امر نافع ومن اداب العالم والمتعلم النصح وبث العلوم النافعة بحسب الامكان حتى لو تعلم الانسان مسألة وبثها بها مع من يتصل به كان ذلك من بركة العلم وخيره. ومن شح بعلمه مات علمه قبل ان يموت المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله باب الاداب المتنوعة والحقوق. فصل في حق الله. اما اعظم الحقوق على المكلفين واوجبها فهو حق الله. وعقد ذلك ان نعلم ونعترف بما لله من الكمال والوحدانية وما له من الحقوق على عباده من الاخلاص والعبودية. فعلينا ان نؤمن ان الله تعالى هو الرب الخالق الرازق المدبر المتوحد بصفات الكمال وغاية الجلال والجمال. الذي لا يحصي احد ثناء عليه. بل هو كما ما اثنى على نفسه وان نصفه بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. وننزهه عما زهى عنه نفسه ونزهه عنه رسوله. ونعلم ان الله ليس كمثله شيء في ذاته ولا في اسمائه ولا في صفاته. وان ما قاله حق وصدق لا ريب فيه. ثم نقوم بعبادته التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. مخلصين له الدين فهذا مجمل حقه على العباد. وقد اعتنى علماء السلف في تفاصيل هذه الجملة العظيمة. فليطلب هناك. فصل في حق الرسول ثم بعد حق الله علينا حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. الذي هو اولى بنا من انفسنا ووالدينا. وارحم بنا واشفق علينا من جميع الخلق. ولم يصل الينا من الهدى والعلم والخير شيء الا على يديه. هو الذي وجدنا ضالين كان الله به واشقياء غاوين فاستنقذنا الله به ووجدنا موجهين وجوهنا الى كل كفر وفسق وعصيان فوجهنا الله الى كل خير وطاعة وايمان. لم يبق خير الا دلنا عليه ولا شر الا حذرنا عنه. فله علينا ان نعلم انه رسول الله حقا وانه خاتم النبيين. لا نبي بعده. وانه ارسل رسالة عامة للمرسل اليهم. وعامة في المرسل به فاما المرسل اليهم فانه مرسل الى العرب وغيرهم من اصناف الامم. على اختلاف انواعهم واجناسهم والى الجن. واما ما ارسل به فانه ارسل ليبين للخلق اصول دينهم وفروعه وظاهره وباطنه لاصلاح العقائد والاخلاق والاعمال الدين وصلاح الدنيا. ونعلم انه اعلم الخلق واصدقهم وانصحهم واعظمهم بيانا. واعرفهم بما يصلح للخلق على ائتلاف طبقاتهم ومشاربهم. فعلينا ان نؤمن به كما نؤمن بالله. ونطيعه كما نطيع الله ونقدم محبته على انفسنا ووالدينا والناس اجمعين. وعلينا ان نتبعه في كل شيء. ولا نقدم على هديه وقوله قول احد وهديه كائنا من كان وعلينا ان نوقره ونعظمه وننصره وننصر دينه بانفسنا واموالنا والسنتنا وبكل ما نقدر عليه وذلك كله من اعظم منن الله علينا. ونؤمن بان الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لاحد غيره من الاولين والاخرين. فهو اعلى الخلق مقاما واعظمهم جاها. واقربهم وسيلة واجلهم اكملهم في كل فضيلة وحقوقه صلى الله عليه وسلم كثيرة قد افردت فيها المؤلفات الكثيرة فصل في حقوق اهل العلم اعظم الحقوق الواجبة بعد حق الرسول حقوق العلماء المعلمين الذين هم الواسطة بين الرسول وبين امته في تبليغ دينه وبيان شرعته الذين لولاهم لكان الناس كالبهائم حقوقهم على الامة اعظم من حق الاباء والامهات فانهم ربوا ارواح العباد وقلوبهم بالعلوم النافعة والمعارف الصحيحة. وهم ذات الامة في اصول دينهم وفروعه. وهم المرجوع اليهم في في احكام الحقوق والمعاملات. كما انهم المرجوع اليهم في امور العبادات بهم