حشرتموني على ان مسني الكبر فبما تبشرون؟ فقال لهم متعجبا من هذه البشارة ابشرتموني ولد على ان مسني الكبر وصار نوع اياس منه فبم تبشرون اي على اي وجه تبشرون وقد عدمت الاسباب المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم الكتاب وقرآن مبين. ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. يقول تعالى على معظم لكتابه مادحا له. تلك ايات الكتاب اي الايات الدالة على احسن المعاني. وافضل المطالب وقرآن مبين للحقائق باحسن لفظ واوضحه. وادله على المقصود. وهذا مما يوجب على الخلق الانقياد له والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول والفرح والسرور. فاما من قبل هذه النعمة العظيمة بردها والكفر بها فانه من المكذبين الضالين الذين سيأتي عليهم وقت يتمنون انهم مسلمون. اي منقادون لاحكامه. وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهر اوائل الاخرة ومقدمات الموت فانهم في احوال الاخرة كلها يتمنون انهم مسلمون. وقد فات وقت ان كان ولكنهم في هذه الدنيا مغترون ذرهم يأكلوا ويتمتعوا بلذاتهم ويلهيهم الامل ان يأملون البقاء في الدنيا فيلهيهم عن الاخرة ان ما هم عليه باطل. وان اعمالهم ذهبت خسرانا عليهم. ولا يغتروا بامهال الله تعالى. فان هذه سنته في الامم. وما اهلكنا من قرية كانت مستحقة للعذاب. مقدر لاهلاكها والا فالذنوب لابد من وقوع اثرها وان تأخر قالوا يا ايها الذين نزل عليه الذكر انك لمجنون. اي وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم لم استهزاء وسخرية. يا ايها الذي نزل عليه الذكر على زعمك انك لمجنون. اذ تظن ان ونترك ما وجدنا عليه اباءنا بمجرد قولك ما ننزل الملائكة الا بالحق وما كانوا اذا منظرين. لو ما تأتينا بالملائكة يشهدون لك بصحة ما جئت به فلما لم تأتي بالملائكة فلست بصادق. وهذا من اعظم الظلم والجهل. اما الظلم فظاهر فان هذا تجرؤ على الله تعنت بتعيين الايات التي لم يخترها. وحصل المقصود والبرهان بدونها من الايات الكثيرة. الدالة على صحة ما جاء به. واما جهل فانهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم. فليس في انزال الملائكة خير لهم. بل لا ينزل الله الملائكة الا بالحق. الذي لا امهال على من لم يتبعه وينقد له. وما كانوا اذا اي حين تنزل الملائكة ان لم يؤمنوا ولن يؤمنوا بمنظرين اي بممهلين. فصار طلبهم لانزال الملائكة تعجيلا لانفسهم بالهلاك والدمار فان الايمان ليس في ايديهم وانما هو بيد الله. ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون. ويكفيهم من الايات ان كانوا صادقين. هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا انا نحن نزلنا الذكر اي القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء. من المسائل والدلائل الواضحة. وفيه يتذكر من اراد التذكر اي في حال انزاله وبعد انزاله. ففي حال انزاله حافظون له من لافتراق كل شيطان رجيم. وبعد انزاله اودعه الله في قلب رسوله. واستودعه فيها ثم في قلوب امته. وحفظ الله الفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ومعانيه من التبديل. فلا يحرف محرف معنى من معانيه. الا وقيد الله له من يبين الحق المبين وهذا من اعظم ايات الله ونعمه على عباده المؤمنين. ومن حفظه ان الله يحفظ اهله من اعدائهم. ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين. اي فرقهم وجماعتهم رسلا فيأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون. وما يأتيه من رسول يدعوهم الى الحق والهدى ما كانوا به يستهزئون. كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. كذلك نسلكه اي ندخل التكليف اي الذين وصفهم الظلم والبهت عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب شابهت معاملتهم لانبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الايمان. ولهذا قال لا يؤمنون به وقد خلت سنة الاولين. اي عادة الله فيهم باهلاك من لم يؤمن بايات الله انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم اي ولو جاءتهم كل اية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فصاروا يعرجون فيه ويشاهدونه عيانا بانفسهم. لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الاية. انما سكرت ابصارنا اي اصابها سكر وغشاوة حتى رأينا ما لم نرى. اي ليس هذا بحقيقة بل هذا سحر وقوم وصلت بهم الحال الى هذا الانكار. فانه لا مطمع فيهم ولا رجاء. ثم ذكر الايات الدالات على ما جاءت به الرسل من حق فقال يقول تعالى مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه. ولقد جعلنا في السماء بروجا. اي نجوما كالابراج والاعلان العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. فانه لولا النجوم لا مكان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة. وهذا مما يدعو الناظرين الى التأمل فيها. والنظر في معانيها والاستدلال بها على باريها وحفظناها من كل شيطان رجيم اذا استرق السمع اتبعته الشهب الثواقب فبقيت السماء ظاهرها مجملا بالنجوم النيرات وباطنها محروسا ممنوعا من الافات الا من استرق السمع اي في بعض الاوقات قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاف اتبعه شهاب مبين. اي بين منير يقتله او يخبله. فربما ادركه الشهاب قبل ان يوصلها الشيطان الى وليه. فينقطع خبر السماء عن الارض. وربما القاها الى وليه قبل ان يدركه الشهاب. فيضمها ويكذب كذبة ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء. والارض مددناها والقينا فيها رواسي انبتنا فيها من كل شيء موزون. والارض مددناها اي وسعناها سعة الادميون والحيوانات كلها على الامتداد بارجائها. والتناول من ارزاقها والسكون في نواحيها. والقينا فيها اي جبالا عظاما تحفظ الارض باذن الله ان تميد. وتثبتها ان تزول. وانبتنا فيها من اي نافع متقوم يضطر اليه العباد والبلاد ما بين نخيل واعناب في الاشجار وانواع النبات. وجعلنا لكم فيها معايش. ومن لستم له برازقين وجعلنا لكم فيها معايش من الحرث ومن الماشية ومن انواع المكاسب والحرف اي انعمنا عليكم بعبيد. واماء وانعام لنفعكم ومصالحكم. وليس عليكم رزقها. بل خولكم الله اياه وتكفل بارزاقها اي جميع الارزاق واصناف الاقدار لا يملكها احد الا الله. فخزائنها بيده يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بحسب حكمته ورحمته الواسعة. وما ننزله اي المقدر من كل شيء من مطر وغيره الا بقدر معلوم. فلا يزيد على ما قدره الله ولا ينقص منه فاسقيناكم اي وسخرنا الرياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذكر الانثى فينشأ عن ذلك الماء باذن الله فيسقيه الله العباد ومواشيهم وارضهم. ويبقى في الارض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم هو مقتضى قدرته ورحمته. اي لا قدرة لكم على خزنه وادخاره. ولكن ان الله يخزنه لكم. ويسلكه ينابيع في الارض رحمة بكم واحسانا اليكم. وانا لنحن نحيي ونميت اي هو وحده لا شريك له الذي يحيي الخلق من العدم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا. ويميتهم لاجالهم التي قدرها كقوله انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون. وليس ذلك بعزيز ولا ممتنع على الله. فانه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم. ويعلم ما تنقص الارض منهم. وما تفرق من اجزائهم. وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز يعيد عباده خلقا جديدا ويحشرهم اليه. انه حكيم عليم انه حكيم يضع الاشياء مواضعها. وينزلها منازلها. ويجازي كل عامل بعمله. ان خيرا فخير. وان شرا فشر ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنود يذكر تعالى نعمته واحسانه عليه ابينا ادم عليه السلام وما جرى من عدوه ابليس وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته. فقال