. فتوسلوا بتنحية الدين عن المتعلمين. وابعدوه عن المدارس. فان لم يتمكنوا جعلوا التعليم في الدين ضعيفا او اسما بلا مسمى. فهم عند التمكن ينحون الدين جملة ويدخلون في تعليم المدارس اصول الالحاد. فيخرج المتعلمون ملحدين فان لم يمكنوا من ادخال الالحاد فيها اجتهدوا في اضعاف علوم الدين. واقتصروا على العلوم العصرية ليذهب من قلوب ناشئة حب الدين ويسهل توجيههم الى نبذه والاستبدال بضده. فان البصيرة في الدين اذا ضعفت والقلوب الى غيره توجهت انهارت الاديان والاخلاق كما هو مشاهد معلوم في كل المدارس التي على الوصف الذي ذكرنا. فيتعين على وعلى ولاة امورهم ان يعتنوا غاية الاعتناء بعلوم الدين واخلاقه. فان هذا من افرد الفروض وبه يحصل كل خير دفعوا اعظم شر. فان الناشئين في المدارس اذا خرجوا منها وقد تمكنوا من علوم الدين. وصار عندهم بصيرة صحيحة فيه فانهم ينفعون امتهم وينفعون غيرهم. والا فليعلموا انهم رعاة. وكل راع مسؤول عن رعيته. فهم مسؤولون عن الناشئة المتعلمين في المدارس فاذا لم يثقفوهم ثقافة دينية صاروا اكبر سلاح للاعداء على امتهم. فكيف اذا انصرفت قلوبهم عن الرغبة في علوم الدين واخلاقه الى الاقتداء الضار باعداء الاسلام في علومهم وسلوكهم وعاداتهم. فانه ما شاع الالحاد في البلاد الاسلامية الا بهذه الطريقة. فكيف اذا نصرتها قوة الولاة؟ وصاروا هم العون الاكبر لانحراف المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات. وطردوا عنها الدين او اضعفوه. فنرجوا الله ان يوفق ولاة المسلمين المرجوع اليهم لهذا الامر العظيم الذي خطره كبير وشره مستطير. والا فلا يلومن الا انفسهم اذا خسروا الدين والدنيا. والله المستعان الوجه الرابع والسبعون. قال شيخ الاسلام رحمه الله الرب تعالى اعرف من ان ينكر واعظم من ان يجحد. ولهذا قالت الرسل لاممهم افي الله شك وهو الغني بذاته عن جميع الموجودات. فان افتقار كل ما سوى الله هو حكم ثبتت لما سواه. فكل ما سواه سواء سمي محدثا او ممكنا او مخلوقا او غير ذلك. فهو مفتقر اليه لا يمكن استغناؤه عنه بوجه من الوجوه ولا في حال من الاحوال بل كما ان غنى الرب من لوازم ذاته ففقر الممكنات من لوازم ذاتها. وهي لا حقيقة لها الا اذا كانت موجودة. فان المعدوم ليس بشيء. وكل ما هو موجود سوى الله فانه مفتقر اليه دائما حال حدوثه وحال بقائه. وهذا يوجب افتقاره اليه دائما. انتهى. فعلم بهذا ان جراءة مخلوق الفقير على انكار الرب الغني القائم بنفسه القائم بكل موجود او انكار وحدانيته او حق من حقوقه من في الجنايات واطمها. وان هذا المخلوق الفقير من وجه قد تعدى حده وطوره. قال الشيخ واذا كانت الرسل والانبياء ومن اتبعهم وهم امم لا يحصي عددهم الا الله. قد اخبروا بوحدانية الله وتفرده بصفات الكمال. وهم مستيقنون كذلك لا يرتابون فيه. وهم عدد كثير اضعاف اضعاف اي تواتر قدر. قد اتفقت اقوالهم وافعالهم وهدايتهم على ذلك علم انه هو الحق الذي لا ريب فيه وما سواه باطل. انتهى. الوجه الخامس والسبعون. قال شيخ الاسلام في رده قول الفلاسفة ومن تبعهم من المنحرفين في قولهم ان العقل يجب تقديمه على السمع. واذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع لان العقل مصدق للشرع في كل ما اخبر به. لان العقل دل على ان الرسول صلى الله عليه يجب تصديقه فيما اخبر به وطاعته فيما امر. والعقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة. انتهى ووجه خضوع عقل العقلاء المعتبرين في الشرع انهم شاهدوا من براهين الرسالة واياتها المتعددة المتنوعة ما اضطرارا لا محيد لهم عنه. ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا. فلو قدمنا شيئا مما قيل انه معقول على ما جاء به الرسول لعلمنا انه معقول فاسد. لان لا يلزم تناقض قضايا العقل. واعظم القضايا التي حكم بها العقل قضية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. فمتى انكر هؤلاء الملاحدة هذه القضية الكبرى اليقينية قطعنا انهم معاندون للعقل كما انهم معاندون للشرع. واذا تقرر ان العقل دل دلالة عامة مطلقة على صدق الرسول في كل خبر وحكم كان ايراد المورد على بعض جزئيات الشريعة معلوم الفساد. وكان علمنا العام بصدق الرسول في كل شيء يقضي على جميع الجزئيات. ونهاية الامر ان يكون الذي وقع فيه الاشكال من جميع المشتبهات. والمشتبهات يتعين ردها الى المحكمات والاصل العظيم المحكم الذي تواردت عليه جميع البراهين اليقينية. وهو صدق الرسول وصحة ما جاء به والله اعلم قال الشيخ واذا كان الامر كذلك فاذا علم الرجل بالعقل ان هذا رسول الله وعلم انه اخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره. كان عقله يوجب عليه ان يسلم موارد النزاع الى من هو اعلم به منه. والا يقدم رأيه على قوله اعلم ان عقله قاصر بالنسبة اليه. وانه اعلم بالله واسمائه وصفاته واليوم الاخر منه. وان التفاوت الذي بينهما في العلمي بذلك اعظم من التفاوت الذي بين العامة وبين اهل العلم بالطب. اذا كان عقله يوجب ان ينقاد لطبيب يهودي فيما اخبره به من مقدرات الاغذية والاشربة والاضمدة والمسهلات واستعمالها على وجه مخصوص. مع ما في ذلك من الكلفة والالم لظنه ان هذا اعلم بهذا مني واني اذا صدقته كان اقرب لحصول الشفاء لي. مع علمه بان الطبيب يخطئ كثيرا وان كثيرا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب. بل يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه. ومع ذلك يقبل قوله ويقلده. وان كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه. فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ والرسل صادقون مصدقون. لا يجوز ان يكون خبرهم على خلاف ما اخبروا به قط. وان الذين يعارضون اقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه الا ذو الجلال. فكيف يجوز ان يعارض ما لم يخطئ قط؟ بما لم يصب في معارضة له قط انتهى. وقال ايضا والذين ادعوا في بعض المسائل ان لهم معقولا صريحا. يناقض الكتاب. قابلهم اخرون من ذوي المعقولات فقالوا ان قول هؤلاء معلوم بطلانه بصريح المعقول. وصار ما يدعى معارضة للكتاب من المعقول ليس فيه ما يجزم بانه معقول صحيح. اما بشهادة اصحابه عليه وشهادة الامة. واما بظهور تناقضهم ظهورا ارتياب فيه واما لمعارضة اخرين من اهل العلم. واما لمعارضة اخرين من اهل هذه المعقولات لهم. بل من تدبر ما يعارضون به الشرع من العقليات وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بطلانه. والناس اذا تنازعوا في العقول لم قول طائفة لها مذهب حجة على اخرى. بل يرجع في ذلك الى الفطر السليمة التي لم تتغير باعتقاد يغير فطرتها لا هوى. واذا كان فحول النضر واساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر الى الغاية. وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معارفهم العقليات ثم لم يصلوا فيها الى معقول صريح يناقض الكتاب. بل اما الى حيرة وارتياب واما الى اختلاف من بين الاحزاب فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلغوا مبلغهم في الذكاء والذهن ومعرفة ما سلكوه من العقليات. فهذا وامثاله مما يبين ان من اعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه لم يعارضه الا بما هو جهل بسيط او جهل مركب الاول كسراب بقيعة. والثاني كظلمات في بحر لجي. اصحاب القرآن والايمان في نور على نور. وذلك لان الايات والبراهين دالة على صدق الرسل. وانهم لا يقولون على الله الا الحق. وانهم معصومون فيما يبلغون عن من الخبر والطلب. لا يجوز ان يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ. كما اتفق على ذلك جميع المقرين بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم. فوجب ان كل ما يخبر به الرسول عن الله صدق وحق لا يجوز ان يكون في ذلك شيء شيء مناقض لدليل عقلي ولا سمعي. فمتى علم المؤمن بالرسول انه اخبر بشيء من ذلك؟ جزم جزما قاطعا انه حق وانه لا يجوز ان يكون في الباطن بخلاف ما اخبر به. وانه يمتنع ان يعارضه دليل قطعي ولا عقلي ولا سمعي وان كل ما ظن انه عارضه من ذلك فانما هو حجج ضاحضة وشبه من جنس شبه الفسطائية. واذا كان العقل العالم صدق الرسول قد شهد له بذلك. وانه يمتنع ان يعارض خبره دليل صحيح. كان هذا العقل شاهدا بان كلما قال فخبر الرسول فهو باطل فيكون هذا العقل والسمع جميعا شهد ببطلان العقل المخالف للسمع. انتهى. وقال رحمه الله نتكلم عن الفلاسفة. انه ليس عندهم من المعقول ما يعرفون به احد الطرفين. فيكفي في ذلك اخبار الرسل عن خلق السماوات والارض وحدوث هذا العالم والفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة. توجب عليهم تصديق الرسل فيما اخبرهم به. وتبين انهم علموا ذلك بطريق يعجزون عنها. وانهم اعلم بامور الالهية والمعاد. وما يسعد النفوس اشقيها منهم وتدلهم على ان من اتبع الرسل كان سعيدا في الاخرة. ومن كذبهم كان شقيا في الاخرة. وانه لو علم الرجل من الطبيعيات والرياضيات. ما عسى ان يعلم وخرج عن دين الرسل كان شقيا. وانه من اطاع الله ورسوله بحسب طاقته. كان سعيدا في الاخرة. وان لم يعلم شيئا من ذلك. ولكن سلفهم اكثروا الكلام في ذلك. لانهم لم يكن عندهم من اثار الرسل ما يهتدون به الى توحيد الله وعبادته. وما ينفع في الاخرة. وكان الشرك مستحوذا عليهم. وكان منتهى عقلهم امورا عقلية كلية كالعلم بالوجود المطلق وانقسامه الى علة ومعلول وجوهر وعرض. وتقسيم الجواهر ثم تقسيم الاعراض هذا هو عندهم الحكمة العليا والفلسفة الاولى. ومنتهى ذلك العلم بالوجود المطلق الذي لا يوجد الا في الاذهان دون الاعيان ليس فيها علم بموجود معين. لا بالله وبملائكته ولا بغير ذلك. وليس فيها محبة لله ولا عبادة له فليس فيها علم نافع ولا عمل صالح. ولا ينجي النفوس من عذاب الله فضلا عن ان يوجب لها السعادة الوجه السادس والسبعون. قال شيخ الاسلام من المعلوم بالاضطرار من دين الاسلام انه يجب على الخلق الايمان بالرسول ايمانا مطلقا جازما عاما بتصديقه في كل ما اخبر به. وطاعته في كل ما امر. وان كل ما عارض ذلك فهو باطل. وان من قال يجب يجب تصديق ما ادركته بعقلي. ورد ما جاء به الرسول لرأيي وعقلي. وتقديم عقلي على ما اخبر به الرسول مع تصديقي بان الرسول صادق فيما اخبر به فهو متناقض فاسد العقل ملحد في الشرع. واما من قال لا اصدق ما اخبر به حتى اعلمه بعقله ظاهر وهو ممن قيل فيه واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى الله اعلم حيث يجعل رسالته وقوله فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهدفون ومن عارض ما جاءت به الرسل برأيه فله نصيب من قوله كذلك يضل الله من وقوله ان الذين يجادلون في الله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين. السلطان هو الكتاب المنزل من السماء. فكل من عارض كتاب الله المنزل بغير كتاب الله الذي قد يكون ناسخا له او مفسرا له كان قد جادل في ايات الله بغير سلطان ان اتاه انتهى الوجه السابع والسبعون جميع الامم اهل الاديان من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم حتى المشركين على اثبات ربوبية الله. وانه الاول الذي ليس قبله شيء. الخالق لكل شيء. الرازق المدبر لكل شيء في هذا الانبياء والمرسلون واهل الهدى من العلماء الربانيين. اهل العلوم الغزيرة والعقول الوافية والمعارف الصافية اولين منهم والاخرين على هذا الاصل العظيم. متفقون على علم وبصيرة ويقين. قد اطمأنت قلوبهم بذلك وسكنت نفوسهم بها وصار في قلوبهم اكبر الحقائق واصحها واوضحها. وخالفهم من هذا شرذمة من زنادقة الدهريين الذين يقولون ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر. وسلك سبيلهم زنادقة الماديين هم لم ينكروا ذلك عن علم دلهم عليه ولا سمع ولا عقل ولا فطرة. انما