قام الكتاب والسنة وبهم اتضح الحق من الباطل والهدى من الضلال والحلال من الحرام والخير من الشر صلاح من الفساد وهم في ذلك على مراتبهم طبقات بحسب ما قاموا به من العلم والتعليم والنفع الكثير او القليل. فحقهم على الامة كبير ومقامهم جليل. فعلى الناس ان يحبوهم ويجلوهم. ويوقروهم ويعترفوا بفضائلهم وفواضلهم ويشكروهم على ذلك غاية الشكر ويدعوا لهم سرا وعلنا ويتقربوا الى الله بمحبتهم والثناء عليهم وينشروا محاسنه ويغض القلب واللسان عن مساوئهم التي اذا وجدت اضمحلت في جنب محاسنهم. وعليهم ان ينتهزوا الفرصة في وجودهم اغترفوا من معين علمهم ويسترشدوا بنورهم. ويعملوا جميع ما يقدرون عليه من الاسباب التي تريحهم وتفرغهم لما هم بصدده من مهمتهم التي هي اعظم المهمات على الاطلاق. من تعليم الطلبة المستعدين والتجرد لهم. ومن ارشاد العوام ومن الفتاوى الصادرة منهم والواردة عليهم. ومن استعدادهم للحكم في قضايا الخلق وفصل خصوماتهم. الى غير ذلك مما لا يحصى مما هو متوقف عليهم. والناس مضطرون اليهم وحقوقهم على وجه التفصيل لا يمكن عدها. فصل في حقوق الائمة. ثم بعد حقوق العلماء المعلمين المرشدين يجب القيام بحق الائمة. وخصوصا الائمة العادلين من امراء مسلمين وملوكهم وولاة امرهم. فان الله امر بطاعتهم في قوله اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منه هم العلماء والملوك. وقال صلى الله عليه وسلم من يطع الامير فقد اطاعني. ومن اجلال الله اجلال السلطان المقسط وهو احد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. والملوك هم الذين اذا صلحوا صلحت الرعية واذا فسدوا فسدت الرعية وبهم قيام الدين والالزام بجميع شعائر الدين واقامة الحدود وردع سيدين وبهم امنت السبل. لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل. وكان اضعفنا نهبا لاقوانا. وبهم قام الجهاد بالعلم والحجة والبرهان وبالسلاح والسيف والسنان. فكم لهم من الاثار الخيرية فحقهم عظيم على جميع الرعية. عليهم النصح لهم في كل ما يقدرون على نصحهم واعانتهم على مهماتهم. واعتقاد ولايتهم وحث الناس على لزوم طاعتهم ارشادهم الى كل خير وصلاح وتحذيرهم عن كل شر وضرر في الدين والدنيا على وجه الرفق واللين. والدعاء لهم بصلاحهم فان الدعاء لهم دعاء للرعية كلها. كما ان ارشادهم الى مصلحة ومشروع خيري نفع شامل. وعلى الناس ان يغضوا عن مساوئهم ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التوفيق. فان سب الملوك والامراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص لم تحدثه نفسه بنصيحتهم يوما من الايام. وهذا عنوان الغش للراعي والرعية. وحقوق الملوك الصالحين لا تعد ولا تحصى فهم ان كانت لهم سيئات كثيرة فان لهم حسنات اكثر من غيرهم من الرعية. فنسأل الله ان يأخذ بنواصيه الى الخير انه جواد كريم. فصل في حقوق المحسنين باموالهم. ثم من بعد هؤلاء حق ائمة المحسنين الذين شمل خلقا كثيرا من اهل الصدقات المالية والبذل الكثير في طرق الخير. سواء كان ذلك في دفع حاجة الفقراء والمساكين او في المشاريع الخيرية كبناء المساجد والمدارس والابار والعيون والمياه التي نفعها شامل. فهؤلاء حقهم عظيم على الناس. لم ما ابدوه نحوهم من سد حاجة المحتاجين وازالة الضر عن المضطرين والقيام بمؤنة العاجزين وقيام المشاريع الخيرية بهم التي لا يحصى ما فيها من الخير والنفع