تعالى ولقد خلقنا ان الانسان اي ادم عليه السلام اي من طين قد بس بعدما خمر حتى صار له صلصلة وصوت كصوت الفخار. والحمأ المسنون الطين المتغير لونه وريحه من طول مكث والان خلقناه من قبل من نار السموم وهو ابو الجن اي ابليس خلقناه من قبل خلق ادم من نار السموم. اي من النار الشديدة الحرارة. فلما اراد الله خلق ادم قال للملائكة اني خالق بشرا فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فاذا سويته جسدا تاما ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فامتثلوا امر بهم فسجد الملائكة كلهم اجمعون. تأكيد بعد تأكيد يدل على انه لم يتخلف منهم احد. وذلك تعظيما لامر الله واكراما لادم. حيث علم ما لم يعلموا وهذه اول عداوته لادم وذريته قال الله قال لم اكن لاسجد لبشر خلقته من فاستكبر على امر الله وابدى العداوة لادم وذريته واعجب بعنصر كره وقال انا خير من ادم. قال الله معاقبا له على كفره واستكباره. قال اي مطرود مبعد من كل خير. وان قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين. قالوا بشرناك بالحق الذي لا شك فيه. لان الله على كل كل شيء قدير وانتم بالخصوص يا اهل هذا البيت رحمة الله وبركاته عليكم. فلا يستغرب فضل الله واحسانه اليكم عليك اللعنة اي الذم والعيب والبعد عن رحمة الله. ففيها وما اشبهها دليل على انه سيستمر على كفره وبعده من الخير. قال فانظرني اي امهلني الى يوم يبعثون وليس اجابة الله لدعائه كرامة في حقه. وانما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد. ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك. ولذلك حذرنا منه غاية التحذير وشرح لنا ما يريده منا لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين. اي ازين لهم الدنيا وادعوهم الى ايثارها على الاخرة حتى يكونوا منقدين لكل معصية اي اصدهم كلهم عن الصراط المستقيم. اي الذين اخلصتهم ثم اجتبيتهم لاخلاصهم وايمانهم وتوكلهم. قال الله تعالى اي معتدل موصل الي والى دار كرامتي ان عبادي ليس لك عليهم سلطان تميلهم به الى ما تشاء من انواع الضلالات بعبوديتهم لربهم وانقيادهم لاوامره. اعانهم الله وعصمهم من الشيطان. الا من اتبعك فرضي بولايتك بدلا من طاعة الرحمن من الغاويين والغاوي ضد الراشد. فهو الذي عرف الحق وتركه. والضال الذي تركه من غير علم منه به. اي ابليس جنوده لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء لها سبعة ابواب. كل باب اسفل من الاخر. لكل باب منهم اي من اتباع ابليس. جزء مقسوم بحسب اعمالهم قال الله تعالى فكبكبوا فيها هم الغاوون وجنود ابليس اجمعون. ولما ذكر تعالى ما اعد لاعدائه اتباع ابليس من النكال والعذاب الشديد. ذكر ما اعد لاوليائه من الفضل العظيم. والنعيم المقيم. فقال يقول تعالى ان المتقين الذين اتقوا طاعة الشيطان وما يدعوهم اليه من جميع الذنوب والعصيان قد احتوت على جميع الاشجار واينعت فيها جميع الثمار اللذيذة في جميع الاوقات. ويقال لهم دخولها امنين من الموت والنوم والنصب واللغو وانقطاع شيء من النعيم الذي هم فيه او نقصانه. ومن المرض والحزن والهم وسائر المكدرات اخوانا على سرر متقابلين ونزعنا ما في صدورهم من غل. فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل وحسد. متصافية متحابة على سرر متقابلين. دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن ادبهم فيما بينهم. في كون كل من منهم مقابلا للاخر لا مستدبرا له. متكئين على تلك السرور المزينة بالفرش واللؤلؤ وانواع الجواهر يمسهم فيها نصبوا وما هم منها بمخرجين. لا يمسهم فيها نصب لا ظاهر ولا باطن. وذلك لان الله ينشأهم نشأة وحياة كاملة. لا تقبل شيئا من الافات على سائر الاوقات. ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة من مفعولات الله من الجنة والنار ترى ما يوجب ذلك من اوصافه تعالى فقال نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم نبئ عبادي اي اخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالادلة فانهم اذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته. سعوا في الاسباب الموصلة لهم الى رحمته. واقلعوا عن الذنوب وتابوا منها لينالوا مغفرته. ومع هذا فلا ينبغي ان يتمادى بهم الرجاء الى حال الامن والاذلال. فنبئهم وان عذابي هو العذاب الاليم اي لا عذاب في الحقيقة الا عذاب الله. الذي لا يقادر قدره. ولا يبلغ كنهه. نعوذ به من عذابه. فان هم اذا عرفوا انه لا يعذب عذابه احد. ولا يوثق وثاقه احد. حذروا وابعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب عبد ينبغي ان يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء. والرغبة والرهبة. فاذا نظر الى رحمة ربه ومغفرته وجوده واحسانه. احدث له ذلك الرجاء والرغبة. واذا نظر الى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه. احدث له الخوف والرغبة والاقلاع عنها. ولم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اي عن تلك القصة العجيبة فان في قصك عليهم انباء الرسل وما جرى لهم مما يوجب لهم العبرة والاقتداء بهم. خصوصا ابراهيم الخليل الذي امرنا الله ان نتبع ملته. وضيفه هم الملائكة الكرام اكرمه الله بان جعلهم اضيافه. اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما. اي سلموا عليه. فرد عليهم اي خائفون لانه لما دخلوا عليه وحسبهم ضيوفا ذهب مسرعا الى بيته فاحضر لهم ضيافة عجلا حنيدا فقدمه اليهم. فلما رأى ايديهم لا تصل اليه خاف منهم ان يكونوا لصوصا او نحوهم. فقالوا له قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم. وهو اسحاق عليه الصلاة والسلام. تضمنت هذه البشارة بانه ذكر لا انثى عليم اي كثير العلم وفي الاية الاخرى وبشرناه باسحاق نبي من الصالحين فلا تكن من القانطين. الذين يستبعدون وجود الخير بل لا تزل راجيا لفضل الله واحسانه وبره وامتنانه فاجابهم ابراهيم بقوله الذين لا علم لهم بربهم وكمال اقتداره. واما من انعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم فلا سبيل الى القنوط اليه. لانه يعرف من كثرة الاسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئا كثيرا. ثم لما بشروه بهذه البشارة عرف انهم مرسلون لامر مهم. اي قال الخليل عليه السلام للملائكة فما خطبكم ايها المرسلون اي ما شأنكم؟ ولاي شيء ارسلتم ما ارسلنا الى قوم مجرمين. اي كثر فسادهم وعظم شرهم. لنعذبهم ونعاقبهم الا ال لوط اي الا لوطا واهله قدرنا انها لمن الغابرين. اي الباقين بالعذاب واما لوط فسنخرجنه واهله وننجينهم منها فجعل ابراهيم يجادل الرسل في اهلاكهم ويراجعهم. فقيل له يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود. فذهبوا منه قال لهم لوط انكم قوم منكرون اي لا اعرفكم ولا ادري من انتم. اي جئناك بعذاب بهم الذي كانوا يشكون فيه ويكذبونك حين تعدهم به واتيناك بالحق الذي ليس بالهزل. وانا لصادقون فيما قلنا لك وامضوا حيث تؤمرون. فاسري باهلك بقطع من الليل اي في اثنائه حين تنام العيون. ولا يدري احد عن مسراك. ولا يلتفت منكم احد. اي بل بادروا واسرعوا وامضوا حيث تؤمرون كان معهم دليلا يدلهم الى اين يتوجهون وقضينا اليه ذلك اي اخبرناه خبرا لا مثنوية فيه. اي سيصبحهم العذاب الذي الذي يجتاحهم ويستأصلهم. وجاء اهل المدينة يستبشرون. وجاء اهل المدينة اي المدينة التي فيها لوط يستبشرون. اي يبشر بعضهم بعضا. باضياف لوط وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم. وذلك لقصد فعل الفاحشة فيهم فجاءوا حتى وصلوا الى بيت لوط فجعلوا يعالجون لوطا على اضيافه. ولوط يستعيذ منهم ويقول قال ان هؤلاء ضيفي فلا تفضحون. واتقوا الله ولا تخزون. اي راقية الله اول ذلك وان كان ليس فيكم خوف من الله فلا تفضحوني