فلم يزل محببا له الخير فعالا له متنزها عن جميع الشرور حتى فاجأته الرسالة والوحي من الله تعالى ورحم الله به الخلق فجاءهم برسالة عظيمة عامة فيها صلاح البشر كلهم وسعادتهم وجاءهم بكتاب كريم لم يطرق العالم كتاب اعظم منه ولا اجل ولا اجمع لكل خير ولا اغزر علما منه واخبرهم بامور عظيمة وتفاصيل جمة لم يكن في قومه من كان يعرفها فلا يوجد علم صحيح ولا عمل ظاهر ولا باطن الا وقد هدى الخلق اليه وارشدهم اليه فهذه جمل مختصرة تدل على رسالته صلى الله عليه وسلم وصحة دينه وانه الدين الحق الذي لا يصلح البشر غيره المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله نبذة من اخلاقه واوصافه صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الدالة على انه رسول الله حقا وان ما جاء به من الدين هو الحق على وجه الايجاز قال الله تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال تعالى وانك لعلى خلق عظيم ومن نظر الى سيرته صلى الله عليه وسلم في مبدأ امره ومنتهاه وبين ذلك وتطورات احواله وما حصل بذلك من الاحوال والانقلاب العجيب في العقائد والاخلاق والاداب والتشريع العادل الرحيم والخير والرحمة مما لم يعهد له نظير في تاريخ البشر وبعد ما كانت الارض مملوءة من الشرك والوثنية المستولية على عقول اكثر الخلق والالحاد والظلم والشر والفساد وسفك الدماء وقطيعة الارحام والمعاملات السيئة بكل وجوهها استبدلت باضدادها من عبادة الله وحده لا شريك له واخلاص الدين لله والقيام بعبوديته التي خلق لها الخلق وبالقسط والعدل في جميع الحقوق وبصلة الارحام والاحسان الى جميع طبقات الخلق عرف ان هذا من اكبر براهين رسالته صلى الله عليه وسلم وكمال دينه وشريعته وانه اعظم مرشد ومصلح للبشر على الاطلاق فقد كان صلى الله عليه وسلم معروفا بين قومه بشرف النسب وان بيته اعظم بيوت العرب وخيرها وكان معروفا بين قومه قبل بعثته بالصدق الكامل والامانة التامة والبر والعدل ومكارم الاخلاق متربيا على الاخلاق الجميلة متنزها عن الاخلاق الرذيلة لا يعرف له شيء يعاب به لا قليل ولا كثير ولا جرب عليه كذبة واحدة ولا خيانة ولا ميل في شيء من اقواله وافعاله وكان نقي القلب ناصحا للقريب والبعيد وصولا للارحام موفيا بالعهد والذمام حاملا للكل معينا على نوائب الحق متواضعا لله ولعباد الله حليما صبورا عفوا محسنا. كامل العقل والرأي حازما مسددا موفقا في حركاته وسكناته مع انه قد نشأ مع امة امية لا تعرف الكتب ولا تدرس الشرائع وهو في نفسه لا يقرأ ولا يكتب وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك ولا في الارض احد عنده علم صحيح ينافيها وينكرها واعلن بهذه الرسالة غاية الاعلان لعلمه اليقيني الذي لا ريب فيه انها الحق واعتماده على الحق ووثوقه بوعد الله بالظهور مع كثرة الاعداء وتوفر المعارضين من اهل الكتاب والاميين وغيرهم فبادأهم وصرح لهم بانكار ما هم عليه من الشرك والشرور والاخلاق الرذيلة وان شريعته نسخت جميع الكتب وهيمنت على كل الشرائع السابقة فرماه الجميع بقوس العداوة وجدوا واجتهدوا في رد ما جاء به ونصر باطلهم وتحدى قاصيهم ودانيهم واولهم واخرهم ان يأتوا بمثل هذا القرآن فما استطاعوا ذلك ولا قدروا على رد شيء من دينه مع انهم مكروا مكرا كبارا واتوا بكل وسيلة وحيلة فرجعوا منهزمين امام الحق خائبين والمنصف منهم لم يجد بدا من الاعتراف والجاحد المعاند المكابر طفق ينصر باطله فلم يبد حجة ولا برهانا بل ولا شبهة يتكئ عليها ومن اكبر ادلة الحق معرفة ما قاله اعداءه ومعرفة حججهم التي لا تغني من الحق شيئا وجاء صلى الله عليه وسلم للخلق وحده