المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله وصل في ايات تتعلق بالجهاد وتوابعه قال تعالى اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير. كان المسلمون في اول الامر مأمورين بكف الايدي عن قتال الكفار. وانما جهادهم الدعوة لحكمة ظاهرة فلما اضطهدوا واضطراهم الاعداء الى ترك بلادهم واوطانهم وقتلوا من قتلوا وحبسوا من حبسوا وجدوا في العداوة البليغة بكل طريق. وهجر المسلمون بسبب ذلك الى المدينة وقواهم الله على قتال الاعداء فقد رماهم الاعداء عن قوس واحدة فحينئذ اذن الله لهم في القتال. ولهذا قال اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. لمنعهم عن دينهم واخراج من ديارهم ومطاردتهم لهم في كل مكان وان الله على نصرهم لقدير وهذا مع امره لهم بفعل الاسباب ومقاومة الاعداء بكل مستطاع امر لهم بالتوكل عليه. واستنصاره والطلب منه ثم ذكر صفة عدوانهم فقال الذين اخرجوا من ديارهم. بالاذية والفتنة بغير حق. الا ان ذنبهم ايمانهم بالله قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. والله مع الصابرين. وقال تعالى كأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا. فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا واعترافهم بانه ربهم والههم وانهم اخلصوا له الدين وتبرأوا من عبادة المخلوقين وهذا كما قال تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد وهذا ظاهر في حكمة الجهاد وعظم مصلحته. وانه من الضروريات في الدين فان المقصود به اقامة دين الله والدعوة الى عبادته التي خلق الله المكلفين لها واوجبها عليهم ودفع كل من قاوم الامر الضروري ومقاومة الظالمين المعتدين على دين الله وعلى المؤمنين من عباده. كما قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ولهذا قال ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فلولا مدافعة الله الناس بعضهم ببعض باسباب متعددة وطرق متنوعة قدرية وشرعية واعظمها واجلها وازكاها الجهاد في سبيل الله لاستولى الكفار الظالمون ومحقوا اديان الرسل فقتلوا المؤمنين بهم وهدموا معابدهم ولكن الطاف الله عظيمة واياديه جسيمة وبهذا وشبهه يعرف حكمة الجهاد الديني. وانه من الضروريات لا كقتال الظلمة المبني على العداوات والجشع والظلم بادل الخلق بل الجهاد الاسلامي مرماه وغرضه الوحيد اقامة العدل وحصول الرحمة واستعباد الخلق لخالقهم واداء الحقوق كلها ونصر المظلومين وقمع الظالمين. ونشر الصلاح والاصلاح المطلق بكل وجه واعتبار وهو من اعظم محاسن دين الاسلام يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس. ويصدون عن سبيل الله. والله ما يعملون محيط هذه الايات تضمنت الامر بجهاد الاعداء والارشاد الى الاسباب التي ينبغي للجيوش والمجاهدين الاخذ بها. فمن اعظمها واهمها امران. الصبر وهو الثبات وابداء كل مجهود في تحصيل ذلك والثاني التوكل على الله والتضرع اليه. والاكثار من ذكره فمتى اجتمع الامران على وجه الكمال والتكميل؟ فقد اتى المجاهدون بالاسباب الوحيدة للنصر والفلاح فليبشروا بنصر الله وليثقوا بوعده. فيدخل بالامر بالصبر والثبات تمرين النفوس على ذلك فانه من يتصبر يصبره الله تعلم الرمي والركوب والفنون العسكرية المناسبة للزمان فان التعليم وتعلم امور الجهاد من اكبر العون على الثبات والصبر. ومن ذلك الحث على الشجاعة السعي في اسبابها والترغيب في فضائل الجهاد. وما فيه من الثمرات العاجلة والاجلة وما في تضييعه من ضياع الدين والدنيا واستيلاء الاعداء والذل والدمار فان النفوس الابية والهمم العلية لا ترضى لانفسها بغير هذا الخلق الفاضل الذي هو اعلى الاخلاق وانفعها. قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون فحثهم على الصبر بتأمينهم وطمعهم في الاجر والثواب وادراك المقامات العالية. وقال ايضا في ذم الناكلين وترغيب بالتائبين الصابرين. ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون وقال عن المنافقين ونقولهم عن مشقة الجهاد وقالوا لا تنفروا في الحر. قل نار جهنم اشد حرا. لو وكانوا يفقهون اي لو كان عندهم فقه نافع في تنزيل الاشياء منازلها وتقديم ما ينبغي تقديمه لاثروا مشقة الجهاد على راحة القعود الضار عاجلا او اجلا وفي هذا انه بحسب فقه العبد وعلمه ويقينه يكون قيامه بالجهاد وصبره عليه وثباته. ومن دواعي الصبر وهو من الفقه ايضا انه اذا علم المجاهد انه على الحق. ويجاهد اهل الباطل لما ان هذا اعلى الغايات واشرفها واحقها. وان الحق منصور وعاقبته حميدة ومن دواعي الصبر الثقة بالله وبوعده. فان الله وعد الصابرين العون والنصر وانه معهم في كل احوالهم. ومن كان الله معه فلو اجتمع عليه من باقطارها لم يخف الا الله ومما يعين على الصبر والثبات الامر الثاني وهو التوكل على الله وقوة الاعتماد عليه التضرع اليه في طلب النصر والاكثار من ذكره كما قال تعالى هنا حيث رتب على هذا الفلاح. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وقال تعالى كم من فئة والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة وقال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله اي تقوموا بدينه وبالحق الذي جاء به رسوله مخلصين لله قاصدين ان تكون قيمة الله هي العليا ينصركم ويثبت اقدامكم. وقال تعالى ان ينصركم الله فلا غالب لكم. وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون. فاخباره بانه المتفرد بنصرهم وان غيره لا يملك من النصر شيئا. وامرهم بالتوكل عليه امر لهم باقوى الاسباب النافعة في هذا المقام العظيم. وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه اليس الله بكاف عبده؟ اي الذي قام بعبوديته فبحسب توكلهم عليه وقيامهم بعبوديته يصلح لهم النصر والكفاية التامة ومن اسباب النصر والصبر والثبات اتفاق القلوب وعدم التفرق والتنازع. فان ذلك محلل للقوة. موجب للفشل. واما اجتماع الكلمة وقيام الالفة بين المؤمنين واتفاقهم على اقامة دينهم وعلى نصره فهذا اقوى القوى المعنوية التي هي الاصل. القوة المادية تبع لها. والكمال الجمع بين الامرين. كما امر الله بذلك ففي هذه الاية وفي قوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واخرين من دونهم لا تعلمونهم ومن اسباب الثبات والنصر حسن النية وكمال الاخلاص في اعلاء كلمة الحق. فلهذا حذر تعالى من مشابهة الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله فهؤلاء لما لم يعتمدوا على ربهم واعجبوا بانفسهم وخرجوا عشرين باطرين. وكان قتالهم لنصر الباطل باءوا بالخيبة والفشل والخذلان. ولهذا ادب خيار الخلق لما حصل من بعضهم الاعجاب بالكثرة في غزوة حنين حيث قال القائل لن نغلب اليوم عن قلة فقال ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. فلما زال هذا الامر عنهم وعرفوا ضعفهم وعاقبة الاعجاب انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين. وانزل جنودا لم تروها ومن الاسباب التي ارشد الله اليها في القتال. الثبات والصبر وحسن التدبير. والنظام الكامل في جميع الحركات العسكرية قال تعالى واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال. والله سميع عليم. وكان صلى الله عليه وسلم الجيش وينزلهم منازلهم ويجعل في كل جنبة كفؤها ويسد الثغرات التي يخشى ان يتسرب منها العدو. يحفظ المكامن تبعث العيون لتعرف احوال العدو ويستعين بمشاورة اصحابه كما امر الله بذلك خصوصا في هذا الامر المهم تعرف اسرار العدو وبث العيون ووضع الجواسيس السريين الذين لا يكاد