في اضيافي وتنتهكوا منهم الامر الشنيع انهك عن العالمين. فقالوا له جوابا عن قوله ولا تخزوني فقط. او لم ننهك عن العالمين ان تضيفهم فنحن قد انذرناك ومن انذر فقد اعذر فقال لهم لوط من شدة الامر الذي اصابه الم يبالوا بقوله ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم لعمرك انهم لفي سكرتهم يعلمون. وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا بالون معها بعدل ولا لوم. فلما بينت له الرسل حالهم زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب. فامتثل امر ربه باهله ليلا فنجوا واما اهل القرية اي وقت شروق الشمس حين كانت العقوبة عليهم اشد فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة فجعلنا عاليها سافلها. اي قلبنا عليهم مدينتهم. وامطرنا عليهم حجارة تتبع فيها من شذ من البلد منهم اي المتأملين المتفكرين. الذين لهم فكر وروية وفراسة. يفهمون بها ما اريد بذلك. من ان من تجرأ على معاصي الله خصوصا هذه الفاحشة العظيمة وان الله سيعاقبهم باشناع العقوبات كما تجرأوا على اشناع السيئات وانها اي مدينة قوم لوط لبسبيل مقيم للسالكين يعرفه كل من تردد في تلك الديار. وفي في هذه القصة من العبر عنايته تعالى بخليله ابراهيم فان لوطا عليه السلام من اتباعه وممن امن به فكأنه تلميذ فحين اراد الله اهلاك قوم لوط حين استحقوا ذلك. امر رسوله ان يمروا على ابراهيم عليه السلام. كي يبشروه بالولد ويخبروه وبما بعثوا له حتى انه جادلهم عليه السلام في اهلاكهم حتى اقنعوه فطابت نفسه. وكذلك لوط عليه السلام لما اهل وطنه فربما اخذته الرقة عليهم الرأفة بهم قدر الله من الاسباب ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم. حتى استبطأ لما قيل له ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب؟ ومنها ان الله تعالى اذا اراد ان يهلك قرية ازداد شرهم وطغيانهم فاذا انتهى اوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه وهؤلاء هم قوم شعيب نعتهم الله واضافهم الى الايكة وهو البستان كثير الاشجار ليذكر نعمته عليهم وان انهم ما قاموا بها بل جاءهم نبيهم شعيب فدعاهم الى التوحيد وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين. وعالجهم على ذلك اشد المعالجة فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق وفي حق الخلق. ولهذا وصفهم هنا بالظلم انتقمنا منهم فاخذهم عذاب يوم الظلة. انه كان عذاب يوم عظيم وانهما اي ديار قوم لوط واصحاب الايكة. اي لبطريق واضح يمر بهم المسافرون كل وقت. فيبين من اثارهم ما هو مشاهد بالابصار. فيعتبر بذلك اولو الالباب يخبر تعالى عن اهل الحجر وهم قوم صالح الذين يسكنون الحجر المعروف في ارض الحجاز انهم كذبوا المرسلين. اي كذبوا صالحا. ومن كذب رسولا فقد كذب سائر الرسل. لاتفاق دعوتهم. وليس تكذيب بعضهم لشخصه بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل بالاتيان به واتيناهم اياتنا الدالة على صحة ما جاءهم به صالح من الحق. التي من جملتها تلك الناقة التي هي من ايات العظيمة. كبرا وتجبرا على الله وكانوا من كثرة انعام الله عليهم ينحتون من الجبال بيوتا امنين من المخاوف مطمئنين في ديارهم فلو شكروا النعمة وصدقوا نبيهم صالحا عليه السلام لادر الله عليهم الارزاق ولاكرمهم بانواع من الثواب والاجل ولكنهم لما كذبوا وعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من صادقين فتقطعت قلوبهم في اجوافهم واصبحوا في دارهم جاثمين هلك مع ما يتبع ذلك من الخزي واللعنة المستمرة. لان امر الله اذا جاء لا يرده كثرة جنود ولا قوة انصار ولا غزارة اموال اي ما خلقناهما عبثا وباطلا كما يظن ذلك اعداء الله. بل ما خلقناهما الا بالحق الذي منه. ان يكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما واقتداره وسعة رحمته وحكمته. وعلمه المحيط وانه الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا وان الساعة لاتية لا ريب فيها لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس وهو الصفح الذي لا اذية فيه. بل قابل اساءة المسيء بالاحسان. وذنبه بالغفران. لتنال من ربك جزيل الاجر والثواب فان كل ما هو ات فهو قريب. وقد ظهر لي معنى احسن مما ذكرت هنا. وهو ان المأمور به هو الصفح الجميل. اي الحسن الذي قد سلم من الحقد والاذية القولية والفعلية دون الصفح الذي ليس بجميل وهو الصفح في غير محله فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم الا العقوبة. وهذا هو المعنى ان ربك هو الخلاق لكل مخلوق. العليم بكل شيء. فلا يعجزه احد من جميع ما احاط به علمه وجرى عليه خلقه وذلك سائر الموجودات يقول تعالى ممتنا على رسوله ولقد اتيناك سبعا من المثاني وهن على الصحيح السور السبع الطوال البقرة وال عمران. والنساء والمائدة والانعام والاعراف. والانفال مع التوبة. او انها فاتحة الكتاب لانها سبع ايات فيكون عطف القرآن العظيم على ذلك من باب عطف العام على الخاص. لكثرة ما في المثاني من التوحيد علوم الغيب والاحكام الجليلة وتثنيتها فيها. وعلى القول بانها الفاتحة هي السبع المثاني. معناه انها سبع ايات تثنى في كل ركعة. واذا كان الله قد اعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني. كان قد اعطاه افضل ما يتنافس فيه المتنافسون اعظم ما فرح به المؤمنون. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فاليفرحوا هو خير مما يجمعون. ولذلك قال بعده لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم. اي لا تعجب اعجاب من يحملك على اشغال فكرك بشهوات الدنيا. التي تمتع بها المترفون. واغتر بها الجاهلون. واستغني بما اتاك الله من والقرآن العظيم. ولا تحزن عليهم فانهم لا خير فيهم يرجى. ولا نفع يرتقب. فلك في المؤمنين عنهم احسن البدل وافضل العوظ. اي الن لهم جانبك حسن لهم خلقك محبة واكراما وتوددا اي قم بما عليك من النذارة واداء الرسالة والتبليغ للقريب والبعيد. والعدو والصديق فانك اذا فعلت ذلك فليس عليك من من شيء وما من حسابك عليهم من شيء. وقوله اي كما انزلنا العقوبة على المقتسمين على بطلان ما جئت به. الساعين لصد الناس عن سبيل الله اي اصنافا واعضاء واجزاء يصرفونه بحسب ما يهوونه. فمنهم من يقول سحر ومنهم من يقول ومنهم من يقول مفترى الى غير ذلك من اقوال الكفرة المكذبين به. الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى اي جميع من قدح فيه وعابه وحرفه وبدله وفي هذا اعظم ترهيب وزجر لهم عن الاقامة على ما كانوا عليه. ثم امر الله رسوله الا يبالي بهم ولا بغيرهم. وان يصدع لما امر الله ويعلن بذلك لكل احد. وليعوقنه عن امره عائق ولا تصده اقوال المتهوكين. اي لا تبالي بهم واترك مشاتمتهم ومسابتهم مقبلا على شأنك. انا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله الها انا كفيناك المستهزئين بك وبما جئت به. وهذا وعد من الله لرسوله الا يضره المستهزئون. وان الله اياهم بما شاء من انواع العقوبة. وقد فعل تعالى فانهما تظاهر احد بالاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم ما جاء به الا اهلكه الله وقتله شر قتلة. ثم ذكر وصفهم وانهم كما يؤذونك يا رسول الله فانهم ايضا يؤذون الله ويجعلون معه الها اخر وهو ربهم وخالقهم ومدبرهم. فسوف يعلمون افعالهم اذا وردوا القيامة. بما يقولون لك من التكذيب والاستهزاء. فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب. والتعجيل لهم بما يستحقون. ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم فانت يا محمد فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. اي اكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة. فان ذلك يوسع الصدر ويشرحه. ويعينك على امورك اي الموت ايستمر في جميع الاوقات على التقرب الى الله