لم يكن له في اول الامر اعوان ولا انصار الا الحق الذي هو نعم العون على الامور كلها فلم يزل يتبعه الواحد بعد الواحد من اولي البصائر والالباب والعقول الرزينة على شدة عظيمة ومقاومات من الاعداء عنيفة فلم تزعجهم الكوارث ولا عوقهم عن قبول الحق خوف ولا ضغط من الاعداء واعداؤه هم اهل الرياسة ولهم السيطرة فعادوه وعادوا اتباعه واذوهم اشد الاذية وحرصوا على صرفهم عن دينهم ولم يكن لهم بذلك طاقة ولا اقتدار لان ايمانهم صحيح ويقينهم تام لم يؤمنوا لرغبة بذلها الرسول ولا رهبة وانما الرغبة والرهبة في ذلك الوقت عند اعدائه ولكن هو الايمان الحق متى وقر في القلوب لم يرتد عنه صاحبه سخطة له بل يراه احب الاشياء اليه والذها لقلبه واعظمها فوزا وسعادة فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعو الى هذا الدين بعزم صادق وهمة لا تني ولا تضعف ويقين وثقة بوعد الله مع قوة المعارضات وشدة المقاومات من جميع الاعداء ويتتبع العرب في مواسم الحج وغيره في منازلهم يدعوهم الى الله والى دينه والمتبع له اذ ذاك افراد من الموفقين اولي البصائر واكثرهم معرضون ومعارضون مقاومون وهو صامد لامر الله مصمم على الدعوة لعباد الله مستقيم على اكمل طريق. من الصدق والعدل والوفاء بالعهد. لا يتزعزع عن الاستقامة والاخلاق الفاضلة والنصح والقوة في امر الله والشجاعة التي لا نظير لها في الاولين والاخرين مع اختلاف الاحوال عليه من خوف وامن وفقر وغنى ويسر وعسر وضيق وسعة فدخل الناس في دين الله افواجا وانتشر الاسلام في مكة مع الضغط العظيم وانتشر في المدينة اكثر من ذلك فاذن لاصحابه في الهجرة الى المدينة ليتمكنوا من اقامة دينهم فجعلوا يهاجرون اليها افرادا وجماعات وفي ذلك الوقت عقد الرؤساء من قومه المجالس المتعددة للايقاع به واطفاء النور الذي جاء به ومكر المكرات العظيمة والله يكلؤه ويحفظه وحين بلغ الامر اشده وعزموا على الايقاع والفتك به ورتبوا امرهم واجمعوا كيدهم اذن الله له بالهجرة فخرج في تلك الحال الحرجة الى الغار هو وابو بكر مختفيين وبوعد الله واثقين واشتد الطلب وعز التخلص والهرب. ولكن لطف الله ونصر الله فوق مكر الماكرين قال تعالى واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها الاية وهذا النصر من اكبر الايات والبراهين على عناية الله به وحفظه اياه ووعده الصادق بتمام امره ودينه ثم هاجر الى المدينة وعناية الله تصحبه وحفظه وتوفيقه يرافقه فتلقاه المسلمون وكل قبيلة من قبائل الانصار تدعوه الى النزول عندها وتقول هلم يا رسول الله الى العدد والعدة فاختار الله له ذلك المنزل الذي بركت فيه ناقته ليكون مسجدا له ومساكن لنسائه فاختط مسجده هناك وعمل فيه مع المسلمين وبنى مساكن زوجاته بجواره وسر المسلمون بقدومه ولم يزل الله يشرع له الشرائع الكبار شريعة بعد اخرى بحسب المناسبات ثم اذن له في القتال لما اشتدت مقاومات الاعداء بكل طريق فلم يزل معهم يدال عليهم ويدالون عليه حتى صارت له العاقبة والنصر عليهم ودخل الناس في دين الله افواجا حين شاهدوا انوار الاسلام وهداية القرآن وارشادات الدين وكان دينه الحق وما جاء به من اكبر الاسباب لدخول الخلق في الدين فانه يدعوهم بنفس الحق الذي جاء به والذي تنقاد له القلوب السليمة والعقول الصحيحة وتلين له الصعاب. ويختاره اولو البصائر والالباب الرزينة والاراء الصائبة لما يرون من اصلاحه العقائد والاخلاق والاعمال كلها ودعوته للصلاح المطلق بكل وجه واعتبار وهذا وجه ادخاله في الجهاد اذ هو اصله واساسه فان الغرض من الجهاد انقياد الخلق للحق ودخولهم في الدين الحق واكبر وسيلة لذلك معرفة