الدائم المتسلسل. فهؤلاء المحسنون على الناس شكرهم على ما فعلوا. والدعاء لهم وتنشيطهم على اعمالهم النافعة ومحبتهم والثناء عليهم. فان الخلق عيال الله واحبهم الى الله انفعهم لعياله واذا كان صلى الله عليه وسلم يقول من صنع اليكم معروفا فكافئوه. فان لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا انكم قد كافئتموه فما ظنك بمن احسانه انتفع به الغني والفقير والقريب والبعيد وانتفع به على وجه الخصوص والعموم ودفع الحاجات الخاصة والحاجات العامة. فهذا حقه كبير. فرحم الله المحسنين وضاعف لهم الاجر والثواب وادخلهم الجنة بغير حساب. وجعل اعمالهم خالصة لوجهه الكريم. ونفع الله بها النفع العميم انه جواد كريم فصل في حق الوالدين. ومن اكد الحقوق الخاصة حق الوالدين الذي امر الله به في عدة ايات وقرن وهما بحقه ونبه على السبب في ذلك في قوله وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. فهذه التربية التي اختص بها الابوان رتبتها عظيمة. اولا تسببا في اجتماعهما في وجودك. فوجودك اثر بسببهما والوجود اصل النعم واساسها. ثم حملتك الام في بطنها مدة الحمل. ووضعتك كرها ووهنا على وهن. ثم غذتك بدرها وباشرت حضانتك وملاحظتك وازالة الاضرار عنك. وعمل المصالح وهي في ذلك مبسوطة ممنونة لما في ضميرك بها من الحنان والشفقة التي لا نظير لها الا رحمة الله التي هي منها. وكم اسهرت ليلها واقلقتها؟ والاب منذ كنت في ببطن الام وهو يجري عليك النفقات. وبعد وضعك ضاعف ذلك. ولم تزل في تربيتهما البدنية والمالية والارشادية الى مصالحك الدينية والدنيوية حتى اكتمل عقلك وقوتك فوجب عليك من الحق العظيم لهما شيء كثير من القول الكريم والاحسان المالي والخدمة البدنية والخضوع لهما وطاعة في المعروف والتوقير لهما وكف الاذى اليسير والكثير بالقول والفعل والدعاء لهما. والشكر لهما والثناء عليهما ما على ما ابديا نحوك من البر والتكريم. وقضاء حاجاتهما والدين الذي عليهما احياء وامواتا. وتنفيذ وصيتهما بعد موتهما واكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك الا من جهتها. ليجتمع لك البر والصلة وحقوق الوالدين كثيرة ولكن ضابطها ما ذكره الله في كتابه فانه امر بالاحسان اليهما. وذلك شامل لكل احسان بجميع وجوهه ويرجع في ذلك الى العرف والعادة. فكل ما عده الناس احسانا فهو داخل في الاحسان المأمور به. فصل في حق الاولاد. وللاولاد على والديهم حقوق فانهم امانات عندهم وهم مسؤولون عنهم. فعليهم بسببهم جنسان من الواجبات. احدهما بالمؤنة البدنية من نفقة وكسوة وما يتبع ذلك. فهو واجب لابد منه مع انه من افضل العبادات. وخصوصا مع احتساب ثواب عند الله فانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأة ايوة عيالك والنوع الثاني واجب التربية الدينية. فعلى الوالدين تعليمهم القرآن والعلم والكتابة وتوابع ذلك وتربية اخلاقهم بكفهم عن المفاسد كلها وحثهم على الفرائض. وبتمام الامرين يربح العبد اولاده. وبتقصير في التربية الدينية يخسر اولاده خسرانا مبينا. فالاولاد كما انهم مسئولون عن القيام ببر الوالدين والقيام بواجبهم كذلك قبلهم الابوان مسئولان عن اصلاح اولادهما. قال سبحانه انفسكم واهليكم نارا. الاية وذلك بالقيام بالاسباب التي تقيهم النار. والملاحظة وعدم اهمالهم. ومن اهملهم فلا يلومن الا نفسه اذا فاته الثواب. واستحق بترك ما يجب عليه