يشعر بهم كما ان من المهم التحرز من جواسيس العدو وعمل الاسباب لاخذ الحذر من ذلك بحسب ما يليق. ويناسب الزمان والمكان ومن المهم ايضا ان تفعل جميع الاسباب الممكنة في اخلاص الجيوش. وقتالها عن الحق. وان تكون غايتها كلها واحدة لا يزعزعها عن هذا الغرض السامي فقد رئيس او انحراف كبير. او تزعزع مركز قائد او توقف في صمودها في طريقها النافع على امور خارجية فانه متى كانت هذه الغاية العالية هي التي يسعى لها اهل الحل عقد ويعملون لها التعليمات القولية والفعلية كانت الجيوش التي على هذا الوصف مضرب المثل في الكمال وسداد الاحوال وحصول المقاصد الجليلة ولهذا ارشد الله المؤمنين يوم احد الى هذا النظام العجيب. فقال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل. افإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا. وسيجزي الله الشاكرين فنبههم على انه وان كان محمد هو الامام الاعظم والرسول المعظم. فانه لا ينبغي لكم ان يفت فقده في عزيمتكم وانحلال قوتكم بل انتم تقاتلون لله وعلى الحق الذي بعث به رسوله ولدفع الباطل والشرور. اجعلوا هذه الغاية نصب اعينكم واساس عملكم. وامضوا قدما في سبيل الله غير هائبين ولا متأثرين اذا اتت الامور على خلاف مرادكم فان الامور هكذا تكون تارة لك وتارة عليك والكمال كل الكمال ان يكون العبد عبدا لله في الحالين. في السراء والضراء بحال اتيان الامور على ما يحب او ضد ذلك هذا الوصف هو كمال الفرد وكمال الجماعات. والله الموفق ومن الامور المهمة جدا ان يكون الرئيس رحيما برعيته ناصحا محبا للخير. ساعيا فيه جهده. كثير المراودة والمشاورة لهم خصوصا لاهل الرأي والحجا منهم. وان تكون رعية مطيعة منقادة. ليس عندهم منازعات ولا مشاغبات قال تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول اي اذا حصل النزاع في اي امر من الامور خصوصا في الامور المتعلقة في سياسة الحرب ردت الى هذا الاصل الذي يطمئن اليه المؤمنون. ويلجأ اليه كبارهم وصغارهم. لعلمهم انه فرض على جميعهم علمهم ان حكم الله ورسوله هو الخير والصلاح وان الله يعلم من مصالحهم ما لا يعلمون ويرشدهم الى كل ما به ينتفعون ومن الامور المهمة جدا سلوك طريق الحق والعدل في قسمة الغنائم. والا تكون ظالمة مستبدا بها الاقوياء. محروما منها الضعفاء. او تكون فوضى فان هذين الامرين مع ضررهما في الدين. وان هذا لا يحل ولا يجوز. وهذا من اعظم المحرمات فانهما يضران غاية الضرر في الجيوش في وقوع العداوات وحصول الجشع والطمع وكون وجهتها تكون متباينة. فبذلك ينحل النظام ويقع الفشل. ويكون هذا الامر سلاح للاعداء على المسلمين ومن الامور المهمة جدا ايضا وهي عون كبير في الحروب السعي بقدر الاستطاعة في ايقاع الانشقاق في صفوف الاعداء. وفعل كل سبب يحصل به تفريق امنهم وتفريق وحدتهم ومهادنة من يمكن مهادنته منهم وبذل الاموال للرؤساء اذا غلب على الظن ان ينكف شرهم عن المسلمين فكم حصل بهذا الطريق من نكاية العدو ما لا يحصل بالجيوش الكثيرة ولهذا قال ان الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق. او جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوا او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فذكر الله هذه المصلحة العظيمة في الكف عن امثال هؤلاء الموصوفين. وللموفقين من الرؤساء وقواد الجيوش في هذه الامور مقامات معروفة صار لهم فيها اليد البيضاء على المسلمين وانظروا الى هذه التعاليم الالهية التي هي النظام الكامل الوحيد في جميع الازمنة والامكنة تدل بذلك على ان الاسلام الحقيقي هو الدين الحق الذي اليه ملجأ الخليقة وبه سعادتها وسلامتها من الشرور. وان والهبوط بتضييع تعاليم هذا الدين الذي اكمله الله واتم به النعمة على المؤمنين