ما جاء به الرسول والوقوف التام على حقائق الدين وما زال صلى الله عليه وسلم يدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وبكل طريق يوصل الى الهداية ويجادل المبطلين بالتي هي احسن حتى اكمل الله به الدين. واتم به النعمة على المؤمنين وجمع الله به امما متباينة وقلوبا متفرقة واهواء متشتتة واصلح الله به الظواهر والبواطن وكل امر فاسد وبعدما كانت الارض مملوءة من جميع اصناف الشرور محقها الحق الذي جاء به حتى امتلأت من الحق والعدل والرحمة والخير والنور فمحى الظلمات المتراكمة وحق الحق واضمحل الباطل وزهق ان الباطل كان زهوقا فمعرفة الاثار والمنافع العامة العظيمة التي حصلت لاهل الارض برسالته ودينه من اكبر البراهين الدالة على رسالته وصحة ما جاء به من الدين الحق الذي لا يقبل الله من احد دينا سواه وهو دين جميع الرسل واتباعهم فهو الدين الذي اخباره في اعلى درجات الصدق وهو الذي ما امر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به بل لو اجتمعت عقول الحكماء وسائر العقلاء على اقتراح دين احسن منه واصلح وانفع للعباد لعجزت افكارهم عن ان تصل الى ما يقاربه واكمل الناس عقلا من حصلت له به الهداية والرشاد فانه تنزيل من حكيم حميد ولهذا سمى الله ما انزل على رسوله هدى ورحمة ونورا وحكمة ورشدا وحث فيه على كل اصلاح في اصوله وفروعه وارشد الى المنافع الدينية والدنيوية ثم انك اذا تأملت احوال النبي صلى الله عليه وسلم وتنقلاته في دعوة الخلق ومعاملاتهم من اوليائه واعدائه رأيت فيها الهدى الكامل والنصح التام ورأيت اثار دعوته ملأت قلوب المسلمين علما ويقينا ومعارف ربانية واهتدوا بها الى كل خلق جميل وتنزهوا عن كل خلق رذيل فكما كانت اثار رسالته في نفسه اكمل الاثار فتجمعت فيه اصناف الفضائل والكمالات على اكمل وجه وصار بذلك اكمل البشر في كل الامور مطلقا فكذلك كانت اثار رسالته في اصحابه وامته اكمل الاثار وافضلها واجلها فلم يصل احد من الامم الى ما وصل اليه اصحابه. وائمة الهدى من امته وطبقات اهل العلم والايمان من المعاني هذه في الصحيحة والعلوم النافعة والمعارف الربانية والايمان الصحيح واليقين الكامل والقيام بحقوق الله وحقوق خلقه والرحمة بالخلق والاحسان والعدل وهذا من براهين صدقه وصحة ما جاء به وكذلك من براهين رسالته انه في هذه المدة القصيرة مكنه الله وبارك في عمره الشريف حتى اسس هذا الدين الذي هو اكمل الاديان واعمها واهداها للخلق فقرر اصوله وفروعه وحصل به صلاح الدين وصلاح الدنيا وصار المثل الاعلى والقدوة للخلق فيما يأتون وما يذرون وما يقولون وما يفعلون ان حققت العقائد الصحيحة والاخلاق الرجيحة النافعة المصلحة للقلوب جعل الميزان فيها عقيدته واخلاقه وان فصلت علوم الشريعة على سعتها وتنوعها كانت كلها مأخوذة من شريعته وتعليمه وان اريد الوصول الى علم السياسة وفنون الحرب والسلم ومعاملة الاعداء من جميع الوجوه كان المدار فيها على هديه وعمله وارشاده وان طلب علم الولايات كلها صغارها وكبارها من الامامة العظمى الى ولاية الانسان على عائلته واهل بيته لم يوجد اكمل من طريقته فيها وان حصل البحث في احوال القلوب ووسائل اصلاحها ودائها ودوائها لم يكن لذلك سبيل الا بسلوك التي ارشد اليها وانه لا دين الا دينه ولا طريق الا طريقه ولا تصلح الامور كلها الا باتباعه والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا قال ذلك وكتبه الفقير الى الله في كل احواله عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين امين ببلدة عنيزة من الديار النجدية في العشرين من رمضان عام سبعة وستين وثلاثمائة والف