العقاب. وفاته ابر اولاده وخيرهم. قال سبحانه من عمل صالحا فلنفسه. ومن اساء فعليه فصل في صلة الارحام. وقد امر الله ورسوله بصلة الارحام وهم جميع الاقارب. قريبهم وبعيدهم واخبرهم بفضل الواصلين لارحامهم وان الله يجمع لهم بين سعة العمر وسعة الرزق. وفتح ابواب البركة والاجر العظيم عند الله ان القاطعين لهم خلاف ذلك. فعلى الانسان ان يتعاهد اقاربه بالصلة في بدنه وزيارته وقضاء حوائجهم. واعانتهم على امورهم وبذل ما يقدر عليه في ذلك. ويتعاهد الهدية لموسرهم والصدقة على معسرهم. ويتحبب اليهم بكل ممكن ان وذلك ميسور على من وفقه الله ويسره عليه. ويجاهد نفسه على صلة القاطع منهم. فان الواصل الحقيقي هو الذي يصلوا ارحامه كلهم من وصله ومن قطعه. وذلك عنوان على الاخلاص لله. ولابد اذا ثابر على ذلك ان يؤثره الله تجعل له العاقبة الحميدة. واذا كان بينه وبينهم شيء من المشاكل الدنيوية المحدثة للخصام. فليحتسب صلتهم عند الله يتنازل عن حقه او بعضه ويربح الصلة التي هي افضل المكاسب. اذا كان غيره يرى المكسب في الحطام الخسيس من الدنيا. ومن ابواب صلة ان يسعى في الاصلاح بينهم اذا كان بينهم ضغائن واحن. فان الاصلاح فضله عظيم. خصوصا لمن لهم حق على الانسان كالاقل ويتسبب لهم بالاسباب التي تنفعهم في دينهم ودنياهم. واعلم ان من بينك وبينه رضاع. وان لم يكونوا مثل الاقارب وهم قاصرون عن ركبتهم في امور كثيرة. لكن في باب البر والصلة ينبغي ان تراعي فيهم ذلك. وان تحفظ لهم ذلك الذي قوي في باب التحريم حتى ساوى النسب. فميز بين من بينك وبينه رضاع عن غيرهم. وخصوصا الام المرضعة وصاحب اللبن والله الموفق. فصل في حقوق الجيران والاصحاب. تقدم في مسائل الصلح بعض حقوق الجيران. وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره. واعلم ان الاصحاب والرفقاء لهم حقوق مشتركة مع على المسلمين وحقوق خاصة. اما ضابط الحقوق المشتركة فميزانها الجامع لكل متفرقاتها قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. فالاصحاب داخلون في ذلك وعليك ان تساعدهم على مهماتهم الدينية والدنيوية وتقضي حاجتهم وتنوب عنهم اذا غابوا في كل امر ينوبهم. وحيث لك من الاتصال بهم والادلال عليهم والثقة بهم ما ليس غيرهم فبمقتضى هذه الحال انصحهم وارشدهم في كل قليل وكثير. وفي الامور التي يحتشم منها وفي غيرها. وفي الامور التي يتعذر او يتعسر او يشق اجراؤها مع غيرهم. لان ما بينك وبينهم من الاسباب والقرب والاتصال. يوجب ذلك وكن وافيا لهم حافظا لودهم مواظبا على اخذ خواطرهم حريصا على تأسيس الصحة وتنميتها بعيدا عما يخالف ذلك مغضيا عن معايبهم وعدم قيامهم بحقوق الصحبة واسلك معهم ومع غيرهم ما ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم. لا يفرق مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها اخر. فكذلك الاصحاب اذا كرهت منهم بعض الاخلاق او رأيت تقصيرا او قصورا فيها فاذكر محاسنهم واذكر حقوق الصحبة واذكر حقوق الوفاء وانظر سير الموفقين الاخيار فانك اذا فعلت كذلك ادركت كل مراد وفزت بطاعة رب العباد. فصل في اداب مجالسة الناس. واذا جالست الناس واجتمعت فاجعل التواضع شعارك وتقوى الله دثارك والنصح للعباد طريقك المستمر. فاحرص على ان كل مجلس جلست معهم في يحتوي على خير اما بحث علمي او نصح ديني او توجيه الى مصلحة عامة او خاصة او تذكير بنعم الله