هو مجرد استبعادات وجحود ومكابرات ومع ذلك فاقوالهم فيما يثبتون من النظريات والقول في العلل غير متفقة. كل فريق بنظرياتهم الخاطئة فرحوا ولاخوانهم من الزنادقة معارضون. فدعهم في طغيانهم يعمهون. وفي اضطرابهم وتخالفهم يترددون. وفي وجهلهم وسفاهة عقولهم وما انتهت اليه معارفهم في هذا الامر من المضحكات يمرحون. واحمد الله الذي عافاك من هذه البلية الشنعاء الطامة الكبرى. وقل معترفا بنعمة الله متبجحا بفضل الله. امنت بما انزل الله من كتبه السماوية وامنت بجميع الانبياء والمرسلين. وشهدت بما شهد به لنفسه وشهد به خيار خلقه شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو ال واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم انزل واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. الوجه الثامن والسبعون ان الله ضرب الامثال في كتابه لتقرير التوحيد وتقرير الرسالة والمعاد. وابطال قول من ينفيها او يقدح في شيء منها الامثال اقيسة عقلية تنبه العقول والفطر على تقرير الحق والاعتراف به وابطال الباطل. وكلها تبطل اقوال المشركين والمكذبين للرسل من مشركين وملحدين. وكلها تبطل اقوال المشركين والمكذبين للرسل من مشركين وملحدين ومنحرفين. كقوله ومن يشرك بالله فكأنما فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان وقوله ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ويسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب وقوله ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا؟ الى غير ذلك من الامثلة المقررة لهذه الاصول العظيمة المبطلة لاقوال المبطلين والمعطلين. وكذلك ما ضربه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الامثلة المقررة لاصول الدين. قال شيخ الاسلام رحمه الله والكتاب والسنة يدل بالاخبار تارة ويدل بالبينة والارشاد والبيان للادلة العقلية تارة. وخلاصة ما عند ارباب النظر العقلي في الالهيات من الادلة اليقينية والمعارف الالهية قد جاء به الكتاب والسنة مع زيادات وتكميلات لم يهتدي اليها الا من هداه الله بخطابه فكل ما قد جاء به الرسول من الادلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من الاولين والاخرين وقال ايضا معلوم بالسمع اتصاف الله بالافعال الاختيارية القائمة به. كالاستواء الى السماء وعلى العرش القبض والطي والاتيان والمجيء والنزول. ونحو ذلك. بل والخلق والاحياء والاماتة. فان الله وصف نفسه بالافعال اللازمة والمتعدية. والفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم. فان الفعل لابد له من فاعل سواء كان متعديا الى مفعول او لم يكن والفاعل لابد له من فعل سواء كان فعله مقتصرا عليه او متعديا الى غيره. والفعل المتعدي الى لا يتعدى حتى يقوم بفاعله اذا كان لابد من فاعل. وهذا معلوم سمعا وعقلا. والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفا بانه يتكلم بما يشاء. فعال لما يشاء. انتهى. الوجه التاسع والسبعون قال الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وقال ولا يأتون كمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فاخبر انه يقول الحق وهو الصدق فيما والعدل فيما حكم به. وانه يهدي السبيل في بين لعباده البراهين والادلة الدالة على الحق. ويري بعد اياته في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. وما اخبر به من الحق ودل عليه بالبراهين من العلوم النافعة والمعارف الصادقة. بما يقرر به جميع الاصول التي هدى بها عباده على السنة رسله. وما اجاب به كل ابطل اورد الشبهة على الحق. الجواب القاطع لشبهته المبطل لحجته فهو ظاهر واضح للعباد. وهو من الحقائق التي لا يمكن تغييرها ولا تبديلها. ولا قيام علم صحيح ينافيها. بل كل ما خالفها وناقضها علمنا بطلانه على وجه اجمالي وعلى وجه التفصيل. اما على وجه الاجمال فالله يقول الحق. وتمت كلمة ربك صدقا فكل ما ناقض ذلك فهو باطل فماذا بعد الحق الا الضلال؟ واما على وجه التفصيل فما يأتي المبطلون في مثل يقدحون فيه بالحق الا ابطله الله وذكر من البراهين السمعية والعقلية ما يبطله. وقد تتبع العلماء الاعلام مع ما اورده المبطلون مسألة مسألة. فوضحوا بطلانها من جهة الادلة الشرعية السمعية. ومن جهة الدلالة العقلية. وتحدوا اهل الباطل تحديا صحيحا. انهم لا يأتون بمثل يقدحون فيه بالحق الا ابطلوه بالبراهين اليقينية والله اعلم الوجه الثمانون. قال تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله. اذا لذهب كل اله بما خلق ولا على بعضهم على بعض. سبحان الله عما وهذا برهان عقلي قاطع صوره الله لعقول العقلاء. وانه يدل على ربوبية الله ووحدانيته وتوحده وتفرده بالتدبير. فانه لو فرض معه اله اخر. فاما ان يعارضه او يقاومه وحينئذ لا يخلو اما ان يحصل مراد احدهما فيكون هو الرب او يمتنع مراد كل منهما وهو محال لانه يدل على عجز كل منهما او يوجد مراد الجميع. وهذا محال لانه يقتضي عجز كل واحد منهما مع الانفراد لا مع الاجتماع فتعين ان المنفرد بالوحدانية والخلق والتدبير هو الله الواحد القهار. فاذا كان ما ادعاه المشركون من مشاورة بركة غير الله مع الله. فاذا كان ما ادعاه المشركون من مشاركة غير الله مع الله يقتضي في العقل المحال. وخراب الوجوه فكيف يكون حال الدهريين الماديين؟ الذين يزعمون ويفترون ان الطبيعة هي التي اوجدت جميع الموجودات وافعالها وصورها. هي التي اوجدت جميع الموجودات ذواتها وافعالها وصورها. وهي مع ذلك لا حياة لها ولا علم ولا قدرة. هل فوق هذا المحال محال؟ وهل يتصور ابلغ من هذا الضلال؟ الوجه الحادي والثمانون قال قال تعالى الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم ما استوى على العرش. فقال يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء فهاتان الايتان العظيمتان اللتان تجمعان ايات كثيرة وبراهين قاطعة توصل الى كمال العلم واليقين. وصحة ما جاء به الانبياء والمرسلون. وتبطل كل شرك والحاد وجحود. اياته المشهورة واياته المسموعة. فمن تأمل هذه المخلوقات وما احتوت عليه من التدابير الحكيمة. وتفكر في ايات الله التي فصلها الله احسن تفصيل. واحكم فيها الاحكام. واصل الاصول المحكمة. وجعلها هداية عامة ورحمة شاملة ودعوة الى كل خير وصلاح. وسببا الى كل رشد وهدى وفلاح. علم علما لا يمترى فيه ان الذي دبر مخلوقات وفصل الايات. هو الرب العظيم الذي تتضاءل عظمة المخلوقات باسرها عند عظمته. وانه المتوحد الربوبية والالهية وسائر صفات الكمال. وان رسله صادقون مصدقون. وان اعداء الرسل في مكابرة ومباهتات وعناد وفي غي وجهل وضلال. وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. افي الله شك فاطر السماوات والارض على احسن خلق. وابدعه واجمعه لجميع المحاسن. وادله على حكمة خالقه وعظمته وكبريائه ووحدانيته. فتبارك الله رب العالمين. قد الزم الله المكذبين وقررهم باعترافهم واعتراف الخلق في كلهم بتفرد الله بالخلق والتدبير فقال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض ام من يملك السمع والابصار الى قوله فما لكم كيف تحكمون اخبر ان في انزال القرآن يتلى عليهم كفاية تامة عن جميع البراهين. كفاية لتقدير الحق وابطال كل باطل قالها تعالى في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. الوجه الثاني والثمانون نذكر سلاما جامعا مفصلا. يعترف به كل من له معقول صحيح في القول في المعقولات. قال شيخ الاسلام به يتضح غاية الاتضاح ان جميع الملحدين خرجوا عن العقليات الصحيحة. وانه ليس معهم الا مجرد دعاوى باطلة. قال رحمه الله. المعقول هو المعقول الصريح. الذي يعرفه الناس بفطرهم التي فطروا عليها. من غير ان يتلقاه بعضهم عن بعض لا يعلمون تماثل المتماثلين. واختلاف المختلفين. اعني اختلاف التنوع