او تذكير بفضائل الاخلاق الحميدة والاداب الحسنة او تحذير من شر ديني او دنيوي. واقل ذلك ان تغتنم اشغالهم بالمباحات عن المحرمات وحسن خلقك مع الصغير والكبير والنظير. وعامل كلا منهم بما يليق به. ووقر من يستحق التوقير اجلال واحرص على تأنيس جليسك بالكلام المناسب الطيب ولو كان متعلقا بالدنيا. فان الكلام المباح والاجتماع المباح اذا اثمر تأنيس المجالس وبسط المحادث واثمر راحة القلب عاد محمودا. والعاقل الحازم يدرك بمجالسة الناس خيرا كثيرا ويكون احب اليهم من كل محبوب لانه يدخل عليهم من الابواب التي يعرفون. والاحاديث التي يرغبونها. والاصل وفي ذلك كله توفيق من ازمة الامور كلها بيديه. وتتأكد هذه الامور في صحبة السفر فان السفر تطول فيه المجالسة ويحتاج المسافرون الى من يروحهم بالاحاديث الطيبة والمجريات والمزح احيانا ان كان صدقا ولم يكثر ومساعدة على مهمات السفر فالاداب الطيبة تجعل اصحابها عند الناس الذ من بارد الشراب. والثقيل اشد على ارواحهم من الاحجار بالصلاب. فسبحان من فاوت بين عباده في اخلاقهم واعمالهم وجميع احوالهم. والله الموفق وحده. فصل في الجمع بين الدين والدنيا. العاقل الحازم يتمكن من التزود من الباقيات الصالحات مع استكمال نصيبه من الدنيا على وجه السهولة بالغدوة والروحة وبشيء من الدلجة. وهو في ذلك قائم بامور دنياه واسبابه. فلو انه جعل له وردا من اخر الليل ليصلي ويناجي ربه ويسأله صلاح دينه ودنياه ولو كان ذلك يسيرا وافتتح نهاره بالخير والقراءة واوراد واختتمه كذلك وبادر للصلوات الخمس في اول وقتها وجعل معها وقبلها وبعدها ما يسره الله من اعمال الخير من صلاة وقراءة وذكر وسماع علم وغيرها. وعود لسانه ذكر الله والاستغفار. وباشر الاسباب الدنيوية من تجارة او صناعة او فلاحة ونحوها. برفق وطلب جميل. واستعان بربه في ذلك واكتفى بالاسباب المباحة وبحلال الله عن حرامه. وقصد بذلك القيام بواجب النفس. ومن يعول. والاستغناء عن الخلق. لو فعل هذا او ما يقاربه لحصل خيرا وغنم ثوابا جزيلا. ومع ذلك لم ينسى نصيبه من دنياه. ولا فاته من لذاتها شيء. ربما من الله عليه بالقناعة التي هي الغنى الحقيقي. وبها تتم الحياة الطيبة. والله هو الموفق لكل خير. فصل فيما قابلوا به النعم والمكاره واغتنام الفرص النافعة. العبد يتقلب في الدنيا بين حصول ما يحبه واندفاع ما يكرهه. فوظيفة الشكر والثناء على الله بذلك. وبين وجود المصائب والمكاره المتنوعة. فوظيفته الصبر عليها واحتساب اجرها وثوابها ليكون غانما في الحالين عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك الا للمؤمن. وينبغي للموفق ان يكون له مشاركة في كل عمل خيري ومساعدة عادة مالية ولو قلت فان لم يكن فمساعدة عملية او قولية او تنشيط للمشتركين ليكتسب بذلك الفضل ثواب وذلك يسير على من يسره الله عليه. فصل في من ينبغي صحبته. لابد للانسان من اصحاب وقرناء يجتمع بهم ويقضي كثيرا من اوقاته في صحبتهم. فاغتنم صحبة الاخيار الذين لا تعدم من صحبتهم علما تتعلمه. او نصيحة دافعوا بها او اشتغالا بما يقرب الى الله او اقل ما في ذلك السلامة من التبعات القولية والفعلية مع انك امن من سخريتهم وهمزهم ولمزهم حاضرا او غائبا. مع الفائدة العظيمة وهي ان الرغبة في قلبك للخير تزيد وتنمو وداعية الشر تضعف او تضمحل. فالمرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل مع ما يحصل لك من ثناء الناس السمعة. فانهم يعتبرون الناس بقرنائهم. فيحق للمرء ان يفخر بصحبة الاخيار. واياك وصحبة الاشرار. فانهم بضد ما ذكرنا. الجليس الصالح كحامل المسك. اما ان يحذيك او تجد منه رائحة طيبة. والجليس السوء كنافخ كلكير اما ان يحرقك واما ان تجد منه رائحة خبيثة. والله اعلم. فصل في نبذة يسيرة من اداب متعلمين والمعلمين يتعين على اهل العلم على وجه الخصوص ان يجعلوا اساس امرهم في تعلمهم وتعليمهم الاخلاص الكامل والتقرب الى الله بهذه العبادة التي هي اجل العبادات وافضلها. وتستغرق من عمر العبد جوهره وصفوه فقدوا هذا الاصل في كل دقيق وجليل من امورهم. فان درسوا او دارسوا او بحثوا او ناظروا او اسمعوا او استمعوا او جلسوا مجلس علم او نقلوا اقدامهم لمجالس العلم او كتبوا او حفظوا او كرروا دروسهم الخاصة او راجعوا عليها او على غيرها الكتب الاخرى او اشتروا كتبا او ما يعين على العلم كانوا في ذلك كله محتسبين ليتحققوا بقوله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. فكل طريق حسي او معني يسلكه الانسان في سبيل العلم فانه داخل في هذا الحديث. ثم بعد هذا يتعين البداءة بالاهم فالاهم من العلوم بالشرعية ووسائلها وتفصيل هذه الجملة كثير معروف. والطريق التقريبي ان ينتقي من مصنفات الفن الذي يشتغل به واوضحها واكثرها فائدة. ويجعل هذا الكتاب جل همه حفظا عند الامكان. او دراسة تكرير بحيث تصير المعاني معقولة في قلبه محفوظة ثم لا يزال يكرره ويعيده حتى يتقنه اتقانا طيبا. وبعد ذلك ينتقل الى الكتب مبسوطة في هذا الفن لتكون كالشرح له ويكون كتابه الذي اهتم به ذلك الاهتمام اساسا لها واصلا تتفرع عنه وعلى المعلم ان ينظر الى ذهن المتعلم وقوة استعداده او ضعفه. فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله. فان القليل الذي يفهمه وينتفع به خير من الكثير الذي هو عرضة لنسيان معناه ولفظه. وعلى المعلم ان يلقي على المتعلم من التوضيح وتبيين المعنى بقدر ما يتسع فهمه لادراكه ولا يخلط المسائل بعضها ببعض. ولا ينتقل من نوع الى اخر حتى يتصور ويحقق السابق فان ذلك درك للسابق. ويتوفر الذهن على اللاحق. وعلى المعلم النصح للمتعلم وترغيبه بكل ما يقدر وعليه وان يصبر على عدم ادراكه او سوء ادبه. مع ملاحظته في كل ما يقومه ويحسن ادبه. لان المتعلم له حق على المعلم حيث اقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس. وحيث كان ما يحمله عن معلمه هو عين بضاعة المعلم. يحفظها ينميها ويتطلب بها المكاسب الرابحة. فهو الولد الحقيقي للمعلم. الوارث له. المعلم مثاب على نفس تعليمه سواء فهم او لم يفهم فان فهم وادرك كان اجرا جاريا للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلا. وهذه تجارة قيمة لمثلها فليتنافس المتنافسون. فعلى المعلم ايجاد هذه التجارة وتنميتها. فهي من عمله واثار عمله. قالت تعالى فما قدموه هو ما باشروا عمله واثارهم ما ترتب على اعمالهم من الخير الذي عمله غيرهم. وعلى المتعلم ان يوقر معلمه ويتأدب معه ما له من الحق العام والخاص. اما العام فان معلم الخير قد استعد وباشر نفع الخلق. فوجب حقه عليهم لكونه علمهم ما جهلوا ويرشدهم الى كل خير ويحذرهم من كل شر. ويحصل به من نشر العلم والدين. وتسلسل ذلك النفع في موجودين وفي من يأتي من بعدهم وهذا النفع ليس له نظير من الاحسان. واما حقه الخاص على المتعلم فلما له من تعليمه وحرصه على كل ما يرشده ويوصله الى اعلى الدرجات. وقد بذل صفوة وقته وجوهر فكره في تفهيم مسترشدين وافادة الطالبين وصبر على ذلك بطيب نفس وسماحة. واذا كانت الهداية الدنيوية والاحسان الدنيوي يوجب لصاحبه حقا كبيرا على من وصل اليه احسانه. فما الظن بهدايا العلوم النافعة الكثيرة؟ الباقي نفعها العظيم وليجلس بين يديه متأدبا ويظهر غاية حاجته الى علمه. ويكثر من الدعاء له حاضرا وغائبا. واذا اتحفه غريبة فليصغي اليها اصغاء المضطر الى عقلها والانتفاع بها. واذا اخطأ المعلم في شيء فلينبهه برفق ولطف بحسب المقام ولا يقول له اخطأت اوليس الامر كما قلت بل ياتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون تشويش فان هذا من الحقوق اللازمة وهو ادعى الى الوصول الى الصواب. والمعلم عليه اذا اخطأ ان يرجع الى الصواب. ولا يمنعه قول قاله ثم بان له الحق بخلافه ان يراجع الحق ويعترف به. فان هذا علامة الانصاف والتواضع للحق ومن نعمة الله على المعلم ان يجد من تلاميذه من ينبهه على خطأه ويرشده الى الصواب. ولهذا كان من اعظم الواجبات على المعلمين والمفتين ان يتوقفوا عن الفتوى او الجزم بما لم يعلموه. وهذا من علامات الدين والانصاف. وضده من علامات بالرياء وضعف الدين بل هذا التوقف من التعليمات النافعة ليحصل به القدوة الحسنة. وليكن قصد المعلمين والمتعلمين في جميع بحوثهم طلب الحق والصواب واتباع ما رجحته الادلة الصحيحة. والحذر الحذر من الاشتغال بالعلم للاغراض الفاسدة من المباهاة والمماراة والرياء والرياسات والتوسل به الى الامور الدنيوية. فمن طلبه لهذه الامور فليس له في من نصيب ومن اعظم ما يتعين على اهل العلم من المعلمين والمتعلمين. الاتصاف بما يدعو اليه العلم من الاخلاق الجميلة والتنزه عن الاخلاق الرذيلة فانهم احق الناس بذلك لتميزهم بالعلم ولانهم القدوة والناس مجبولون على اقتداء باهل العلم منهم ولانه يتطرق اليهم من الاعتراض ما لا يتطرق لغيرهم. والعلم اذا عمل به ثبت ونمت بركته فروح العلم وحياته بالقيام به عملا وتخلقا وتعليما ونصحا. وينبغي تعاهد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم والامتحان والحث على المذاكرة والمراجعة وتكرار الدروس الحاضرة والسابقة. فالتعلم بمنزلة الغراس والبذور للزرع وتعاهده بالمذاكرة والتكرار بمنزلة السقي وازالة الاشياء المضرة لينمو ويزداد على الدوام. وليحذر اهل العلم من الاشتغال بالتفتيش عن احوال الناس وعيبهم. فانه مع ان صاحبه مستحق للعقوبة فانه يشغل عن العلم ويصد عن كل كما ان من بث علمه كان له حياة ثانية. وجازاه الله من جنس عمله. ومن اهم ما يتعين على اهل العلم السعي في جمعك كلمتهم وتأليف القلوب لان هذا من اوجب الواجبات وخصوصا على اهل العلم الذين بهم الاسوة وبه يحصل خير كثير يندفع شر كبير. والحذر من الحسد لاحد من اهل العلم. فانه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وهو مناف للنصير التي هي الدين والله اعلم. فصل في الهم والفأل والطيرة والرقية وتوقي المواضع البيئة. اذا هم العبد بامر فان ان كانت مصلحته ظاهرة واضحة فليعزم عليه متوكلا على الله. واذا اتضحت مضرته فليدعه. وان اشتبه عليه الامر او لا يدري عن العاقبة فليستخر الله ويستشر من يثق بدينه ومودته وخبرته. وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطير وسبب ذلك لما في الفأل من الاستبشار وقوة الرجاء بحصول المحبوب. واما الطيرة فعلى العكس من ذلك لان انها تحدث الهم والغم وهي عقيدة فاسدة يتأثر بها المتطير. الرقية بالامور المحرمة او المجهولة لا تجوز وبالادعية الشرعية وما اشبهها احسان من الراقي على المرقي. وينبغي للمرقي الا يطلبها ابتداء لمنافات لكمال التوكل. لا يحل للانسان الاقدام على القدوم الى المحل الذي فيه الوباء. ولا يخرج منه فرارا من الوباء. ولا بأس بقصد المواضع الطيبة الهواء لقصد الانتفاع بجوها. ولا ينبغي للانسان ان يكون ضعيف القلب قليل التوكل. عند اقل ارض يذهب الى الطبيب فان التهالك في ذلك يضعف القلب. ويحدث الاوهام الضارة ويضعف التوكل. وقوة التوكل وقوة القلب بطبعها تدفع كثيرا من العوارض خصوصا الامور اليسيرة. وضد هذا ترك التداوي مع الاضطرار اليه وغلبة الظن بنجاحه مذموم. فصل في اداب من دخل المسجد. ينبغي لمن دخل المسجد ان يقدم رجله اليمنى ويقول بسم اللهم صل وسلم على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك. ويشتغل بالصلاة والذكر والقراءة والعلم تعلما او او تعليما او سماعا. والنصح لمن فيه وارشاده الى ما فيه الخير. ولا يشتغل بغير ذلك من الخوض في امور الدنيا. فان المساجد لم تبنى الا للقربات. والمواضع الاخر هي مواضع البحث والاشتغال بالدنيا. وينبغي اذا دخل بيته ان يقول بسم ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا. اللهم اني اسألك خير المولد وخير المخرج. ثم يسلم على من فيه او يقول اذا لم يصادف احدا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وليكن في بيته معاشرا لاهل به واولاده بالمعروف. كل احد بما يليق به ويناسبه. وكان صلى الله عليه وسلم في بيته اذا دخله يشتغل في مهنة اهله ومتعلقاتهم فصل في فروض الكفاية. فروض الكفايات هي الامور الضرورية التي يقصد حصولها بقطع النظر عن فاعلها مثل الاذان والاقامة والامامة والقضاء والتدريس والافتاء والطب والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبناء بما يحتاج الناس اليه كالمساجد والقناطر والاسوار والقيام بالصناعات والحراثة والنساجة ونحوها. وعيادة المرضى الجنائز بالتغسيل والتكفين والصلاة والدفن واطعام المضطرين وكسوة العارين. وما اشبه هذه الامور الله اعلم فصل في الحث على تقوى الله ومراقبته. على العبد ان يتقي الله حيثما كان. فيقوم بما عليه من الواجبات لله ولخلقه ويتجنب جميع المعاصي القلبية كالكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد والغل والحقد والمعاصي القولية كالكذب والغيبة والنميمة والشتم ونحوها. والمعاصي الفعلية كالقتل والسرقة واكل الحرام والزنا وشرب المسكرات فمتى حقق التقوى بفعل الواجبات وترك المحرمات كان من المتقين. ومتى اخل بشيء من ذلك فعليه التوبة والاستدراك قال سبحانه فاذا هم مبصرون. والورع هو من التقوى فانه التورع عن كل قول محرم وفعل محرم من ظاهر وباطن ومراقبة الله وخوفه ورجاءه ومحبته هي العون الاكبر على القيام بالتقوى. فنسأل الله الكريم ان قلوبنا بمعرفته والانابة اليه. ويجمل السنتنا بذكره والثناء عليه. ويزين جوارحنا بخدمته. وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم. تم في السابع والعشرين من ربيع الاخر سنة اربع وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة هجرة