لاختلاف التضاد والتباين. فان لفظ الاختلاف يراد به هذا وهذا. وهذه المعقولات في العلميات هي التي ذم الله من خالفها بقوله. وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير. واما ما يسميه بعض الناس معقولات ويخالفه فيه كثير من العقلاء. فليس هذا هو العقليات التي يجب لاجلها رد الحس والسمع بني عليه علوم بني ادم. بل المعقولات الصحيحة الدقيقة الخفية ترد الى معقولات ترد الى معقولات بديهية الاولية بخلاف العقليات الصريحة. فان هذا معلوم بفطرة الله. فاذا جاء في الحس او في الخبر الصحيح ما يظن انه يخالف ذلك علم انه غلط. فكل من اخبر بما يخالف صحيح المنقول او صريح المعقول يعلم انه وقع له غضب وان كان صادقا فيما يشهده في الحس الباطن او الظاهر. لكن الغلط وقع في ظنه الفاسد المخالف لصريح العقل لا في مجرد الحس فان الحس ليس فيه علم بنفي او اثبات. والانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون. لا قولون على الله الا الحق ولا ينقلون عنه الا الصدق. فمن ادعى في اخبارهم ما يناقض صريح المعقول كان كاذبا بل لابد ان يكون ذلك المعقول ليس بصريح او ذلك المنقول غير صحيح. فما علم يقينا انهم اخبروا به يمتنع ان تكون في العقل ما يناقضه. وما علم يقينا ان العقل حكم به يمتنع ان يكون في اخبارهم ما يناقضه. انتهى. وهذا تفصيل عظيم يعترف به جميع اذكياء العقول المنصفين. ويتحدى به المؤمنون اهل العلم كل ملحد ومارق. يزعم خلاف ذلك من جميع المسائل. وقد تكفل بهذا التحدي على وجه التفصيل. هذا الشيخ الامام في كتابه العقل والنقل وابطل كل مسألة اصولية او فروعية زعم بعض المتزحلقين مخالفتها للعقل. وبين ان العقل الصحيح موافق النقل الصحيح في جميع المسائل والدلائل. والحمد لله على شرعه الكامل وخلقه الحسن. فانه تمت كلمة ربك صدقا وعدلا ومن اصدق من الله قيلا واحسن منه حديثا. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. الذي احسن كل شيء شيء خلقه صنع الله الذي اتقن كل شيء. الوجه الثالث والثمانون قد تقرر ما تقدم ان اهل الجحود والالحاد لم يصلوا في علومهم الا لم يصلوا في علومهم الا الى جهل مركب او جهل بسيط او جحود مع العناد. لان عرف ذلك من مقالاتهم. فاذا كان هؤلاء هم الرؤساء. فكيف بمقلديهم الذين لم يبلغوا عشر معشارهم في الذكاء والفضة والبحث فهم كما قال عنهم والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة الى اخر الايات. والمؤمنون بالله وكتبه ورسله على نور من ربهم ويقين من ايمانهم. حيث بانوا علومهم ومعارفهم وايمانهم واعمالهم على الاصول الصحيحة ثابتة وهي نصوص الكتاب المنزلة من السماء. ونصوص الانبياء وايات الله في الانفس والافاق. والعقول السليمة الفطر المستقيمة. ففازوا بخير الدنيا والاخرة. ورجع الاخرون بالصفقة الخاسرة. فنسأل الله الرب الكريم ان ارزقنا علما ويقينا وايمانا وطمأنينة به وبذكره. وسلوكا للصراط المستقيم. المشتمل على العلم بالحق والعمل به الموصل الى كل خير. والا يزيغ قلوبنا بعد اذ هدانا. ويهب لنا من لدنه رحمة. انه هو الوهاب ونسأله ونرجوه ان ينصر دينه وكتابه ورسله وعباده المؤمنين. وان يصلي على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم افضل صلاة وازكاها واتمها ويسلم عليه تسليما كثيرا. هو وجميع الانبياء والمرسلين. ومن تبعهم من المؤمنين. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وتحصل البركات. قال ذلك وكتبه العبد الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر عبدالرحمن بن ناصر السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. وذلك في رابع عشر من رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة. وتم نقله من خط المؤلف الشيخ عبدالرحمن السادس من رمضان سنة اثنتين وثلاث والف من الهجرة بقلم الفقير الى الله عبدالله بن سليمان العبدالله غفر الله له ولوالديه